مختصر التحرير [33]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، هذا الفصل يريد المؤلف أن يذكر فيه العبادة، ماذا توصف به؟ هل توصف بالأداء أو بالقضاء أو بالإعادة؟

يقول رحمه الله فيما سبق: [إذا لم يعين وقتها لم توصف بأداء، ولا قضاء، ولا إعادة]، كالزكاة مثلاً، الزكاة ليس لها وقت، لا يقال مثلاً: أدى الزكاة من كذا إلى كذا، متى تم الحول وجبت الزكاة، تحية المسجد ليس لها وقت؛ لأنها مقيدة بسبب متى وجد وجب الحكم، هذه لا توصف بأداء ولا قضاء ولا إعادة.

وإن عين ولم يحد وصفت بأداء فقط، مثل الحج معين له وقت، الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، لكن لم يحدد، فلا يوصف إلا بالأداء فقط، يقال: أدى الحج، ولا يقال: قضاء، ولا يقال: إعادة.

لكن أورد المؤلف جواب إشكال يقع فقال: [وإطلاق القضاء في حج فاسد لشبهه بالمقضي]، يعني: الحج يوصف بالأداء، ولا يوصف بالإعادة ولا بالقضاء، فكأن المؤلف استشعر أن سائلاً سيأتي، أليس الفقهاء يقولون: إذا جامع بعد التحلل الأول فسد الحج ووجب قضاؤه؟ فقال: بلى، لكن أُطلق عليه القضاء لشبهه بالمقضي، وهو ليس قضاء في الواقع، بل هو إعادة لفاسد، لأن القضاء ما فعل بعد الوقت؛ لكن ما فعل إلا مرة، وهذا الآن فعل مرتين، المرة الأولى الفاسدة السابقة، والمرة الثانية إعادة لتصحيح، لكن يشبه القضاء.

قال: [وفعل صلاة بعد تأخير قضائها لا يسمى قضاء القضاء].

وهذا صحيح، فالصلاة مؤقتة بوقت محدد، فتوصف بالأداء والقضاء والإعادة، فإذا أخر القضاء فإنه لا يسمى فعله قضاء القضاء، مثاله: نسي صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، ولما طلعت الشمس من الصبح ذكر أنه لم يصل، ولكن مع ذلك لم يصل حين ذكر، بل أخرها إلى ساعتين أو ثلاث، فهل نسمي هذه الصلاة قضاء القضاء؟ لا، بل نسميها قضاء مؤخراً، فيأثم بالتأخير ولكن القضاء لم يزل اسماً لهذه الصلاة، فلا تسمى قضاء القضاء.

قال: [وإن حد وصفت بالثلاثة سوى جمعة]، أي: إن حد وقت العبادة فقيل: من كذا إلى كذا فإنها توصف بالثلاثة، أي: الأداء، والقضاء، والإعادة، فالصلاة مثلاً محدد وقتها من كذا إلى كذا، الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فتوصف بالأداء والقضاء والإعادة، فإذا صلاها أول مرة في وقتها فهي أداء، وإن أعادها ثانية في وقتها فهي إعادة، وإن لم يصليها إلا بعد طلوع الشمس فهي قضاء.

الخلاف في هذا هل هو خلاف له معنى؟ يعني: خلاف معنوي أو خلاف لفظي؟

الجواب: هو خلاف معنوي؛ لأن الرجل لو نوى بالأداء القضاء فإنها لا تصح، قالوا: لأنه متلاعب، فإذا نوى وهو يصلي الفجر في وقتها أنها قضاء فإنها لا تصح؛ لأنه متلاعب؛ لأن صلاته في الوقت أداء وليست بقضاء، كذلك في باب الإعادة إذا صلى مثلاً في مسجد ثم ذهب إلى مسجد آخر ووجد مصلين وصلى معهم فهذه إعادة، ولا يصح أن ينويها أداءً، لماذا؟ لأنها إعادة، والأداء هو ما فعل لأول مرة في الوقت، فإذا نواها أداءً صار متلاعباً.

يقول المؤلف: (وإن حد وصفت بالثلاثة سوى جمعة)، الجمعة وقتها محدد على مذهب الحنابلة: من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى دخول وقت العصر، ولكن أكثر أهل العلم يقولون: إنها من الزوال أو قبل الزوال بساعة إلى دخول وقت العصر، الجمعة إذا فاتت لا توصف بقضاء؛ لأنها لا تقضى، فإن الإنسان إذا فاتته الجمعة صلى ظهراً، لكن توصف بالأداء وتوصف بالإعادة، فإنه يمكن أن يصلي جمعة في مسجد، ثم يذهب إلى مسجد آخر فيجدهم لم يصلوا فيصلي معهم.

قال المؤلف في تعريفه لكل من الأداء والقضاء والإعادة: [فالأداء: ما فعل في وقته المقدر له أولًا شرعًا].

(ما فعل في وقته المقدر له أولاً) هذه تعود إلى الفعل، يعني: ما فعل لأول مرة في وقته المقدر له شرعاً، كالصلاة في وقتها أول مرة.

[والقضاء: ما فعل بعد وقت الأداء ولو لعذر تمكن منه كمسافر، أو لا لمانع شرعي كحيض أو عقلي كنوم؛ لوجوبه عليهم].

القضاء: ما فعل بعد وقت الأداء، فمثلاً وقت الأداء في الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا فعل بعد طلوع الشمس فهو قضاء.

قال المؤلف: [ولو لعذر] سواء [تمكن منه كمسافر أو لا]، أي: أو لا يتمكن منه، أي: من الفعل [لمانع شرعي كحيض، أو عقلي كنوم؛ لوجوبه عليهم]، يعني: لو أخر الصلاة لعذر كالمسافر، وهنا نسأل: هل المسافر له العذر في تأخير الصلاة عن وقتها؟ نعم، وذلك في الجمع، إذا جمع الأولى إلى الثانية فقد أخر، لكنه في الجمع لا يسمى قضاءً، بل هو أداء، ولهذا فإن في نفسي شيئاً من تمثيل المؤلف بالمسافر؛ لأن المسافر لا يجوز له أن يؤخر، وليس السفر عذراً في تأخير الصلاة عن وقتها، لكنه عذر له في تأخير الصلاة إلى الأخرى لجمع، وإذا أخرها لجمع فهو في وقته أداء؛ لكن هذا في الصوم صحيح، فالمسافر إذا أخره أخر الصوم إلى أن يقدم فقد أخره لعذر إلى ما بعد وقت الأداء فيكون قضاءً.

قال: [أو لا] يعني: لم يتمكن منه، [لمانع شرعي كحيض]، أي: بالنسبة للصوم لا الصلاة؛ لأن الصلاة لا تقضى، فإذا أخرت المرأة الصوم لعذر شرعي كالحيض ثم قضته بعد ذلك فهو قضاء، وليس بأداء.

[أو عقلي كنوم]، فالنوم عذر في الصلاة، أما الصوم فإنه يجوز أن يصوم وهو نائم، فإذا أخر الصلاة عن وقتها لعذرٍ كالنوم ثم صلاها بعد الوقت فهي على رأي المؤلف قضاء، واختار بعض أهل العلم أنه إذا أخر الصلاة لعذر النوم أو النسيان فصلاها بعد الوقت فهي أداء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، فجعل وقتها وقت الذكر، ولذلك يفعل في هذه الصلاة التي يقضيها بعد خروج وقتها من أجل النوم يفعل كما يفعل في وقت الأداء، فيؤذن ويصلي الراتبة، ويجهر بالصلاة إذا كانت جهرية، ويفعل كما يفعل في وقت الأداء تماماً، وما ذهب إليه هؤلاء البعض، وأظن منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو الصحيح في أن الإنسان يكون وقت الصلاة في حقه إذا عذر بنوم وقت استيقاظه، وينبني على ذلك لو استيقظ قبل طلوع الشمس بزمن لا يمكنه أن يصلي الراتبة والفريضة، فهل يصلي الفريضة أو يصلي الراتبة؟

الصحيح أنه يصلي الراتبة، ثم الفريضة ولو طلعت الشمس؛ وذلك لأن الوقت في حقه أداء، ويدخل إذا استيقظ، فإذا استيقظ فعل كما يفعل فيما إذا صلاها في الوقت.