مختصر التحرير [70]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: حيث لا دليل على تكرر ولا تأس به، والقول خاص به، وتأخر، لكن إن تقدم فالفعل ناسخ، وإن جهل وجب العمل بالقول، ولا إن اختص القول بنا مطلقًا، أو عم وتقدم الفعل، ولا في حقنا إن تقدم القول، وهو كخاص به، لكن إن كان العام ظاهرًا فيه فالفعل تخصيص، ولا فينا مطلقًا مع دليل دل عليهما، والقول خاص به، وفيه المتأخر ناسخ، ومع جهل يعمل بالقول، ولا في حقه معه عليهما، والقول بنا، وفينا المتأخر ناسخ، ومع جهل يعمل بالقول، ولا فينا مع دليل على تكرر، لا تأس إن اختص القول به أو عم].

العمل عند تعارض أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم

أرى أن نترك هذا الفصل أولاً: لأن الفائدة فيه قليلة جداً.

والثاني: أن تصوره وتصويره صعب جداً، فإذا كانت الفائدة قليلة والتصور والتصوير صعباً؛ حتى في الشرح ما أتى بفائدة إلا خلافاً بين العلماء، لا تستطيع أن تجد فيه فائدة، فهل ترون أن نقول:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

أم نحاول أن نفككه، والله المعين؟!

أنا أرى بناءً على أن الحقيقة أولاً: أن فينا أناساً مبتدئين لا شك، وتصور هذه المسائل صعب، والخلاصة: أن أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام لا تتعارض أبداً إذا صحت عنه، لكن إن أمكن الجمع بينها بأي وجه من الوجوه المحتملة جمع بينها، يعني: معناه لا نقدم بعضها على بعض؛ لأن لو قدمنا بعضها على بعض أهدرنا أحدها، وإن لم يمكن الجمع فالمتأخر ناسخ، يعني: إذا لم يمكن الجمع بين القولين ولكن علمنا المتأخر فالمتأخر ناسخ، وإن لم نعلم وجب علينا التوقف.

لكن هذه الصورة الأخيرة: أنه لا يمكن الجمع ولا يعلم المتأخر؛ هذه مسألة في الحقيقة فرضية أو نسبية؛ لأنه ما من شيء في الشريعة إلا ولا بد أن يعرف وجهه، لكن ليس كل أحد يعرفه، قد يعرفه فلان ولا يعرفه فلان، هذا بالنسبة للأقوال.

العمل عند تعارض القول والفعل

وقد يتعارض القول والفعل، وحينئذ هل نأخذ بالقول مطلقاً، أو نحاول الجمع، فإن لم يمكن الجمع أخذنا بالقول؟

يرى بعض العلماء أننا نأخذ بالقول مطلقاً؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية، ويحتمل النسيان، ويحتمل أشياء كثيرة، والقول واضح؛ لأن دلالته لفظية.

ويرى آخرون: أننا إن أمكن الجمع عملنا بالجمع، فإن لم يمكن أخذنا بالقول.

مثال الأول: ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه نهى أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)، وثبت عنه (أن ابن عمر رضي الله عنهما رقي يوماً على بيت حفصة فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة).

فهنا تعارض عموم القول مع خصوص الفعل، عموم القول: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها)، هذا عام يشمل البنيان وغير البنيان.

وخصوص الفعل أن النبي صلى الله عليه وسلم استدبر الكعبة في البنيان.

فهل نأخذ بعموم القول ولا نلتفت للفعل، ونقول: الفعل يحتمل أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن الرسول جلس ناسياً، ويحتمل أنه استدبر الكعبة لأنه في البنيان؟

يرى بعض العلماء القول الأول، ويرى آخرون القول الثاني، يقول: هذا الفعل يحتمل الخصوصية والأصل عدمه، ويحتمل النسيان والأصل عدمه، ويحتمل التخصيص وأنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان، وهذا واجب، وعلى هذا فنخصص عموم حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بحديث ابن عمر ، ونقول: إذا كنت في البنيان فلا بأس أن تستدبر، ويبقى النهي عن الاستقبال عاماً، والنهي عن الاستدبار مخصوصاً بهذا، أي: بما إذا كان الإنسان في البنيان.

المثال الثاني: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً).

وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته).

فعندنا قول وعندنا فعل، القول أنه أمر أن يصلي أربعاً، والفعل أنه كان يصلي ركعتين في بيته بعد الجمعة، فهل نأخذ بالقول ونقول: إننا أمرنا بأن نصلي أربعاً، ولم يقل الرسول: إن صليتم في المسجد أو في البيت، فيعم المسجد والبيت، أو نقول: إن صلينا في البيت اقتصرنا على ركعتين أخذاً بالفعل، وإن صلينا في المسجد صلينا أربعاً أخذاً بالقول، فنجمع بين القول والفعل على هذا الوجه، ونحمل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) على ما إذا صلى في المسجد.

الثاني اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، يقول: إن صليت سنة الجمعة في البيت فركعتان، وإن صليتها في المسجد فأربع، من أجل أن نجمع بين القول والفعل.

ولكن لو قال قائل: إن تقديم القول هنا أولى؛ لأنه قول ولأن ابن عمر إنما أخبر عما شاهد، فمن الجائز أن يكون الرسول صلى ركعتين، وأيضاً لو حملناه على ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله لكان هذا خلاف المعروف في السنة؛ وهي: (صلاة المرء في بيته أفضل)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)، ثم قال لهم: (إذا صليتم الجمعة فصلوها أربعاً) فهذا يقتضي أن نصلي في بيوتنا أربعاً، وعلى هذا فنقدم القول على الفعل.

هذه خلاصة هذا الفصل الطويل الذي ذكره المؤلف، والذي يحتاج إلى مدة في تصوره أولاً ثم تصويره ثانياً.

أرى أن نترك هذا الفصل أولاً: لأن الفائدة فيه قليلة جداً.

والثاني: أن تصوره وتصويره صعب جداً، فإذا كانت الفائدة قليلة والتصور والتصوير صعباً؛ حتى في الشرح ما أتى بفائدة إلا خلافاً بين العلماء، لا تستطيع أن تجد فيه فائدة، فهل ترون أن نقول:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

أم نحاول أن نفككه، والله المعين؟!

أنا أرى بناءً على أن الحقيقة أولاً: أن فينا أناساً مبتدئين لا شك، وتصور هذه المسائل صعب، والخلاصة: أن أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام لا تتعارض أبداً إذا صحت عنه، لكن إن أمكن الجمع بينها بأي وجه من الوجوه المحتملة جمع بينها، يعني: معناه لا نقدم بعضها على بعض؛ لأن لو قدمنا بعضها على بعض أهدرنا أحدها، وإن لم يمكن الجمع فالمتأخر ناسخ، يعني: إذا لم يمكن الجمع بين القولين ولكن علمنا المتأخر فالمتأخر ناسخ، وإن لم نعلم وجب علينا التوقف.

لكن هذه الصورة الأخيرة: أنه لا يمكن الجمع ولا يعلم المتأخر؛ هذه مسألة في الحقيقة فرضية أو نسبية؛ لأنه ما من شيء في الشريعة إلا ولا بد أن يعرف وجهه، لكن ليس كل أحد يعرفه، قد يعرفه فلان ولا يعرفه فلان، هذا بالنسبة للأقوال.

وقد يتعارض القول والفعل، وحينئذ هل نأخذ بالقول مطلقاً، أو نحاول الجمع، فإن لم يمكن الجمع أخذنا بالقول؟

يرى بعض العلماء أننا نأخذ بالقول مطلقاً؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية، ويحتمل النسيان، ويحتمل أشياء كثيرة، والقول واضح؛ لأن دلالته لفظية.

ويرى آخرون: أننا إن أمكن الجمع عملنا بالجمع، فإن لم يمكن أخذنا بالقول.

مثال الأول: ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه نهى أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)، وثبت عنه (أن ابن عمر رضي الله عنهما رقي يوماً على بيت حفصة فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة).

فهنا تعارض عموم القول مع خصوص الفعل، عموم القول: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها)، هذا عام يشمل البنيان وغير البنيان.

وخصوص الفعل أن النبي صلى الله عليه وسلم استدبر الكعبة في البنيان.

فهل نأخذ بعموم القول ولا نلتفت للفعل، ونقول: الفعل يحتمل أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن الرسول جلس ناسياً، ويحتمل أنه استدبر الكعبة لأنه في البنيان؟

يرى بعض العلماء القول الأول، ويرى آخرون القول الثاني، يقول: هذا الفعل يحتمل الخصوصية والأصل عدمه، ويحتمل النسيان والأصل عدمه، ويحتمل التخصيص وأنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان، وهذا واجب، وعلى هذا فنخصص عموم حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بحديث ابن عمر ، ونقول: إذا كنت في البنيان فلا بأس أن تستدبر، ويبقى النهي عن الاستقبال عاماً، والنهي عن الاستدبار مخصوصاً بهذا، أي: بما إذا كان الإنسان في البنيان.

المثال الثاني: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً).

وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته).

فعندنا قول وعندنا فعل، القول أنه أمر أن يصلي أربعاً، والفعل أنه كان يصلي ركعتين في بيته بعد الجمعة، فهل نأخذ بالقول ونقول: إننا أمرنا بأن نصلي أربعاً، ولم يقل الرسول: إن صليتم في المسجد أو في البيت، فيعم المسجد والبيت، أو نقول: إن صلينا في البيت اقتصرنا على ركعتين أخذاً بالفعل، وإن صلينا في المسجد صلينا أربعاً أخذاً بالقول، فنجمع بين القول والفعل على هذا الوجه، ونحمل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) على ما إذا صلى في المسجد.

الثاني اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، يقول: إن صليت سنة الجمعة في البيت فركعتان، وإن صليتها في المسجد فأربع، من أجل أن نجمع بين القول والفعل.

ولكن لو قال قائل: إن تقديم القول هنا أولى؛ لأنه قول ولأن ابن عمر إنما أخبر عما شاهد، فمن الجائز أن يكون الرسول صلى ركعتين، وأيضاً لو حملناه على ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله لكان هذا خلاف المعروف في السنة؛ وهي: (صلاة المرء في بيته أفضل)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)، ثم قال لهم: (إذا صليتم الجمعة فصلوها أربعاً) فهذا يقتضي أن نصلي في بيوتنا أربعاً، وعلى هذا فنقدم القول على الفعل.

هذه خلاصة هذا الفصل الطويل الذي ذكره المؤلف، والذي يحتاج إلى مدة في تصوره أولاً ثم تصويره ثانياً.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر التحرير [69] 3199 استماع
مختصر التحرير [54] 3186 استماع
مختصر التحرير [33] 2822 استماع
مختصر التحرير [36] 2819 استماع
مختصر التحرير [47] 2752 استماع
مختصر التحرير [23] 2740 استماع
مختصر التحرير [45] 2738 استماع
مختصر التحرير [4] 2688 استماع
مختصر التحرير [34] 2621 استماع
مختصر التحرير [24] 2611 استماع