فتاوى نور على الدرب [83]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هو وجه المقارنة بين الأحاديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداجٌ، فهي خداجٌ، فهي خداج غير تمام) .

وحديث: ( من كان له إمامٌ فقراءة الإمام له قراءة).

وحديث: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) نريد الجمع بينها؟

الجواب: فإن من المهم لطالب العلم خاصة أن يعرف الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض، ليتمرن على الجمع بين الأدلة، ويتبين له عدم المعارضة، لأن شريعة الله لا تتعارض، وكلام الله تبارك وتعالى وما صح عن رسوله لا يتعارض أيضاً، وما ذكره السائل من الأحاديث الأربعة التي قد يظهر منها التعارض فيما بينها فإن الجمع بينها -ولله الحمد- ممكنٌ متيسر، وذلك بأن نحمل الحديثين الأخيرين: ( من كان له إمامٌ فقراءة الإمام له قراءة) إن صح، فإن بعض أهل العلم ضعفه وقال: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مرسل، فإن هذا العموم: ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) يخصص بحديث الفاتحة: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) فتكون قراءة الإمام فيما عدا سورة الفاتحة له قراءة.

وكذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا قرأ فأنصتوا)، يحمل على ما عدا الفاتحة، ويقال: إذا قرأ في غير الفاتحة، وأنت قد قرأتها فأنصت له ولا تقرأ معه، لأن قراءة الإمام قراءةٌ لك، هذا هو الجمع بين الحديثين، والأخذ بالحديثين الأولين وهو: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)، و( كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) الأخذ بهما أحوط، لأن القارئ يكون قد أدى صلاته بيقين دون شك يقرأ الفاتحة، ولو كان الإمام يقرأ.

وفي السنن من حديث عبادة بن الصامت : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الصبح، فلما انصرف قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).

السؤال: هناك أهل قرية من إحدى قرى بني مالك الحجاز بمنطقة بجيلة، وأهل تلك القرية عندهم عادة دون غيرهم من أهل القرى والقبائل وهي: أنهم عقب انتهائهم من صلاة المشهد في كل يوم عيد، سواءٌ كان عيد الأضحى أو عيد الفطر، يذهبون إلى زيارة قبور أهليهم ومن في تلك المقبرة من أموات المسلمين، وذلك من أجل السلام عليهم، وفي أثناء الطريق يتضرعون إلى الله ويدعون ومن جملة تضرعهم ودعائهم: قولهم: الله الله أنا يا الله عبد ضعيف يطلب الغفران... إلى أن يقولوا أربع تكابير وهم واقفون، ولكنهم لم يشدوا رحال، وعند مشاهدتهم المقبرة وعلى بعد حوالي ثمانين متر تقريباً يرفعون أصواتهم تحت تذلل وخشوعٍ بقول: لا إله إلا الله، ثم يتقدم أحد القراء وهم واقفون ثم يسلم على الميتين بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم السلام عليكم إلى آخر الدعاء يقول: نريد أن تذكروا لنا حكم هذه الزيارة، وحكم ما يقال فيها وما يفعل؟

الجواب: زيارة القبور مستحبة للرجال كل وقت ليلاً ونهاراً في أيام الأعياد وفي غيرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وفيها فائدتان عظيمتان: إحداهما: تذكر الآخرة، والثانية: الدعاء لهؤلاء الأموات من المؤمنين والمسلمين.

وإذا كانت من العبادات فإنه يجب على المؤمن أن يكون فيها متبعاً لا مبتدعاً، متبعاً في هيئتها وفي زمنها، وهذا الزمن الذي خصصه هؤلاء وهو ما بعد صلاة العيدين يخرجون إلى المقبرة هذا الزمن ليس وارداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم خص المقبرة بزيارةٍ بعد صلاة العيد.

وعلى هذا: فتخصيصها بهذا اليوم، أو الذهاب إلى المقبرة في هذا اليوم يعتبر من البدع التي لا يجوز للمرء أن يتقيد بها، وإن كان الأصل أن الزيارة مشروعة، ولكن تخصيصها في هذا اليوم وبما بعد الصلاة هو من البدع، فهذه بدعة زمنية.

كذلك أيضاً الصيغة التي يؤدون بها هذه الزيارة؛ من كونهم يذهبون مجتمعين ويقولون هذا الدعاء إذا أقبلوا على المقبرة وهذا الذكر، ثم يتقدم القارئ فيقرأ، هذا أيضاً من البدعة في صيغة الدعاء، وفي كيفية الزيارة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه ذهب هو وأصحابه مجتمعين ولا أنهم يعملون كما يعمل هؤلاء من الدعاء بهذه الدعوات في مكانها المعين وحين إقبالهم إلى المقبرة، فالواجب على هؤلاء الإخوان أن ينتهوا عن هذا، وأن يتوبوا إلى الله، وأن يزوروا المقبرة كلما سنحت لهم الفرصة واشتدت بهم الغفلة عن الآخرة حتى يتذكروا بها ما يصيرون إليه كما صار إليه هؤلاء الأموات الذين كانوا من قبل أحياءً على ظهر الأرض.

وأن يكونوا متبعين للرسول صلى الله عليه وسلم في جميع عباداته؛ لأننا لو قلنا: إن كل من استحسن شيئاً تقرب به إلى الله أصبح الدين غير منضبط، وأصبح لكل قومٍ دين، لأن هؤلاء يستحسنون كذا فيدينون لله به، وهؤلاء يستحسنون كذا فيدينون لله به، وحينئذٍ تتفرق الأمة شيعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:53].

والواجب الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويسعنا ما يسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

مداخلة: بالنسبة للبدعة الزمنية التي ذكرتم وهي زيارة المقابر في يوم العيد قد يقول قائل: إن هذا اليوم الذي هو يوم العيد يتفرغ الناس من أعمالهم ويتذكرون أقاربهم ويزورون الأحياء، ولذلك يشركون الأموات في الزيارة؟

الشيخ: نقول رداً على هذا: ليست الأوقات كلها مشغولة إلا يوم العيد، ففي يوم الجمعة وقت فراغ، وفي يوم الخميس وقت فراغ خصوصاً للموظفين.

ثم إن يوم العيد ليس الحامل للناس على هذا هو الفراغ، وإنما الحامل أنهم يعتقدون أن الخروج إلى المقبرة في هذا اليوم بمنزلة التزاور بين الأحياء والمعايدة، ولهذا يقول بعضهم لبعض: ما ذهبت تعايد أمواتك، هذا هو المعروف عندهم، فهم يعتقدون أن للزيارة يوم العيد بذاته خاصيةً، ليسوا يقولون: لأننا نتفرغ، ثم إن الفراغ في الحقيقة ليس مقروناً بوقتٍ معين، فالفراغ قد يتفرغ الإنسان في غير يوم العيد وقد ينشغل في يوم العيد.

السؤال: أشعر بمرض حساسية في خشمي، وأستعمل لها علاج بخاخ للأنف، وإذا لم أستعمله يكون فيه مشقة علي عظيمة من ضيق النفس ولا أستطيع الصبر عن العلاج أكثر من ثلاث ساعات، وإن لم أستعمله فإنه يضيق نفسي نهائياً، والمشكلة العويصة: هي إقبال شهر رمضان حيث أنني أستعمله وأخشى أن يجرح صيامي، وإن تركته لا أستطيع، علماً أني كنت في بعض الأيام من رمضان أستعمله، ولكني كثير الحرص من وصوله إلى حلقي، فما حكم ذلك، وما حكم استعماله؟

الجواب: هذا البخاخ الذي تستعمله ما هو إلا شيء يشبه الغاز؛ لكونه يتبخر ولا يصل منه شيء إلى المعدة، وحينئذٍ نقول: لا بأس أن تستعمل هذا البخاخ وأنت صائم ولا تفطر بذلك، لأنه لا يصل إلى المعدة منه أجزاء لأنه شيء يتطاير ويتبخر ويزول، ولا يصل منه جرم إلى المعدة حتى نقول: إن هذا مما يوجب الفطر، فيجوز لك أن تستعمله وأنت صائم.

السؤال: فيه مدرس يقول: الذي يستمع للقرآن الكريم من الراديو حرام، فقلت: قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] فقال: ما دام أنت تعرف اقرأ في المصحف، مع من هو الحق، وفقكم الله؟

الجواب: الاستماع إلى القراءة المسجلة لا شك أنه استماعٌ إلى صوتٍ محكي، ومثبت على هذا الشريط، وهو أمرٌ لا يعارض الآية الكريمة: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204].

فالاستماع إليه لا بأس به، بل قد يكون مستحباً إذا كان الإنسان لا يحسن القراءة بنفسه، ويحب أن يستمع إلى القرآن من هذا المسجل، فيكون مأموراً به.

فالصواب معك: في أنه لا بأس من الاستماع إلى القراءة من المسجل، لأن هذه من الوسائل التي أنعم الله بها علينا الآن حيث نحفظ كتاب الله بكتابته بالأحرف وبتسجيله بالصوت، ولكن ليعلم أن ما يقال في التسجيل ليس كما يقوله الشخص بنفسه، لا سيما إذا كانت العبادة مقصودةً من الفاعل، أقول هذا لئلا يظن ظان أننا لو ركبنا مسجلاً على مكبر الصوت في المنارة عند الأذان وسمع منه الأذان من هذا المسجل فإن هذا لا يجزئ عن الأذان من الإنسان نفسه، لأن الأذان عبادة يجب أن يفعله الفاعل بنفسه، بخلاف الشيء المسجل فإنه حكاية صوت الفاعل أو القارئ أو المسجل، فليس هو فعله، ولهذا قد نفتح المسجل فيحكي لنا صوت إنسانٍ ميت، فإذا لم يكن هو فعله، وكان الأذان مشروعاً من الفاعل، فإنه لا يجزئ الأذان بمكبر الصوت عن أذان البشر نفسه.

السؤال: إن أهالي قبيلتنا يجمعون الزكاة ويعطونها الفقيه، فيقولون: من صام يجب أن يعطيها الفقيه وهي زكاة البدن، هل هم على حق أم لا؟

الجواب: إذا كان هذا الفقيه أميناً يعطيها الفقراء المستحقين لها فلا بأس أن يدفع الناس زكاتهم إليه، ولكن يكون الدفع قبل العيد بيومٍ أو يومين، ويكون إيصاله هو إلى الفقراء قبل صلاة العيد، أما إذا كان الفقيه يأخذها لنفسه بحجة أنه فقيه وهو غنيٌ عنها فإنه لا يجوز إعطاؤه إياها، وهو أيضاً لا يحل له أن يأخذها وهو غير أهلٍ لها.

السؤال: إذا اتفق زوجان على استعمال حبوب منع الحمل، وذلك ليس لأسباب مرض الزوجة، بل اتفقا أن يكون لهما أربعة أولاد فقط، وتحقق حلمهم واستعملت الزوجة بعد ذلك الحبوب بموافقة زوجها، فما حكم ذلك، وما حكمها لو استعملتها بعدم موافقته، فهل في هذا إثمٌ وخلاف للشريعة؟

الجواب: أما استعمال المرأة حبوب منع الحمل بدون رضا زوجها فهو حرامٌ عليها، لأن لزوجها الحق في الأولاد، وكثيرٌ من الناس إنما يتزوج لطلب الأولاد.

وأما استعمالها للحبوب بإذن زوجها: فهذا إن كان ثمة حاجة من كون المرأة يرهقها الحمل ويشق عليها إذا توالى عليها الحمل لا سيما إذا كانت ممن يحمل سريعاً، فإنه لا حرج حينئذٍ في استعمالها بإذن الزوج، وأما إذا لم يكن ثمة داعٍ ولا حاجة فإنه لا ينبغي استعمالها؛ لأن ذلك ينافي ما هو مطلوب شرعاً من كثرة الأولاد، فإن كثرة الأولاد أمرٌ مطلوب ومحفوظٌ أيضاً، وهو من عز الأمة، وقد امتن الله تعالى به على بني إسرائيل حيث قال: وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء:6]، وذكرَّه نوحٌ قومه، حيث قال: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الأعراف:86].

والنبي عليه الصلاة والسلام يباهي بأمته الأنبياء يوم القيامة.

وكون هذا الرجل وزوجته يتفقان على أن يكون أولادهما أربعةً فقط هذا خطأٌ منهما، فإن هؤلاء الأربعة قد يموتون أو يموت بعضهم، ثم من الذي قال: إن حد الأولاد أربعة فقط، بل كلما كثروا كان أفضل وأعز للإنسان وعسى الله أن يجعل فيهم خيراً وبركةً وعلماً وجهاداً في سبيل الله، فلا ينبغي هذا الفعل منهما.