أرشيف المقالات

من آداب المجالس

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
من آداب المجالس

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 
وبعد...
فقد ذكر أهل العلم آدابًا للمجالس ينبغي تعلمها وتطبيقها لأنها مستمدة من الوحيين: الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
وهي كثيرة نقتصر على ذكر أهمها، فمن ذلك:
1- أن المؤمن إذا دُعي إلى طعام فينبغي ألا يثقل على صاحب الوليمة بالجلوس، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ﴾ [الأحزاب: 53].
 
والمرجع إليه في تحديد ذلك وغيره مما سيأتي، ما تعارف عليه العرب من العادات الفاضلة والأخلاق الكريمة، قال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].
 
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن معادن العرب: "خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِليَةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا" [1].
 
2- السلام على أهل المجلس عند القدوم والانصراف، روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ" [2].
 
3- ألا يقيم أحد من مجلسه ثم يجلس مكانه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه [3].
 
4- ألا يفرق بين اثنين، روى أبو داود في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا" [4].
 
5- أن يجلس حيث يُجلسه صاحب المنزل، فهو أعرف بما يناسب، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَلا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ" [5].
 
6- من رجع إلى مجلسه بعد أن قام منه فهو أحق به، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" [6].
 
7- النهي عن الاتكاء على راحة اليد اليسرى خلف الظهر، روى أبو داود في سننه من حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا، وَقَدْ وَضَعَتُ يَدِي الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي، وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي، فَقَالَ: "لاَ تَقْعُدُ قَعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" [7].
 
8- حفظ السمع والبصر واللسان، فلا ينظر إلى ما لا يحل، ولا يتجسس على أهل الدار، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا [8]، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا" [9].
 
وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَو يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ [10] يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [11].
 
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" [12].
 
9- مراعاة أدب الحديث، كحسن الاستماع والإنصات، وعدم المقاطعة أو الاستئثار بالحديث، أو رفع الصوت، أو كثرة الضحك، أو الانشغال عن الضيوف بالجوال أو غيره من الأمور التافهة.
 
10- عدم إفشاء أسرار المجالس، روى أبو داود في سننه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذَا حُدِّثَ الْإِنْسَانُ حَدِيثًا، وَالْمُحَدِّثُ يَلْتَفِتُ حَوْلَهُ، فَهُوَ أَمَانَةٌ" [13].
 
11- وينبغي للجالس إذا سمع درسًا علميًّا، أو موعظة، أو حديثًا نافعًا أن يصغي إليه ويحسن الاستماع ولا ينشغل عنه بالحديث بمن حوله، أو جواله، أو يشوش المجلس بالاتصالات أو باستقبالها.
 
12- الاستفادة من أهل الفضل الذين في المجلس، سواء كانوا من المشايخ أو طلبة العلم، أو من كبار السن، أو ممن لهم تجارب في الحياة، فقد لا تتيسر الفرصة للالتقاء بهم مرة أخرى، وقد ينفع الله بذلك المجلس، كان الإمام البخاري في مجلس إسحاق بن راهويه أمير المؤمنين في الحديث، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البخاري: فوقع في قلبي فأخذت في جمع الصحيح [14].
 
13- ترك التفاخر، ومدح النفس، وحب الظهور في المجالس، والتواضع في ذلك، لا كما يفعل بعضهم فيُحدث الناس بما يملك من أموال، وكم بلد سافر إليه، وكم من كتاب قرأه، أو التنقص من بعض الناس أو بعض المدن أو القبائل، أو الفخر بالأحساب، أو غير ذلك مما لا فائدة فيه إلا كسر قلوب الآخرين، روى الترمذي في سننه من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ" [15].
 
وروى مسلم في صحيحه من حديث عياض المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الله أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" [16].
 
قال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير [17].
 
14- كفارة المجلس، روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ" [18].
 
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] صحيح البخاري برقم 4689، وصحيح مسلم برقم 2378.


[2] برقم 2706، وقال: حديث حسن.


[3] صحيح البخاري برقم 6270، وصحيح مسلم برقم 2177.


[4] سنن أبي داود برقم 4845، وحسنه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 2385.


[5] جزء من حديث برقم 673.


[6] (13 /218) برقم 7810، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.


[7] سنن أبي داود برقم 4848، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (3 /919) برقم 4058.


[8] الفرق بين التجسس والتحسس، قيل التجسس بالجيم: البحث عن عورات النساء، وبالحاء الاستماع لحديث القوم، ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سُئل عن الفرق بينهما فقال: لا يبعد أحدهما عن الآخر التحسس في الخير، والتجسس في الشر.
موسوعة الأخلاق، الدرر السنية.


[9] صحيح مسلم برقم 2563.


[10] الآنك: الرصاص المذاب.


[11] برقم 7042.


[12] صحيح البخاري برقم 6136، وصحيح مسلم برقم 47.


[13] برقم 4868، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (3 /922) برقم 4075.


[14] سير أعلام النبلاء (12 /401).


[15] برقم 2352، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2 /275) برقم 1917.


[16] برقم 2865.


[17] سير أعلام النبلاء (11 /177-356).


[18] برقم 3433 وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (3 /153) برقم 2730.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣