Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

الإحسان وأثره في التمكين


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

القرآن الكريم معين لا ينضب؛ لكنه يحتاج إلى إعمال النظر، إذ إن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن القرآن حمالٌ وجوه)، وقد اخترت أن لا يكون الموضوع مباشر مع العنوان، ولكن جعلت هذا الموضوع تأملات في سورة يوسف عليه السلام، وهذا التأمل خاص بموضوع في غاية الأهمية والحيوية، ألا وهو موضوع الإحسان ومكانه من التمكين للمسلمين في الأرض.

سُئل ابن مسعود رضي الله عنه -كما في صحيح البخاري- عن أجمع آية للخير والشر في القرآن؟ فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل:90]، فهذه أجمع آية للخير والشر في القرآن الكريم.

تمكين الله لنبيه يوسف في القلوب

وسورة يوسف عليه السلام هي سورة الإحسان، ونحن سننظر كيف مكن ليوسف عليه السلام، يخطئ من يتصور أن التمكين أن تحوز الأرض من تحتك، ونحن نقول: إن التمكين في الأرض يسبقه تمكين آخر في غاية الأهمية هذا التمكين هو الذي أحرزه يوسف عليه السلام.

وانظر معي في قول الله عز وجل: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ [يوسف:21] أين هو التمكين؟

قد استخرجوه من غيابة الجب، وبيع بثمن بخس دراهم معدودة، أعني أنه لا يظهر لنا أثر التمكين، ومع ذلك بمجرد أن بيع بهذه الدريهمات، ودخل قصر العزيز، قال الله عز وجل: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ [يوسف:21].

أما التمكين فلأنه دخل قلب العزيز، هذا هو التمكين: عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21]، هذا هو التمكين المهم الذي لا يتم التمكين للمسلم في الأرض إلا به.

إذا دخل المرء قلب إنسان استعبده، وصار ولده وماله، وصار هو نفسه مِلكاً لهذا الإنسان، وذلك لأن المرء كلف بمن يحب، ألم تر في سيرة المحبين إلى هذا المعنى الظاهر، وهو أن المرء إذا أحب كلف، وإذا كلف ذل، والمحبة والذل قرينان، كلما كنت في قاع الذل صرت على قمة الحب، فالمسألة لا تنفك، كلما زاد حبك زاد ذُلّك.

والشاعر المشهور في دواوين العاشقين وهو قيس ، يقول في الأبيات التي طارت كل مطار لما فقد المرأة -ونسأل الله عز وجل أن يعافينا وإياكم من داء العشق؛ لأنه داء قتال- قال:

أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

أحب الرجل حتى وصل إلى درجة الكلف، الرسول عليه الصلاة والسلام أحبه قومه قبل أن يأتي بدعوته، لذلك نحن نقول للدعاة إلى الله عز وجل، الذين أغفلوا هذا الجانب: لماذا تأخر التمكين حتى الآن؟ إذا أردت أن تمكن فأحسن، فإنك بالإحسان تسترق قلوب العباد.

وها هو يوسف عليه السلام يضرب به المثل، الله عز وجل جعل له مكاناً في قلب العزيز فأحبه، فهذا بداية التمكين أن تدخل قلوب الخلق، ونحن نعلم أن بعض الناس كفروا بسبب محبتهم للذين يدعونهم، أي: أنه لا يفكر، فقد وصلت به الثقة العمياء إلى أن يضع حياته بين يدي هذا الإنسان فأضله، فكما قلت: الحب داعية الاتباع، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

دخل يوسف عليه السلام قصر العزيز وبدأت المحن تتوالى عليه، وكانت محنة في غاية القوة تلك التي تعرض لها، ولكنه صبر عليها صبر النبلاء، لأن الصبر عن معصية الله عز وجل هو أرفع أنواع الصبر فيما يتعلق بالمكلف.

ولك أن تتأمل: داعي المعصية موجود، فيوسف عليه السلام كان غريباً، والغريب يفعل في دار الغربة ما يأنف أن يفعله الحاضر بين أهله وخلانه، هذا أول داع لأن يفعل المعصية، لأنه غير معروف.

ثم هو شاب أعزب فتي لم يتزوج ولم يتسر، وهذا أيضاً باعث على أن يقع في المعصية.

ثم هو مملوك، والمملوك لا إرادة له، وهو حريص على إرضاء مالكه، فهذا أيضاً داعي الوقوع في المعصية.

ثم المرأة جميلة، وهي الداعية إلى نفسها، وقد غلقت الأبواب، ومع ذلك يقول: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] وتكرر لفظ الإحسان والمحسنين ومشتقات الإحسان في سورة يوسف كثيراً، بحيث إنك تستطيع أن تسميها (سورة الإحسان) لأنه يطهر فيها الإحسان جلياً.

أول موقف وقف فيه يوسف عليه السلام هو هذه المحنة القوية، ومع ذلك تجاوزها بهذا النبل، فأعلى الله عز وجل كعبه.

ماذا حدث بعد ذلك؟

الموقف الثاني ليوسف عليه السلام في التمكين

المرأة اتهمته، ودخل السجن مع ظهور براءته، فهو ظلم أولاً من المرأة، ثم ظلم بالقرار الجائر أن يدخل السجن بعد ظهور الآيات ببراءته، فدخل السجن، ودخل معه فتيان، وبدأ الموقف الثاني الذي يدلك على محبة يوسف عليه السلام لدعوته. وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36].

والإحسان ينطبع على الوجه، لا تتصور أن صاحب الغل ينجو، بل يظهر غله على وجهه، وصاحب الإحسان ينطق الإحسان على وجهه، ولذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

أحياناً قد تنظر إلى الرجل الذي تراه لأول مرة فتشعر أنك تحبه، وتريد أن تقترب منه، وأنت مستريح له، ورجل آخر أيضاً لا تعرفه، وما دار بينك وبينه حوار، ولا أساء إليك، ومع ذلك تبغضه، وتشعر بهذا البغض في قلبك، وتود أنه لو لم يتكلم، ولم يكن بينكما حوار، إذاً: ما هو الضابط بين هذا وذاك؟

إنها أسارير الوجه التي تعبر عما يكنه القلب، لذلك قال الرجلان ليوسف عليه السلام: إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36] نطق الإحسان على وجهه عليه السلام.

لم يبدأ يوسف عليه السلام البداية التي قد يجهلها من يدعو إلى الله عز وجل، بأن يلبي لهم حاجاتهم؛ لأن المرء إذا حصل حاجته ذهب، ولذلك لما تنازع العلماء في أيهما أفضل: الغني الشاكر أم الفقير الصابر؟ رجح كثير من المحققين أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر؛ لأن الغنى داعية الطغيان وداعية الاستغناء، كما قال عز وجل: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، ما طغى إلا بعد أن استغني.

انظر إلى حياتنا ترى هذا الشيء موجوداً، فإذا ما الابن ينفق عليه أبوه أو أخوه الكبير فهو لا يكاد يخالفه، وينفذ أحياناً بعض ما يكره إذا أمره أبوه أو أخوه، فإذا استقل براتبه بدأ يستقل بقراره، وبدأ يكون له رأي، وبدأ يعارض.

ولذلك نهى الإسلام المرأة عن العمل، وقال علماء المسلمين: إن الأصل في المرأة أنها لا تعمل، لأن الله عز وجل جعل قوامة الرجل على المرأة بشيئين: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]؛ فإذا عملت المرأة وصار لها راتب، كأنما انتزعت نصف القوامة من الرجل؛ لأنها تنفق على نفسها.

وكثيراً من النساء اللواتي يعشن في ذل الرجل العنيف الذي يضرب والذي يسب، لماذا يعشن؟ ولماذا يقبلن الذل؟ لأنهن يخفن على أنفسهن من التشريد، كثير من النساء يقبلن الذل لأجل لقمة العيش، أول ما يكون للمرأة راتب وتستقل براتبها، فكأنها انتزعت نصف القوامة من الرجل؛ لأن الله عز وجل يقول: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، إذاً: بداية استغناء المرأة عن الرجل كان سببه الحصول على الراتب، إذاً: طبيعة الاستغناء أنه يوصل إلى الطغيان.

فهذا الغني الصحيح الذي يجد الأموال الطائلة أمامه، فلا يتعرض لضائقة مالية ولا يتعرض لأزمات، فلذلك يخف ذكر الله من لسانه، قلما يقول: يا رب، قلما ينام وهو يؤمل في الله خيراً؛ لأن دفتر الشيكات موجود، والأموال موجودة في البنوك، وهذه المسألة لا يكاد أحد منا يحتاج إلى كبير بحث فيها.

فالشكر مع هذا الغنى الذي هو داعية الطغيان نادر جداً، أما الصبر فكثيراً ما يلازم الفقر؛ لأن الإنسان إذا افتقر فإنه يوازن بين أن يسخط وبين أن يصبر، فيجد أن الصبر أجود وأفضل، وقد يصبر صبر المضطر؛ لذلك تجد الصبر كثيراً ما يلازم الفقر، ولا تجد الغنى يلازم الشكر إلا نادراً.

لذلك ذهب كثير من العلماء على أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر؛ لعدم وجود باعث الشكر عند الغني.

فيوسف عليه السلام يعرف هذه الحقيقة من نفوس بني آدم، لذلك لم يبدأ بتعبير الرؤيا لهم، وقال: لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي [يوسف:37]، وياء الإضافة في (ربي) تكررت كثيراً في سورة يوسف، وهي تشعر بالاعتزاز وصحة الانتماء إلى الله عز وجل، قال: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي [يوسف:37]، إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف:50]، رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:101].

ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي [يوسف:37]، فبدأ يعرفهم بإلهه الذي يعبده وبدأ يعرفهم بأنه ينتمي إلى آباء كرام ورثوا النبوة: ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:37-40].

وسورة يوسف عليه السلام هي سورة الإحسان، ونحن سننظر كيف مكن ليوسف عليه السلام، يخطئ من يتصور أن التمكين أن تحوز الأرض من تحتك، ونحن نقول: إن التمكين في الأرض يسبقه تمكين آخر في غاية الأهمية هذا التمكين هو الذي أحرزه يوسف عليه السلام.

وانظر معي في قول الله عز وجل: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ [يوسف:21] أين هو التمكين؟

قد استخرجوه من غيابة الجب، وبيع بثمن بخس دراهم معدودة، أعني أنه لا يظهر لنا أثر التمكين، ومع ذلك بمجرد أن بيع بهذه الدريهمات، ودخل قصر العزيز، قال الله عز وجل: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ [يوسف:21].

أما التمكين فلأنه دخل قلب العزيز، هذا هو التمكين: عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21]، هذا هو التمكين المهم الذي لا يتم التمكين للمسلم في الأرض إلا به.

إذا دخل المرء قلب إنسان استعبده، وصار ولده وماله، وصار هو نفسه مِلكاً لهذا الإنسان، وذلك لأن المرء كلف بمن يحب، ألم تر في سيرة المحبين إلى هذا المعنى الظاهر، وهو أن المرء إذا أحب كلف، وإذا كلف ذل، والمحبة والذل قرينان، كلما كنت في قاع الذل صرت على قمة الحب، فالمسألة لا تنفك، كلما زاد حبك زاد ذُلّك.

والشاعر المشهور في دواوين العاشقين وهو قيس ، يقول في الأبيات التي طارت كل مطار لما فقد المرأة -ونسأل الله عز وجل أن يعافينا وإياكم من داء العشق؛ لأنه داء قتال- قال:

أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

أحب الرجل حتى وصل إلى درجة الكلف، الرسول عليه الصلاة والسلام أحبه قومه قبل أن يأتي بدعوته، لذلك نحن نقول للدعاة إلى الله عز وجل، الذين أغفلوا هذا الجانب: لماذا تأخر التمكين حتى الآن؟ إذا أردت أن تمكن فأحسن، فإنك بالإحسان تسترق قلوب العباد.

وها هو يوسف عليه السلام يضرب به المثل، الله عز وجل جعل له مكاناً في قلب العزيز فأحبه، فهذا بداية التمكين أن تدخل قلوب الخلق، ونحن نعلم أن بعض الناس كفروا بسبب محبتهم للذين يدعونهم، أي: أنه لا يفكر، فقد وصلت به الثقة العمياء إلى أن يضع حياته بين يدي هذا الإنسان فأضله، فكما قلت: الحب داعية الاتباع، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

دخل يوسف عليه السلام قصر العزيز وبدأت المحن تتوالى عليه، وكانت محنة في غاية القوة تلك التي تعرض لها، ولكنه صبر عليها صبر النبلاء، لأن الصبر عن معصية الله عز وجل هو أرفع أنواع الصبر فيما يتعلق بالمكلف.

ولك أن تتأمل: داعي المعصية موجود، فيوسف عليه السلام كان غريباً، والغريب يفعل في دار الغربة ما يأنف أن يفعله الحاضر بين أهله وخلانه، هذا أول داع لأن يفعل المعصية، لأنه غير معروف.

ثم هو شاب أعزب فتي لم يتزوج ولم يتسر، وهذا أيضاً باعث على أن يقع في المعصية.

ثم هو مملوك، والمملوك لا إرادة له، وهو حريص على إرضاء مالكه، فهذا أيضاً داعي الوقوع في المعصية.

ثم المرأة جميلة، وهي الداعية إلى نفسها، وقد غلقت الأبواب، ومع ذلك يقول: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] وتكرر لفظ الإحسان والمحسنين ومشتقات الإحسان في سورة يوسف كثيراً، بحيث إنك تستطيع أن تسميها (سورة الإحسان) لأنه يطهر فيها الإحسان جلياً.

أول موقف وقف فيه يوسف عليه السلام هو هذه المحنة القوية، ومع ذلك تجاوزها بهذا النبل، فأعلى الله عز وجل كعبه.

ماذا حدث بعد ذلك؟