أرشيف المقالات

الشتاء عبرة وعظة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الشتاء عبرة وعظة
 
في الشتاء موعظة للمؤمنين، ونبين ذلك في النقاط التالية:
1- إن في شدة البرد عبرة وعِظة لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ عن الزهري، حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله: ((اشتكتِ النار إلى ربها، فقالت: أي ربِّ، أكَل بعضي بعضًا، فأذِن لها بنفَسين، نفَس في الشتاء، ونفَس في الصيف، وهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزَّمهرير))؛ (رواه البخاري ومسلم).
 
ومن وقف عند ذلك وتأمل واعتبر، كان ذلك تشجيعًا وتصبيرًا له على العبادة، حتى يسلم من زمهرير جهنَّم وحرها، وتوجب عليه الاستعاذة من زمهريرها، ومن اجتهد في طاعة الله سبحانه وتعالى، كان حقًّا عليه سبحانه أن يقيَه برد جهنم وحرَّها، وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل النار وما يتعرضون له من عقاب أليم بقوله: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 24 - 26].
 
والغساق: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنه (الزمهرير البارد الذي يحرق مِن برده)، وأضاف مجاهد: (الذي لا يستطيعون أن يذوقوه مِن برده).
 
ورُوي عن ابن عباس قال: (يستغيث أهل النار من الحر، فيغاثون بريح باردة يصدع العظامَ بردُها، فيسألون الحر ويستغيثون بحر جهنم)، نسأل اللهَ العفو والعافية، والمعافاة التامة في الدِّين والدنيا والآخرة.
 
2- إن كثيرًا من الزهاد العابدين كان المطر والثلج والبرد والبرق والرعد موعظة لهم، وتذكرة لهم بالآخرة، فيقول أحد الزهاد: (ما رأيت الثلج يتساقط إلا تذكرت تطاير الصحف في يوم الحشر والنشر).
 
3- إن الطين في الشتاء وترابه يرخو بفعل مياه الأمطار المنهمرة، وهذا الأمر فيه دعوة إلى ذلك الكائن الضعيف المخلوق من هذا الطين (الإنسان) بأن يرق قلبه، وتلين جوارحه لذكر ربه، ويذكر الإنسان بأصل خلقته، وقدرة ربه، وفضل الله تعالى الكريم المنان عليه.
 
الشتاء عدوٌّ فاحذروه:


على الرغم من أن الشتاء له فضل، والأعمال الصالحة فيه أيسر من غيره من الفصول؛ لقِصَر نهاره وطول ليله، فإنه عدو ينبغي الحذر منه:
1- روى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر قال: (كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهَد رعيته، وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر، وهو عدو، فتأهَّبوا له أُهْبَته من الصوف والخِفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شِعارًا ودثارًا؛ فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد خروجه)، ومعنى الشعار: الملابس التي تَلِي البدن، ومعنى الدثار: ما يلبس فوق الشعار؛ (أي: الملابس الخارجية).
 
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وإنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه، فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام، وذلك من تمام نصيحته، وحُسن نظره، وشفقته، وحياطته لرعيته رضي الله عنه).
 
2- قيل لأبي حازم الزاهد: إنك لتشدد (يعني في العبادة)، فقال: وكيف لا أشدد وقد ترصد لي أربعة عشر عدوًا؟ قيل له: لك خاصة؟ قال: بل لجميع من يعقل، قيل له: وما هذه الأعداء؟ قال: (أما أربعة: فمؤمن يحسدني، ومنافق يُبغضني، وكافر يقتلني، وشيطان يُغويني ويُضلني، وأما العشَرة: فالجوع والعطش، والحر والبرد، والعري، والمرض، والفاقة، والهرَم، والموت، والنار، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام، ولا أجد لهن سلاحًا أفضل من التقوى)، وقد عد - رحمه الله - البرد من جملة أعدائه.
 
3- من الضرورة بمكان: الإشارة هنا إلى ضرورة إطفاء النار التي توقد غالبًا في الشتاء قبل النوم؛ فهي عدو، ومثل ذلك المدافئ؛ جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فحُدِّث بشأنهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم))، وروى الإمام مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تتركوا النارَ في بيوتكم حين تنامون)).
 
والعلَّة من الأمر بإطفاء النار قبل النوم جاءت في حديث جابر رضي الله عنه، في رواية البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأطفئوا المصابيح؛ فإن الفُوَيسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت))، (ومعنى الفويسقة: فأرة البيت)، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (وحكمة النهي هي خشية الاحتراق، ثم قال: قيده بالنوم؛ لحصول الغفلة به غالبًا، ويستنبط منه أنه متى وُجِدت الغفلة حصل النهي).
 
ويستفاد من ذلك: وجوب الحذر الشديد من إبقاء المدافئ مشتعلةً حال النوم، وقد حصلت كثير من الحوادث، أن احترقت بيوت بأهلها بسبب شمعة أو مدفئة، فينبغي الحذر من ذلك، نسأل الله العافية والسلامة.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١