فتاوى نور على الدرب [70]


الحلقة مفرغة

السؤال: لقد سمعت في أحد حلقات هذا البرنامج، وأنا بعد مراجعتي لما ذكر عرفت أن الإجابة صدرت منكم يا فضيلة الشيخ محمد ! أن من مات ولم يصل يسمى كافراً، ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين.

وسؤالي هو: هل من صلى أحياناً وتركها أحياناً، وصام عدة أيام قلائل، وترك أكثر أيام رمضان، هل يطلق عليه اسم كافر أم لا، وقفكم الله؟

الجواب: لقد سبق مني كما ذكرت الإجابة عن حكم تارك الصلاة، وبينت بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وعلى هذا فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه المسلمون، وتنفسخ منه زوجته، ولا يحل له دخول مكة وحرمها كما هو مبين في حلقة سابقة.

ولكن السؤال الذي أورده وهو: أنه إذا كان يترك الصلاة أحياناً ويصلي أحياناً، ويصوم بعض أيام رمضان ويترك البعض، فما حكمه؟

نقول: إن كان يفعل ذلك إنكاراً للوجوب والفرضية، أو شكاً في الوجوب فهو كافر من أجل هذا، أي: من أجل شكه في وجوب هذا الشيء أو من أجل إنكاره لوجوب هذا الشيء؛ لأن فرض الصلاة والصيام معلوم بالكتاب والسنة والإجماع القطعي من المسلمين، ولا ينكر فرضيته أحد من المسلمين إلا رجل أسلم جديداً ولم يعرف عن أحكام الإسلام شيئاً فقد يخفى عليه هذا الأمر، وأما إذا كان يترك بعض الصلوات، أو بعض أيام رمضان وهو مقر بوجوب الجميع، فهذا فيه خلاف بالنسبة لترك الصلاة.

أما الصيام فليس بكافر، لا يكفر بترك بعض الأيام بل يكون فاسقاً، ولكن الصلاة هي التي نتكلم عنها.

فنقول: اختلف العلماء القائلون بتكفير تارك الصلاة، هل يكفر بترك فريضة واحدة أو فريضتين أو لا يكفر إلا بترك الجميع، والذي يظهر لي: أنه لا يكفر إلا إذا ترك تركاً مطلقاً بمعنى: أنه كان لا يصلي، ولم يعرف عنه أنه صلى، وهو مستمر على ترك الصلاة.

فأما إذا كان أحياناً يصلي وأحياناً لا يصلي مع إقراره بالفرضية فلا أستطيع القول بكفره، لأن الحديث يقول: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، ومن كان يصلي أحياناً لم يصدق عليه أنه ترك الصلاة، والحديث يقول: ( ترك الصلاة) و( والعهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، لم يقل: فمن ترك صلاة فقد كفر، ولم يقل: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك صلاة، بل قال: ترك الصلاة، فظاهره أنه لا يكفر إلا إذا كان تركاً عاماً مطلقاً، وأما إذا كان يترك أحياناً ويصلي أحياناً فهو فاسق ومرتكب أمراً عظيماً، وجانٍ على نفسه جناية كبيرة.

السؤال: لو توفي الإنسان وهو في حالة فسقه بترك الصلاة هل يعتبر كافراً أم لا؟

الجواب: إذا مات في الفترة التي لا يصلي فيها فهذا عندي محل نظر، لأننا لا نعلم عوده، وهل في نيته أن يصلي بعد هذا الترك أو لا؟ والأصل أنه تركها ولا يعود إليها، هذا الظاهر لي، ولكني أتوقف فيه، إذا كان ممن يترك أحياناً ويصلي أحياناً ومات في الفترة التي كان تاركاً لها، فأنا أتوقف فيه وأمره إلى الله.

السؤال: دلوني على عمل يحميني من الذنوب؟

الجواب: العمل الذي يحمي من الذنوب من أهمه: إقامة الصلاة، لقول الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فإذا أقام الإنسان صلاته بأن أتى بها كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وما أمكنه من مستحباتها، ومن أهم إقامتها الخشوع فيها: وهو حضور القلب وعدم تحديث النفس والوساوس والهواجيس، هذا من أهم إقامة الصلاة، فهو إذا أقام الصلاة على هذا الوجه فإنها من أسباب منعه عن كبائر الذنوب وصغائرها.

وكذلك أيضاً من أهم الأسباب قراءة ما يتحصن به من الشياطين كقراءة آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

وكذلك أيضاً إذا هم بالذنب فإنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].

السؤال: هذه رسالة وردتنا من باكستان يقول: من باكستان من جانبي أحقر الورى إلى زمرة العلماء أرضاهم الله في الدنيا والعقبى، فأسلم عليكم.

يقول: باسمه سبحانه وتعالى، ثم يقول: فأسلم عليكم وعلى من لديكم، وبعد فأنا رجل عالم أسمع كل يوم برنامج نور على الدرب الذي يجيب فيه الشيوخ أصحاب الفضيلة على الأسئلة الدينية، فأنا أسألكم ما تعريف الشرك جامعاً ومانعاً؟ وما كانوا يشركون كفار مكة، وهو الشرك الأعظم لأني تعمقت في القرآن والأحاديث فعلمت أنهم ما كانوا يستعينون من الأصنام، وما كانوا يلجئون في الاضطرار إلا إلى الله كما جاء في القرآن!

في الحقيقة عرض آيات عديدة عن الشرك بالله سبحانه وتعالى من الآيات التي وردت في القرآن الكريم، وتدل على أنه من المطلعين على علوم القرآن، وعلى ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه أورد بعض الأحاديث، ونتركها للاختصار:

يقول: بل كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق والرازق، والمنجي ومجيب المضطر، والمحي والمميت ومدبر الأمر والمالك كما هو الظاهر من تلبيتهم لا شريك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، وهذه الآية: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [المؤمنون:88] أفتوني جزاكم الله.

ويرجو في هذه الرسالة أن تتحدثوا عن بعض الآيات أو ما ورد في القرآن من الشرك وما هو شرك كفار قريش؟

الجواب: أولاً: قول الأخ الكاتب أو الراقم: باسمه تعالى هذا خلاف السنة، لأن السنة أن يقول الإنسان: باسم الله، بالاسم المظهر لا بالضمير، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء، قال الله تبارك وتعالى عن كتاب سليمان إلى ملكة سبأ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الله يبدأ بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، أما الاسم المضمر فإنه لا يدل على اسم الله تبارك وتعالى إلا من كان يعرف أن ابتداء الأمور باسم الله، فقد يعرف أن هذا الضمير يرجع إلى الله تبارك وتعالى.

وعلى كل حال: فالضمير مبهم يحتاج إلى معرفة مرجعه، فلا ينبغي أن يستعمل في مقام الإظهار لا سيما وأنه على خلاف السنة الواردة عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأما بالنسبة لشرك المشركين.

مداخلة: إذاً: قبل أن ننتقل لشرك المشركين نقول للمستمع من باكستان أو الأخ من باكستان: المولولي غلام الأصفياء نقول له في رسائلك بعد أن تسمع هذا اليوم: عليك أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم.

الشيخ: نعم، هذا هو الأصل.

أما بالنسبة لشرك المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس شركاً في الربوبية؛ لأن القرآن يدل على أنهم إنما كانوا يشركون في العبادة فقط، أما في الربوبية فيؤمنون بأن الله وحده هو الرب، وأنه مجيب دعوة المضطرين، وأنه الذي يكشف السوء، إلى غير ذلك مما ذكر الله تبارك وتعالى عنهم من إقرارهم بربوبيته عز وجل وحده، ولكن هم كانوا مشركين بالعبادة، يعبدون غير الله معه، وهذا شرك مخرج من الملة؛ لأن التوحيد هو حسب دلالة اللفظ عبارة عن جعل الشيء واحداً، والله تبارك وتعالى له حقوق يجب أن يفرد بها، وهذه الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: حقوق ملك.

والثاني: حقوق عبادة.

والثالث: حقوق أسماء وصفات، ولهذا قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة.

فأما توحيد الربوبية: فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالخلق والأمر، كما قال الله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] فالخلق والأمر وهو التدبير هذا هو الربوبية وهو مختص بالله عز وجل، فلا خالق إلا الله، ولا آمر ومدبر إلا الله عز وجل.

وأما توحيد الأسماء والصفات: فهو إفراد الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته، بحيث يؤمن العبد بما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم له من الأسماء والصفات على الوجه الذي أراد الله ورسوله، وعلى الوجه اللائق به من غير إثبات شبيه له أو مثيل؛ لأن إثبات شبيه أو مثيل هذا هو الشرك.

وأما توحيد العبادة: فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة، بمعنى: أن تعبد الله مخلصاً له الدين؛ لقوله تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:11].

فالمشركون إنما أشركوا في هذا القسم قسم العبادة حيث كانوا يعبدون مع الله غيره، وقد قال الله تبارك وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] أي: في عبادته.

وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

وقال تعالى في سورة الإخلاص: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:1-6].

وقوله في سورة الإخلاص يعني: إخلاص العمل، فهي سورة الإخلاص، وإن كانت تسمى بسورة الكافرون لكنها في الحقيقة سورة إخلاص العمل، كما أن سورة قل هو الله أحد سورة إخلاص علم وعقيدة.

فالحاصل: أن هؤلاء المشركون الذين بعث فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كانوا لا يستعينون إلا بالله ولا يستغيثون إلا به، ولا يقرون بأن أحداً خالقاً سوى الله عز وجل، لكن نقول: إنهم كانوا مشركين من أجل إشراكهم في العبادة.

مداخلة: إذاً: على حسب ما فهمنا من كلامكم يا فضيلة الشيخ! أنهم لا يشركون بالله إلا في العبادة فقط.

الشيخ: أي نعم.

مداخلة: لكن اعتراضهم على الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، أليس هذا فيه اعتراض على توحيد الأسماء والصفات؟

الشيخ: نعم فيه اعتراض على توحيد الأسماء والصفات، لكنهم لا ينكرونها كلية مثل ما يفعلون في العبادة، يعني: يؤمنون ببعض الأسماء وينكرون بعضاً.

والحقيقة أن إنكار بعض الأسماء والصفات يعتبر كإنكار الجميع؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يقر بشيء ويكفر بمثله إلا كان كافراً بالجميع.