هذا الحبيب يا محب 38


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فقد انتهى بنا الدرس إلى الخطوة الخامسة من جهود الحبيب صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس والبناء بالمدينة النبوية، فبعد نزوله مهاجراً بطيبة كان له جهود عظيمة ذكرنا منها ما يسر الله ذكره لنا، وهي جهود في الإصلاح والتأسيس والبناء في المدينة النبوية، ولخصنا ذلك في خطوات:

الخطوة الأولى: بناؤه صلى الله عليه وسلم المسجد وحجرات نسائه

الخطوة الأولى: إن أول خطوة كانت له في الإصلاح والبناء والتأسيس: هي بناء مسجده وحجرات نسائه صلى الله عليه وسلم، فمن يوم أن نزل بالمدينة في بيت أبي أيوب الأنصاري شرع في بناء المسجد فبناه وبنى حجرات نسائه الطاهرات، ومن بين الحجرات حجرة ضمت جسده الطاهر صلى الله عليه وسلم وجسدي حبيبيه وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما.

الخطوة الثانية: استقدام أسرة النبي وأسرة أبي بكر الصديق

الخطوة الثانية: استقدام الأسرتين، أسرته هو وأسرة الصديق رضي الله عنه. فزود من أراد بالمال والمتاع وجيء بأسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأسرة أبي بكر الصديق ليتم الاستقرار بمعناه التام. وهذا كله تخطيط رشيد حكيم.

الخطوة الثالثة: الاتصال باليهود بواسطة عبد الله بن سلام

الخطوة الثالثة: الاتصال باليهود بواسطة عبد الله بن سلام ، الحبر اليهودي الذي اعتنق الإسلام عند مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم، وبواسطته بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته إلى اليهود؛ لأنهم أهل كتاب يسكنون المدينة، فما إن استقر حتى بلغهم دعوة الإسلام.

الخطوة الرابعة: وضعه ميثاقاً سياسياً بين المهاجرين والأنصار متضمناً موادعة اليهود

الخطوة الرابعة: وضعه ميثاقاً سياسياً عجباً بين المهاجرين والأنصار من جهة وموادعة اليهود من جهة ثانية. ولا بأس من أن أذكر نفسي وإياكم به؛ لتشاهدوا آثار العلم والسياسة الرشيدة والوعي والبصيرة، وكيف لا وهو يتلقى الوحي من الله، واهب العلوم والمعارف وخالق أهلها.

قال: [وضعه صلى الله عليه وسلم ميثاقاً للمهاجرين متضمناً موادعة اليهود بالمدينة] والميثاق عهد موثق بوثائق الكتابة والحلف [إذ من أبرز وأظهر الجهود التي بذلها الحبيب صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس والبناء كتابه الذي كتبه فضمنه ميثاقاً في غاية الدقة وحسن السياسة، فآلف بين سكان المدينة من الأنصار والمهاجرين وجيرانهم من طوائف اليهود] بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة [وربط بينهم فأصبحوا كتلة واحدة يستطيعون أن يقفوا في وجه كل من يريد أهل المدينة بسوء. وهذه ديباجة الكتاب المذكور وبعض ما حواه من مواد الميثاق الذي اشتمل عليه:

بسم الله الرحمن الرحيم] افتتح الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم، أي: بسم الله وافق وكتب، وبدون إذن الله ليس له أن يفعل شيئاً.

[(هذا كتاب من محمد النبي الأمي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب] يعني: المدينة [ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم- أنهم أمة واحدة من دون الناس ..) إلى آخر كتابه صلى الله عليه وسلم المتضمن لأعظم ميثاق عرفه الناس] كتاب النبي صلى الله عليه وسلم المتضمن لهذا الميثاق أعظم ميثاق عرفته البشرية [وهذا بعض ما جاء فيه من مواد في غاية الأهمية].

بعض مواد الميثاق الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة

قال: [ أولاً: إن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل] والمفرح هو: المثقل بالدين الكثير، أو بدية التزمها، فهؤلاء كلهم يشتركون في التسديد بالتضامن: المهاجرون والأنصار واليهود.

[ثانياً: لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه] مثلاً: أنت عندك مولى من مواليك حررته وأعتقته وأصبحت مولاه وهو مولاك، لا يحل لمؤمن أن يتعاقد معه بعقد دونك أنت، تعتبر هذه خيانة.

[ثالثاً: إن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة -أي: قوة- ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم] من بغى من هؤلاء الذين تحالفوا وابتغى عظيم ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين فأيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم، يضربون على يديه مجتمعين، ولو كان ولد أبي بكر أو عمر مثلاً.

[رابعاً: لا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة، يُجير عليهم أدناهم] لا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر للحديث الذي عرفه العالم الإسلامي: ( لا يقتل مسلم بكافر )، وقد عرفتم العلة، فالمسلم حي والكافر ميت، فهل يقتل ميت بحي؟ أي عقل هذا؟ فالكافر ما دام لا يؤمن بالله ولا يعبده فهو والأموات سواء؛ إذ خلق لعبادة الله، فإذا رفضها فوجوده كعدمه، فلهذا لا يقتل مسلم بكافر. فهذه ضمن هذا الميثاق.

وكذلك لا ينصر كافر على مؤمن، فإذا ظلم كافر مؤمناً لا يجوز أن تنصره وتقف إلى جنبه، ولا يحل أبداً، ويجير عليهم أدناهم، أي: أدنى المؤمنين يجير وتقبل جيرته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أجرنا من أجرتِ يا أم هاني ) فإذا مؤمن أجار كافراً -بمعنى: أمنه- فلا يصح لمؤمن أن يقتله؛ لأنه في ذمة هذا المؤمن، سواء كان شريفاً أو وضيعاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المؤمنون سواسية كأسنان المشط يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد واحدة على من سواهم )، فإذا أجار مواطن كافراً لأمر ما، لا للغش والخديعة والأذى؛ فلا يحل لمؤمن أن يقتله وهو في ذمة وجواره.

[خامساً: إن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس] المؤمن مولى للمؤمن الآخر، يواليه وينصره، وكل المؤمنين موالين لبعضهم البعض، وهذا ظاهر قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] [وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم] أعطى هذا حتى لليهود، ما داموا موالين للمسلمين فهذا هو موقف المسلمين منهم.

[سادساً: إن سِلم المؤمنين واحد، لا يُسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم] إن سلم المؤمنين لا يختلف، ولا ينقسم، فلا يسالم مؤمن دون مؤمن، لا تسالم فلان وتترك فلان من المؤمنين، لا يصح أبداً ولا يقبل.

[سابعاً: من اغتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول] بالدية مثلاً [وإن المؤمنين عليه كافة] مجتمعين على ضربه على يديه [ولا يحل لهم إلا قيام عليه] فالمؤمنون كلهم على القاتل نصرة لدين الله؛ لأن هذا عبد الله ووليه.

[ثامناً: إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ] أي: لا يوبق ولا يهلك [إلا نفسه وأهل بيته] فقط.

[تاسعاً: إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.

عاشراً: إنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً، ولا يؤويه، وإنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.

الحادي عشر: وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم] يقول الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، هذه بعض فقرات هذه الوثيقة التاريخية. أين درس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أين تعلم هذا؟! إنه يتلقاه مباشرة من السماء، من وحي الله عز وجل.

الخطوة الخامسة: هي مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار

قال: [الخطوة الخامسة] في الإصلاح والبناء والتأسيس في المدينة للنبي صلى الله عليه وسلم [هي مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار] أمتان آخى بينهما، فربط كل رجل بآخر وقال: أنت أخوه وهو أخوك، وحينئذ يتم التعاون بمعناه الكامل، وهذا لم يُسبق إليه صلى الله عليه وسلم ولا فعله غيره ولا يقدر عليه أحد.

قال: [إن من الرشد والكمال النبوي، والنضج السياسي، والحكمة المحمدية خطوة الحبيب صلى الله عليه وسلم في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ظرف كان المهاجرون فيه أحوج ما يكونون إلى ما يخفف عنهم آلام الغربة والفاقة والفرقة، إذ تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم، وحلوا ببلد] ونزلوا به [لم يكن ليتسع حتى لأهله فضلاً عن النازحين إليه] ما هي المدينة؟ ماذا فيها؟ أهلها محتاجون وفقراء، فكيف تتحمل المدينة -إذاً-أمة أخرى؟!

[وبهذه المؤاخاة التي آخى فيها الرسول الحكيم بين المهاجرين والأنصار، والتي كان الأنصاري فيها يقول لأخيه المهاجر: انظر إلى أعجب نسائي إليك أُطلقها، فإذا انتهت عدتها تزوجتها] وليس فوق هذا شيء أبداً! وهذا قطعاً قبل نزول آيات الحجاب، فالحجاب نزل في السنة السادسة [كان المجتمع المدني قد التحم بعضه ببعض، وأصبح جسماً واحداً ينهض بكل عبء يلقى عليه. وبذلك أعده الرسول الحكيم ليتحمل عبء إعلان الحرب على الأبيض والأصفر، وقتال القريب والبعيد من كافة أهل الشرك والكفر] ولولا أنه عد المدينة بهذه العدة وجعلها بهذه المثابة فربط بين المهاجرين والأنصار، وجعلهم إخواناً على قلب واحد، لما استطاع أن يعلن الحرب على الأبيض والأسود؛ فالأرضية متنها وقعد قواعدها ثم أعلن الحرب.

عجب سلوك هذا النبي الحكيم! ومع هذا تدرّس حياة الملاحدة والعلمانيين والبلاشفة في جامعات العالم الإسلامي إلا من رحم الله، ولا تدرس أبداً سياسة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يقال: قال رسول الله أو فعل رسول الله.

[وهذا أنموذج مصغر من تلك المؤاخاة:

[أخوان المهاجر أبو بكر الصديق

الأنصاري خارجة بن زهير ] آخى الرسول بين أبي بكر وبين خارجة ، فـأبو بكر مهاجر وخارجة أنصاري.

[أخوان المهاجر أبو عبيدة عامر بن الجراح

الأنصاري سعد بن معاذ ] وآخى بين أبي عبيدة المهاجر وبين سعد بن معاذ الأنصاري.

[أخوان المهاجر عبد الرحمن بن عوف

الأنصاري سعد بن الربيع

أخوان المهاجر عمر بن الخطاب

الأنصاري عتبان بن مالك

أخوان المهاجر عثمان بن عفان

الأنصاري أوس بن ثابت

أخوان المهاجر طلحة بن عبيد الله

الأنصاري كعب بن مالك

أخوان المهاجر سلمان الفارسي ] وإن كان من غير مكة فقد هاجر من فارس.

[ الأنصاري أبو الدرداء

أخوان المهاجر بلال بن رباح

الأنصاري أبو رويحة ] وهكذا آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، ليصبح الأخ يقاسم أخاه ما عنده، لا فضل لهذا عن هذا، فقرص العيش يقتسمونه.

ومن يفعل هذا ويقدر عليه من البشر سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

قال: [وها هي ذي الكلمة الطيبة التي قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم فتمت بها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، إنها هي قوله -فداه أبي وأمي والناس أجمعون-:

(إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم)] هذه استولت على مشاعر وأحاسيس وقلوب الأنصار ورضوا بالمؤاخاة وقالوا: نقتسم معهم ما عندنا [وإما إن قالها] أي: هذه الكلمة الخالدة [حتى قال الأنصار: أموالنا بيننا قطائع] قطعة لي وقطعة لك [فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أو غير ذلك؟ فقالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: هم قوم لا يعرفون العمل فتكفوهم العمل وتقاسمونهم الثمر، قالوا: نعم )] لأن أهل مكة لا يعرفون المسحاة ولا دلو الماء، فكيف يعملون معهم؟ تجد المهاجر جالس في المسجد وأخوه يشتغل من الصباح إلى الظهر ثم يقتسم التمر والعنب معه؟ لأن المهاجر لا يعرف الفلاحة، فكيف يُكلّف؟! إذاً: ارحموهم أيها الأنصار؛ لأنهم لا يحسنون جلب الماء ولا سقي النخل أو تأبيرها أو غير ذلك .. فرضوا بذلك رضي الله عنهم.

[( وبعدها قال المهاجرون: يا رسول الله! ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً من كثير، لقد كفونا المئونة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم )] مواسياً مطمئناً القلوب والنفوس [( لا. ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم )] يعني: لا تخافوا أن يذهبوا بالأجر، ما دمتم تثنون عليهم وتدعون الله لهم، أي: مقابل هذا الأجر الثناء عليهم ودعوة الله تعالى لهم، وهي سنة باقية إلى اليوم، يقول صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له ).

من صنع إليك يا عبد الله! معروفاً فكافئه بمثله أو أفضل، فإن عجزت ادع الله له، قل: جزاك الله خيراً! والعامة عندنا يقولون: شكراً، وهي مترجمة عن الإنجليزية. فتجده يأكل عندك أو يشرب ثم يقول لك: شكراً أو ثانكيو، والرسول المعلم الكريم يقول: ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه ) مقابل جميله وإحسانه، فإن عجزت فادع الله له، فأقل ما تقول: جزاك الله خيراً، أو بارك الله فيك وفي مالك، وفيما أعطاك أو أبقاك الله صالحاً. أما ثانكيو ومِرْسي فهي من الفرنسية والإنجليزية.

أولاً: الشكر لله الواحد المعطي ما هو للعبد، ثم لما تشكره إما أن تقدم له مالاً أو طعاماً أو كساءً أو عملاً تكافئه به، وإلا ادع الله له الذي يتولى الجزاء، ويستجيب الله لك إن شاء.

قال: ( فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله تعالى لهم ) والثناء على الشخص المسلم معروف، تقول: فلان أحسن إلينا، أكرمنا، فعل معنا كذا وكذا .. وهذه من صفات المؤمنين، هذا الثناء. أما الدعاء هو أن تقول: اللهم بارك له في حياته وفيما أعطيته، وأقل شيء: جزاك الله خيراً!

[هكذا كانت المؤاخاة في ظروف الحاجة، ولما وسع الله تعالى على المسلمين نسخ التوارث بها، وأقر المودة والحب بينهم] كانوا يتوارثون، المهاجر يرث الأنصاري، والأنصاري يرث المهاجر إذا مات؛ لأنهم إخوة، فلما زال الضيق وزال العسر والشدة ووسع الله على المسلمين نسخ الله التوارث بينهم [فقال تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:6]] أما التوارث انتهى، استمر عاماً أو عامين أو ثلاثة وقت الضيق والضغط والحاجة، ولما انتشر الإسلام واتسعت رقعة المسلمين نسخه الله، فمن كان من جماعتك ورحمك ترثه ويرثك، بينما الذي لا صلة لك به إلا الإيمان والهجرة فإنه لا يرثك ولا ترثه، قال عز وجل: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ [الأحزاب:6] اللهم: إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ [الأحزاب:6] كتاب القضاء والقدر وفي القرآن الكريم مَسْطُورًا [الأحزاب:6] أي: مسجلاً.

الخطوة الأولى: إن أول خطوة كانت له في الإصلاح والبناء والتأسيس: هي بناء مسجده وحجرات نسائه صلى الله عليه وسلم، فمن يوم أن نزل بالمدينة في بيت أبي أيوب الأنصاري شرع في بناء المسجد فبناه وبنى حجرات نسائه الطاهرات، ومن بين الحجرات حجرة ضمت جسده الطاهر صلى الله عليه وسلم وجسدي حبيبيه وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما.

الخطوة الثانية: استقدام الأسرتين، أسرته هو وأسرة الصديق رضي الله عنه. فزود من أراد بالمال والمتاع وجيء بأسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأسرة أبي بكر الصديق ليتم الاستقرار بمعناه التام. وهذا كله تخطيط رشيد حكيم.