فتاوى نور على الدرب [43]


الحلقة مفرغة

السؤال: أذان مكة أو مدينة الرياض الذي يرفع إلينا في المذياع، وكان الشخص فاتحاً للمذياع، وهذا الأذان الذي ذكرته هل يجوز متابعته؟ وإذا انتهى هل نقول الدعاء الذي يقال بعد الفراغ من الأذان الذي يرفعه المؤذن أم لا؟ وما هو الحكم؟

الجواب: الأذان الذي يُسمع لا يخلو إما أن يكون مرفوعاً على الهواء، أي: أن الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن، فهذا يجاب؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ) إلا أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا كان قد أدى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب، وأما إذا كان الأذان مسجلاً وليس أذاناً على الوقت، يعني: ليس مرفوعاً على الهواء وهو الحال الثانية، فإنه لا يجيبه؛ لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً، يعني: أنه لم يرفعه الرجل حين أمر برفعه، وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق.

مداخلة: فضيلة الشيخ كان لكم فيما أعتقد تحفظ عن رفع الأذان وأنتم في هذه الإجابة وافقتم على كلمة يرفعه.

الشيخ: الحقيقة أنها جرت على لساني من غير قصد، ولكن تبعاً، وإنما الذي نرى أن يقال: أذن فلان لا رفع الأذان.

مداخلة: أو نودي للصلاة على ما سبق.

الشيخ: نعم.

السؤال: السجادة التي توضع للإمام يوجد فيها صورة مسجد، هل يجوز أن ينكس المفرش ويوضع صور هذا المشهد في المسجد تحت رجلي الإمام أم ليس فيه شيء لأن هذه الصورة لا قيمة لها؟

الجواب: أولاً: نرى أنه لا ينبغي أن يوضع للإمام مثل هذا؛ لأنه ربما يشوش عليه.

مداخلة: يعني: المفرش الذي فيه صورة مسجد؟

الشيخ: نعم، لأنه ربما يشوش عليه ويلفت نظره، وهذا يخل بالصلاة، ولهذا ( لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على خميصة لها أعلام ونظر إلى أعلامها نظرة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرسالها إلى أبي جهم ، وقال: ائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني عن صلاتي )، فإذا قدر أن الإمام لا ينشغل بذلك لكونه أعمى، أو لكون هذا الأمر قد مر عليه كثيراً فلا يلتفت إليه، فإننا لا نرى بأساً أن يصلى عليها منكوسة أو غير منكوسة.

السؤال: في بداية شبابي بدأت المواظبة على الصلاة والصيام والذهاب إلى المسجد في كل وقت، وكنت أجد في صلاتي وصيامي نكهة كبيرة كالخشوع وحب العبادة، وكل ما يرضي الله سبحانه وتعالى أبادر به باستمرار على هذا المنوال مدة سنين أو أقل أو سنتين أو أقل أو أكثر، ولكن الذي حدث خلال هذه المدة هو أنني واجهت ضروباً من المشاكل والمصاعب من الناس، أو بالأحرى من الحاقدين على الإسلام بالإضافة إلى العاطفة الجنسية التي أثرت علي وأنا شاب، كل هذه المؤثرات وغيرها أخذت تنخر في قلبي وتهدم نور الحق، فذهب عني جوهر العبادة من صلاة وصيام وخشوع والصدق لله والحب الذي كان متأصلاً في روحي، في نفس الوقت الذي لا أريد وأؤكد لكم ذلك بأن أترك الصلاة والصيام، وفي الوقت ذاته بدأت ألوم نفسي لماذا أنا كذلك، لماذا هذا التهاون عن الواجبات وجل اهتمامي ودعائي هو الثبات على دين الحق، وأن أبقى رجلاً صالحاً، ولكن الصلاح وكما تعلمون هو بصلاح القلب، وأطلب من سيادتكم أن توجد لهذه المشكلة حل، وأن ترشدوني للعمل الصواب، وما هي الكتب التي ترشدوني بقراءتها؟

الجواب: هذا الرجل الذي أصيب بهذه النكسة ننصحه بأن يصبر ويصابر على ما كان عليه في أول عمره من الاستقامة والخشوع في الصلاة، والإقبال إلى الله عز وجل ومحبته، فإنه كما قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فبالصبر واليقين تنال إمامة الدين، فالإنسان يعرض له مثل هذه العوارض، ولكنه إذا صبر وصابر واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم امتثالاً لقوله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36] فإنه سوف تكون العاقبة له، فالذي ننصحه أولاً بالمصابرة على الأعمال الصالحة والحرص على الخضوع وحضور القلب.

ثانياً: الإكثار من تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وتدبر معانيه ومطالعة التفاسير الموثوق بها لتفسير معاني الآيات الكريمة.

ثالثاً: الإكثار من ذكر الله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

رابعاً: مطالعة كتب الحديث الموثوق بها أيضاً، وتفهم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنة الصحيحة والحرص على تطبيقها.

خامساً: أن يختار له من الأصحاب من يعينونه على هذا الأمر من أهل العلم والبصيرة والكفاءة، وبفعل الأسباب يهيئ الله له الأمر مع الاستعانة بالله تعالى وشدة الإقبال إليه.

مداخلة: طيب ما رأيكم أيضاً في الإغراق في ملذات الدنيا مثلاً والسعي وراءها، أليس ذلك أيضاً يضع أمام الشخص أشياء تبعده؟

الشيخ: نعم هذا لا شك أنه من العوائق، الإقبال على الدنيا والانصراف إليها كليةً، وكون الرجل يجعلها أكبر همه ومبلغ علمه، لا شك أن هذا من الصوارف، وما ضر الناس اليوم -أعني: غالبهم- إلا هذا الأمر، حيث أكبوا على الدنيا، منهم من أكب على حب الرئاسة والجاه، ومنهم من أكب على اللهو واللعب وإضاعة الأوقات في غير فائدة لا دينية ولا دنيوية، ومنهم من أكب على مبايعات وصفقات، ومنهم من أكب على أمور أخرى لا يتأتى شرحها هنا، فعلى كل حال نحن نقول: لو أن الناس اقتصدوا في طلب الدنيا واجتهدوا في طلب الآخرة لنالوا خيراً كثيراً، ولكن مع الأسف أنهم اجتهدوا في طلب الدنيا واقتصدوا في طلب الآخرة إن صح أن نقول: اقتصدوا، إن لم نقل: أضاعوا أمر الآخرة إلا من عصم الله سبحانه وتعالى.

السؤال: أنا شاب أعزب غير متزوج أسافر إلى بعض الدول العربية من أجل العمل لكي أقدم لأخوتي وأخواتي العيش، ثم صادفني شهر رمضان المبارك وأنا في لبنان، وأفطرت في بعض الأيام منه؛ لأنه صادفتني بعض الصعوبات فيه، لأنني بعيد عن أهلي وليس لي من يخدمني، وكان عمري في ذلك الوقت تسع عشرة سنة، والآن عمري أربعة وعشرون سنة، وأنا أصلى في هذه الأيام أرشدوني وأنا أريد أن أقضيها، هل يصح صيام أم كفارة؟ وما هو الحل بهذه المسألة، علماً أن فطري في تلك الأيام غير مقصود، لكن من ضيق الوقت؟

الجواب: هذا الرجل ما دام أنه من أهل حلب وكان في لبنان فإنه يعتبر مسافراً؛ لأنه فارق محل إقامته، والسفر كما -قال أهل اللغة-: مفارقة محل الإقامة، فهو ممن يجوز له أن يفطر في رمضان، وإذا كان أفطر في رمضان متأولاً وظاناً أنه معذور في هذا الفطر فإن عليه قضاء ما أفطر يوماً بيوم، وبعد ذلك لا يكون عليه كفارة.

مداخلة: لكن بالنسبة لتأخر القضاء لأنه أفطر وهو في التاسعة عشرة وهو الآن في سن الرابعة والعشرين، ما الحكم في ذلك؟

الشيخ: هذا في الحقيقة يعتبر تفريطاً من المؤمن أن يعمل العمل ثم بعد مدة طويلة يذهب يسأل عنه، وألمحنا فيما سبق إلى أنه يجب على المسلم أولاً أن لا يدخل في العبادة إلا عن علم وبصيرة؛ ليعرف كيف يعبد الله، ثم إذا لم يكن ذلك فلا أقل من أن يسأل عن الأمر في وقته حتى لا تفوت عليه الفرصة، فهذا الرجل نقول: إنه أخطأ في تأخيره السؤال عن وقته، ولكنه لا يلزمه سوى القضاء؛ لأن القول الراجح أنه لا يجب على المفرط سوى قضاء رمضان مع التوبة والاستغفار.

السؤال: هل القرآن يفيد الميت أم لا؟ هناك بعض الناس أصروا على أن القرآن لا يفيد الميت؟

الجواب: هذا الأمر يقع على وجهين:

أحدهما: أن يأتي إلى قبر الميت فيقرأ عنده، فهذا لا يستفيد منه الميت؛ لأن الاستماع الذي يفيد مستمعه إنما هو في حال الحياة حيث يكتب للمستمع ما يكتب للقارئ، وهنا الميت ميت انقطع عمله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له ).

والوجه الثاني: أن يقرأ الإنسان القرآن تقرباً لله سبحانه وتعالى، ويجعل ثوابه لأخيه المسلم أو قريبه، فهذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من يرى أن الأعمال البدنية المحضة لا ينتفع بها الميت ولو أهديت له؛ لأن الأصل أن العبادات مما يتعلق بشخص العابد؛ لأنها عبارة عن تذلل وقيام بما كلف به، وهذا لا يكون إلا للفاعل فقط، إلا ما ورد النص بانتفاع الميت به فإنه حسب ما جاء في النص يكون مخصصاً لهذا الأصل، ومن العلماء من يرى أن ما جاءت به النصوص من وصول الثواب إلى الأموات في بعض المسائل يدل على أنه يصل إلى الميت من ثواب الأعمال الأخرى ما يهديه إلى الميت، وبناء على هذا الخلاف بين أهل العلم نقول له: إن قراءتك القرآن تقرباً إلى الله ثم جعلك الثواب للميت المسلم ينبني على هذا الخلاف، إن قلنا بأنه ينتفع به ويصل إلى ثوابه فهو واصله، وإلا فلا، لكن يبقى النظر هل هذا من الأمور المشروعة أم من الأمور الجائزة؟ يعني: هل نقول: إن الإنسان يطلب منه أن يتقرب إلى الله تعالى بتلاوة القرآن ثم يجعلها لقريبه أو أخيه المسلم، أو أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها؟

الذي نرى أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها، وإنما يندب إلى الدعاء للمسلمين والاستغفار لهم وما أشبه ذلك مما يسأل الله تعالى أن ينفعهم به، وأما أن تفعل العبادات وتهديها فهذا أقل ما فيه أن يكون جائزاً فقط، وليس من الأمور المندوبة.

السؤال: الرجاء إفادتنا عن بدع المآتم، فيه ناس تعمل للميت لليلة خمسة عشر وليلة أربعين هل هذا صحيح أم لا؟ وهل ينصب للميت يوم أم ثلاثة الرجاء؟ إفادتنا وشكراً.

الجواب: المآتم كلها بدعة سواء كانت ثلاثة أيام أو على الأسبوع أو على أربعين يوماً؛ لأنها لم ترد من مسائل السلف الصالح رضي الله عنه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ولأنها إضاعة مال وإتلاف وقت، وربما يحصل فيها من المناكر من الندب والنياحة ما يدخل في اللعن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن النائحة والمستمعة ) التي تنوح والتي تستمع إليها، ثم إنه إن كان من مال الميت من ثلثه أعني فإنه جناية عليه؛ لأنه صرف له في غير طاعة، وإن كان من أموال الورثة فإن كان فيهم صغار أو سفهاء لا يحسنون التصرف فهو جناية عليهم أيضاً؛ لأن الإنسان مؤتمن في أموالهم فلا يصرفه إلا فيما ينفعهم، وإن كان لعقلاء بالغين راشدين فهو أيضاً سفه؛ لأن بذل الأموال فيما لا يقرب إلى الله أو لا ينتفع المرء به في دنياه من الأمور التي تعتبر سفهاً ويعتبر بذل المال فيها إضاعة له، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.

مداخلة: إذاً: إقامة المآتم كلها محظورة؛ لأنها إما أن تكون للميت وهذا من إضاعة المال بغير حق، أو لضعيف أو صغير أو سفيه، أو للكبير ويكون مسرفاً في هذا.

الشيخ: نعم.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3915 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3696 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3651 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3504 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3483 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3444 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3441 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3421 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3347 استماع