خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=113"> هذا الحبيب يا محب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
هذا الحبيب يا محب 111
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [وثاني أحداثها:
وصول وفد نصارى نجران إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم] وألفت النظر إلى أن هذا الحدث بالذات كان في آخر السنة التاسعة وليس في أول العاشرة، ولا فرق بالنسبة إلينا بين أن يكون في التاسعة أو في العاشرة.
قال: [وفي هذه السنة العاشرة وصل وفد نجران، على رأس الوفد العاقب والسيد، يريدون مباهلة رسول الله صلى الله عليه وسلم] نجران معلومة لدينا الآن في جنوب المملكة، وهذا الوفد المكون من ستين عالماً أو راهباً يرأسه العاقب والسيد يريدون من مجيئهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران إلى المدينة على خيولهم مباهلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ليهلك من لم يكن على الحق في دعواه] المباهلة أن يدعو الحاضرون إن كان فلان على الحق فهو على الحق، وإن كان على الباطل أهلكه الله [إذ هم يدَّعون أن عيسى عليه السلام ابن الله] وفد نجران المسيحي الصليبي كان يعتقد أن عيسى ابن الله [تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً] ويعتقدون [أن المسيحية دين الله، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول: عيسى عبد الله ورسوله والدين عند الله الإسلام].
فقالوا: نجتمع ونرفع أكفنا إلى الله ونضرع إليه ونسأله أن يهلك المبطل منا وينجي المحق، وهذا جاء في سورة آل عمران، إذ نزلت فيهم نيف وثمانون آية.
[وفعلاً خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ] هؤلاء أفراد أسرته، علي ابن عمه، وزوجه فاطمة ، والحسنان ولد فاطمة وعلي ، إذا هلكوا يهلكون وإذا نجوا ينجون، والوفد الثاني يهلك كل من فيه أو ينجو [فلما رأوهم] شاهدوا رسول الله وعن يمينه علي ويساره فاطمة وبين أيديهما الحسن والحسين ، لما شاهدوا هذا المنظر [خافوا] خوفاً حقيقياً [وقالوا: هذه الوجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها] وفشلوا، قال تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61].
إذاً: ارتعدت فرائصهم وخافوا وهم ينظرون إلى رسول الله كالبدر، ومن حوله تلك الأسرة الطاهرة: فاطمة وعلي والحسنان، وقالوا: لو أقسمت هذه الوجوه التي يشاهدونها على الله أن يزيل الجبال لأزالها.
[ولم يباهلوه] صلى الله عليه وسلم [وصالحوه على] أن يدفعوا [ألفي حلة ثمن كل حلة أربعون درهماً] سنوياً [وعلى أن يضيفوا رسل الرسول صلى الله عليه وسلم] إذا جاءوهم إلى بلادهم، سواء كان لهم فنادق أو ما لهم فنادق يضيفونهم إذا جاءوا لاستلام الجزية وما وجب لهم.
[وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده أن لا يفتنوا في دينهم ولا يعشروا] أي: بدفع العشر [وشرط عليهم: ألا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به، وفيهم نزل نيّف وثمانون آية من سورة آل عمران، وفيها آية المباهلة، وبيان حقيقة عيسى وأنه عبد الله ورسوله، ولم يكن ابن الله، ولا بإله مع الله؛ إذ قص عليهم نشأة عيسى ابتداءً من جدته حنة إلى ولادة مريم له صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم تسليماً كثيراً].
[نتائج وعبر
إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نوجزها فيما يلي:
أولاً: هروب نصارى نجران من المباهلة: دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصحة دينه الإسلام، وبطلان المسيحية وألوهية عيسى عليه السلام.
ثانياً: مشروعية إقرار أهل الكتاب على دينهم -وإن كان باطلاً- لنسخه بالإسلام.
ثالثاً: حرمة أكل الربا والتعامل به حتى على أهل الذمة من يهود نصارى].
وجوب متابعة النبي لتحصيل محبة الله عز وجل
أول آية لما اعتذروا قالوا: نحن ما عبدنا عيسى ولا أمه إلا طلباً لحب الله تعالى لنا، يعني كنا نريد فقط من تأليهنا عيسى ووالدته، وحملنا على هذا طلب حب ربنا عز وجل، فأنزل الله تعالى قوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، يعني: إن كنتم كما تزعمون ما عبدتم عيسى وأمه إلا طلباً لحب الله فأنا أرشدكم إلى ما يكسبكم حب الله عز وجل وهو: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
قال العلماء: ليس الشأن أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب، فإذا كنت تحب ليلى وأنت تائه في الصحارى من حبها وهي تبغضك ماذا استفدت؟ لم تستفد إلا الخسران والهلاك، إذاً فاطلب أن يحبك الله، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].
ومن هنا معاشر المستمعين والمستمعات! من أراد منكم أن يحبه الله في صدق فليشتر حب الله، ولكن بماذا؟ بملء الأرض ذهباً؟ لا، لا يستطيع، يا من يريد أن يحبه الله عز وجل سأدلك على الطريق الموصل إلى ذلك، ألا وهو أن تتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تمشي وراءه لا عن يمينه ولا عن شماله فضلاً عن أمامه، اعتقد ما يعتقد، وقل ما يقول، واعمل ما يعمل، وأحبب ما يحب، واكره ما يكره وهكذا .. لن تنهي مشيك إلا وقد أحبك الله عز وجل.
يجب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والآداب والأخلاق، هذه هي مزكيات النفس ومطهراتها، لا تزال تمشي وراء رسول الله، تحب ما يحب، وتفعل ما يفعل، وتترك ما يترك.. فلا تمضي الليالي والأيام إلا وقد زكت نفسك، وطابت، وطهرت، وأصبحت كأنفس الملائكة، ومن ثم يحبك الله؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
ومن لم يمش وراء رسول الله، وأراد أن يتفوق عليه أو يساويه ويعمل بغير ما يعمل به رسول الله تصبح نفسه أنتن وأخبث من أنفس الشياطين، وهل هذا يحبه الله؟ مستحيل! هذه هي الحقيقة.
يا طلاب حب الله! الطريق إليه أن تعبدوه بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم بلا زيادة ولا نقصان، وأن تمشوا وراء نبيكم فهو إمامكم وأمامكم، ولا تزالون في تلك الطاعة حتى يحببكم الله؛ لأنكم طبتم وطهرتم.
ولادة مريم عليها السلام وكفالة زكريا لها
واستجاب الله لها فحملت، قال تعالى: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ [آل عمران:36] لأنها تخبره وهي تتأسف وتتحسر؛ لأن الولد يخدم الله عز وجل فيرابط، ويجاهد، ويعلِّم.. ولكن البنت ماذا تفعل؟
إذاً: هذه حنة تتكلم مع الله عز وجل وهو يسمعها، وهي موقنة بسماعه؛ لأنها مؤمنة إيمان العارفين بالله.
قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36] ومعنى مريم باللغة العبرية: خادمة الله، يعني سمتها خادمة الله، أي عابدة الله لا تخدم إلا الله، هذا هو معنى مريم، وهذه هي أم عيسى يا وفد نجران، أتريدون أن تعلموا رسول الله بحاله؟ فقطع ألسنتهم بهذا العلم.
ثم قال: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ [آل عمران:36] يا رب وَذُرِّيَّتَهَا [آل عمران:36] من بعدها مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36].
وهكذا حصنت بنتها فقالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ أي: أحصنها وأحفظها بك وَذُرِّيَّتَهَا كذلك إذا ولدت، وكان لها ذرية أن تحفظهم بحفظك، وتحصنهم بحصنك يا رب، فكانت تحب الولد، وتحب له أن يعيش طيباً طاهراً لا يعرف إلا الله ولا يعبد سواه، فأبعدته عن الشياطين.
قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37] لما وضعتها ولفتها في القماطة بعدما أرضعتها الرضعة الأولى الضرورية (اللبأ)، خرجت إلى علماء بني إسرائيل في المسجد وقالت: يا علماء! هذه نذيرة الله فخذوها، يعني: أنا نذرتها لله، لا أريد أن أسعد بها، فاختلفوا من يأخذها، ومن يشرف بأخذ هذه النذيرة، فما كان منهم إلا أن اقترعوا، فجمعوا أقلامهم وقالوا: نرسلها قلماً بعد قلم في النهر، وأيما قلم وقف في الماء كان أحق بكفالة هذه النذيرة، وبالفعل رموا بالقلم الأول، فمشى في الماء، والثاني كذلك.. ووقف الثالث، وكان صاحبه هو زكريا عليه السلام.
قال تعالى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44] أي: يا رسول الله وما كنت معهم ولا عندهم وهم يلقون أقلامهم في الماء، فأنت لم توجد بعد، ولكن عرفت هذا لأنك رسول الله، يوحي إليك بكلامه ووحيه، وهذه -والله- وحدها كافية لأن يدخل النصارى في الإسلام، فالرسول كان في مكة، وهم كانوا بالشام في فلسطين، إذاً كيف لا يكون رسولاً؟ مستحيل! هذه آية تثبت النبوة المحمدية، ومن تدبير الله الرحيم أن خالتها كانت زوجة لزكريا عليه السلام؛ فتربت مع خالتها، بعد أن حرمت من أمها.
قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37] هذه نذيرة الله عز وجل، لا ينبغي أن تلعب مع البنات، ولا أن تأكل وتشرب مع الأولاد.. ولا.. ولا، فما إن ميزت حتى جعلوها في مقصورة في المسجد -المحراب هو بناية صغيرة لاصقة بالمسجد- لتعبد الله الذي خلقت من أجل عبادته، فهي منذورة لهذا، وكان زكريا عليه السلام يأتيها بالغداء والعشاء، وكلما دخل بطعامه وجد عندها رزقاً، قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا يعني: من أين هذا؟ كيف جاء لك؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ [آل عمران:37-38] يعني: أفاق زكريا، فما كان يرجو الولد وقد عُمّر حتى تجاوز الثمانين أو المائة، وامرأته عاقر، لم يسأل الله ما هو خلاف سنته، ولكن هنالك دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].
أرأيتم كيف هم الصالحون؟ كلما تتاح الفرصة يغتنمونها، فبعدما أفاق ورأى كيف تطعم مريم وتسقى بدون ما سبب ولا آلة ولا شخص دعا الله عز وجل أن يرزقه الولد، إذاً فالله قد يعطي ما به أسباب بدون أسباب.
قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39] نادته الملائكة بأصواتها -فهو رسول الله ونبي الله، يسمع الملائكة، ويعرف كلامها- وهو قائم يصلي في المحراب، ليس على المقهى، أو على طاولة اللعب، ونحن نبيت نرقص على التلفاز والآلات الموسيقية.. بيوتنا حُولت إلى مباءات تسمع فيها أصوات العواهر والماجنين، والساقطين، والكفار، والكاذبين، والمجرمين، بل أصبحت صورهم في بيت كثير من الناس، أهذا يرضي الله؟ أيرضي هذا رسول الله؟ أهذا يزكي النفس؟ هل هذا يطيبها ويعدها لولاية الله وكرامته؟!
هذا هو واقع العالم الإسلامي إلا من رحم الله.
إذاً: زكريا رسول الله في المحراب يقوم الليل، ورسولنا كان يقوم الليل ويتهجد فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39] يعني: بشرى بعد بشرى بعد بشرى.
تفرغ مريم لعبادة ربها وتبشيرها بعيسى عليه السلام
وعندنا هنا لطيفة وهي: أن حنة عندما تعوذت قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] فأعاذ الله مريم ، فما كذبت كذبة، ولا فعلت جريمة قط، وحفظها الله عز وجل، واستجاب الله كذلك دعوة حنة في ذرية مريم وهو ولدها عيسى عليه السلام، فقد عاش ثلاثاً وثلاثين سنة لم تسجل عليه خطيئة قط، وهي استجابة الله لدعوة جدته.
وأذكر لكم تفسير بعض الآيات من سورة آل عمران:
أول آية لما اعتذروا قالوا: نحن ما عبدنا عيسى ولا أمه إلا طلباً لحب الله تعالى لنا، يعني كنا نريد فقط من تأليهنا عيسى ووالدته، وحملنا على هذا طلب حب ربنا عز وجل، فأنزل الله تعالى قوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، يعني: إن كنتم كما تزعمون ما عبدتم عيسى وأمه إلا طلباً لحب الله فأنا أرشدكم إلى ما يكسبكم حب الله عز وجل وهو: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
قال العلماء: ليس الشأن أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب، فإذا كنت تحب ليلى وأنت تائه في الصحارى من حبها وهي تبغضك ماذا استفدت؟ لم تستفد إلا الخسران والهلاك، إذاً فاطلب أن يحبك الله، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].
ومن هنا معاشر المستمعين والمستمعات! من أراد منكم أن يحبه الله في صدق فليشتر حب الله، ولكن بماذا؟ بملء الأرض ذهباً؟ لا، لا يستطيع، يا من يريد أن يحبه الله عز وجل سأدلك على الطريق الموصل إلى ذلك، ألا وهو أن تتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تمشي وراءه لا عن يمينه ولا عن شماله فضلاً عن أمامه، اعتقد ما يعتقد، وقل ما يقول، واعمل ما يعمل، وأحبب ما يحب، واكره ما يكره وهكذا .. لن تنهي مشيك إلا وقد أحبك الله عز وجل.
يجب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والآداب والأخلاق، هذه هي مزكيات النفس ومطهراتها، لا تزال تمشي وراء رسول الله، تحب ما يحب، وتفعل ما يفعل، وتترك ما يترك.. فلا تمضي الليالي والأيام إلا وقد زكت نفسك، وطابت، وطهرت، وأصبحت كأنفس الملائكة، ومن ثم يحبك الله؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
ومن لم يمش وراء رسول الله، وأراد أن يتفوق عليه أو يساويه ويعمل بغير ما يعمل به رسول الله تصبح نفسه أنتن وأخبث من أنفس الشياطين، وهل هذا يحبه الله؟ مستحيل! هذه هي الحقيقة.
يا طلاب حب الله! الطريق إليه أن تعبدوه بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم بلا زيادة ولا نقصان، وأن تمشوا وراء نبيكم فهو إمامكم وأمامكم، ولا تزالون في تلك الطاعة حتى يحببكم الله؛ لأنكم طبتم وطهرتم.
ثم ذكر الله تعالى لهم بداية نشأة عيسى -والله ورسوله الله أعلم بعيسى من عبدته- فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ [آل عمران:33-35] وعمران هو أحد صلحاء بني إسرائيل وأنبيائهم، وامرأة عمران هي حنة -من الحنين لا من الحناء التي تعرفونها- عليها ألف سلام، إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ وهي بين يدي ربها في ظلمات الليل تناجيه، ترفع أكفها إليه وتدعوه: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35] والذي في بطنها جنين، نذرته نذراً لله، وسر ذلك أنها كانت لا تلد، وإذا بها في يوم من الأيام تشاهد عصفوراً طائراً يزق أفراخه ويطعمها في الحديقة، فجاشت لديها غريزة حب الولد، وقالت للرب تعالى: إن أعطيتني ولداً فهو لك، يعني: فقط أحمله وألده وأرضعه الرضاعة التي لا بد منها ثم هو لك، المهم أن تشفي صدري، وأن تزيل هذا الشوق في قلبي.
واستجاب الله لها فحملت، قال تعالى: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ [آل عمران:36] لأنها تخبره وهي تتأسف وتتحسر؛ لأن الولد يخدم الله عز وجل فيرابط، ويجاهد، ويعلِّم.. ولكن البنت ماذا تفعل؟
إذاً: هذه حنة تتكلم مع الله عز وجل وهو يسمعها، وهي موقنة بسماعه؛ لأنها مؤمنة إيمان العارفين بالله.
قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36] ومعنى مريم باللغة العبرية: خادمة الله، يعني سمتها خادمة الله، أي عابدة الله لا تخدم إلا الله، هذا هو معنى مريم، وهذه هي أم عيسى يا وفد نجران، أتريدون أن تعلموا رسول الله بحاله؟ فقطع ألسنتهم بهذا العلم.
ثم قال: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ [آل عمران:36] يا رب وَذُرِّيَّتَهَا [آل عمران:36] من بعدها مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36].
وهكذا حصنت بنتها فقالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ أي: أحصنها وأحفظها بك وَذُرِّيَّتَهَا كذلك إذا ولدت، وكان لها ذرية أن تحفظهم بحفظك، وتحصنهم بحصنك يا رب، فكانت تحب الولد، وتحب له أن يعيش طيباً طاهراً لا يعرف إلا الله ولا يعبد سواه، فأبعدته عن الشياطين.
قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37] لما وضعتها ولفتها في القماطة بعدما أرضعتها الرضعة الأولى الضرورية (اللبأ)، خرجت إلى علماء بني إسرائيل في المسجد وقالت: يا علماء! هذه نذيرة الله فخذوها، يعني: أنا نذرتها لله، لا أريد أن أسعد بها، فاختلفوا من يأخذها، ومن يشرف بأخذ هذه النذيرة، فما كان منهم إلا أن اقترعوا، فجمعوا أقلامهم وقالوا: نرسلها قلماً بعد قلم في النهر، وأيما قلم وقف في الماء كان أحق بكفالة هذه النذيرة، وبالفعل رموا بالقلم الأول، فمشى في الماء، والثاني كذلك.. ووقف الثالث، وكان صاحبه هو زكريا عليه السلام.
قال تعالى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44] أي: يا رسول الله وما كنت معهم ولا عندهم وهم يلقون أقلامهم في الماء، فأنت لم توجد بعد، ولكن عرفت هذا لأنك رسول الله، يوحي إليك بكلامه ووحيه، وهذه -والله- وحدها كافية لأن يدخل النصارى في الإسلام، فالرسول كان في مكة، وهم كانوا بالشام في فلسطين، إذاً كيف لا يكون رسولاً؟ مستحيل! هذه آية تثبت النبوة المحمدية، ومن تدبير الله الرحيم أن خالتها كانت زوجة لزكريا عليه السلام؛ فتربت مع خالتها، بعد أن حرمت من أمها.
قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37] هذه نذيرة الله عز وجل، لا ينبغي أن تلعب مع البنات، ولا أن تأكل وتشرب مع الأولاد.. ولا.. ولا، فما إن ميزت حتى جعلوها في مقصورة في المسجد -المحراب هو بناية صغيرة لاصقة بالمسجد- لتعبد الله الذي خلقت من أجل عبادته، فهي منذورة لهذا، وكان زكريا عليه السلام يأتيها بالغداء والعشاء، وكلما دخل بطعامه وجد عندها رزقاً، قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا يعني: من أين هذا؟ كيف جاء لك؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ [آل عمران:37-38] يعني: أفاق زكريا، فما كان يرجو الولد وقد عُمّر حتى تجاوز الثمانين أو المائة، وامرأته عاقر، لم يسأل الله ما هو خلاف سنته، ولكن هنالك دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].
أرأيتم كيف هم الصالحون؟ كلما تتاح الفرصة يغتنمونها، فبعدما أفاق ورأى كيف تطعم مريم وتسقى بدون ما سبب ولا آلة ولا شخص دعا الله عز وجل أن يرزقه الولد، إذاً فالله قد يعطي ما به أسباب بدون أسباب.
قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39] نادته الملائكة بأصواتها -فهو رسول الله ونبي الله، يسمع الملائكة، ويعرف كلامها- وهو قائم يصلي في المحراب، ليس على المقهى، أو على طاولة اللعب، ونحن نبيت نرقص على التلفاز والآلات الموسيقية.. بيوتنا حُولت إلى مباءات تسمع فيها أصوات العواهر والماجنين، والساقطين، والكفار، والكاذبين، والمجرمين، بل أصبحت صورهم في بيت كثير من الناس، أهذا يرضي الله؟ أيرضي هذا رسول الله؟ أهذا يزكي النفس؟ هل هذا يطيبها ويعدها لولاية الله وكرامته؟!
هذا هو واقع العالم الإسلامي إلا من رحم الله.
إذاً: زكريا رسول الله في المحراب يقوم الليل، ورسولنا كان يقوم الليل ويتهجد فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39] يعني: بشرى بعد بشرى بعد بشرى.