الأحاديث المعلة في الصلاة [30]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنكمل شيئاً مما يتعلق بالأحاديث المعلة في الصلاة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللأئمة النقد فيها كلام.

الحديث الأول: حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد )، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في كتابه المسند، وأبو داود ، والنسائي و ابن ماجه ، والدارقطني و البيهقي من حديث أبي خالد الأحمر متفرداً به عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث أنكره غير واحد من العلماء على أبي خالد الأحمر ، ومن العلماء من يحمل ابن عجلان الزيادة في هذا الحديث في قوله: ( وإذا قرأ فأنصتوا )، وذلك أنها قد اشتهرت من طريق أبي خالد الأحمر في روايته عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الزيادة قد توبع عليها أبو خالد الأحمر تابعه على ذلك محمد بن ميسر كما رواه الإمام أحمد في كتابه المسند، وتابعه عليه محمد بن سعد الأنصاري كما جاء عند النسائي في كتابه السنن، وتابعه على ذلك أيضاً إسماعيل بن أبان ، فتابعوه جميعاً عن محمد بن عجلان وذكروا هذه الزيادة.

ولهذا قد اختلف كلام العلماء عليهم رحمة الله في هذه الزيادة، مع أن عامة الحفاظ على إنكارها، وذلك أنها لم ترد في سائر الطرق، وهذه الزيادة زيادة منكرة، وذلك من وجوه:

الأول: أن الحديث قد جاء عن أبي هريرة عليه رضوان الله يرويه عنه جماعة فلم يذكروا هذه الزيادة، جاء من حديث أبي صالح يرويه عنه ابنه سهيل ، يرويه سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة ولم يذكر هذه الزيادة، وكذلك أيضاً رواه همام عن أبي هريرة ولم يذكر هذه الزيادة، ورواه أيضاً أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر هذه الزيادة.

وكذلك أيضاً قد رواه جماعة عن محمد بن عجلان ولم يذكروا ما تفرد به أبو خالد الأحمر ، وأما المتابعات التي توبع بها أبو خالد الأحمر في روايته لهذا الحديث فهي متابعات ليست بمحفوظة، وذلك أن الرواة الذين تابعوا أبا خالد الأحمر في روايته عن محمد بن عجلان لا يخلون من كلام.

الثاني: أن هذا الحديث قد أخرجه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة ومن حديث أنس بن مالك ، ومن حديث عائشة ولم يذكروا هذه الزيادة في وجه من الوجوه إلا ما جاء في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى في بعض الطرق، ولهذا نقول: إن هذه الزيادة زيادة منكرة، ويكفي في ذلك أن البخاري رحمه الله قد تنكب هذه الزيادة ولم يخرجها.

وإنما الخلاف عند الحفاظ عليهم رحمة الله من يتحمل الخطأ في هذه الزيادة، منهم من حملها أبا خالد الأحمر وهم الأكثر، نص على هذا البخاري رحمه الله كما في كتابه جزء القراءة خلف الإمام، وكذلك أيضاً في الكنى، فإنه لما ذكر ذلك قال: لا تصح، وذكر ذلك أيضاً كما جاء في جزئه أيضاً أنه قال: لم يتابع عليها أبو خالد الأحمر يعني: أنه قد تفرد بذلك، وكذلك أيضاً أبو داود رحمه الله في كتابه السنن فإنه لما أخرج هذا الحديث بهذه الزيادة قال: هذه الزيادة ليست بمحفوظة تفرد بها أبو خالد الأحمر ، وكذلك أيضاً الدارقطني و البيهقي وغيرهم من أئمة النقد، وهذا أيضاً ما جزم به يحيى بن معين وكذلك أبو حاتم كما نقله عنه ابنه كما في كتابه العلل، فكلهم ينكرون هذه الزيادة ويردونها.

وينسب إلى الإمام أحمد عليه رحمة الله القول بصحة هذه الزيادة في حديث أبي هريرة ، ولكن نقول: إن الصريح عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى في ذلك معلوم، وإنما هو احتمال يفهمه بعض الأئمة من قوله في حديث أبي موسى الذي يأتي الكلام عليه بإذن الله تعالى.

الثالث: أن هذه الزيادة جاءت من راو في طبقة متأخرة، وذلك أن أبا خالد الأحمر في طبقة متأخرة وهو من أصحاب ابن عجلان ، ولهذا نقول: إن أبا خالد الأحمر يروي هذا الحديث عن محمد بن عجلان و ابن عجلان يرويه عن زيد بن أسلم و زيد بن أسلم يرويه عن أبي صالح و أبو صالح يرويه عن أبي هريرة ، وكلما تأخرت طبقة الراوي فإنه يشدد في مفاريده ويتهم بالمخالفة.

ومن الأئمة من يحمل ابن عجلان وهذا ظاهر صنيع بعض الأئمة، وقد أشار إلى هذا البيهقي رحمه الله كما في كتابه السنن، ولعل الذي حمله على ذلك أن أبا خالد الأحمر رواه معه يعني: هذه الزيادة غير واحد، وذلك أن ابن عجلان يختلط في بعض حديثه ويغلط.

فهذه الزيادة زيادة منكرة، ويكفي في ذلك تنكب البخاري رحمه الله من إخراجه لها في كتابه الصحيح، وقد أورد المتابعات في ذلك في جزئه مما يدل على ردها، مع أن البخاري رحمه الله أيضاً يرى القراءة خلف الإمام ولو في السكتات، ومع ذلك تنكب مثل هذه الزيادة وهي مما يؤيد مذهب البخاري رحمه الله، ومع ذلك قال بإعلالها وردها، وهذا هو الأظهر.

وجماهير العلماء لا يقولون بخلافها، وهذا ظاهر صنيع الإمام مالك رحمه الله، فإنه يقول: إن الإنسان إذا كان خلف الإمام لا يقرأ، وكذلك الإمام أحمد عليه رحمة الله، وكذلك الإمام الشافعي في قوله القديم في العراق، فإنه يقول: أن المأموم إذا كان خلف الإمام في صلاة جهرية فإنه لا يقرأ، وأما في مصر فله في ذلك قولان: قول يوافق قوله في العراق، وقول يقول بوجوب القراءة ولو قرأ في السكتات.

والأرجح في ذلك هو أنه لا يقرأ، وذلك لعموم قول الله جل وعلا: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204]، وقد جاء تفسير ذلك أنه القراءة في الصلاة، كما جاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله كما رواه سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن ذلك فقال: في الصلاة، وقيل له: هي لكل قارئ قال: لا، إنما هي في الصلاة.

وكذلك أيضاً جاء عن مجاهد بن جبر كما رواه ابن أبي نجيب عن مجاهد بن جبر أنه قال: هي في الصلاة، يعني: أن الإنسان ينصت عن القراءة إذا كان الإمام يقرأ، وذلك أن الحكمة من قراءة الإمام ليستمع المأموم لا أن يقرأ على قراءته.

الحديث الثاني: حديث جابر بن عبد الله عليه رضوان الله أنه قال: ( إذا صلى الرجل ركعةً لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلا صلاة له إلا إن كان وراء إمام )، وهذا الحديث يرويه يحيى بن سلام عن مالك بن أنس صاحب الموطأ عن أبي نعيم عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله ، فرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك منكر، وذلك أنه قد تفرد برفعه يحيى بن سلام في روايته عن مالك بن أنس ، وخالفه في ذلك محمد بن إبراهيم العبدي عن مالك بن أنس به، وجعله موقوفاً على جابر بن عبد الله وهذا هو الصواب.

وذلك أن الرفع لو كان عند الإمام مالك رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تركه خاصة أصحابه، فإن الإمام مالك رحمه الله لا شك أنه إمام أهل المدينة في السنة والأثر، وأصحابه وأهل الآفاق لا يدعون مثل هذا الحديث لو كان عند الإمام مالك مرفوعاً، وتفرد مثل يحيى بن سلام بروايته عن مالك بن أنس وهو ممن لا يحتج به دليل على نكارته، ولو كان أيضاً من الرواة المتوسطين الذين يروون عن الإمام مالك لعد ذلك منكراً، فكيف وهو مطروح! ولهذا يقول البيهقي رحمه الله: هذا الحديث تفرد به يحيى بن سلام عن مالك عن أبي نعيم عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحل روايته للاحتجاج به، وهذا إشارة إلى نكرانه وكذلك أيضاً اطراحه.

من القرائن المهمة التي ينبغي أن يلتفت إليها في أبواب العلل: هي أن الإسناد إذا كان فيه إمام جليل القدر فينظر إلى من يرويه عنه، فيطلب أعلى طبقة من تلاميذه إذا كان المتن قوياً.

كذلك أيضاً ينظر في ذلك إلى مذهبه إذا كان فقيهاً، فإذا كان فقيهاً فإن الذي يسعفه في ذلك رواية المرفوع وليس الموقوف، فهو أدعى إلى روايته وأولى بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واكتفاء الثقات برواية الموقوف عنه المؤيد لمذهبه دليل على أن المرفوع لا يثبت عنده، وهذا من قرائن إعلال هذا الحديث ونكرانه مرفوعاً.

أما عن جابر بن عبد الله عليه رضوان الله فهو صحيح، فمذهب جابر بن عبد الله أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية، وهذا مذهب جابر بن عبد الله و عبد الله بن عمر و عبد الله بن مسعود عليهم رضوان الله، وهذا هو المشهور أيضاً عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً المشهور في عمل أهل المدينة وهو قول الإمام مالك وجمهور الفقهاء، وكذلك أيضاً الإمام أحمد و إسحاق ، والإمام الشافعي رحمه الله في العراق، ويخالف في ذلك الإمام الشافعي في أحد قوليه في مصر ويميل أيضاً الأوزاعي إلى القول بالقراءة في كل حين.

وأما كيف السبيل إلى معرفة طبقات أصحاب الإمام، الطبقة العليا والدنيا وما دونها، والضعيفة؟

نقول: إن معرفة الطبقات التي تختص بالراوي أو لا تختص به لها سبل متعددة، منها:

الأول: السبر أن يكون الناقل صاحب سبر لهذه المرويات، بالإكثار بالنظر إلى الأسانيد ومعرفتها، فيعرف أن هذا الراوي له أحاديث كثيرة بالرواية عنه، وأكثر أحاديثه يرويها عنه فلان، فإذا كان كثير الاستحضار للمرويات التي يرويها عن ذلك الإمام فإنه يعلم أنه من أهل الاختصاص، ويعرف أيضاً هذه الكثرة هل هي مقبولة أو ليست بمقبولة وذلك باعتماد الأئمة عليها، وذلك بإخراج البخاري لها وكذلك الإمام مسلم واعتماد أهل الأصول بالرواية لها.

الثاني: أن يعرف ذلك بكلام الأئمة في تراجمهم على الرواة يتكلمون على أخص أصحابه فيقولون: أوثق الناس في فلان فلان، وهذا دليل على أنه في مرتبة عليا من أصحابه.

الثالث: إدامة النظر في كتب العلل التي تعتني بترجيح المرويات عند الاختلاف، كالعلل للدارقطني ، والعلل لـابن أبي حاتم ، والجرح والتعديل أيضاً لـابن أبي حاتم ، والتاريخ للبخاري ، والكامل لـابن عدي وغيرها التي يكون فيها ترجيح لبعض الوجوه عند الاختلاف، ترجيح إحدى الوجهين عند إمام من الأئمة على وجه آخر دليل على أن الذي رجح هو أولى من غيره.

الرابع: معرفة أهل بلده من غيره، وذلك أن أهل البلد في الغالب يكونون أهل اختصاص وقرب من ذلك الراوي، ولهذا تجد مثلاً نافعاً أقرب الناس إليه من بلده مالك ، كذلك أيضاً الزهري من أهل المدينة أقرب الناس إليه أهل بلده، وكذلك أيضاً بالنسبة لأهل مكة مثلاً كـعطاء أقرب الناس إليه ابن جريج وأضراب هؤلاء، كذلك أيضاً ما يتعلق بأهل الكوفة وذلك مثلاً كـعلقمة والأسود وغيرهم أقرب الناس إليهم إبراهيم النخعي من أهل البلد، ولهذا كلما كان الإنسان بصيراً بمعرفة أهل البلد ومعرفة أيضاً أهل الآفاق فإنه يستطيع أن يرجح مروياً على غيره، وذلك بمعرفة أقرب الناس إليه داراً، وذلك أن قرب الدار ليس مرجحاً في ذاته فربما يكون بلدي ضعيفاً، ولكن الأئمة يقولون بترجيحه من وجه وهو المداومة لأنه جليس له ومكثر، وقد يترجح الآفاقي على صاحب البلد، وذلك إذا كان من الحفاظ الضابطين.

الخامس: معرفة مسالك العلماء في تمييز طبقات الرواة وغيرها، وثمة كتب ميسرة في هذا، منها: معرفة الرواة المكثرين الذين يروون مثلاً عن راوٍ بعينه ويشتهرون، ومنها أن يرجع الإنسان إلى كتب الأطراف، كتحفة الأشراف، وإتحاف المهرة، وغيرها التي تعتني بجمع الأطراف في موضع واحد، وذلك أنهم يصدرون في الغالب أشهر المرويات في الإسناد، فيوردون مثلاً أحاديث عبد الله بن عمر ويوردون في الطبقة الأولى حديث نافع ، ثم يوردون في حديث نافع حديث مالك ثم بعد ذلك من يتابع مالك ممن دونه، ثم يأتون أيضاً ممن دون نافع ويبدءون كذلك بالرواية عنه وبالطبقة الأولى كـسالم أول ما يوردون معه مالك وهكذا.

فهذا مما يعين طالب العلم بمعرفة الرواة المشهورين عن غيرهم، وكذلك الذين هم أكثر لصوقاً واحتكاكاً ومجالسةً لذلك العالم.

الحديث الثالث: حديث جابر بن عبد الله عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة )، هذا الحديث أخرجه الدارقطني في كتابه السنن من حديث الحسن بن صالح بن حي عن ليث بن أبي سليم و جابر عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و جابر هنا جابر بن زيد.

وهذا الحديث حديث ضعيف وذلك أنه تفرد به ضعيفان يرويانه عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ولا متابع لهما مما يعتضد به، ولهذا يقول البيهقي رحمه الله في كتابه السنن: ومن تابعهما فهو أضعف منهما.

ومسألة المتابعة وقبول رواية الراوي إذا روى حديثاً فتابعه راو آخر، ينبغي أن يكون ضعف الأول ليس بشديد حتى ينظر في الثاني، وإذا كان ضعف الأول شديداً فإنه لا ينظر في مرتبة ضعف الثاني، ولهذا نقول: إن شديد الضعف يرد به الحديث ووجوده كعدمه، وينظر إلى الحديث الثاني مستقلاً منفرداً عن اقترانه بالأول.

وكذلك أيضاً من قرائن ضعف الحديث في باب المتابعة: أن يجمع في إسناد واحد حديث راويين ضعيفين وذلك كما في هذا الحديث يقول: عن ليث و جابر، فما لفظهما؟ تمييز هذين الراويين في حديثهما عن بعضهما هذا فيه صعوبة فهل اتفقا في اللفظ أم رويا في المعنى، وهذا لفظ من؟ والغالب أن الرواة الضعفاء لا يتفقون في اللفظ عند المتابعة، فربما كان اختلاف اللفظ أمارة على ضعف الطريقين، ولهذا نستطيع أن نقول: إن المتابعة في الجمع والتفريق على حالين: متابعة مجموعة بإسناد واحد وهذه أقل مرتبةً من الثانية، والثانية: متابعة متفرقة يعني: بإسنادين، فالمتابعة التي تأتي بإسناد واحد أضعف من المتابعة التي تأتي بإسنادين وذلك لتمايز اللفظين.

كذلك أيضاً فإن الذي يأتي بإسنادين في الغالب أن الذي يروي عنهما ليس بواحد، مما يدل على تعيين وجه الخلل في الحديث، وهنا في هذا الحديث يظهر في ذلك أنها جمعت بإسناد واحد، وهي متابعة ليث و جابر والذي يروي عنهما في ذلك واحد وهو الحسن بن صالح بن حي ، فالحديث حديث منكر لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحديث الرابع: حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة )، هذا الحديث يرويه سويد بن سعيد عن علي بن مسفر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتفرد به سويد بن سعيد عن علي بن مسفر عن عبيد الله ، خالفه في ذلك ابن نمير يرويه عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه وهو الصواب، و سويد بن سعيد لا يحتج به.

وجاء هذا الحديث من وجه آخر يرويه خارجة بن مصعب عن نافع عن عبد الله بن عمر مرفوعاً، ورواية خارجة بن مصعب لهذا الحديث تفرد بها وهي منكرة، وخارجة بن مصعب لا يحتج به، خالفه في ذلك الإمام مالك رحمه الله كما في كتابه الموطأ، وجعله موقوفاً، وأنكر رفع هذا الحديث الحفاظ كـالدارقطني و الحاكم و البيهقي وغيرهم، ويكفي في ذلك أنه اجتمع أوثق أصحاب نافع في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه، وهم الإمام مالك و عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه وهو الصواب.

وكذلك أيضاً من القرائن في الترجيح: أن العمدة عند الاختلاف على مالك ما يذكره مالك في الموطأ، وما ذكره الإمام مالك رحمه الله في ذلك هو الأثر الموقوف على عبد الله بن عمر ولم يسنده ويجعله مرفوعاً.

وكذلك أيضاً من القرائن: أن هذا الحديث لو كان مرفوعاً عند الإمام مالك لما تركه خاصة أصحابه، ولم يتفرد به مثل سويد بن سعيد عن علي بن مسفر عن عبيد الله ، وكذلك أيضاً فإنه لـعبيد الله من الأصحاب الثقات ما يروون ويضبطون حديثه ممن هم أجل من علي بن مسفر في روايته لهذا الحديث، ولهذا نقول: إن الصواب في هذا الحديث: إنه موقوف، وأما الرفع فمنكر.

الحديث الخامس: حديث أبي موسى الأشعري عليه رضوان الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا )، هذا الحديث مشابه لحديث أبي هريرة الذي تقدم، وقد أخرجه أبو يعلى في كتابه المسند، والدارقطني ، والبيهقي وغيرهم، يروونه من حديث جرير عن سليمان التيمي عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وزيادة: ( وإذا قرأ فأنصتوا )، زيادة منكرة، وقع فيها اختلاف، وذلك أنه يرويها سليمان التيمي عن قتادة ، وعامة الحفاظ على نكران هذه الزيادة، أنكرها البخاري رحمه الله كما في جزئه، وكذلك أبو داود ، و الدارقطني ، وأبو مسعود الدمشقي وغيرهم من الأئمة. وذلك من وجوه:

الأول: أن هذا الحديث يرويه أوثق أصحاب قتادة ولا يذكرون فيه: ( وإذا قرأ فأنصتوا )، وذلك كـشعبة بن الحجاج ، و هشام الدستوائي ، و سعيد بن أبي عروبة ، و أبان ، وغيرهم يروونه عن قتادة عن يونس بن جبير ولا يذكرون: ( وإذا قرأ فأنصتوا )، فدل على أن تفرد التيمي بها عن قتادة أنه مما يؤاخذ به عادةً.

الثاني: أن التفرد بمثل هذه الزيادة جاء في طبقة متأخرة، وذلك أنه يرويه سليمان التيمي عن قتادة ويرويه قتادة عن يونس بن جبير ويرويه يونس بن جبير عن حطان ويرويه حطان عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه إذا لم توجد في طبقة من الطبقات ولم يروه الثقات الكبار من أصحاب قتادة فهذا أمارة على نكارتها.

ولكن ما ذكره الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح لما سئل عن هذه الزيادة قال: هو عندي صحيح، قيل: لم لم تضعه في الكتاب؟ قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته فيه، وإنما وضعت ما أجمعوا عليه.

وكذلك أيضاً ما ذكره الأثرم عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن هذا الحديث سؤالاً ففهم منه بعض الأئمة أنه يقول بصحتها، وذلك أن الإمام أحمد رحمه الله سئل عن حديث: ( وإذا قرأ فأنصتوا )، قال: يرويه التيمي عن قتادة ، ويرويه عن التيمي جرير ، قيل للإمام أحمد : زعموا أنه يرويه المعتمر بن سليمان يعني: يتابع فيه جريراً قال: نعم، وماذا تريد؟ يعني: كأنه يقول: أن هذا مفروغ منه، يعني: كأنك تبحث عن علة غير موجودة، فهم ابن عبد البر رحمه الله من كلام الإمام أحمد هذا أنه يقول بصحة هذه الزيادة، ولهذا يقول: صححها الإمام أحمد .

كذلك أيضاً ما جاء في كلام الإمام مسلم رحمه الله في قوله: هو عندي صحيح لما ذكر هذه اللفظة، من العلماء من قال: إن الإمام مسلماً رحمه الله يرى تصحيحها، ومنهم من يقول: إنه لا يرى تصحيحها، وأما ذكر الإمام مسلم رحمه الله لقوله: هو عندي صحيح المراد بذلك: أصل مخرج الحديث لا اللفظة بذاتها، كأنه يشير إلى هذا أبو مسعود الدمشقي يقول: إن الإمام مسلماً يقول بخطأ هذه الزيادة، وكأنه يوهم ويغلط من قال إن الإمام مسلماً رحمه الله يقول بصحتها، وأما بالنسبة لكلام الإمام أحمد رحمه الله في صحتها فإنه لا يظهر لي صريحاً، وذلك أن عادة الإمام أحمد رحمه الله في تقويته لمثل الأحاديث المشتبهة هو الجزم والقطع والوضوح، وكذلك نقل خاصة أصحابه له بمثل هذا.

والإمام البخاري رحمه الله يعل هذه الزيادة، وأبو داود في كتابه السنن وهو ممن يتأثر بالإمام أحمد رحمه الله في أبواب العلل ومع ذلك يقول بنكران هذه الزيادة في كتابه السنن، ويعلها الدارقطني ، والبيهقي و الحاكم وغيرهم من الأئمة يقولون بنكران هذه الزيادة، ومن الأئمة من يجزم بأن الإمام مسلماً رحمه الله يقول بصحتها ومنهم النووي عليه رحمة الله، ويقدم قول الأئمة وإجماعهم على تفرد الإمام مسلم بتصحيحها.

ولكن ينبغي أن نشير إلى أن الإمام مسلماً ذكر هذه الزيادة في المتابعات وليس في الأصول، وهذا أيضاً قرينة على أنه يميل إلى الإعلال، والأمر في ذلك محتمل، والذي أميل إليه أن هذه الزيادة ليست بمحفوظة وهي منكرة، ويجزم بذلك على ما تقدم البخاري رحمه الله، ويجري على قوله جماعة من الأئمة في مثل هذا.

الحديث السادس: حديث الزهري عن ابن أكيمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يصلي بالناس فلما انفتل من صلاته قال: ( أيقرأ أحد منكم القرآن؟ قالوا: نعم، قال: فإني أقول مالي أنازع القرآن، قال: فانتهى الناس عن القراءة إذ سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك )، هذا الحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ، والإمام أحمد في المسند، وأبو داود في السنن من حديث الزهري عن ابن أكيمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وظاهر الإسناد الصحة، وذلك أنه يرويه الزهري وهو إمام من أئمة المدينة بالرواية بل إمام من أئمة الدنيا في الرواية، ويرويه عن ابن أكيمة و ابن أكيمة أيضاً من الثقات، وكان سعيد بن المسيب مع قربه من أبي هريرة يجلسه ويسمع حديثه عن أبي هريرة عليه رضوان الله، وهذا أيضاً من قرائن تقديمه وترجيحه، يروي ذلك عن أبي هريرة. وإنما وقع الخلاف في قوله: ( فانتهى الناس عن القراءة بعد إذ سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم )، يعني: توقفوا عن القراءة خلف الإمام في الصلاة الجهرية، وعامة العلماء والجمهور يقولون: إن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري ليست من قول أبي هريرة ، وهذا قول البخاري رحمه الله كما في كتابه التاريخ، وقول يعقوب بن سفيان ، وقول الذهلي ، وقول الخطيب البغدادي ، وكذلك الخطابي ، وغيرهم من الأئمة على أن هذه الزيادة مدرجة.

ومن جوه الترجيح عندهم: أن الزهري من المعروفين بالإدراج فإنه يشرح اللفظ ويبينه، قالوا: وهذه قرينة على ترجيح الإدراج في هذا الحديث.

ومن العلماء من يقول بأن هذه الزيادة هي من قول أبي هريرة ولها في ذلك حكم الرفع، والذي يظهر والله أعلم أن هذه الزيادة زيادة مدرجة، وذلك لعادة الزهري عليه رحمة الله بشرح الألفاظ وبيان المعاني، وربما ينقلها بعض أصحابه عنه ولا يبينون.

ومن الأئمة من يقول: لو كانت مدرجة من كلام الزهري إلا أنه أخذ معناها من ابن أكيمة عن أبي هريرة ، وممن قال ذلك ابن تيمية رحمه الله، وذلك أنه يقول: إن الزهري هو فقيه وإمام المدينة أيضاً في الفقه، فإنه لا يأخذ مثل هذا المعنى إلا ولديه إسناد فيه، فإن هذا تحديث عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، فربما حكى ذلك عملاً وشهده من بعض كبار التابعين فنقلوه ولو من غير هذا الوجه.

ولهذا نقول: إن هذه الزيادة هي من قول الزهري هذا الذي أميل إليه وربما أقطع به، وأما بالنسبة هل أسندها في ذلك أو تحمل على رواية مسندة! نقول: حكمها في ذلك حكم المراسيل، وذلك أن الزهري رحمه الله معروف بالإرسال، وبالإدراج، وفي التوسع في بيان المعاني في ثنايا الحديث، ولهذا ربما أخرج البخاري رحمه الله له في كتابه الصحيح أحاديث طوال وفيها شيء من الألفاظ التي تتضمن ذلك الحديث، وهي من مدرجات الزهري ، ويكفي في هذا حديث عائشة الطويل في بدأ الوحي، وقد أدرج فيه جملة من الألفاظ التي هي من قوله لا من قول عائشة عليها رضوان الله، ولا من قول أيضاً من يروي عنها.

وأما مسألة القراءة خلف الإمام: ففي الصلاة السرية العلماء من السلف لا يكادون يختلفون أنه يجب على المأموم والإمام القراءة. وثمة قول يسير لبعض السلف أنهم يقولون: أن المأموم ليس عليه شيء سواءً كان في سرية أو في غيرها.

وأما بالنسبة للصلاة الجهرية فعامة السلف من الصحابة وأهل المدينة ومكة على أن الإنسان إذا كان في صلاة جهرية فإنه ينصت، وإنما يختلفون هل يقرأ في سكتات الإمام أم لا يقرأ، وجمهورهم على أنه لا يقرأ ما دام خلف الإمام، وأما بعضهم فيرى السكوت عند القراءة، والقراءة عند الإنصات، وأما إذا كان الإمام يقرأ والمأموم لا يسمعه لبعد مكانه أو لكثرة الناس، أو لضجيج في المسجد، أو الإمام لا يبين بارتفاع صوت ونحو ذلك، فيقولون بأن المأموم يقرأ في ذلك لانتفاء العلة التي أمر الله عز وجل لأجلها بالإنصات، والمترجح في هذا أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية، وأما بالنسبة للصلاة السرية فإنه يقرأ ومكلف في ذلك مأمور بالقراءة لا بالإنصات، لأن إنصاته في ذلك لا معنى له، وذلك لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وهي شاملة لكل مصلٍ سواءً كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً للذكر أو للأنثى، وإنما استثنينا الصلاة الجهرية لتظافر الأدلة في ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وهذا القول الذي ذكرته ورجحته هو الذي ذهب إليه جماعة من الصحابة وهو قول عبد الله بن مسعود ، و عبد الله بن عمر ، و جابر بن عبد الله عليهم رضوان الله تعالى، وهذا قول جماهير الفقهاء ويميل إليه جماعة من الأئمة من المحققين.

أسأل الله عز وجل لي ولكم التوفيق، والسداد، والإعانة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.