خطب ومحاضرات
هذا الحبيب يا محب 31
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فقد انتهينا إلى مقطوعة [تدابير إلهية لظهور الإسلام] من هو المدبر؟ إنه الله؛ المدبر لظهور الإسلام وعلوه وسطوع شمسه ونصرته، فهيا نستمع إلى هذه التدابير ليزيد إيماننا وترتفع درجة يقيننا، ونصبح مؤمنين بحق إن شاء الله ربنا.
التدبير الأول: قدوم سويد بن الصامت إلى مكة
قال: [وقدم مكة سويد بن الصامت الملقب بـالكامل ] أي: جاء زائراً أو معتمراً أو حاجاً أو تاجراً.. وسويد تصغير أسود، وكان يلقب بـالكامل [لقوته وجلده، وهو أوسي من أهل المدينة] أي: من بلاد الأوس، والأوس والخزرج كانوا يسكنون المدينة، وأصلهم يمنيون زحفوا من اليمن بعد خراب سد مأرب؛ بذنوب أهل البلاد [قدم حاجاً ومعتمراً، فتصدى له الرسول صلى الله عليه وسلم] أقبل عليه بوجهه، وهذا شأن الصادق في طلب الهدى ونشر الخير بين الناس [فدعاه إلى الإسلام وقرأ عليه القرآن] ويا ليتنا عرفنا الآيات التي قرأها عليه، لنطير بها فرحاً ولا نزال نقرأها أبداً؛ لأنها تعالج الأمراض النفسية [فقال: إن هذا لحسن] هذا الكامل لما سمع القرآن قال: إن هذا لحسن! يعني بذلك القرآن [ثم انصرف وقدم المدينة، فلم يلبث أن قتله الخزرج في حرب بُعاث الدائرة بين قبيلتي الأوس والخزرج] من أربعين سنة، وهما قبيلتان أبوهما وأمهما واحدة، ولكن ثارت بينهما حرب بُعاث ودامت حتى أطفأ الله نارها بأبي القاسم صلى الله عليه وسلم [فكان قومه يقولون: قتل الكامل وهو مسلم] لأنه لما عاد من مكة كانت أنوار القرآن والإيمان في لسانه ووجهه، ومات وهو يذكر هذا، فقال قومه: مات فلان مسلماً، ولا يستبعد ذلك؛ لأنه استفاد من تلك النظرة المحمدية، والآيات النورانية التي سمعها، وقال: إن هذا لحسن! وهذه شهادة منه.
قال المؤلف: [وهذا تدبير] من دبر هذا؟ من أتى بـالكامل ؟ إنه الله.
التدبير الثاني: قدوم أبي الحيسر أنس بن رافع مكة مع فتية من بني عبد الأشهل
[فقال إياس -وكان غلاماً حدثاً- هذا والله خير مما جئنا له] كانت القلوب الطيبة تقبل بدون تردد [فضرب وجهه أبو الحيسر بحفنة من البطحاء] وهذا شيطان! لأنه لم يعجبه كلام الشاب، فأخذ حفنة من البطحاء وضربها بوجهه. وهذه هي البشرية: إنسان مرفوع وآخر هابط [وقال: دعنا منك] أي: اتركنا [فلقد جئنا لغير هذا] هذا قاله للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم جاءوا -كما علمتم- يريدون السلاح والرجال [وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلبث أن هلك إياس ] مات [فسمعه قومه يهلل ويكبر حتى مات، فما يشكون أنه مات مسلماً ..] للكلمة التي قالها [وهذا تدبير] تدبير من؟ تدبير الله، يسوق أقداراً لأقدار.
التدبير الثالث: قدوم رهط من الخزرج إلى مكة (بيعة العقبة الأولى)
[فقال بعضهم لبعض: هذا والله النبي الذي توعدكم به اليهود، فأجابوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقوا به] هذا الرهط [وقالوا له: إن بين قومنا شراً وعسى الله أن يجمعهم بك، فإن اجتمعوا عليك فلا رجل أعزّ منك، ثم انصرفوا عنه، وكانوا سبعة نفر.
فلما قدموا المدينة ذكروا لأهلها النبي صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم وانتشر خبره] خبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسلام [حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً] جاءوا للحج [فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة فبايعوه بيعة النساء] والمراد من بيعة النساء هو ما جاء في قوله تعالى من سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12]، وفيها ست مواد تسمى بيعة النساء، وبايع عليها الرجال؛ إذ هي هي.
[وكانت هذه بيعة العقبة الأولى، وكان أهل هذه البيعة أسعد بن زرارة ، وعوف ومعاذ ابنا الحارث هما ابنا عفراء ، ورافع بن مالك بن عجلان ، وعبادة بن الصامت وغيرهم من الخزرج] هؤلاء من الخزرج [ومن الأوس: أبو الهيثم بن التيهان ، وعويم بن ساعدة ، فانصرفوا بعد البيعة، وبعث معهم النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام] ومصعب بن عمير كان شاباً أبواه ليس لهما إلا هو، فكان يمشي في الحرير وكان أعزّ شاب في مكة، فما إن أسلم ودخل في الإسلام حتى رئي يلبس جلد الغنم، وقد استشهد في أحد رضي الله عنه.
[فنزل مصعب بالمدينة على أسعد بن زرارة ] لأنه ليس هناك فنادق [وأنزله أسعد في دار بني ظفر، واجتمع عليه رجال ممن أسلموا، فسمع به سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وهما سيدا بني الأشهل -وكانا مشركين- فقال سعد لـأسيد : انطلق إلى هذين اللذين أتيا دارنا فانههما -يعني بالرجلين مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة- فإنه لولا أسعد بن زرارة وهو ابن خالتي لكفيتك ذلك، فأخذ أسيد حربته، ثم أقبل عليهما فقال: ما جاء بكما تسفهان ضعافنا؟ اعتزلا عنا، فقال له مصعب : أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت] أي أنصفت فيما قلت [ثم جلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، فقال: ما أحسن هذا وأجله، كيف تصنعون إذا دخلتم هذا الدين؟ قال: تغتسل وتطهر ثيابك، ثم تشهد شهادة الحق -لا إله إلا لله محمد رسول الله- ثم تصلي ركعتين، ففعل ذلك وأسلم. ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن تبعكما لم يتخلف عنكما أحد من قومه، وسأرسله إليكم وهو سعد بن معاذ ] رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الذي اهتز عرش الرحمن لموته.
قال: [وانصرف أسيد إلى سعد وقومه، فلما نظر إليه سعد قال: أحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم] فراسة كاملة [ثم قال لـأسيد : ما فعلت؟ قال: كلمتُ الرجلين، ووالله ما رأيت بهما بأساً، وذهب سعد بن معاذ إلى أسعد ومصعب ، فدعاه] مصعب وأسعد [إلى الإسلام فأسلم على نحو ما أسلم أسيد ، ثم ذهب إلى دار بني عبد الأشهل فسألهم قائلاً: كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا! قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة] تدبير من هذا؟ تدبير العليم الحكيم[ورجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة ، وما زال يدعو إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من بني أمية بن زيد ووائل وواقف فإنهم أطاعوا أبا قيس بن الأسلت ، فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل بالمدينة، وحتى مضت بدر وأحد والخندق ثم دخلوا في الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم] تأخر إسلامهم.
التدبير الرابع: إتيان جماعة من أهل المدينة النبي ومبايعتهم له (بيعة العقبة الثانية)
قال: [ما زال الحبيب صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته] كما سمعنا على القبائل في الأسواق، وفي المواسم، وفي الحج .. وهكذا، فهذا واجبه وقد أداه [ونصرته على كل ذي اسم وشرف] أي: على كل رجل ذي سمعة، وذي شهرة، وذي منصب في قريته وبلاده -اسمه مشهور وشرفه عالي ظاهر- وهذا من الحكمة، فلا يعرض نصرته على الصعاليك، فلا بد من أهل نصرة، كما رأينا ذلك في ثقيف، فثقيف الأمة الجبارة اختار منها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة رجال فقط، فلما خاب منهم عرف أن الكل لا ينفع ولا يضر.
قال: [وقدم مكة سويد بن الصامت الملقب بـالكامل ] أي: جاء زائراً أو معتمراً أو حاجاً أو تاجراً.. وسويد تصغير أسود، وكان يلقب بـالكامل [لقوته وجلده، وهو أوسي من أهل المدينة] أي: من بلاد الأوس، والأوس والخزرج كانوا يسكنون المدينة، وأصلهم يمنيون زحفوا من اليمن بعد خراب سد مأرب؛ بذنوب أهل البلاد [قدم حاجاً ومعتمراً، فتصدى له الرسول صلى الله عليه وسلم] أقبل عليه بوجهه، وهذا شأن الصادق في طلب الهدى ونشر الخير بين الناس [فدعاه إلى الإسلام وقرأ عليه القرآن] ويا ليتنا عرفنا الآيات التي قرأها عليه، لنطير بها فرحاً ولا نزال نقرأها أبداً؛ لأنها تعالج الأمراض النفسية [فقال: إن هذا لحسن] هذا الكامل لما سمع القرآن قال: إن هذا لحسن! يعني بذلك القرآن [ثم انصرف وقدم المدينة، فلم يلبث أن قتله الخزرج في حرب بُعاث الدائرة بين قبيلتي الأوس والخزرج] من أربعين سنة، وهما قبيلتان أبوهما وأمهما واحدة، ولكن ثارت بينهما حرب بُعاث ودامت حتى أطفأ الله نارها بأبي القاسم صلى الله عليه وسلم [فكان قومه يقولون: قتل الكامل وهو مسلم] لأنه لما عاد من مكة كانت أنوار القرآن والإيمان في لسانه ووجهه، ومات وهو يذكر هذا، فقال قومه: مات فلان مسلماً، ولا يستبعد ذلك؛ لأنه استفاد من تلك النظرة المحمدية، والآيات النورانية التي سمعها، وقال: إن هذا لحسن! وهذه شهادة منه.
قال المؤلف: [وهذا تدبير] من دبر هذا؟ من أتى بـالكامل ؟ إنه الله.
[وآخر] أي تدبير آخر [هو قدوم أبي الحيسر أنس بن رافع مكة مع فتية من بني عبد الأشهل] من المدينة أيضاً، هذا أبو الحيسر أنس بن رافع قدم مكة مع فتية شبان من بني عبد الأشهل [من بينهم إياس بن معاذ ، قدموا يلتمسون حلفاً من قريش على قومهم من الخزرج] أي: قدموا يطلبون النصرة من قريش، تمدهم بالرجال أو السلاح حتى ينتصروا على عدوهم في المدينة [فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم] لما بلغه أن فتية جاءوا من المدينة وغرضهم طلب النصرة على أعدائهم خف الحبيب صلى الله عليه وسلم وانطلق إليهم، وهنا تلاحظون قيامه -صلى الله عليه وسلم- الحق على دعوة الله! [وقال لهم: ( هل لكم فيما هو خير لكم مما جئتم له؟ )] عرض عليهم دعوته في لطف، فقال: ( هل لكم فيما هو خير لكم مما جئتم له؟ ) يعني: أنتم جئتم تطلبون الرجال والسلاح والنصرة، وهناك ما هو خير لكم من هذا [ودعاهم إلى الإسلام وقرأ عليهم القرآن] دعاهم إلى الإسلام وقال: أسلموا.
[فقال إياس -وكان غلاماً حدثاً- هذا والله خير مما جئنا له] كانت القلوب الطيبة تقبل بدون تردد [فضرب وجهه أبو الحيسر بحفنة من البطحاء] وهذا شيطان! لأنه لم يعجبه كلام الشاب، فأخذ حفنة من البطحاء وضربها بوجهه. وهذه هي البشرية: إنسان مرفوع وآخر هابط [وقال: دعنا منك] أي: اتركنا [فلقد جئنا لغير هذا] هذا قاله للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم جاءوا -كما علمتم- يريدون السلاح والرجال [وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلبث أن هلك إياس ] مات [فسمعه قومه يهلل ويكبر حتى مات، فما يشكون أنه مات مسلماً ..] للكلمة التي قالها [وهذا تدبير] تدبير من؟ تدبير الله، يسوق أقداراً لأقدار.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
هذا الحبيب يا محب 115 | 4084 استماع |
هذا الحبيب يا محب 111 | 4080 استماع |
هذا الحبيب يا محب 7 | 3824 استماع |
هذا الحبيب يا محب 47 | 3819 استماع |
هذا الحبيب يا محب 126 | 3695 استماع |
هذا الحبيب يا محب 102 | 3682 استماع |
هذا الحبيب يا محب 9 | 3650 استماع |
هذا الحبيب يا محب 32 | 3574 استماع |
هذا الحبيب يا محب 99 | 3489 استماع |
هذا الحبيب يا محب 48 | 3472 استماع |