فتاوى نور على الدرب [39]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم الشريعة على إنسان كان يصلي وأثناء الصلاة لم يتبع الإمام، مثلاً: الإمام سجد ورفع وهو لم يسجد عمداً، فسجد عند قيام الإمام السجدة؟

الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً).

فالواجب على المسلم أن يكون متابعاً للإمام، وخلاف المتابعة المسابقة والموافقة والتخلف، فالأحوال أربعة:

إما أن يسابق الإمام، وإما أن يوافقه، وإما أن يتخلف عنه كثيراً، وإما أن يتابعه، بمعنى: أن يكون بعده مباشرة، والحال الأخيرة هي المشروعة وهي المتابعة، وما عداها فإنه غير مشروع.

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار)، وهذا يدل على تحريم المسابقة.

فنقول: من سبق إمامه متعمداً وهو عالمٌ بتحريم السبق فإن صلاته تبطل بذلك؛ لأنه فعل مفسداً للصلاة بغير عذر، وإن سبقه ناسياً أو جاهلاً فإنه يعود إلى المكان الذي سبق الإمام منه ثم يتابع الإمام وصلاته صحيحة.

وأما الموافقة: فهي مكروهة إلا في تكبيرة الإحرام، فإن الموافقة فيها كما ذكر العلماء أنها تمنع انعقاد الصلاة، وأنه يجب على المأموم أن ينتظر حتى يتم الإمام تكبيرة الإحرام ثم يكبر، فإن كبر قبل انتهاء إمامه من التكبير قالوا: إن صلاته لا تنعقد.

وأما التخلف: فإنه إما مكروهٌ أو محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا كبر فكبروا) وإذا: شرطية، والفاء: رابطة، وربط الجواب بالشرط يدل على الفورية وأن الإنسان لا يتأخر، وإذا تأخر عمداً عن السجود -كما في السؤال- حتى قام الإمام من السجود وهو يعلم أن هذا التأخر محرم فإن صلاته تبطل، وأما إن تأخر لعذرٍ مثل أن ينسى أو ينعس أو ما أشبه ذلك فإنه إذا زال عذره تابع إمامه، يعني: أتى بما تخلف به عن إمامه ثم استمر في المتابعة وصلاته صحيحة.

المقدم: بالنسبة للموافقة نريد أن تضفوا عليها شيئاً من التعريف والتمثيل؟

الشيخ: الموافقة معناها: أن يفعل هذه الأشياء مع إمامه، مثل: أن يركع معه، يعني: لما قال الإمام: الله أكبر للركوع هو فعلاً قال مع الإمام: الله أكبر ووصل على حد الركوع مع وصول الإمام إليه هذه موافقة، وكذلك بالنسبة للسجود وصل إلى الأرض مع إمامه هذه أيضاً موافقة.

أما المسابقة فمعناها: أن يصل إلى السجود قبل الإمام.

والتخلف معناه: أن يتأخر بحيث أن الإمام قد يقوم من السجود قبل أن يصل المأموم إلى السجود.

السؤال: في لغتنا الدارجة في كل لسان بلوى وهي بلوى الشتيمة، مثلاً: اللعنة يقول الإنسان: لعن الله والدين إبليس، أو والدين الشيطان، فما هو رد سماحتكم على هذا؟

الجواب: ينبغي للإنسان أن يمرن لسانه على الكلمات الطيبة المثمرة النافعة، وأن يتجنب جميع السباب والشتائم حتى فيما يجوز له أن يفعله من السباب والشتائم فإنه لا ينبغي إطلاق لسانه فيها، فكيف بالأمور التي لا خير له فيها مثل: لعن إبليس، أو والدي إبليس، أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا ينبغي، بل إن الذي ينبغي أن يتعوذ الإنسان بالله من شر الشيطان، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأما لعنه وسبه فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: أن ذلك مما لا ينبغي لأننا أمرنا عندما ينزغ الشيطان الإنسان بالاستعاذة بالله منه، فأما إذا دعونا عليه فإنه قد يربأ بنفسه، يعني: يزداد.

وأما الاستعاذة بالله منه فهي إهانةٍ وإذلالٍ له، فهذا هو المشروع أن الإنسان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يلعن الشيطان وأبو الشيطان.

السؤال: ما حكم أداء الصلاة سراً -أي: عدم القراءة في وقت المغرب والعشاء والفجر- مع العلم أن الذي يقرأ سراً هو الإمام هل يجوز ذلك أم لا؟

الجواب: يجوز ذلك، لأن الواجب قراءة الفاتحة وقد حصل، لكن الأفضل الجهر في الصلاة الجهرية والإسرار في الصلاة السرية، على أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية -صلاة الظهر والعصر- أنه يسمع الآية أحياناً، فينبغي أن يسمع الإمام الآية أحياناً في صلاتي الظهر والعصر، وأما الصلاة الجهرية فيصليها جهراً أفضل من كونها سراً، حتى لو قضاها في النهار فإنه يجهر بها كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ناموا عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بهم كما يصلي كل يوم، فجهر بالقراءة في قضائه.

السؤال: تعرض ابني لمرض وتنوم بالمستشفى وأنا مرافق له ولمدة ثلاثة أشهر مضت لم أحضر فيها صلاة الجمعة بسبب ابني حيث أنه مريض وصغير السن أرجو إرشادي في ذلك؟

الجواب: ليس عليك شيء ما دام الابن محتاجاً إلى وجودك معه؛ لأن حاجة المريض إلى ممرض مما يسقط وجوب الجمعة والجماعة عن الممرض.

أما إذا كان يمكن أن يقوم بتمريضه أحدٌ في مدة ذهابك إلى الصلاة فإن الصلاة لا تسقط عنك في هذه الحال.

السؤال: رجل يؤدي الصلاة داخل المستشفى مع بعض المرضى في أوقاتها، ولكن بعض المرضى يصلي وهو جالس والبعض الآخر يصلي على كرسي عربية -أي: جالس أيضاً- هل في ذلك شيء؟

الجواب: ليس في ذلك شيء إذا اتقوا الله ما استطاعوا، وكانوا لا يستطيعون الصلاة قياماً فإنهم يصلون قعوداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن الحصين : ( صلِ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب).

السؤال: ما حكم من يصلي بالمرضى وهم في حالة الجلوس وهو قائم، ما حكم صلاته وصلاتهم؟

الجواب: كلها جائزة لأنكم قائمون بالواجب، لكن لو فرض أن الإمام هو الذي يصلي جالساً لعجزه فإن المشروع في حق المأمومين أن يصلوا خلفه جلوساً؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وإن كانوا قادرين على القيام.

السؤال: كثيرٌ من المرضى يؤدي الصلاة على سريره حيث لا يستطيع التحرك أو الحركة، وعلى غير طهارة ومنهم على غير القبلة، ما حكم صلاة هؤلاء المرضى؟

الجواب: ينبغي أن نعلم القاعدة العامة في الشريعة التي دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهي: أن على المسلم أن يتقي الله تعالى ما استطاع، فكل واجبٍ يجب عليه لكن بقدر استطاعته إذا عجز عنه سقط، قال الله سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الأعراف:42].

وقال سبحانه وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [المؤمنون:60-62].

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)، فهؤلاء المرضى الذين أشار إليهم ويصلون على سررهم وبثيابٍ غير طاهرة وغير مستقبلي القبلة كل هؤلاء إذا كانوا قد فعلوا ما يستطيعون من الواجبات في صلاتهم فما عجزوا عنه فهم معذورون فيه غير مكلفين به ولا آثمين في تركه.

السؤال: هل هناك دعاء يقال قبل الصلاة؟

الجواب: لا أعلم دعاءً معيناً الدعاء قبل الصلاة، ولكن ما بين الأذان والإقامة موطن إجابة فإن ( الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد).

ومن المعلوم عندنا جميعاً: أنه بعد الأذان إذا تابع الإنسان المؤذن فقال مثل ما يقول، فإنه يقول بعد ذلك: اللهم صل على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، ويدعو بما أحب.

السؤال: لما يقول مقيم الصلاة: (قد قامت الصلاة) هناك بعض المسلمين يقول: (أقامها الله وأدامها)، وبعضهم يقول: (اللهم أقمها وأدمها)، نريد أن نعرف شيئاً عن هذا؟

الجواب: الذين يقولون: أقامها الله وأدامها يستندون إلى حديثٍ رواه أبو داود في ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها حينما بلغ المقيم: قد قامت الصلاة، ولكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن أحد رواته مجهول، وفيه أيضاً شهر بن حوشب والكلام فيه معروف، وعليه فيكون في هذا القول نظر لأنه مبنيٌ على هذا الحديث الضعيف، والضعيف كما هو معلوم عند أهل العلم لا يحتج به في إثبات حكمٍ شرعي.

وأما الذين يقولون: اللهم أقمها وأدمها فلا أعلم لهم شيئاً يستندون إليه اللهم إلا أن يقولوا: إن هذا مثل قول الإنسان أقامها الله وأدامها.

المقدم: هل يجوز متابعة مقيم الصلاة فيما يقول؟

الشيخ: متابعة مقيم الصلاة فيما يقول مبنيٌ على هذا الحديث الذي أشرت إليه والذي أحد رواته مجهول والآخر متكلم فيه، فنفسي لا تطيب باستحباب متابعة المقيم ولا بقول: أقامها الله وأدامها.