مختصر التحرير [69]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبق لنا أن أفعال النبي عليه الصلاة والسلام التي يبينها بقوله أو بفعله أمرها واضح؛ لأنه بينها مثل: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وكقطع يد السارق من الكوع، وغير ذلك الذي لم يفعله بياناً لمجمل يقول: [إن علمت صفته من وجوب، أو ندب، أو إباحة]، فهو كما علم، ما علم أنه واجب فهو واجب، وما علم أنه ندب فهو ندب، وما علم أنه مباح فهو مباح.

وطرق العلم يقول المؤلف: إما بالنص، يعني بأن يقول: هذا الشيء واجب، أو بالتسوية بالمعلوم، يعني: أن يقول: هذا مثل هذا، ويكون مماثلاً لواجب، [أو بقرينة تبين إحداها] أي: تبين الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، [أو بوقوعه بيانًا لمجمل] فإنه يكون له حكم ذلك المجمل، [أو امتثالاً لنص يدل على حكم] فإنه يكون حكمه حكم ذلك النص، وهذه قواعد ويمكن أن تعرف أمثلتها فيما يمر عليك، أحياناً يمر عليك أمثلة كثيرة لا تستحضر واحدة منها عند ذكر القاعدة، لكن المهم أن تفهم القاعدة ثم تطبق إذا مر عليك في الكتاب والسنة.

ثم قال: [فأمته مثله] يعني: الأمة يكون حكمها حكم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النص، إن كان للوجوب فهو واجب عليه وعلى الأمة، أو للإباحة فهو مباح له وللأمة، أو للندب فهو ندب له وللأمة.

يقول: [وإلا] يعني: وإن لم تعلم صفته من وجوب أو ندب أو إباحة، [فإن تقرب به فواجب علينا وعليه وإلا فمباح]، يعني: إن فعله على سبيل القربة فهو واجب عليه، وواجب علينا، وإلا يعلم أنه فعله على سبيل القربة بأن كان يحتمل أنه فعله على سبيل الجبلة أو على سبيل العادة فإنه مباح، يعني: وليس له حكم بالندب أو الوجوب.

مدى وجوب البيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قول المؤلف: إنه واجب عليه، هذا صحيح، لكن هل واجب وجوباً مستمراً أو حتى يحصل البيان؟

الصواب: أنه حتى يحصل البيان؛ وذلك لأن الفعل المجرد على القول الراجح إذا فعله تقرباً إلى الله يدل على الاستحباب فقط، أما إذا فعله على سبيل الجبلة أو العادة فقد سبق، فهو واجب عليه حتى يحصل البيان، فإذا بان للخلق فهو مستحب، أما بالنسبة لنا فإنه مستحب وليس بواجب؛ وذلك لأنه فعل مجرد فقط.

وأما من قال من العلماء: إنه واجب علينا، واستدلوا بخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو يصلي فخلع الصحابة نعالهم، فهذا لا يدل على الوجوب؛ لأن مجرد خلع النعل قد يكون للاستحباب، ثم إنه في زمن النسخ والوحي لم ينقطع بعد، فظنوا أنها نسخت الصلاة في النعال فخلعوا.

إذا قال قائل: ما هو دليلكم على أنه مستحب؟

قلنا: فعله على سبيل التقرب يدل على أنه عبادة، والأصل عدم الإثم بالترك، وإذا كان هذا الفعل عبادة لا يأثم بتركه ماذا تكون فحقيقته أنه مستحب، مثال ذلك: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك يتسوك)، فهل نقول: إن السواك واجب عليه وعلينا؟

الجواب: أما عليه فواجب حتى يحصل البلاغ والبيان، وأما علينا فمستحب، ولا يجب علينا أن نتسوك عند دخول البيت؛ لأنه مجرد فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به.

قول المؤلف: إنه واجب عليه، هذا صحيح، لكن هل واجب وجوباً مستمراً أو حتى يحصل البيان؟

الصواب: أنه حتى يحصل البيان؛ وذلك لأن الفعل المجرد على القول الراجح إذا فعله تقرباً إلى الله يدل على الاستحباب فقط، أما إذا فعله على سبيل الجبلة أو العادة فقد سبق، فهو واجب عليه حتى يحصل البيان، فإذا بان للخلق فهو مستحب، أما بالنسبة لنا فإنه مستحب وليس بواجب؛ وذلك لأنه فعل مجرد فقط.

وأما من قال من العلماء: إنه واجب علينا، واستدلوا بخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو يصلي فخلع الصحابة نعالهم، فهذا لا يدل على الوجوب؛ لأن مجرد خلع النعل قد يكون للاستحباب، ثم إنه في زمن النسخ والوحي لم ينقطع بعد، فظنوا أنها نسخت الصلاة في النعال فخلعوا.

إذا قال قائل: ما هو دليلكم على أنه مستحب؟

قلنا: فعله على سبيل التقرب يدل على أنه عبادة، والأصل عدم الإثم بالترك، وإذا كان هذا الفعل عبادة لا يأثم بتركه ماذا تكون فحقيقته أنه مستحب، مثال ذلك: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك يتسوك)، فهل نقول: إن السواك واجب عليه وعلينا؟

الجواب: أما عليه فواجب حتى يحصل البلاغ والبيان، وأما علينا فمستحب، ولا يجب علينا أن نتسوك عند دخول البيت؛ لأنه مجرد فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به.

يقول: [ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم المكروه ليبين به الجواز، بل فعله ينفي الكراهة].

أقوال العلماء في حكم فعل رسول الله شيئاً بعد نهيه عنه

يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإن فعله ينفي الكراهة حيث لا معارض له، فإن كان له معارض أخذنا بالمعارض، لكن إذا لم يكن له معارض فإنا فعله ينفي الكراهة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف.

وأشار إلى القول الثاني بقوله: (ولم يفعل المكروه ليبين به الجواز)؛ لأن من العلماء من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإنما فعله ليبين أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، فيكون فعل مكروهاً ليبين أن هذا الفعل ليس حراماً. والمؤلف يقول: فعل مكروهاً ليبين أنه ليس بمكروه، بل ليبين أنه جائز، فصار الفرق بين القولين:

أن القول الأول يقول إنه فعل ما نهى عنه ليبين أنه ليس للتحريم، وعلى هذا فالنهي باقٍ ولكنه للكراهية.

وعلى القول الثاني يقولون: فعله ليبين الجواز.

ولكن القول الأول أصح، أنه إذا نهى عن شيء ثم فعله فإن فعله ينفي التحريم، فهو يفعله ليبين أن النهي ليس للتحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل شيئاً يأثم به، ولو كان للتحريم لأثم به، هذا القول هو القول الراجح.

على أن من الناس في مثل هذه المسألة من يقدم القول على الفعل، محتجاً بأن الفعل يحتمل الخصوصية، ويحتمل النسيان، ويحتمل أشياء أخرى، والقول محكم لا يحتمل شيئاً، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول، ثم رآه ابن عمر يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، لكن في البنيان، فهل نأخذ بالقول ونقول: إنه حرام في البنيان وفي غير البنيان، أم نأخذ بالقول ونجعل الفعل مخصصاً؟

على القول الراجح الأخذ بالثاني؛ لأنه لا معارضة بين قوله وفعله مع إمكان الجمع.

ومن ذلك: نهى عن شرب الإنسان قائماً، ثم شرب قائماً من شن معلق في البيت، وشرب قائماً من زمزم، ففعله هنا على كلام المؤلف ينفي الكراهة، وعلى القول الثاني: ينفي التحريم، يعني: يبين أن النهي ليس للتحريم، ولكنه للكراهة.

وعلى الرأي الثالث: لا أثر لفعله، ونأخذ بالقول، لكن الصحيح أننا نأخذ بالقول وبالفعل، وأنه إذا تعارض القول والفعل فهو كما لو تعارض القول مع القول، أي: أننا يجب أن نجمع بينهما ما استطعنا؛ لأن الكل سنة، قوله سنة وفعله سنة، فأرجح الأقوال في هذه المسألة: أننا نجمع بين القول والفعل، وإذا أمكن الجمع وجب العمل به.

قال: [وتشبيكه بعد سهوه لا ينفيها؛ لأنه نادر]، أي: تشبيكه بعد سهوه لا ينفي الكراهة، أي: كراهة التشبيك؛ وذلك لأنه نهى عن تشبيك الأصابع في المسجد، ولما سها وسلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين تقدم إلى خشبة معروضة في المسجد واتكأ عليها وشبك بين أصابعه. يقول المؤلف: هذا لا ينفي الكراهة التي استفيدت من نهيه عن التشبيك في المسجد؛ لأنه نادر.

وفي كلام المؤلف هنا نظر، بل نقول: إن المورد لم يتفق، أي أن المورد فيما نهى عنه وفيما فعله لم يتفق؛ لأنه يمكن أن نقول: إن النهي لمنتظر الصلاة، وإذا فرغت الصلاة جاز التشبيك، وهذا القول هو الأصح؛ لأننا بهذا القول يمكن أن نجمع بين قوله وفعله، ومتى أمكن الجمع بين النصوص كان هو الواجب.

يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإن فعله ينفي الكراهة حيث لا معارض له، فإن كان له معارض أخذنا بالمعارض، لكن إذا لم يكن له معارض فإنا فعله ينفي الكراهة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف.

وأشار إلى القول الثاني بقوله: (ولم يفعل المكروه ليبين به الجواز)؛ لأن من العلماء من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإنما فعله ليبين أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، فيكون فعل مكروهاً ليبين أن هذا الفعل ليس حراماً. والمؤلف يقول: فعل مكروهاً ليبين أنه ليس بمكروه، بل ليبين أنه جائز، فصار الفرق بين القولين:

أن القول الأول يقول إنه فعل ما نهى عنه ليبين أنه ليس للتحريم، وعلى هذا فالنهي باقٍ ولكنه للكراهية.

وعلى القول الثاني يقولون: فعله ليبين الجواز.

ولكن القول الأول أصح، أنه إذا نهى عن شيء ثم فعله فإن فعله ينفي التحريم، فهو يفعله ليبين أن النهي ليس للتحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل شيئاً يأثم به، ولو كان للتحريم لأثم به، هذا القول هو القول الراجح.

على أن من الناس في مثل هذه المسألة من يقدم القول على الفعل، محتجاً بأن الفعل يحتمل الخصوصية، ويحتمل النسيان، ويحتمل أشياء أخرى، والقول محكم لا يحتمل شيئاً، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول، ثم رآه ابن عمر يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، لكن في البنيان، فهل نأخذ بالقول ونقول: إنه حرام في البنيان وفي غير البنيان، أم نأخذ بالقول ونجعل الفعل مخصصاً؟

على القول الراجح الأخذ بالثاني؛ لأنه لا معارضة بين قوله وفعله مع إمكان الجمع.

ومن ذلك: نهى عن شرب الإنسان قائماً، ثم شرب قائماً من شن معلق في البيت، وشرب قائماً من زمزم، ففعله هنا على كلام المؤلف ينفي الكراهة، وعلى القول الثاني: ينفي التحريم، يعني: يبين أن النهي ليس للتحريم، ولكنه للكراهة.

وعلى الرأي الثالث: لا أثر لفعله، ونأخذ بالقول، لكن الصحيح أننا نأخذ بالقول وبالفعل، وأنه إذا تعارض القول والفعل فهو كما لو تعارض القول مع القول، أي: أننا يجب أن نجمع بينهما ما استطعنا؛ لأن الكل سنة، قوله سنة وفعله سنة، فأرجح الأقوال في هذه المسألة: أننا نجمع بين القول والفعل، وإذا أمكن الجمع وجب العمل به.

قال: [وتشبيكه بعد سهوه لا ينفيها؛ لأنه نادر]، أي: تشبيكه بعد سهوه لا ينفي الكراهة، أي: كراهة التشبيك؛ وذلك لأنه نهى عن تشبيك الأصابع في المسجد، ولما سها وسلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين تقدم إلى خشبة معروضة في المسجد واتكأ عليها وشبك بين أصابعه. يقول المؤلف: هذا لا ينفي الكراهة التي استفيدت من نهيه عن التشبيك في المسجد؛ لأنه نادر.

وفي كلام المؤلف هنا نظر، بل نقول: إن المورد لم يتفق، أي أن المورد فيما نهى عنه وفيما فعله لم يتفق؛ لأنه يمكن أن نقول: إن النهي لمنتظر الصلاة، وإذا فرغت الصلاة جاز التشبيك، وهذا القول هو الأصح؛ لأننا بهذا القول يمكن أن نجمع بين قوله وفعله، ومتى أمكن الجمع بين النصوص كان هو الواجب.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر التحرير [54] 3186 استماع
مختصر التحرير [70] 3078 استماع
مختصر التحرير [33] 2823 استماع
مختصر التحرير [36] 2820 استماع
مختصر التحرير [47] 2753 استماع
مختصر التحرير [23] 2741 استماع
مختصر التحرير [45] 2739 استماع
مختصر التحرير [4] 2688 استماع
مختصر التحرير [34] 2621 استماع
مختصر التحرير [24] 2611 استماع