أرشيف المقالات

موعظة بين يدي زلزال تركيا وسوريا

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
موعظة بين يدي زلزال تركيا وسوريا
 
قواعد وضوابط عامة:
أولًا: خلق الله الخلق لعبادته ولابتلائهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ﴾ [البقرة: 214]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ [الأعراف: 94].
 
ثانيًا: ما يرسل الله آياته إلا للتخويف؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].
 
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 96 - 99].
 
ثالثًا: القدر سر الله في خلقه، والقدر من قدرة الله وعلمه وحكمته؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال تعالى: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [هود: 45].
 
فكل ذلك قدَّره الله تعالى بين فضله وعدله؛ لذلك لما طُعن عمر قرأ: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، وكان ابن النابلسي يسلخه الباطنية وهو يقرأ: ﴿ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الإسراء: 58].
 
قدر الله كله حكمة، وأفعاله كلها حكمة، وابتلاؤه لخلقه مبني على الحكمة، فهو أحكم الحاكمين لا يفعل شيئًا على سبيل اللهو والعبث سبحانه وتعالى وعز وجل.
 
فمن حكمته قدر فراق يوسف ليعقوب، وكفر ابن نوح، ووالد إبراهيم، وزوجة لوط، وكفر أبي طالب...
وهكذا.
 
رابعًا: التسليم والإيمان؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
 
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أركان الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشره، والشر في القدر باعتبار أنه قد يصيب العباد ما لا يحبونه ولا يتوافق مع نفوسهم، لكنه ليس شرًّا عند الله تعالى، فالشر ليس إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والخير بين يديك والشر ليس إليك».
 
وثبت في الحديث: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له».
 
حكى ابن كثير في البداية والنهاية عن رجل من أهل الفضل والصلاح بمصر قال: كنت بمصر فبلغني ما وقع من القتل الذريع ببغداد في فتنة التتار، فأنكرت في قلبي وقلت: يا رب، كيف هذا وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له؟ فرأيت في المنام رجلًا وفي يده كتاب، فأخذته فقرأته، فإذا فيه هذه الأبيات، فيها الإنكار علي:






دَع الاعتراض فما الأمرُ لك
ولا الحكم في حركات الفلك


ولا تسأل الله عن فعله
فمن خاض لجةَ بحر هلَك


إليه تصيرُ أمور العباد
دَع الاعتراض فما أجهَلك


ولو تأمَّلت فيما يصيب العباد
والبلاد لأدركت ذلك..







 
1- فمن العباد من يموت في الهدم فهو شهيد؛ كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»؛ رواه البخاري.
 
وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضُّل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها؛ قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويُصلى عليهم.
 
والشهداء ثلاثة أقسام، شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو مَن غلَّ في الغنيمة أو قُتل مدبرًا.
 
وهنا فائدة عظيمة ذكرها ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، قال: (أي: حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه ‌من ‌عاش ‌على ‌شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك).
 






يا من بدنياه انشغل
وغرَّه طولُ الأمل


الموت يأتي بغتةً
والقبرُ صُندوق العمل






 
2- ومن العباد من يُجرح ويصاب بأنواع لا يعلمها إلا الله، فيكون ذلك كله كفارة لسيئاته ورِفعة في درجاته، ويترتب على ذلك من أنواع العبادات ما لا يحصيه إلا الله تعالى؛ من الصبر والدعاء والتضرع والاحتساب والتفويض.....
 
3- ومن العباد من يخرج سليمًا معافًى لم يصبه أذى من الكبار والصغار، فيرى أن هذه نعمة من الله عليه لا يوفيه شكرها.
 
وهنا مقامات للعبد، فلو تأملت فيما يجب على سائر المسلمين، لأدركت ما يجب عليهم من ألوان العبادة لله تعالى..
 
فمن ذلك أن من لم يهتم بأمر المسلمين لا ينبغي أن يكون من خواصهم ولا يُحسب عليهم.
 
ففي الحديث عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؛ رواه مسلم.
 
ومن ذلك تعظيمُ حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروهٍ، فقوله صلى الله عليه وسلم: (تداعى لها سائر الجسد)؛ أي دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة في ذلك، ومنه قوله: تداعت الحيطان، أي تساقطت، أو قربت من التساقط.
 
ومن ذلك المشاركة الإيجابية والمسارعة في مساعدة الناس بالمال والنفس.
 
ومن ذلك الإيمانية الوجدانية لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].
 
ومن ذلك: مقام الدعاء، بأن نُخلص لهم في الدعاء بأن يتقبَّلهم الله في الشهداء، ويعافينا وذويهم من البلاء.
 
ومقام المواساة، وأقلها المواساة القلبية، فالمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
 
ومقام المنة؛ حيث امتنَّ الله عليك بأن هداك لهذا الدين وحفظ لك الأنفس والأموال، وأنت في أحسن الأحوال.
 
ومقام الشكر، فأنت في عافية وأمان في دينك ودنياك، لم يُصبك ما أصابهم هناك، فتنشط في عبادة مولاك.
 
وفي الحديث عن عبيد الله بن محصن الخطمي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».

شارك الخبر

المرئيات-١