مختصر التحرير [44]


الحلقة مفرغة

تعريف خطاب الوضع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سبق لنا أن خطاب الشرع نوعان: خطاب تكليف، وخطاب وضع.

خطاب التكليف هو الذي يقتضي الأحكام الخمسة السابقة، وهي الواجب، المباح، المحرم، المكروه، والمندوب.

هذا يسميه العلماء حكماً تكليفياً؛ لأنه يخاطب به المكلف، فيؤمر وينهى ويرخص له، أما خطاب الوضع فليس للمكلف فيه فعل ولا عمل، بل هو من وضع الله عز وجل، وضع أشياء وعلامات تثبت الشيء أو تنفيه؛ ولهذا قال: [خطاب الوضع: خبر استفيد من نصب الشارع علمًا معرفًا لحكمه].

(خبر): يعني: بأن نقول: هذا سبب، هذا علة، هذا مانع، فهذا خبر بإزاء قولنا هذا واجب، وهذا حرام، إذا قلنا: هذا واجب وهذا حرام نسميه حكماً تكليفياً، وإذا قلنا: هذا سبب، هذا علة، هذا شرط، هذا مانع، فهذا نسميه خطاباً وضعياً.

فيقول المؤلف: (خبر) يعني: يصدر منا نحن، (استفيد) يعني: استفدناه (من نصب الشارع علمًا) يعني: دليلاً، وهي مفعول نصب الذي هو مصدر، (معرفًا لحكمه) يعني: يعطينا معرفة لحكم هذا الشيء.

فالسبب الذي هو ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة، من الذي وضع هذا السبب لوجوب الزكاة؟ الشارع، هذا السبب علم يعني: كالعلم، كالدليل، كالجبل يعرف لنا حكماً، وهو وجوب الزكاة عند وجود السبب الذي هو النصاب.

المانع خبر استفدناه من نصب الشارع علماً معرفاً لحكمه، يعني: أنه إذا وجد مانع انتفى الحكم.

قال: [ولا يشترط له تكليف]؛ لأنه من وضع الله، وليس من فعل البشر حتى نقول: لا بد أن يكون المخاطب به مكلفاً، فكون ملك النصاب سبباً لوجوب الزكاة ليس للمكلف فيه دخل أي: ليس المكلف هو الذي عمل أن يكون هذا سبباً.

وتمام الحول شرط في وجوب الزكاة، وليس من فعل المكلف؛ فلهذا لا يشترط له تكليف.

قد تقول: كيف لا يشترط له تكليف؟ أليس لا يجب الشيء إلا على مكلف؟

والجواب: نعم، لكن سبب الوجوب ليس من فعل المكلف، فمثلاً: زوال الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر، وليس زوال الشمس من فعلك حتى تكلف به، وإذا لم تكلف بالشيء فلا يشترط له تكليف.

قال: [ولا كسب]، يعني: ولا يشترط أن يكون من كسب الإنسان، أي: من فعله، بل ولا يلزم، بل قد يكون ليس من فعله جزماً، صحيح أن الإنسان قد يتجر فيكسب مالاً يبلغ النصاب، فيكون المكلف سبباً لوجود السبب، لكن لا نلزمه أن يتجر لأجل أن تجب عليه الزكاة.

قال: [ولا يشترط له علم، ولا قدرة]: وسبب ذلك أنه ليس من فعل الإنسان حتى نشترط له العلم، فزوال الشمس ليس من قدرتنا ولا من علمنا، فهي تدور والإنسان لا يعلم، وتدور والإنسان غير قادر على منعها ولا على زوالها، فالمهم أن خطاب الوضع لا دخل للإنسان فيه، ولا صنع له فيه، بل هو من وضع الله عز وجل يجعله سبباً يتبين به الحكم.

ثم قال: [إلا سبب عقوبة أو نقل ملك]، سبب العقوبة هذا للإنسان فيه دخل، كالجلد، أي: جلد المائة للإنسان فيه ترك، وهو الزنا، هذا مثلاً المكلف، فإذا قيل: ما سبب عقوبة هذا الشخص بمائة جلدة وتغريب عام؟ يقال: الزنا، والزنا من فعل الإنسان.

لكن سبب وجوب صلاة المغرب غروب الشمس، وليس هو من فعل المكلف.

إذاً ما كان سبب عقوبة فهو ينسب للإنسان، كالزنا، والسرقة، والقذف، لكن زوال الشمس ليس من فعل الإنسان، وبلوغ الإنسان ليس من فعله، وهو أن يتم خمسة عشرة سنة سواءً رضي أم لا، لو أن رجلاً بلغ خمس عشرة سنة وخاف من إلزامه بالشرائع وقال: أنا ليس لي إلا ثلاث عشرة سنة، فهل يمكنه هذا؟

الجواب: لا يمكنه؛ لأن هذا من غير فعله.

وكذلك نقل الملك، فمثلاً: ما سبب نقل ملك هذا الشيء من زيد إلى عمرو؟

الجواب: سببه البيع. والبيع من فعل المكلف، ومع ذلك جعل الله البيع سبباً لانتقال الملك، لكن الإرث فيه انتقال للملك وليس من فعل الإنسان. إذاً قول المؤلف: (أو ملك) ليس على إطلاقه، فقد يكون انتقال الملك بسبب لا أثر للإنسان فيه.

ولكن لقائل أن يقول: المؤلف لم يقل: (وانتقال الملك)، بل قال: (نقل ملك)، وفرق بين نقل وانتقال، فالإرث فيه انتقال، والبيع نقل.

يعني يمكن أن يدافع عن المؤلف فيقال: إن المؤلف رحمه الله لم يقل: (أو انتقال ملك) حتى نقول: إن هذا يدخل فيه الإرث، بل قال: (أو نقل ملك)، والنقل لا يكون إلا باختيار، وإذا كان باختيار فهو من فعل المكلف.

أقسام خطاب الوضع

ثم قال: [وأقسامه] أي: أقسام خطاب الوضع أربعة: [علة، وسبب، وشرط، ومانع]، هذه أحكام وضعية أربعة أضفها إلى الأحكام التكليفية السابقة الخمسة يكون الجميع تسعة، خمسة منها تكليفية، وأربعة وضعية.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سبق لنا أن خطاب الشرع نوعان: خطاب تكليف، وخطاب وضع.

خطاب التكليف هو الذي يقتضي الأحكام الخمسة السابقة، وهي الواجب، المباح، المحرم، المكروه، والمندوب.

هذا يسميه العلماء حكماً تكليفياً؛ لأنه يخاطب به المكلف، فيؤمر وينهى ويرخص له، أما خطاب الوضع فليس للمكلف فيه فعل ولا عمل، بل هو من وضع الله عز وجل، وضع أشياء وعلامات تثبت الشيء أو تنفيه؛ ولهذا قال: [خطاب الوضع: خبر استفيد من نصب الشارع علمًا معرفًا لحكمه].

(خبر): يعني: بأن نقول: هذا سبب، هذا علة، هذا مانع، فهذا خبر بإزاء قولنا هذا واجب، وهذا حرام، إذا قلنا: هذا واجب وهذا حرام نسميه حكماً تكليفياً، وإذا قلنا: هذا سبب، هذا علة، هذا شرط، هذا مانع، فهذا نسميه خطاباً وضعياً.

فيقول المؤلف: (خبر) يعني: يصدر منا نحن، (استفيد) يعني: استفدناه (من نصب الشارع علمًا) يعني: دليلاً، وهي مفعول نصب الذي هو مصدر، (معرفًا لحكمه) يعني: يعطينا معرفة لحكم هذا الشيء.

فالسبب الذي هو ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة، من الذي وضع هذا السبب لوجوب الزكاة؟ الشارع، هذا السبب علم يعني: كالعلم، كالدليل، كالجبل يعرف لنا حكماً، وهو وجوب الزكاة عند وجود السبب الذي هو النصاب.

المانع خبر استفدناه من نصب الشارع علماً معرفاً لحكمه، يعني: أنه إذا وجد مانع انتفى الحكم.

قال: [ولا يشترط له تكليف]؛ لأنه من وضع الله، وليس من فعل البشر حتى نقول: لا بد أن يكون المخاطب به مكلفاً، فكون ملك النصاب سبباً لوجوب الزكاة ليس للمكلف فيه دخل أي: ليس المكلف هو الذي عمل أن يكون هذا سبباً.

وتمام الحول شرط في وجوب الزكاة، وليس من فعل المكلف؛ فلهذا لا يشترط له تكليف.

قد تقول: كيف لا يشترط له تكليف؟ أليس لا يجب الشيء إلا على مكلف؟

والجواب: نعم، لكن سبب الوجوب ليس من فعل المكلف، فمثلاً: زوال الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر، وليس زوال الشمس من فعلك حتى تكلف به، وإذا لم تكلف بالشيء فلا يشترط له تكليف.

قال: [ولا كسب]، يعني: ولا يشترط أن يكون من كسب الإنسان، أي: من فعله، بل ولا يلزم، بل قد يكون ليس من فعله جزماً، صحيح أن الإنسان قد يتجر فيكسب مالاً يبلغ النصاب، فيكون المكلف سبباً لوجود السبب، لكن لا نلزمه أن يتجر لأجل أن تجب عليه الزكاة.

قال: [ولا يشترط له علم، ولا قدرة]: وسبب ذلك أنه ليس من فعل الإنسان حتى نشترط له العلم، فزوال الشمس ليس من قدرتنا ولا من علمنا، فهي تدور والإنسان لا يعلم، وتدور والإنسان غير قادر على منعها ولا على زوالها، فالمهم أن خطاب الوضع لا دخل للإنسان فيه، ولا صنع له فيه، بل هو من وضع الله عز وجل يجعله سبباً يتبين به الحكم.

ثم قال: [إلا سبب عقوبة أو نقل ملك]، سبب العقوبة هذا للإنسان فيه دخل، كالجلد، أي: جلد المائة للإنسان فيه ترك، وهو الزنا، هذا مثلاً المكلف، فإذا قيل: ما سبب عقوبة هذا الشخص بمائة جلدة وتغريب عام؟ يقال: الزنا، والزنا من فعل الإنسان.

لكن سبب وجوب صلاة المغرب غروب الشمس، وليس هو من فعل المكلف.

إذاً ما كان سبب عقوبة فهو ينسب للإنسان، كالزنا، والسرقة، والقذف، لكن زوال الشمس ليس من فعل الإنسان، وبلوغ الإنسان ليس من فعله، وهو أن يتم خمسة عشرة سنة سواءً رضي أم لا، لو أن رجلاً بلغ خمس عشرة سنة وخاف من إلزامه بالشرائع وقال: أنا ليس لي إلا ثلاث عشرة سنة، فهل يمكنه هذا؟

الجواب: لا يمكنه؛ لأن هذا من غير فعله.

وكذلك نقل الملك، فمثلاً: ما سبب نقل ملك هذا الشيء من زيد إلى عمرو؟

الجواب: سببه البيع. والبيع من فعل المكلف، ومع ذلك جعل الله البيع سبباً لانتقال الملك، لكن الإرث فيه انتقال للملك وليس من فعل الإنسان. إذاً قول المؤلف: (أو ملك) ليس على إطلاقه، فقد يكون انتقال الملك بسبب لا أثر للإنسان فيه.

ولكن لقائل أن يقول: المؤلف لم يقل: (وانتقال الملك)، بل قال: (نقل ملك)، وفرق بين نقل وانتقال، فالإرث فيه انتقال، والبيع نقل.

يعني يمكن أن يدافع عن المؤلف فيقال: إن المؤلف رحمه الله لم يقل: (أو انتقال ملك) حتى نقول: إن هذا يدخل فيه الإرث، بل قال: (أو نقل ملك)، والنقل لا يكون إلا باختيار، وإذا كان باختيار فهو من فعل المكلف.

ثم قال: [وأقسامه] أي: أقسام خطاب الوضع أربعة: [علة، وسبب، وشرط، ومانع]، هذه أحكام وضعية أربعة أضفها إلى الأحكام التكليفية السابقة الخمسة يكون الجميع تسعة، خمسة منها تكليفية، وأربعة وضعية.