وصايا للدعاة
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
وصايا للدعاة
الشيخ عبد الله بن حسن القعود
-1-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فأوصيكم إخواني في الله
دعاة وشباب الإسلام بتأمل أمور منها ما يأتي:
تعلمون وفقكم الله أن الله سماكم المسلمين وامتن بهذه التسمية بل أمر ووصى
بها فقال تعالى: [وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ..] إلى قوله سبحانه وتعالى: [هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ] . وقال: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ] .
وقال: [ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ] .
وكانت هذه التسمية هي السمة والعلامة لأمة الاستجابة التي لم تبدل ولم تغير بل ومحل الاعتزاز، روى الإمام مسلم -رحمه الله- عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي ركباً بالروحاء فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ فقال: رسول الله..
الحديث، وأن مسمى دين هذه الأمة الإسلام، الإيمان، الإحسان، وأنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وأن أهله يتفاوتون فيه وشعبه تتفاوت كذلك قال تعالى: [إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] ، وقال: [لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ والْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وكُلاًّ وعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى] .
وقال: [لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقَاتَلُوا وكُلاًّ وعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى] .
وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري العابر في الأفق، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: لا، والذي نفسي بيده، قوم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» .
وقال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» .
وقال: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» .
ونصوص زيادة الإيمان بالطاعات ونقصانه بالعصيان معروفة ومعروف مذهب السلف الصالح في ذلك فمسماه يشمل كل من أظهر الإسلام ولم يرتكب ما يناقضه وينقل عن أصله، قال -عليه الصلاة والسلام-: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم الذي له ذمة الله ورسوله، فلا تخفروا الله في ذمته» [1] . فمن كان ذلك الوصف ظاهره اندرج في عداد المسلمين، أهل الملة، أهل القبلة، مسمى جماعة المسلمين في الجملة، أما الفرقة الناجية فقد فسرها -عليه الصلاة والسلام- بقوله: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» .
وأن مذهب السلف في عصاة أهل القبلة أنهم يُحَبون لما فيهم من طاعات، ويُبْغَضون لما فيهم من عصيان، وأنه يجتمع في قلب الشخص الواحد من المسلمين الحب والبغض في آن واحد لعصاة المسلمين، وأنهم أي السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يرجون للمحسنين من أمة محمد ويخافون على المسيئين منهم، ولا يكفرون أحداً من المسلمين بكل ذنب فعله ما لم يستحله، ويبقى فيهم مع تفاوتهم في الإيمان وارتكاب بعضهم لشيء من العصيان الذي لا ينقل عن الملة التحاب على ما ذكر، والتراحم والتعاطف والاحترام المتبادل وفق منهاج الله، قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله-: ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا فعل أخطأ فيه؛ كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال: [آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وقَالُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ] ، وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم. فليتأمل المسمى المذكور للمسلمين والنقل المذكور عن شيخ الإسلام -رحمه الله- وأمثاله من يحرجون غيرهم من شباب المسلمين بالقول له: هل أنت كذا أو كذا، فينبغي لمن ووجه أو قوبل بهذا القول أن يقول: أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في استنكاره لمثل هذا السؤال: وروينا عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فقال: أنت على ملة علي أو ملة عثمان، فقال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان، بل أنا على ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. - 2 - من المعلوم البدهي أن الدعوة إلى توحيد الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله لن تتحقق على الوجه المطلوب ما لم يزل من وجهها ما تأصل في بعض النفوس الخبيثة من الشرك الأكبر المناقض لتوحيد الله، ولما أمر الله به من الكفر بالجبت والطاغوت الذي بدونه أي الكفر بالجبت والطاغوت لا يتحقق معنى لا إله إلا الله في النفوس، ولا في الواقع وإن نطق بها لفظاً فغير خافٍ أن الفترة الزمنية التي قضاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة يدعو فيها إلى توحيد الله كان يغشى الناس في مجامعهم ومواسمهم التماساً لمن ينصره ويحميه ليدعو إلى ذلك بالفعل من لم ينفع معه القول، ونتج عن ذلك بيعته في موسم الحج لعدد من الأنصار -رضي الله عنهم-، تلتها هجرته إلى المدينة ليقيم بها دولة ومعسكر الإسلام الذي بوجوده تنفذ أحكام الله وتقام حدوده وتحمى دعوته، وفعلاً لما دخل مكة فاتحاً اتجه إلى الأصنام المعلقة بالكعبة التي كان يدعو بالقول إلى نبذها وأمثالها وعبادة الله وحده يكسرها ويقرأ قول الله: [وقُلْ جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً] ، ويسلم بعد كثير ممن كانوا ممتنعين عن الإسلام ورضى الله عن حسان بن ثابت فقد روى عنه أنه قال: دعا المصطفى دهراً بمكة لم يجب ...
وقد لان منه جانب وخطاب فلما دعا والسيف صلت بكفه ...
له أسلموا واستسلموا وأنابوا وقال قبل ذلكم خير قائل وأصدق قائل: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ والْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومَنَافِعُ لِلنَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ورُسُلَهُ بِالْغَيْبِ] .
ولا شك أن ذكر إنزال الحديد بعد ذكر إرسال الرسل وإنزال الكتب والميزان الذي هو العدل، يفهم منه أن من لم يقوّم بالحجج والآيات الواضحة والأدلة الناصعة يقوّم بالسيف، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في تعليق له على الآية المذكورة: فمن عدل عن الكتاب قُوِّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» .
وقال - عليه الصلاة والسلام-: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) [2] . وقد نهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- هذا المنهج النبوي الكريم مذ بدأ دعوته الخيرة إلى تحقيق توحيد الله وتصفيته مما علق به من شوائب الشرك والبدع والعصيان، يجوب البلاد يعرض طلب نصرته فيها وحمايته من أعدائها على أمراء تلك البلدان ولا زال كما هو معروف من تاريخه -رحمه الله- لا سيما بعد المعاهدة مع أمير الدرعية آنذاك الذي بسط للشيخ -رحمه الله- يده بعد أن عرض عليه دعوته وما تحتاجه من نصرة وحماية قائلاً: أبايعك على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله وإقامة شعائر الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان لهذا الأمر ما كان من خير لا يزال المنتمون لهذه الدعوة على هذا المعتقد المنبعث من دعوة رسل الله وأتباعهم بإحسان ينعمون به وقد كان ضمن منهجهم رحمهم الله التركيز في دعوتهم على الدعوة إلى الكفر بالجبت والطاغوت وتلقين عوام الناس في المساجد مختصر الأصول الثلاثة للشيخ نفسه ومنه: ما أول ما فرض الله عليك، الجواب: الكفر بالطاغوت والإيمان بالله..
إلى: والطواغيت كثير ورؤسهم خمسة إبليس لعنه الله، ومن عبده وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله. فلينتبه لهذا المنهج الخيرون من المسلمين في دعوتهم إلى الله وإلى إقامة شرعه عسى أن يكونوا خير خلف لخير سلف صدقوا مما عاهدوا الله عليه. __________ (1) البخاري رقم 391. (2) مسلم برقم 1924، كتاب الإمارة.