خطب ومحاضرات
شرح ألفية ابن مالك[52]
الحلقة مفرغة
تعريف عطف البيان
[ العطفُ إما ذو بيان أو نسق والغرض الآن بيانُ ما سبق
فذو البيان تابع شبه الصفه حقيقة القصد به منكشفة ]
قوله رحمه الله: (العطف).
تقدم أن العطف معناه الثني، فثني الشيء على الشيء يسمى عطفاً، ومنه عطف طرفي الحبل بعضهما إلى بعض.
أما هنا فإن العطف قد بينه المؤلف بقوله: (إما ذو بيان أو نسق).
فالعطف ينقسم إلى قسمين:
عطف بيان، وعطف نسق.
فما كان بواسطة الحرف فهو عطف نسق، مثل جاء زيدٌ وعمرو، فقولنا: (عمرو)، هذا عطف نسق.
وما كان بغير واسطة الحرف فهو عطف بيان.
قال: (والغرض الآن):
(الآن) تقدم أنها ظرف للإشارة إلى الزمان الحاضر، كما أن هنا ظرف للإشارة إلى المكان الحاضر، فالآن ظرف مبني على الفتح في محل نصب.
وقوله: (الغرض الآن)، أي: في هذا الباب، (بيان ما سبق).
الذي سبق هو عطف البيان، فقدم المؤلف الكلام على عطف البيان لأنه أقل، ولأنه أشبه بالنعت، فكان أولى أن يكون أقرب إليه، وقد فصل بينه وبين النعت بالتوكيد، وإنما فصل بينه وبين النعت بالتوكيد لأن التوكيد في الحقيقة مؤكد لذات الشيء.
قال: (فذو البيان) أي: فعطف البيان، تعريفه: (تابع شبه الصفة).
فقولنا: (تابع) جنس يدخل فيه جميع التوابع.
وقولنا: (شبه الصفة)، خرج به النعت؛ لأن مشابه الشيء ليس هو الشيء، فهو يشبه النعت في بيان متبوعه، لكنه يخالف النعت في أنه جامد، والنعت مشتق أو مؤول به، ويظهر ذلك بالمثال:
تقول: جاء أبو حفص الفاروق ، فـالفاروق : صفة لـأبي حفص ، وتقول: جاء أبو حفص عمر ، فـعمر عطف بيان وليس بصفة؛ لأن عمر علم جامد، لكن الفاروق مشتق، ولهذا قال المؤلف: (تابع شبه الصفة)، أي: وليس بصفة.
وقوله: (حقيقة القصد به منكشفة) خرج بهذا بقية التوابع؛ لأن التوابع لا تنكشف بها حقيقة القصد، فكل تابع مستقل، والنعت قد تتبين به حقيقة القصد لكنه مشتق كما سبق، أما بقية التوابع فليست كذلك.
ما يتبع فيه عطف البيان متبوعه
(أولينه) يعني: أعطه، (من وفاق الأول) الأول المتبوع.
وقوله: (ما من وفاق الأول النعت ولي).
يعني: ما أعطي النعت من وفاق الأول.
وإعراب البيت كما يلي:
(أولينه): فعل أمر والهاء مفعول أول.
وقوله: (ما من وفاق)، (ما): هي المفعول الثاني.
وقد سبق أن النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة: في واحد من أوجه الإعراب، وفي واحد من التعريف أو التنكير، وفي واحد من الإفراد وفرعيه، وفي واحد من التذكير والتأنيث.
وهذا أيضاً يتبع في أربعة من عشرة، مثلاً: إذا كان المتبوع مرفوعاً صار عطف البيان مرفوعاً، وإذا كان المتبوع منصوباً صار عطف البيان منصوباً، وإذا كان مفرداً صار عطف البيان مفرداً، وإذا كان مؤنثاً صار عطف البيان مؤنثاً، والعكس بالعكس.
وفهمنا من قول المؤلف إنه يعطى أحكام النعت بالتبعية أنه يجوز أن يكون عطف البيان بين نكرتين، وإلى هذا أشار بقوله:
[ فقد يكونان منكرين كما يكونان معرفين ]
فقاس المختلف فيه على المتفق عليه.
والنحويون: بصريهم وكوفيهم اتفقوا على أن عطف البيان يكون بين معرفتين؛ لأنه يفيد التخصيص، فتقول مثلاً: جاء أبو بكر عبد الله بن أبي قحافه ، أبو بكر معرفة وهو المتبوع، وعبد الله معرفة وهو التابع.
هل يكون بين نكرتين؟
الجواب: نعم، وهذا ما ذهب إليه ابن مالك مع أن ابن مالك يعد من البصريين لكنه بصري مجتهد يميل إلى ما يراه هو الصواب؛ ولهذا مذهب الكوفيين ومنهم ابن آجروم أنه يقع عطف البيان بين نكرتين، فوافقهم على هذا، واستشهدوا لذلك من القرآن، فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى يقول: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ [إبراهيم:16] (ماء) نكرة، ونوع الماء صديد، وصديد اسم جامد، ومع ذلك صار عطف بيان.
والبصريون يجيبون على الآية فيقولون: هذا بدل.
وسيأتينا أن ضابط البدل: هو الذي لو حذف المبدل منه قام مقامه، فلو قال سبحانه وتعالى: ويسقى من صديد، استقام الكلام، فهو إذاً بدل وليس عطف بيان.
أما هؤلاء فيقولون: نحن نقول: إنه يجوز أن يكون بدلاً، لكن يجوز أيضاً أن يكون عطف بيان.
وكذلك أيضاً قوله تعالى: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ[النور:35] فزيتونة عطف بيان؛ لأن (زيتونة) ليست مشتقاً فهي عطف بيان.
وأولئك يقولون: إنها بدل؛ لأنه لو قال: يوقد من زيتونة مباركة لصح.
لكن نقول: هي أيضاً عطف بيان.
ويقولون: إن المراد بعطف البيان أنه يبين متبوعه ويخصصه ويميزه من غيره، والنكرة لا تبين النكرة.
والرد عليهم بسيط جداً، وهو: أن النكرة الموصوفة أو المبينة مخصصة، فبدلاً من أن نقول: (من ماء) ونطلق ويكون صالحاً لكل ماء، ميز هذا الماء بقوله: (صديد).
وبدلاً من أن (شجرة مباركة) عامة لكل شجرة مباركة خصصها بقوله: زيتونة.
فالتخصيص حتى في النكرات موجود. فإذاً: دليلهم ليس بصحيح؛ ولهذا مشى ابن مالك على هذا القول وهو أنه يجوز أن يكون عطف البيان ومتبوعه نكرتين.
متى يمتنع أن يكون عطف البيان بدلاً
[ وصالحاً لبدلية يرى في غير نحو يا غلام يعمرا ]
القاعدة: أن كل ما جاز أن يكون عطف بيان جاز أن يكون بدلاً، والعكس بالعكس إلا في بعض أنواع البدل كما سيأتينا، وهي: بدل الغلط، وبدل البعض، وبدل الشمول، فلا يمكن في هذه الأنواع أن تكون عطف بيان، إنما المقصود بدل الكل من الكل، فقوله: (صالحاً لبدلية) ليس على إطلاقه، إنما المراد بدلية كل من كل، فيجب أن يقيد بهذا.
وإعراب (صالحاً) مفعول مقدم ليرى، يعني: أنَّ أي عطف البيان صالح لأن يكون بدل كل من كل، إلا في مسائل، قال: (في غير نحو يا غلام يعمراً).
قد يظن أن الغلام مضافة إلى يعمر، وليس الأمر كذلك، فلو كان مضافاً لم يكن عندنا بدل أو عطف بيان.
و(غلام): نكره مقصودة منادى مبني على الضم. و(يعمر) عطف بيان لغلام منصوب بالفتحة الظاهرة.
وهنا (يعمر) لا يصلح أن نجعله بدلاً من (غلام)؛ لأن البدل هو الذي يصح أن يحل محل المبدل منه، ولا يصلح أن يحل يعمر محل غلام؛ لأنه منصوب، فلو قلت: يا يعمرَ! لا يصح ويكون لحناً، لأن حقه البناء على الضم عند النداء. فالقاعدة: أنه إذا وجد منادى مبني على الضم، وبعده مفرد معرفة معرب؛ فإنه لا يصح أن يعرب بدلاً.
فإذا قلنا: يا غلام يعمرَ، قلنا: يعمر لا بد أن تكون عطف بيان، ولا يصح أن تكون بدلاً.
وإذا قيل: ما وجه نصبها إذا كانت عطف بيان؟
نقول: لأنها كالصفة في الإعراب، وصفة المنادى يجوز أن تنعت على محله لا على لفظه، ومحل المنادى هو النصب، فنقول: (يعمرَ) بدل من غلام تابع لمحله.
المسألة الثانية: قال:
[ ونحو بشر تابع البكري وليس أن يبدل بالمرضي ]
يشير إلى قول الشاعر:
أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعاً.
تقدم لنا في باب الإضافة أنه لا يضاف المحلى بأل إلا إذا كان وصفاً مضافاً لما فيه أل أو مضافاً إلى مضاف إلى ما فيه أل.
فالتارك: اسم فاعل محلى بأل مضاف إلى البكري وهو محلى بأل، فالإضافة صحيحة، و(بشر) علم لا يصح أن يضاف إليه ما فيه أل؛ فنعربه عطف بيان للبكري ولا يصح أن نجعله بدلاً؛ لأنه لو أزيل المتبوع وجعل التابع مكانه لم يصح.
ثم أشار المؤلف إلى رد قول بعض النحويين الذين يجوزون إضافة اسم الفاعل المحلى بأل إلى العلم وإن لم يكن فيه أل.
فقال: (وليس أن يبدل بالمرضي).
المعنى: وليس أن يجعل بدلاً بالقول المرضي، أي: لا نقبل أن يكون بدلاً.
وخلاصة القول في البيتين: أن كل عطف بيان يصح أن يكون بدلاً، إلا إذا كان هذا الذي هو عطف بيان لا يصح أن يحل محل التابع لأي سبب من الأسباب، سواء ما ذكر المؤلف وغيره.
قال رحمه الله تعالى:
[ العطفُ إما ذو بيان أو نسق والغرض الآن بيانُ ما سبق
فذو البيان تابع شبه الصفه حقيقة القصد به منكشفة ]
قوله رحمه الله: (العطف).
تقدم أن العطف معناه الثني، فثني الشيء على الشيء يسمى عطفاً، ومنه عطف طرفي الحبل بعضهما إلى بعض.
أما هنا فإن العطف قد بينه المؤلف بقوله: (إما ذو بيان أو نسق).
فالعطف ينقسم إلى قسمين:
عطف بيان، وعطف نسق.
فما كان بواسطة الحرف فهو عطف نسق، مثل جاء زيدٌ وعمرو، فقولنا: (عمرو)، هذا عطف نسق.
وما كان بغير واسطة الحرف فهو عطف بيان.
قال: (والغرض الآن):
(الآن) تقدم أنها ظرف للإشارة إلى الزمان الحاضر، كما أن هنا ظرف للإشارة إلى المكان الحاضر، فالآن ظرف مبني على الفتح في محل نصب.
وقوله: (الغرض الآن)، أي: في هذا الباب، (بيان ما سبق).
الذي سبق هو عطف البيان، فقدم المؤلف الكلام على عطف البيان لأنه أقل، ولأنه أشبه بالنعت، فكان أولى أن يكون أقرب إليه، وقد فصل بينه وبين النعت بالتوكيد، وإنما فصل بينه وبين النعت بالتوكيد لأن التوكيد في الحقيقة مؤكد لذات الشيء.
قال: (فذو البيان) أي: فعطف البيان، تعريفه: (تابع شبه الصفة).
فقولنا: (تابع) جنس يدخل فيه جميع التوابع.
وقولنا: (شبه الصفة)، خرج به النعت؛ لأن مشابه الشيء ليس هو الشيء، فهو يشبه النعت في بيان متبوعه، لكنه يخالف النعت في أنه جامد، والنعت مشتق أو مؤول به، ويظهر ذلك بالمثال:
تقول: جاء أبو حفص الفاروق ، فـالفاروق : صفة لـأبي حفص ، وتقول: جاء أبو حفص عمر ، فـعمر عطف بيان وليس بصفة؛ لأن عمر علم جامد، لكن الفاروق مشتق، ولهذا قال المؤلف: (تابع شبه الصفة)، أي: وليس بصفة.
وقوله: (حقيقة القصد به منكشفة) خرج بهذا بقية التوابع؛ لأن التوابع لا تنكشف بها حقيقة القصد، فكل تابع مستقل، والنعت قد تتبين به حقيقة القصد لكنه مشتق كما سبق، أما بقية التوابع فليست كذلك.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح ألفية ابن مالك [68] | 3431 استماع |
شرح ألفية ابن مالك [2] | 3265 استماع |
شرح ألفية ابن مالك [15] | 3127 استماع |
شرح ألفية ابن مالك[65] | 2988 استماع |
شرح ألفية ابن مالك[55] | 2950 استماع |
شرح ألفية ابن مالك [67] | 2920 استماع |
شرح ألفية ابن مالك [7] | 2917 استماع |
شرح ألفية ابن مالك [24] | 2909 استماع |
شرح ألفية ابن مالك [9] | 2826 استماع |
شرح ألفية ابن مالك [66] | 2810 استماع |