فتاوى نور على الدرب [38]


الحلقة مفرغة

السؤال: إذا قرأت في كتب السنة أجد فيها أحاديث صحيحة وضعيفة وموضوعة، فهل يجوز الاستدلال بها والعمل بها أم لا؟

الجواب: السنة المنسوب إليها ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صحيح، وحسن، وضعيف، والرابع الموضوع.

أما الصحيح والحسن: فإنه يستدل بهما، ويؤخذ بهما، أي: بما دلا عليه من أحكام ويصدق ما فيهما من أخبار.

وأما الضعيف فإن جبر بكثرة طرقه والشواهد فإنه يكون حسناً لغيره ويلحق بالحسن فيعتد به، وإن لم ينجبر بذلك فإنه ليس بحجة، لكن قد استشهد به بعض العلماء في فضائل الأعمال، أو في الزواجر عن النواهي بثلاثة شروط:

الأول: أن يكون له أصلٌ صحيح يشهد له.

الثاني: ألا يكون الضعف شديداً.

الثالث: أن لا يعتقد صحته إلى النبي صلى الله عليه سلم، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، مثال ذلك:

لو ورد حديثٌ فيه فضلٌ لصلاة الجماعة وهو ضعيف لكنه تنطبق عليه الشروط الثلاثة التي ذكرنا، فإن هذا يمكن الاستشهاد به؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، وأصل الفضل فيها ثابت، فإذا تمت الشروط الثلاثة فالأصل هنا موجود، فإذا وجد الشرطان الآخران وهما: ألا يكون الضعف شديداً، وألا يعتقد صحته عن النبي صلى الله عليه سلم جاز الاستشهاد به.

وأما الموضوع: وهو القسم الرابع: فإنه لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأي حالٍ من الأحوال، بل ولا يجوز ذكره إلا مقروناً ببيان وضعه حتى لا يغتر الناس به.

وكذلك الضعيف الذي ذكرناه آنفاً لا يجوز ذكره إلا مقروناً ببيان ضعفه، حتى وإن قلنا بأنه يجوز الاستشهاد به فلا بد من بيان ضعفه.

السؤال: هل يجوز دفع الزكاة من السعودية إلى السودان، وإني أعمل اليوم في السعودية وأرسلت الزكاة إلى هناك ولكم شكري؟

الجواب: نعم، يجوز دفع الزكاة من السعودية إلى السودان أو إلى غيرها من بلاد المسلمين أو إلى أي مسلمٍ استحقها في أي مكانٍ من الأرض، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] إلى آخره. ففي أي مكانٍ وجد هؤلاء فهم أهل الزكاة تصرف إليهم إلا أن الأولى أن يصرفها الإنسان في البلد الذي فيه المال؛ لأنه البلد الذي تتعلق به أطماع فقرائه، فلا ينبغي أن يحرمهم ويبعد الزكاة عنهم إلا إذا كان هناك مصلحة في دفع الزكاة في بلدٍ آخر، لكون الذي في البلد الآخر ذا قرابةٍ من المزكي أو أشد حاجة ممن في بلده أو غير ذلك من الاعتبارات، فإنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل.

المقدم: درج كثير من الإخوة الذين يقيمون في السعودية من خارج البلد السعودي أنهم يرسلون زكواتهم إلى بلدانهم؛ لأنهم يعرفون هناك أناساً مستحقين أو أنهم يريدون أن يبروا بها من يعرفون هناك؟

الشيخ: على كل حال: الزكاة لا يحابى بها أحد، لا ينبغي أن تجعل المحاباة نصب عينيك فيها، فتقول: هؤلاء أهل وطني فأبرهم أكثر من هذا البلد، لكن الواجب فيها مراعاة الأصلح؛ لأنها ليست من المال الذي أنت حرٌ في التصرف، بل هي مالٌ معين فيه مستحقوه، فيجب عليك أن تراعي في ذلك ما هو الأصلح والأنفع والأجدر والأحق.

ويظهر لي أن الذين يرسلونها إلى بلادهم ممن هم في السعودية أنهم يراعون أمرين:

الأمر الأول: شدة الحاجة في بلادهم غالباً، فهم أشد حاجةً من السعوديين، فإن السعودي -ولله الحمد- الغنى فيهم كثير.

الأمر الثاني: أنهم أعرف بالمستحقين في بلادهم منهم في البلاد السعودية؛ لأنهم لا يعرفون الناس في البلاد السعودية.

السؤال: بما أن لدي عملاً في محكمة الرياض الكبرى وأحضر للدوام في الساعة الثامنة صباحاً وأخرج بعد الظهر وذلك حسب حضور القاضي وانصرافه الذي أعمل في مكتبه، وسؤالي: هل يجوز لي ذلك حيث أن الدوام من الساعة السابعة والنصف إلى الثانية والنصف، كما أن عملي مرتبطٍ بموعد القاضي ولكم خالص تحياتي؟

الجواب: الواجب على المسلم إذا التزم بعقد مع الحكومة أو غيرها أن يفي به؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، ولقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34].

فإذا كان كذلك وكان من المعلوم بين الموظف والدولة أن الدوام يبتدئ من الساعة السابعة وينتهي في الساعة الثانية والنصف فإن الواجب على الموظف أن يستوعب هذا الوقت كله في مقر عمله، سواءٌ كان عنده من ارتبط به أم لم يكن، ولا فرق في هذا بين موظفي المحاكم وغيرهم، بل إن الواجب على موظفي المحاكم أن يكونوا قدوة في تطبيق ما يجب عليهم مما عاقدوا الحكومة عليه، لأن كثيراً من الناس الذين ليس لهم صلة بالمحاكم الشرعية إذا رأوا تفريط المسئولين في المحاكم الشرعية وتهاونهم فإنهم يتخذون منهم سبيلاً إلى الجدل عندما ينصحون في القيام بالواجب.

وإن كان هذا السبيل لا ينفعهم أمام الله عز وجل، فإن المرء لا يعتبر تفريط غيره حجة له عند الله، إنما قد يكون في مقام الجدل، قد يكون باهتاً للمجادل الذي ينصحه ويوبخه على تفريطه في إضاعة وقت الدولة الذي التزم به بمقتضى سلم الوظائف.

فنصيحتي لإخواني في المحاكم وغيرها أن يتقوا الله عز وجل وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الوفاء بالعقود والوفاء بالعهد حتى يستقيم الأمر وتقوم الأمانة ولا يبقى لأحدٍ حجة، وما أكثر ما نسمع أن الصكوك الشرعية وحوائج الناس تتعطل كثيراً في المحاكم ومدةً طويلة، وقد يكون من أسبابها ما أشار إليه هذا السائل من تأخر بعض القضاة عن الحضور المبكر أو انصرافهم قبل انتهاء الدوام.

وفي ظني أن هذا أمرٌ لا يجهله، لأن هذا معلومٌ لدى الجميع أنه يجب على كل مسلم أن يفي بالعقد الذي عاقد عليه، سواءٌ عاقد عليه الدولة أم عاقد عليه عقداً خاصاً والله الموفق.

المقدم: لكن بالنسبة للموظف الذي ارتبط بعمل القاضي والقاضي يخرج بعد صلاة الظهر، يعني: قبل الساعة الثانية والنصف، هل هذا الموظف يتحمل إثم هذا الخروج لوحده، أو أن للقاضي أيضاً دخل في خروج الموظف؟

الشيخ: على كل حال القاضي عليه المسئولية العظمى في هذا الأمر؛ لأنه متبوعٌ لا تابع، ولكن هذا التابع لو أنه بقي ثم نصح القاضي على خروجه قبل انتهاء الوقت أو تأخره عن ابتدائه لخجل القاضي من ذلك على أقل تقدير، ثم استقام على ما يجب عليه من الحضور في أول الدوام والتأخر إلى انتهاء الدوام، ولا أظن أن ذلك عذرٌ للتابع للقاضي؛ لأن تفريط الإنسان فيما يجب عليه ليس حجةٌ لغيره في ذلك.

نعم، لو فرض أن القاضي طرأ عليه طارئٌ يوجب الخروج وكان هذا الطارئ عذراً شرعياً، فهذا لا بأس للتابع حينئذٍ أن يخرج؛ لأن بقاءه ليس فيه فائدة، ولكن كون القاضي يخرج بدون عذر إذا رأى أن تابعه يبقى وهو أقل منه رتبةٌ في العلم وإن كان أعلى منه رتبةٌ في العمل إذا لازم على ما يجب عليه فإنه سوف يخجل ويستحي ويقوم بالواجب.

فيكون في بقاء هذا الموظف التابع مصلحتان:

أولاً: إبراء ذمته.

وثانياً: أنه وسيلةٌ إلى إصلاح هذا القاضي الذي يخرج قبل انتهاء الدوام.

المقدم: طيب بالنسبة إن شاء الله هذا قليل جداً أن القاضي يخرج قبل انتهاء الدوام، لكن لو خرج ما تعليقكم على الدخل الذي يتقاضاه من هذه الدولة ولم يوف بالعقد بينه وبينها؟

الشيخ: في الحقيقة لو قلنا: إن هذا الدخل بمنزلة الإجارة فإنه لا يستحق شيئاً من دخله؛ لأن الأجير إذا ترك شيئاً من مدة العمل بدون عذرٍ شرعيٍ فلا أجرة له، لكن المعروف أن ما يأخذه القاضي والمدرس والإمام والمؤذن ليس له حكم الإجارة؛ بل هو رزقٌ من بيت المال، وعلى هذا فيكون استحقاقه من هذا المرتب بالنسبة فإذا حضر ثلاثة أرباع الوقت مثلاً استحق ثلاثة أرباع الرزق ولا يستحق الربع الذي ترك العمل فيه، بمعنى: أنه يستحق من مرتبه بقدر ما أدى من العمل فقط.

المقدم: ما الذي ينبغي للقضاة أن يكونوا مثلاً قدوة أو مثالاً يستدعى لبقية الموظفين عندهم وللموظفين في الدولة عموماً؟

الشيخ: الذي يجب على القضاة هو التزام مقتضيات العقود ونظام الدولة في الموظفين، فيتمشوا عليه ويطبقوه، فإذا تمشوا عليه وطبقوه فإن الناس تبعٌ لهم.