فتاوى نور على الدرب [97]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم متابعة الإمام بالمصحف أثناء قراءته في صلاة التراويح والقيام؟

الجواب: المشروع للمأموم أن ينصت لقراءة إمامه؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وإذا تابع إمامه بالنظر في المصحف فإذا كان لا يشغله عن الإنصات فإنه لا بأس به لما في ذلك من المصلحة، لا سيما إذا كان الإمام كثير الغلط والنسيان، وأما إذا كان يشغله عن الاستماع وربما يتوقف حينما يقع بصره على آية ليتأمل معناها ويكون الإمام قد استمر في قراءته فإن هذا لا ينبغي؛ لأنه يشغله عن الاستماع والإنصات الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

السؤال: إذا نسي الإنسان أثناء الوضوء ولم يتشهد هل يبطل وضوءه وكذلك إن لم يلتزم بالترتيب التام؟

الجواب: التشهد لا يكون في أثناء الوضوء كما هو ظاهر سؤال الأخ، وإنما التشهد بعد الفراغ من الوضوء، ومع هذا فالتشهد سنة فإن: ( من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)، فهو سنة وليس بواجب، وأما من نسي الترتيب فبدأ بغسل عضو قبل الآخر فإن ذلك موجب لبطلان وضوئه إذا كان متعمداً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أقبل على الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، ثم قال: ( أبدا بما بدأ الله به )، وفي رواية للنسائي : ( ابدءوا بما بدأ الله به )، بلفظ الأمر، وإذا قرأنا آيات الوضوء وجدنا أن الله تعالى بدأ بغسل الوجه ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين، وعلى هذا فيجب الترتيب بين هذه الأعضاء الأربعة على ما أمر الله تعالى به في كتابه، لكن إذا نسي الترتيب فلم يرتب، فقد اختلف أهل العلم: هل يصح وضوءه حينئذ أم لا؟ والأحوط والأولى أن يُعيد الوضوء فيما خالف ترتيبه، فمثلاً: إذا كان قد غسل وجهه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه نقول له: أعد مسح الرأس؛ لأنه وقع في غير محله ثم اغسل الرجلين، ولا حاجة إلى أن تعيد الوضوء من أوله؛ لأنك عندما تعيد ما حصل فيه مخالفة الترتيب، تعيد العضو الذي حصل فيه المخالفة وما بعده.

السؤال: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للترفيه مع العلم بأن الإنسان سيلتزم بزيه الإسلامي وواجباته؟

الجواب: لاشك أن السفر إلى بلاد الكفار خطر على الإنسان مهما كان في التقوى والالتزام والمحافظة، فهو إما مكروه أو محرم إلا لحاجة، والنزهة ليست بحاجة، ففي بلاد الإسلام ولله الحمد من المنتزهات الكثيرة ما هو كفيل بإشباع رغبة الإنسان على الوجه المباح، ولا حاجة به إلى بلاد الكفر، ثم إن النفس أمارة بالسوء قد تسول له نفسه أن يفعل ما لا يحل له شرعاً في تلك البلاد التي لا تحل حلالاً ولا تحرم حراماً، ثم إنه قد يألف ذلك سنة بعد سنة حتى يرغب في أولئك القوم ويحلو له ما يفعلون من عادات وغيرها ما هو مخالفة للشرع، وحينئذٍ يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه.

السؤال: ما الحكم الشرعي في سفر المرأة علماً بأن سوف يكون معها محرم حتى المطار الذي سوف تسافر منه ثم ينتظرها محرم في المطار الذي سوف تصل إليه وبالطبع المدة التي سوف تستغرقها بالطائرة بدون محرم مدتها ساعتان تقريباً، فهل يحل لها السفر أم لا؟

الجواب: لا يحل للمرأة أن تسافر بدون محرم، لا في الطائرة، ولا في السيارة، ولا في السفينة؛ لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم )، وهذا النهي يدل على أنه للتحريم، أن ذلك هو الأصل فيما نهى الله عنه ورسوله، ويدل عليه أيضاً أنه ورد هذا الحديث بمعناه ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر) فقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر) صريح في التحريم، وكونها تمضي إلى المطار بمحرم وينتظرها في المطار التي تقدم إليه محرم هذا لا يبرر سفرها بدونه -أي: بدون المحرم- لأنه من الجائز أن يكون للطائرة مانع يمنعها من الهبوط في المطار المنتظر هبوطها فيه فتطير إلى بلد آخر، ومن الجائز أن يعرض لمحرمها المُسْتَقْبل عارض يمنعه من الخروج أو على الأقل من الوصول إلى المطار قبل هبوط الطائرة، ومن الجائز أيضاً أن يُغرّب بالمرأة عند نزولها من الطائرة فُيْذَهب بها إلى غير ما تريد كما وقع، المهم أنه لا يجوز للمرأة في أي حال من الأحوال أن تسافر إلا ومعها ذو محرم لا في الطائرة ولا في السيارة ولا في السفينة.

السؤال: هل على المعتمر طواف وداع إذا ما بات في مكة أم هو فقط على الحجاج؟

الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من يقول: إن المعتمر ليس عليه طواف وداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب الناس عام حجة الوداع، فقال: ( لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )، فقد خاطبهم وهم في الحج ولم يخاطبهم بذلك في العمرة حينما اعتمروا عمرة القضية، فدل هذا على أنه لا يجب إلا في الحج فقط، وقال آخرون من أهل العلم: إن طواف الوداع يجب على الحاج والمعتمر؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )، وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكرها في عمرة القضية لا يمنع الوجوب؛ لأن هذا مما تجدد وجوبه فلم يجب إلا في حجة الوداع، وأيضاً فإن العمرة حج أصغر، يسمى حجاً على سبيل التغليب والمجاز؛ لأن فيها الطواف والسعي، وأيضاً يدل على الوجوب أن هذا الرجل دخل بعمرة فبدأ بطواف هو تحية القدوم فينبغي أن يختم بطواف وهو طواف الوداع، وأيضاً قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم العمرة بمنزلة الحج في وجوب الإحرام من الميقات لمن قصدها، فكذلك يجب أن تكون مثله -أي: مثل الحج- عند الخروج، وأيضاً فقد روى الترمذي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنده الحجاج بن أرطأة ( أنه أمر من حج أو اعتمر ألا يخرج حتى يطوف بالبيت )، وأيضاً فإن طواف الوداع للعمرة أحوط وأبرأ للذمة؛ لذلك نرى أنه يجب على المعتمر أن يطوف طواف الوداع إذا خرج إلا إذا كان قد خرج فور انتهائه من العمرة فإنه لا وداع عليه حينئذٍ؛ يعني: أنه قدم مكة معتمراً فطاف وسعى وحلق أو قصر ثم خرج فوراً، فهذا لا يجب عليه الوداع حينئذ؛ لأن الطواف بالبيت قد حصل، وقد ترجم على ذلك البخاري رحمه الله في صحيحه.

السؤال: إنني في بادية وعندما نذهب لصلاة المغرب أدخل قبل الوقت وأجلس ويبقى مجموعة من الإخوان خارج المسجد ويقولون: لا يصح أن ندخل المسجد إلا أن نصلي ركعتين والصلاة مكروهة في هذا الوقت، فهل تنصحونني بالبقاء خارج المسجد مع العلم أن الأخوة الذين هم خارج المسجد بعيدون كل البعد عن ذكر الله أم أدخل ولا حرج علي في ذلك؟

الجواب: ننصحك أنت وإخوانك أن تدخلوا المسجد ولو بعد العصر ولو عند غروب الشمس وأن تصلوا ركعتين تحية المسجد لا تجلسوا حتى تصلوهما؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، وهذا الحديث عام، فلم يخص النبي صلى الله عليه وسلم وقتاً دون وقت، ولم يقل: إلا إن دخلتم في الوقت الفلاني أو الوقت الفلاني، وإذا كان النبي عليه السلام قد قطع خطبته ليقول لمن دخل وهو يخطب ثم جلس: ( قم فصل ركعتين )، فقام فصلى ركعتين مع أن التشاغل عن الخطبة محرم، فإننا نقول أيضاً لكل من دخل المسجد في أي زمن وفي أي وقت: لا تجلس حتى تصلي ركعتين، فإن قال قائل: أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، قلنا: بلى، ولكنه لم يخص تحية المسجد وإنما عمم، وحديث تحية المسجد خاص: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، وإن قيل: إن بينهما عموماً وخصوصاً وجهياً كما هو معروف في أصول الفقه، فإننا نقول: نعم بينهما عموم وخصوص وجهي، لكن خصوص تحية المسجد العام في الوقت أقوى من عموم الصلاة الخاص في وقت النهي، بدليل أن الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في أوقات النهي خصصت بعدة أحوال مما يُضَعف عمومها، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما قال غيره أيضاً: إن العام المحفوظ الذي لم يدخله التخصيص مقدم على العام المخصوص الذي دخله التخصيص، ومن المعلوم عند أهل العلم أن أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي قد دخلها تخصيصات متعددة بخلاف الأمر بالصلاة المقرونة بسبب فإنه لم يدخلها تخصيص.

فنقول لجميع المستمعين وإن لم يرد في السؤال: الصواب أن جميع الصلوات التي لها سبب تفعل في أوقات النهي وليس عنها نهي؛ لأنها صلاة خصصت بسبب معين فتبعد الحكمة من النهي عن الصلاة في الأوقات المعينة.

السؤال: أرى كثيراً من الإخوة يلتفتون يميناً وشمالاً في الصلاة بصورة غريبة جداً، وبعضهم يأتي ثم يكبر قبل أن يقف في الصلاة، أي: يكبر ثم يمشي عدة خطوات، فبماذا تنصحون مثل هؤلاء الإخوة؟

الجواب: ننصح هؤلاء الإخوة بأن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الالتفات في الصلاة فقال: ( إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة)، وسئل عن الالتفات في الصلاة فقال: ( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)، أي: سرقة، فهل يرضى أحد من الناس أن يسرق عدوه شيئاً من عمل هو أفضل أعماله؟ لا يرضى أحد بذلك؛ ولهذا فإن الالتفات في الصلاة مكروه كراهة شديدة، وإذا كثَر حتى صار عبثاً وأخرج الصلاة عن موضوعها أبطل الصلاة، فننصحهم بأن يقوموا لله تعالى قانتين في صلاتهم كما أمرهم الله تبارك وتعالى به في قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فهذا هو نصيحتنا لهم من جهة الالتفات في الصلاة، أما من جهة التكبير قبل أن يدخلوا في الصف فإننا أيضاً ننصحهم بأن لا يفعلوا وليتأنوا حتى يقفوا في الصف ثم يكبروا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي بكرة وقد ركع قبل أن يصل إلى الصف ثم انتهى إليه، قال له صلى الله عليه وسلم: ( زادك الله حرصاً ولا تعد )، فنحن نقول لإخواننا هؤلاء: زادكم الله حرصاً ولا تعودوا بل انتظروا وأتوا إلى الصلاة بسكينة، فإذا وصلتم إلى الصف وصففتم مع المسلمين فكبروا، هذا هو المشروع لهم.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3341 استماع