مشكلات وحلول


الحلقة مفرغة

الهدنة مع الكفار جائزة إذا كان فيها تحقيق مصلحة للمسلمين، والمعاهدة عقد على عدم اعتداء وحسن جوار بين المسلمين وأعدائهم كما يجوز للمسلمين أن يصالحوا العدو متى شاءوا، والأموال التي تجبى إما من الغنائم أو الفيء أو الجزية أو الخراج أو النفل كلها تقسم حسب ما جاء في نصوص الشريعة.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، إنه تبارك وتعالى سميع مجيب. وبعد:

فكثيراً ما نشعر أن مشكلتنا في الواقع ليست مشكلة حديث وتوجيه، وليست مشكلة علم ومعرفة، إنما تتمثل مشكلة كثير من المسلمين اليوم أنهم لا يستطيعون أن يحولوا هذا الرصيد العلمي لديهم إلى واقع وتطبيق وسلوك.

عنوان هذا الحديث: (مشكلات وحلول).

والحديث موجه لكم، ولهذا فأرى أنه مما يفرض نفسه أن تكون هذه المشكلات نابعة منكم أنتم، فيكون حديثاً عن مشكلاتكم، ويكون حديثي صدى لهمومكم وخواطركم وما تعانون منه.

ولهذا حين اقترح علي الإخوة هذا الموضوع فضلت أن أختصر في الحديث، فتكون الكلمة مختصرة بحيث يكون معظم الوقت للأسئلة والتساؤلات، على أن تصبح هذه التساؤلات جزءاً من الموضوع؛ لأنني أستطيع أن أدون قائمة من المشكلات، ثم أتحدث معكم عنها، وربما تشعرون أن هذه المشكلات تعنيكم، لكن لاشك أن هذا يختلف عما إذا كانت المشكلات صادرة منكم أنتم، وحينما يكون الحديث إجابة عن تساؤلاتكم، فتشعرون أن هذا الحديث صدى لما تفكرون فيه، ولما تعانون منه؛ ولهذا فقد اخترت أن يكون معظم الوقت للإجابة على الأسئلة التي تدور داخل هذا الإطار، وإجابة على تساؤلات معينة واستفسارات بقدر ما هو محاولة لحل بعض المشكلات التي نعاني منها أو التي نشعر أننا نعاني منها جميعاً.

ولعل ما سأتحدث عنه في بداية الحديث يشكل قاعدة لنا تحل جزءاً من كثير من المشكلات التي نعاني منها.

أول مثلاً سؤال يتبادر إلى الذهن عند أي شخص غريب مثلي أنا مثلاً يدخل الدار، قد يدخل مثلاً يتساءل، ينظر ذات الشمال يقول: هذا المبنى لمن؟ وأشعر أن المبنى الذي على يساري صالة، فسأفكر أن هذا ليس مكتباً إدارياً في الدار قطعاً، لأنه وجدت صالة واسعة معنى هذا الكلام أن هذه الصالة لابد أن تستخدم لعمل معين.

الساحة التي نجلس فيها الآن جميعاً سيعرف أي شخص يدخل أن هذه الساحة صممت لأجل أن تستخدم لأغراض معينة، يبدو لي أنا مثلاً أنها تستخدم لأنشطة رياضية، تستخدم لمثل هذه الأنشطة المسائية التي يمكن أن تجتمعوا فيها.

ولهذا يشعر كل إنسان يعيش في الحياة أن أي شيء موجود فهو موجود لحكمة، وله غرض معين، يعني لو أتانا إنسان غريب عن حياة الحاضرة، ولا يعرف أي شيء من صور الحضارة، ووجدني أتحدث أمامكم وأمامي لاقطات قد لا يستطيع أن يعرف لماذا هذه الأجهزة موجودة أمامي، لكن هو سيقول على كل حال إن هذه الأجهزة ما وجدت عبثاً، وما وجدت لأجل أن تكون حاجزاً للرؤية بين المتحدث وبعض الحضور، فلابد أنها وضعت لغرض ولحاجة معينة، ولاستخدام معين تستخدم فيه.

وهذا التساؤل دائماً نجده يأتي إلى أذهاننا في أي شيء، فالإنسان عندما يرى أمامه جهازاً جديداً، ويجد فيه أزراراً ومؤشرات، تجد أنه يتساءل لماذا هذه؟ وما هي الحاجة أن يوضع مثل هذا الشيء؟ هذا تساؤل كما قلت يقفز إلى أذهاننا دائماً في حياتنا اليومية التي نعيشها.

لكن يجب أن نطرحه نحن بشكل أكبر في قضية مهمة جداً، وهي سر وجودنا في هذه الحياة، أعني أن الإنسان يتساءل لماذا وجدت في هذه الحياة؟ لماذا وجد هذا الكون كله بما فيه من السموات السبع، والأرض والأشجار والحيوانات والكواكب والعالم الفسيح الذي نراه، لماذا وجد هذا الكون؟ ولماذا وجدت أنت؟ وما هو موقعي من هذا الكون؟

هذا تساؤل يجب أن نطرحه ونفكر فيه ونصل منه إلى نتيجة معينة.

قد تكون الإجابة بدهية، فكل إنسان حينما تسأله يقول لك: أنا وجدت وخلقت لعبادة الله عز وجل، وهذا أبسط سؤال يجب أن يجيب عليه أي مسلم، والذي لا يعرف الإجابة على هذا التساؤل سنضع علامة استفهام على دخوله في الإسلام، وعلى اعتباره من المسلمين.

هذا فيما يتعلق بخلق الإنسان، لكن بقية الكائنات المخلوقة في هذا الكون كله، لماذا وجدت ولماذا خلقت؟

الجواب: خلقت وسخرت ووجدت من أجل الإنسان نفسه: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13].

فكل ما في السماوات وما في الأرض من كائنات ومن هذا العالم الذي لا نستطيع أن ندرك أسراره، خلق وسخر من أجل هذا الإنسان، وهذا الإنسان خلق من أجل عبادة الله تبارك وتعالى.

أول قضية في التوحيد يجب أن يعيها المسلم: ما هو سر وجوده؟ لماذا خلق؟ خلق الإنسان من أجل عبادة الله تبارك وتعالى، من أجل توحيد الله عز وجل.

وماذا يعني هذا الأمر؟ هناك نتائج مهمة تترتب على هذا التساؤل، أولها: ما قيمة عبادة الله في حياتنا؟ فعندما نعرف أن الإنسان ما خلق ولا وجد ولم يسخر له كل ما في الكون إلا لعبادة الله، فهذا معناه أن هذا الإنسان لا يساوي شيئاً بدون عبادة الله عز وجل، بل يصبح كائناً آخر، يصبح صفراً على الشمال.

وأصدق وصف لهؤلاء ما وصفهم الله تبارك وتعالى به في قوله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44]، يعني: هم في حقيقة حياتهم وسلوكهم يعيشون كما تعيش الأنعام، فالإنسان الذي يعيش لشهواته، ولما تدعوه إليه نفسه فقط، وهذه القضية الأولى والأخيرة عنده في الحياة، هو يعيش كما تعيش الأنعام.

ثم جاء الاستدراك: (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) لماذا صاروا أضل من الأنعام؟ أضل من الأنعام لأن الأنعام خلقت هكذا، وما كلفت هذا التكليف، وما جعل عندها الاستعداد لتحمل هذا التكليف، أما أنت فقد جعل الله عندك عقلاً، وفطرك على الخير، وخاطبك بالأوامر والنواهي، وأرسل إليك الرسل؛ كل هذا لكي تعيش حياة أخرى، فحينما تكون عندك كل هذه الفرص وتعيش عيشة الأنعام فأنت في الواقع أضل من الأنعام، لأن الأنعام هذا منتهى ما هي عليه.

وهذا يعني أيضاً أن أعلى شرف يمكن أن يصل إليه الإنسان، وأعلى عز وأعلى قيمة للإنسان في الدنيا هي في مدى تحقيقه لعبودية الله تبارك وتعالى. فأنت لو سألت الناس في كل المجتمعات: ما هي المعايير والموازين والمقاييس التي يقيسون الناس من حولهم بها؟ مثلاً أنت تعتبر هذا الرجل رجلاً ناجحاً في الحياة، أو رجلاً سعيداً في الحياة، من هو الرجل السعيد في الحياة في نظرك؟

لو طرحت هذا السؤال على مجموعة من الناس قطعاً ستجد الإجابة متفاوتة، وكل إنسان يجيب بما عنده، فإجابات الناس تعكس ثقافتهم وتعكس خلفياتهم وتعكس ما عندهم من تفكير.

فلو سألت أي إنسان من هو أسعد الناس في الحياة؟ ومن هو أفضل الناس في الحياة في نظرك؟ ستجد إجابات تختلف، فبعض الناس يقول: الإنسان الثري هو أسعد الناس في الحياة، وبعضهم: الإنسان الذي عنده جاه، وبعضهم: الذي عنده سلطان، فإجابات الناس تختلف.

لكن ما هي الإجابة الحقيقية فعلاً؟

نعود إلى القضية التي قلناها أول شيء وهي مسألة لماذا وجد الإنسان؟ وجد الإنسان لعبادة الله تبارك وتعالى، ولتحقيق هذا الأمر، إذاً: أسعد الناس في الحياة، وأعلى الناس قيمة في الحياة هو الإنسان الذي يحقق القضية تحقيقاً تاماً، فكلما كان الإنسان أكثر عبودية لله عز وجل، وأكثر خضوعاً لله تبارك وتعالى صار أعلى قيمة في الحياة.

إذاً: قيمتك في الدنيا كلها تكمن في تحقيق هذه القضية.

أما الاعتبارات التي يضعها الناس ومقاييسهم وموازينهم حتى يقيسوا بها الإنسان الذي له قيمة في الحياة، فكلها يمكن أن تزول، ولنفترض أن عندنا إنساناً ثرياً يملك مبالغ طائلة، ويعيش حياة الأباطرة، قد نتصور أن هذا الإنسان هو الإنسان الذي بلغ القمة، بينما هذا الإنسان يمكن تأتيه كارثة أو مشكلة مالية فينهار ويتحول إلى إنسان مفلس تماماً.

هذا الإنسان يمكن يسير بسيارته ويصير عليه حادث فيفقد حواسه ويجلس مقعداً في المستشفى، فماذا تنفعه الملايين التي عنده، أو ماذا تنفعه قيمته أو مكانته عند الناس؟

ممكن بسهولة يأتيه مرض من الأمراض فيقضي على حياته كلها، وممكن في النهاية يموت وسيموت قطعاً، وعندما يموت يمشي وراءه أناس في جنازته، والناس تعزي في الجرائد والصحف، لكن خلاص انتهى.

دفن في قبره، مجرد من شهاداته، مجرد من الألقاب التي تعود أن يأخذها في الدنيا، مجرد من الاحترام الذي يلقاه عند الناس في الدنيا.

فأي شخص يدخل الحفرة يستوي فيها هو والفقير والغني والصعلوك، فالذي مات من الجوع ودفن وكان سبب موته هو الجوع يستوي تماماً مع الذي مات من التخمة، ومع الذي مات من أي أمر آخر، وتنتهي الستين والسبعين سنة.

ما هو الرصيد الحقيقي الذي يجعل لك قيمة في الحياة؟ الإنسان الذي أقام عبودية الله تبارك وتعالى، وحقق هذا الجانب، وتحققت القضية عنده بوضوح، سيبقى له عمر ممتد، وستبقى الحياة الدنيا الذي عاشها مجرد مرحلة من المراحل، فهو يعيش في الدنيا ستين أو سبعين أو ثمانين سنة، لكن في النهاية سينتقل إلى الدار الآخرة.

إذاً: فقيمتك في الحياة وحياتك الحقيقية هي بمقدار ما تحقق في نفسك عبودية الله تبارك وتعالى.

وهذا يقودنا إلى تساؤل آخر: الله عز وجل الإنسان وجعل له الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي، والدورة الدموية، وخلق له حواساً، وسمعاً وبصراً، ومشاعر ونفسيات، وحباً وكرهاً.

كل هذه القضايا التي خلقها الله لم يخلقها عبثاً، بل هي مخلوقة كلها لوظيفة، فهل كل هذه الأشياء لكي تحصر قضية العبادة في صلاة خمس مرات في اليوم فقط، وتصوم إذا جاء شهر رمضان؟!

عندما نقول: أنت ما خلقت إلا للعبادة ليس المعنى أنه يجب أن تحصر نفسك في المسجد مثلاً، دائماً تقرأ القرآن، أو دائماً تصلي، لكن المعنى أن تكون حياتك كلها مربوطة بشرع الله تبارك وتعالى، وبما يرضي الله عز وجل.

أيضاً هذه تقودنا إلى قضية أخرى مهمة: من القضايا الكثيرة التي نجد الشباب يطرحونها، مثلاً عندما تنصح أحد الشباب تقول له: اترك هذا العمل؛ فإنه لا يرضي الله ورسوله، يقول لك: أنا أعرف أن هذا العمل حرام، وأعرف أنه لا يرضي الله ورسوله، وأعرف أن نتيجته نتيجة مزعجة في الدنيا قبل الآخرة، لكن لا أستطيع.

فأقول: قبل أن ندخل نحن وإياك في جدل ونقاش تستطيع أو لا تستطيع، نعود إلى القضية التي قلناها سابقاً، أنت لماذا خلقك الله؟ خلقك الله عز وجل لعبادته، والذي خلقك هو الله تبارك وتعالى، وخلق جوارحك، وخلق حواسك، وخلق ما في الكون هذا كله، وقد خلقك تبارك وتعالى بهذه الطبيعة التي فيك، وبهذه الغرائز، وبهذه الجوانب كلها؛ لأجل عبادة الله تبارك وتعالى.

إذاً: معنى هذا الكلام باختصار أنه ما دام الله هو الذي خلقك، وخلقك بهذه الطبيعة، وبهذه الخصائص، وبهذه الصفات، وأمرك بالعبادة، إذاً: معناها أنك قادر أن تؤدي هذه الوظيفة وهذا الدور، فإن من صفات الله عز وجل العلم، ومن صفاته عز وجل الحكمة.

فهل تتصورن لو اعتنى شخص خبير -مثلاً- وصمم لنا اللاقط الصوتي، على أساس أن يلتقط لمسافة عشرة أمتار، ثم جاءنا فني بسيط وكشف عليه وقال: هذا لا يمكن أصلاً، وهو غير مؤهل أن يقوم بهذا الدور. سنقول: الذي صنع هذا إنسان خبير، وقد جهزه بطريقة معينة تجعله يعمل في هذا الظرف وهذا الوضع.

فالذي خلقك أنت هو الله تبارك وتعالى، وهو يعلم أن البشر يمكن تقع عنده مشكلات، يمكن ينسى، يمكن يجهل، لكن الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يجهل شيئاً، ولا يمكن أن تخفى عليه خافية تبارك وتعالى، فالله هو الذي خلقك، ولما خلقك الله لعبادته معنى هذا الكلام تلقائياً أنك قادر أن تقوم بهذا الدور، حينما خلقك الله عز وجل وأمرك بأوامر، ونهاك تبارك وتعالى عن معاص، هذا معناه أنك تستطيع أن تجتنب هذه المعاصي، وهذا معناه أنك تستطيع أن تأتي بهذه الأوامر.

لا يمكن أبداً أن يكون الله عز وجل الذي خلقك، وهو تبارك وتعالى يعرف نوازعك، ويعرف طبيعتك، ويعرف قدراتك، ويعرف مشكلاتك، ويعرف كل الواقع الذي يحيط بك، لا يمكن أبداً أنه تبارك وتعالى يأمرك بأشياء أنت لا تستطيع أن تعملها، ولا يمكن أنه تبارك وتعالى ينهاك عن أشياء لا تستطيع أن تتركها.

أضف إلى ذلك أنك تعرف أنه تبارك وتعالى مع ما يتصف به تبارك وتعالى من علم ومن حكمة، فالله تبارك وتعالى عليم خبير حكيم عز وجل، أيضاً هو عدل تبارك وتعالى، لا يظلم الناس مثقال ذرة، هو رحيم بعباده، رءوف بعباده تبارك وتعالى، لا يمكن أن يظلم الناس، هل تتصور أن الله عز وجل يخلق إنساناً غير قادر أن يترك المعصية، ثم يقول له: أنا حرمت عليك هذه المعصية، وإذا وقع فيها حاسبه وعاقبه تبارك وتعالى، لا يمكن أبداً أن يتصور هذا؛ لأن هذا الإنسان أصلاً ما خلق إلا لعبادة الله تبارك وتعالى، وعبادة الله عز وجل تتمثل في فعل الطاعات واجتناب النواهي.

إذاً: هذه الحقيقة البدهية وهي أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله تبارك وتعالى، يترتب عليها تلقائياً أن كل شيء نهانا الله عز وجل عنه، فنحن نستطيع أن نتركه، ونستطيع أن نتجنبه.

والقضية ليس فيها مجال للمخادعة، فأنت تستطيع أن تخادع البشر، وتستطيع أن تلف وتدور، وتستطيع أن تتصنع أشياء كثيرة، لكن أمام الله عز وجل لا، يختم الله تبارك وتعالى على لسان هذا العبد، ثم تنطق عليه جوارحه، يده ورجله وساقه وسائر أعضائه كلها سوف تنطق عليه أمام الله عز وجل، فلا يوجد مجال للمخادعة.

إذاً: لنكن واقعيين مع أنفسنا، حينما خلقنا الله تبارك وتعالى لعبادته، فهذا يعني أن الوظيفة الأساسية لنا في الكون كله هو تحقيق هذه القضية، وهذا يعني أن قيمتك الحقيقية بقدر ما تكون عبداً لله تبارك وتعالى، وأنك كلما ابتعدت عن هذا الطريق أصبحت إنساناً يعيش على الهامش، وهذا يعني القضية التي تهمنا كثيراً ويجب أن نضعها قاعدة لنا في حل مشكلاتنا والتعامل مع حياتنا أنه ما دام الله عز وجل حرم علينا أمراً، فنحن قطعاً نستطيع أن نتركه؛ لأن الله خلق الناس وهو يعرفهم تبارك وتعالى، يعرف الله أن فيهم ذكياً وفيهم غبياً، أن فيهم إنساناً قوي الشخصية وفيهم ضعيف الشخصية، يعرف كل هذه القضايا، والتكليف الشرعي ما جاء لطبقة معينة، جاء للناس كلهم، هذا يعني تلقائياً أن كل إنسان كلف بهذه التكاليف، فهو قادر على أن يمتثل بها، وقادر على أن يسير عليها.

هذه القضية يجب أن نعيها، ويجب أن نربطها بالقضية الأساس والأولى التي بدأت بها الحديث، وهي أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله تبارك وتعالى، والله هو الذي خلقنا بهذه الطبيعة وبهذه النوازع، وبهذه الظروف، خلقنا تبارك وتعالى بطبيعة معينة، وبكيفية معينة، تعيننا على تحقيق هذه القضية، تعيننا على أن نكون عبيداً لله عز وجل حقاً، تعيننا على أن نمتثل أمر الله تبارك وتعالى ونجتنب نهيه.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يمتثل أوامره، ويجتنب زواجره ونواهيه، إنه تبارك وتعالى سميع مجيب.

عبودية المخلوقات كلها لله عز وجل

السؤال: إن السماوات والأرض وما فيها خلق من أجل الإنسان، هل هذه الكائنات لا تعبد الله؟

الجواب: يقول الله تبارك وتعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].

ويقول تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18]، وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:49-50].

آيات كثيرة في القرآن تدل على هذه الحقيقة، وهي أن الكون كله خاضع لله عز وجل، يعني: ما من شيء في هذا الكون إلا يسبح لله تبارك وتعالى، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44]، كيف يسبح؟ قال الله: (لا تفقهون تسبيحهم)، فهذا لا يعنينا، لكن هذا الكون كله يسبح لله عز وجل، ويسجد لله عز وجل، السماوات والشمس والقمر والنجوم تسجد لله تبارك وتعالى، الظل الذي نراه كل صباح ومساء يسجد لله عز وجل، وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الرعد:15]، ثم قال تبارك وتعالى في آخر الآية: وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الرعد:15]، فالظل في أول النهار وآخره يسجد لله عز وجل.

إذاً: هذا يفيدك في قضية مهمة وهي أن الإنسان العابد لله والمطيع لله يعيش متناسقاً مع حركة الكون كله، يعيش عيشة طبيعية، أما الإنسان العاصي لله فهو يعيش في اتجاه مضاد، يشعر أنه يعيش في وادٍ والكون كله بأفلاكه ونجومه وكائناته وما فيه يعيش في اتجاه آخر.

مشكلة صديق السوء

السؤال: هناك مشكلة يعاني منها الشباب وهي مشكلة صديق السوء الذي قد جعل كثيراً من الشباب ينحرفون عن الطريق السوي، تكلم حفظك الله عن هذه المشكلة؟

الجواب: هذه القضية من أكبر المشكلات التي يعاني منها الشاب، ومن أكبر الأمور التي تشكل ضغطاً عليه، فهي مشكلة له، وربما جزء من الشباب يشعر أن سبب دخوله في الدار أصلاً هي هذه المشكلة، ثم قد توجد معه المشكلة وهو هنا، ثم إذا خرج، يعني بعض الشباب قد يتوب وتتحسن أحواله، ويشعر فعلاً بالخطيئة والذنب، ويقرر أنه إذا خرج من الدار يعود إلى حياة أخرى، فإذا خرج عاد إلى أصدقائه ورفاقه السيئين، ثم عاد إلى ما كان عليه.

أول قضية يجب أن نشعر بها أن كل مشكلة نقع فيها لها حل، ولا يوجد مشكلة ليس لها حل، لكن أيضاً لا يعني هذا أن الحل سهل، فيجب أن نفرق بين قضيتين: بين شيء صعب وشيء مستحيل، فحينما أقول لك: المشكلة لها حل لا يعني هذا أنه حل سهل، بل هو حل صعب.

ومن الطبيعي عندما تقع في مشكلة كبيرة تحتاج أن تدفع ثمناً باهظاً لها، وطبيعي عندما تريد هدفاً كبيراً أن تدفع له ثمناً، فمثلاً إنسان صار له مشكلة وتحمل ديوناً، وصار عليه مبلغ كبير، وشعر أنه لابد أن يسدد هذا الدين، ودخل في أعمال تجارية وصار يعمل ويشتغل، يشعر هو أنه لكي يحل هذه المشكلة الكبيرة لابد أن يعمل عملاً مضاعفاً، ويبذل جهداً كثيراً، وكلما صارت لك مشكلة أكبر صرت تشعر أنت أن الجهد المطلوب منك لحل هذه المشكلة أكثر.

يعني أنت لا تتصور أن هناك حلولاً سهلة للمشكلة، وإذا كنت تريد حلولاً سهلة، فدع عنك التفكير في مشكلاتك، وتحمل أعباء المشكلات، وبعدين تحمل الثمن الباهظ لتدفعه في المستقبل.

وأنا سأقول لك حقيقة واحدة أتصور أنها من أفضل ما يعينك على التخلص من هذه المشكلة تماماً: أخبرنا الله تبارك وتعالى أن في يوم القيامة إذا جاء الناس وعاينوا ما عملوا، ورأوا ما قدموا، ورأوا حقيقة الحياة الدنيا، يبدأ كل إنسان يتبرأ ممن اتبعه، كما قال تبارك وتعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:166-167].

وكما قال تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يَعَظُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ [الفرقان:27]، فالإنسان عندما يصيبه شيء يعض على أصبعه، لكن هنا يعض على يديه كلها يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29].

هذه حقيقة لابد أن تحصل يوم القيامة، أن يتبرأ الصديق الحميم، وتتقطع الأوصال بينهم، بل حتى يقولون لربهم تبارك وتعالى: رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ [الأعراف:38]، يعني: الصديق الذي كان وإياه، والخليل الذي كان وإياه، يسأل الله عز وجل أن يزيده عذاباً؛ لأنه يرى أنه كان هو السبب في ضلاله.

إذاً: المقاطعة لابد أن تحصل، ولابد أن تتم، وستعلن على الملأ واضحة مكشوفة، وأنت لا بد أن تصل إلى هذه المرحلة، عرفت أنك لابد أن تصل إلى هذه النتيجة، لابد أن تعلن المقاطعة في الدنيا؛ فهي في الدنيا أهون عليك أولاً، ثم تؤدي ثمرتها وقيمتها، تقول: يا رب! إنني لأجل رضاك قاطعت أصدقائي، وتخليت عن جلسائي، وتخليت عن أولئك الذين أحبهم ويحبونني، وآلفهم ويألفونني، لكن إذا لم تعلن هذه في الدنيا والله ستعلنها يوم القيامة، وتعلنها حيث لا ينفع، يعني مجرد حسرة ومجرد ندم.

فإذا كانت قضية إنقاذ نفسك مهمة عليك، وإذا كنت تشعر فعلاً أنك تريد أن تتوب، وأنك تريد أن تجتنب طريق الضلالة، يا أخي! ادفع الثمن، أما إذا كنت تريد المطالب العالية بثمن سهل فلا يمكن أن تأخذها أبداً ولا تستطيع.

وأسهل لك أنك تتحمل الصعوبة التي تواجهها الآن من أن تتحمل عذاب الله عز وجل، الذي سيعيش فيه الإنسان خلوداً لا ينتهي أبداً، يا أخي! أيها أسهل عليك أن تتحمل قليلاً من الصعاب الآن، وتتحمل مشقات التخلي عن أهوائك، أو أن تكون يوم القيامة ممن إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف:29]، ممن يعيش يتمنى أن يموت ولا يستطيع أن يموت، يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، يتمنى أن يخفف عنه يوم واحد من العذاب ولا يخفف عنه.

فأنت لو فكرت في هذه القضية ووضعت الميزانين، شعرت فعلاً أن القضية لا تساوي شيئاً في الدنيا، وأنك تستطيع أن تتخلى عن كل الاعتبارات والعوائق، إذا شعرت أنك لابد أن تتخلى عنها إما في الدنيا أو في الآخرة.

عراقيل موهومة في طريق طلب العلم

السؤال: بدأت حفظ القرآن الكريم وحفظت بعض الأجزاء ولله الحمد، ولكني توقفت فجأة عن الحفظ، فحاولت إكمال حفظه، لكني لم أستطع حتى قراءة القرآن، أو الكتب الأخرى لا أستطيع قراءتها، لا أدري ماذا حل بي، فأطلب منك أن تجد لي حلاً؟

الجواب: هذا السؤال الشخص الوحيد الذي يجيب عليه هو أنت، أنت تقول: أني بدأت أحفظ، وبدأت أقرأ، ومن ثم انصرفت ولا أدري ماذا حل بي.

لكن هناك قضية نفسية مهمة أحياناً يجري عليها الإنسان، الإنسان إذا صعب عليه عمل، أو شق عليه عمل، لأن الحفظ والقراءة تحتاج جهداً، وتحتاج أن الإنسان يتخلى عن جلسات السواليف، وعن الاسترخاء، ويجلس يحفظ ويقرأ، وأحياناً لا نستطيع أن نتحمل هذا الجهد، فالإنسان كسول يحب أن يرتاح وأن يطمئن.

فيذهب يوهم نفسه أنه لا يستطيع، وأن هناك مشكلة، وأحياناً يكون الإنسان كسولاً قليلاً وغير حافظ فيقول: أنا أتوقع أن عيناً أصابتني، أو أنا أتوقع أن فيَّ شيئاً، وهذه أساليب مخادعة للنفس يلجأ إليها الإنسان أحياناً حتى يخلص نفسه من تحمل تبعات الخطأ.

وأنا أتصور أن كثيراً من هذه القضايا هي حيل لا شعورية نخادع بها أنفسنا، وإذا كان الإنسان جاداً وحازماً مع نفسه سيستطيع، ويجب أن نشعر أن المطالبة العالية يجب أن ندفع لها ثمناً، يعني أنا أريد أن أحفظ القرآن، ما هي قضية كلام فقط، أو أنا سأجلس وأوسع صدري في الكلام مع الزملاء، وأسترخي وأقرأ المجلات وأنام وأرتاح، وأريد أن أحفظ القرآن، هذا مثلما يقول الأول:

من لي بمثل سيرها المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول

يقول: أريد راحلة تمشي ببطء وتصل أول واحدة، هذا مطلب لا يمكن أن يتحقق، إذا كنت تطلب مطالب عالية اجعل نفسك عند مستوى طموحاتك، أو دع الطموحات لأهلها.

اتخاذ العبادة وسيلة للتقرب من أناس من أبواب النفاق

السؤال: اتخاذ العبادة وسيلة للتقرب من أناس محددين، ما حكم ذلك جزاك الله خيراً؟

الجواب: هذا باب من أبواب النفاق وهذه لا تحتاج إلى من يفتي فيها، أي إنسان يجتهد في العبادة، يجتهد في الفرائض والنوافل ويتصنع، يريد التقرب من إنسان لأي هدف، هذه صورة من صور النفاق، وصورة من صور الرياء، وأنت لا تضر إلا نفسك.

وهذا أعظم دليل أنا إذا أردنا فعلاً أن نستقيم استطعنا، فهذا الإنسان الذي يشعر أنه إذا اجتهد في العبادة والطاعة أن هذا سيعطيه سمعة حسنة، ويمكن يساعد في تخفيف الحكم عليه، ويجتهد في نفسه، فتجده يتظاهر بمظهر الصلاح والاستقامة، هذا يدل على أنك تستطيع لو أردت فعلاً أن تفعل هذا، وأن القضية ليست صعبة، والقضية ليست مستحيلة.

فإذا استطعت من أجل أن تختصر ستة أشهر من الحكم، أو تختصر سنة، استطعت أن تغير حياتك كلها، وتظهر بمظهر معين، وتصوم وتجتهد في النوافل، وغيرت برنامجك وظهرت بمظهر الخير، إذا استطعت أنك تصنع هذا من أجل تكسب ستة أشهر من الحرية، فأظن أنك قادر على ما هو أكبر من هذا.

واعلم يا أخي! أن الناس لن ينفعوك، ستلقى الله عز وجل، وستكون القضية أضعافاً مضاعفة، فهذا الإنسان -عافانا الله وإياكم- الذي يتظاهر بالعبادة، ويتظاهر بالبعد عن الفساد والسوء لأجل الناس أسوأ الناس، ولهذا يكون في الدرك الأسفل من النار، لأنه إنسان قادر على نفسه، وفعل العبادة، لكن لا لله عز وجل بل للناس.

ماذا ينفعك الناس؟ انفع نفسك أنت أولى وأهم، وإذا فعلت العبادة فافعلها وأخلص لله وسينفعك الله عز وجل، لو أنت أخلصت لله، وقلت: أنا أجعلها فرصة، وسأتوب إلى الله فعلاً بحق وألتزم طاعة الله عز وجل بحق، سوف تحقق لك المقصد الذي تريد، وسيحبك الناس حقاً، وسيحبك الله عز وجل، وستشعر أنك حققت السعادة في الدنيا والآخرة.

لكن حينما لا تريد إلا الدنيا مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20].

مشكلات الحب

السؤال: أنا شاب واقع في حب فتاة منذ فترة طويلة، وعانيت من حبها الويلات والحسرات، وحاولت أن أنساها فلم أستطع، علماً أني أحبها حب شرف؟

الجواب: ما معنى حب الشرف هذا؟ أهو حب لأجل طاعة الله عز وجل؟! أول شيء أنت تحس أن عندك مشكلة وإلا ما سألت هذا السؤال، لماذا سألت هذا السؤال ما دام حبك حب شرف؟!

أنت تعلم أن عملك هذا فيه مشكلة، لكن نتيجة أنه سيطر عليك هذا العمل وصعب عليك التخلص منه حاولت أن تجد مبرراً له، فكونك تسأل هذا السؤال هذا بحد ذاته دليل أنك تشعر أن هناك مشكلة أصلاً في هذا العمل، والبر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في الصدر وتردد في النفس، وكرهت أن يطلع عليه الناس، ولو أفتاك الناس وأفتوك.

فسؤالك وأنت تعاني من هذه الويلات دليل أن القضية ما هي حب شرف، وأن القضية مشكلة أخرى، وعلى الأقل الإنسان إذا ابتلاه الله عز وجل بمعصية أو مشكلة يكون واقعياً مع نفسه، ولن ينفعك أنك تخادع نفسك، كأن تقول: لا، أنا ما عندي مشكلة، كن واقعياً مع نفسك وصريحاً أفضل لك، وقل: أنا إنسان مقصر، وإنا إنسان ضعيف، وأنا إنسان غير قادر على السيطرة على نفسي، هذه حقيقتي، وما في داعي أن تقول هذا الكلام للناس، لكن كن صريحاً مع نفسك، ولا تخادع نفسك، فإن المخادعة لن تنفعك، ولن تعينك.

على كل حال الله عز وجل خلق العواطف عند الناس ولم يخلقها عبثاً، الله عز وجل جعل الناس يحبون، وجعل الناس يبغضون، وجعل الناس يكرهون، وخلق الله عز وجل عند الإنسان شهوات، وأول قضية عندما تقول لي: لا أقدر، أقول لك: هذا الكلام غير صحيح، لماذا لا تقدر؟ لأن الله عز وجل نهاك عن هذه الأشياء وحرمها عليك، ثم إن الله هو الذي خلق فيك هذه الغريزة، ولا يمكن أبداً أن الله عز وجل يأمرك بشيء لا تستطيعه.

فإذا كنت تتصور أنك ما تستطيع فهذه مخادعة للنفس، وحينما تستسلم لما تدعوه نفسك، فتستسلم للنظر الحرام والتفكير والهواجس، ستبقى عندك مشكلات، تبقى تشتد وتزيد ضراوتها، لكن يجب أن تحزم على نفسك، وتقطع الطريق من البداية.

وهذا الحب الذي جعله الله في نفوس الناس سجية وطبيعة لم يخلقه الله عبثاً، لكن هذه العاطفة إذا لم توجهها الوجهة السليمة سوف تنحرف، ولو شغلت قلبك بحب الله تبارك وتعالى، وحب ما يحبه الله عز وجل، والله ستعيش في عالم آخر، وتشعر أن هذه القضايا تافهة، وهذه قضايا لا تستحق أن تشغل تفكيرك بها وذهنك.

حينما تعمر قلبك بالإيمان ومحبة الله عز وجل، وتصبح كما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

فحينما تعمر قلبك بمحبة الله عز وجل، والإيمان بالله تبارك وتعالى، وتعيش هذه القضية من قلبك فعلاً، وهي تحتاج إلى مجاهدة وجهد حتى تستقر في النفس، وإذا اجتهدت وغرست هذه القضية في نفسك ستجد أن كل هذه المشكلات تنحت جانباً، وصارت هذه القضايا ما تشغلك ولا تعاني منها.

لكن حينما تعيش بعيداً عن الإيمان، وبعيداً عن هذه القضايا ستعاني منها، وأنا أقول لك: لا يوجد حل إلا هذا الحل، وهو الحل الأساس والأول، وبقية الحلول تبقى حلولاً جزئية، أما هذا فهو الحل الأساس، وهو تعمير قلوبنا بالإيمان ومحبة الله عز وجل، الصلة بالله تبارك وتعالى، بالصلاة والدعاء، وتلاوة القرآن والتدبر.

وتحتاج القضية إلى تعويد وترويض ومجاهدة، فهذا الأمر لا يأتي مباشرة، مثلما أن الإنسان لكي يتعلم أي صنعة في الدنيا يحتاج له إلى فترة.

وأما إذا ابتعدت وصار قلبك خاوياً من هذه المعاني فسوف تتعلق بمثل هذه التفاهات.

وهذه القضية جاء فيها أسئلة كثيرة حول قضية السعادة ومن هو أسعد الناس، حينما تصل إلى هذه الدرجة ستكون كما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان)، ما معنى حلاوة الإيمان؟ يعني سيجد لذة وحلاوة للإيمان لا يجدها في أي عمل آخر، ويشعر بالعبادات التي يقوم بها، ويشعر بالطاعات والأعمال الصالحة التي يقوم بها وسيجد فيها أنساً لنفسه، وسيجد أن نفسه تدفعه إلى العمل، وتؤزه إلى العمل.

ولا تتصور أن هؤلاء الأتقياء الواحد منهم يجاهد نفسه ويدفع نفسه دفعاً، لا، فقد تحولت هذه القضايا إلى أنه كما أنك أنت تعيش الويلات مع هذا الحب الذي تسميه حب شرف تماماً هو أشد حباً لله تبارك وتعالى، وحباً لطاعة الله، وقلبه أشد تعلقاً بالله من تعلق هذا الإنسان بمثل هذه الفتاة أو بمثل هذه الصور التي نشاهدها ونراها.

كيفية إدخال السرور على الوالدين

السؤال: تعلمون أن دخولنا هذه الدار سبب لنا ولأهلنا المتاعب والأحزان، أريد أن أدخل السرور على والدي وأن أضحكهما كما أبكيتهما، كيف أستطيع ذلك؟

الجواب: لا شك أن أكبر مشكلة تواجه الوالد هي أن يشعر أن ابنه سلك طريقاً من طرق الانحراف والغواية، ويتمنى أنه يبذل المستحيل ويبذل كل ما يملك حتى يعيد ابنه إلى الطريق الذي يتمنى أن يكون عليه.

فالقضية باختصار إذا منَّ الله عليك بالخروج، والقضية هي عمر قصير، فمهما طالت السنوات، فأنت ستخرج إن شاء الله قريباً أو بعيداً، فقرر أن تغير واقعك، وهذا ليس شيئاً صعباً ولا مستحيلاً، وبهذا بإذن الله أولاً ترضي ربك تبارك وتعالى، وتشعر أنك أنقذت نفسك، ثم هذا أغلى ما تقدمه لوالديك، بل ربما يشعر الوالد أحياناً أنه قد كان به خير في دخولك في هذه الدار؛ لأنها كانت سبباً في توبتك، أسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليك بالتوبة.

الإخبار عن المعاصي التي سترها الله

السؤال: اقترفت كثيراً من المعاصي خارج الدار ولا أستطيع إخبار والدي عنها، فهل أخبر والدي عنها؟ وكيف يكون ذلك؟

الجواب: أنا لا أنصحك بإخباره، يعني إذا وقعت في معاصي بينك وبين نفسك لا أنصحك أن تخبر الناس عنها، لا والدك ولا غيره، لكن تب إلى الله عز وجل، وارجع إلى الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملاً بالليل، فيستره الله تبارك وتعالى، فيصبح فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، بات يستره الله ويكشف ستر الله عليه).

فليس هناك داع لكي تحدث الناس بما عملت، إلا في حالة واحدة، وهي حينما تشعر أنك في مشكلة وتحتاج أن تحلها، وحينما تشعر أن هناك قضية مرتبطة بهذا العمل، أو تساؤلاً تحتاج إلى إجابة عليه، أو مشكلة تحتاج إلى أن تعان عليها، أما ما سوى ذلك فلا توجد حاجة ولا داع، والأولى أن تستتر بستر الله عز وجل، بل هذا يسهل عليك طريق التوبة، والله عز وجل إذا ستر عليك في الدنيا، لعله يستر عليك في الآخرة.

التوبة من المعاصي

السؤال: أنا شاب وقعت في المعاصي وتبت إلى الله، فهل لي من توبة، أفيدوني أفادكم الله؟

الجواب: أنت تقرأ القرآن يا أخي! الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر حال المنافقين قال: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ [المائدة:74]، وقال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ [النساء:146].

لما ذكر حال من هم أشد منهم اليهود الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، سبوا الله تبارك وتعالى، قال تبارك وتعالى عنهم: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74].

ويقول تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:68-71] .

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

هذه قضايا ما يحتاج أن أحدثك عنها، أنت تقرأ القرآن، وتقرأ السنة، وتقرأ كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن ربه تبارك وتعالى أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: (هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه سؤاله)، (وأنه تبارك وتعالى يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل).

بل النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بما هو أكبر من ذلك كله يخبرنا بأن الله عز وجل يفرح إذا تاب عبده، أشد من رجل كانت معه دابته وراحلته في الصحراء، فأضاعها وعليها طعامه وشرابه، ثم أيس منها -أيس أنه سيجدها- فنام تحت الشجرة ينتظر الموت، فلما استيقظ إذا بها عند رأسه، ففرح بها أشد الفرح، فالله عز وجل أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا الرجل الذي فرح بدابته.

كيفية الخشوع في الصلاة

السؤال: أنا أشاب أريد أن أخشع في صلاتي، ولكن الشيطان يوسوس لي؟

الجواب: لا شك أن الشيطان يحرص على إفساد صلاة الإنسان، فإذا سمع الأذان أدبر ثم يأتي، حتى يثبط الإنسان، فإذا سمع الإقامة أدبر، ثم إذا جاء الإنسان يصلي جاء وأصبح يحول بينه وبين صلاته، ويذكره أشياء كثيرة، حتى أننا نجد في حياتنا أن الإنسان ينسى أشياء لا يتصور أن يتذكرها، فإذا جاءت الصلاة تذكرها، والسبب أن الشيطان يستعيد شريط الذكريات عند الإنسان، فيشغله عن مثل هذه الأمور.

فلابد أن تجاهد نفسك، وتجتهد في أن تجتنب ما يشغلك عن الصلاة، وهناك وسائل كثيرة من أهمها: أنك تتفكر بالآيات التي تقرأها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى: (إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله عز وجل: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] ، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال: مجدني عبدي) .

إذا عرفت أن الله يخاطبك ويقول لك هذا الكلام لا يمكن أبداً أن تنصرف عن صلاتك، إذا ركعت وإذا سجدت، تأتي إلى الصلاة مبكراً، تبتعد عن الشواغل، ثم تجاهد نفسك، والمسألة في المجاهدة والتعود، تعود نفسك وستجد أنك أول مرة تخشع في جزء من الصلاة، ثم جزء، ثم تشعر بعد ذلك أنك أصبحت لا تسهو بإذن الله في الصلاة.

الصبر على البلوى والمصيبة

السؤال: أنا دائم الشعور بالضيق بسبب وجودي هنا في الدار، ودائماً أتمنى الخروج، فكيف أصبر على بلواي ومصيبتي؟

الجواب: يجب أن تكون واقعياً مع نفسك، فهذا الموقف ثمن تدفعه لخطأ ارتكبته، فأول قضية أن لا تشغل بالك متى تخرج، فهذا التفكير لن ينفعك في الخروج، يعني: مثلاً واحد باقي عليه سنتان ويخرج وإذا به جالس متكئ على رأسه يفكر متى يخرج، هذا التفكير لن يفيدك، فكر في شيء عملي، يعني: فكر كيف تتدارك نفسك، وكيف تتجاوز الكبوة والخطأ الذي وقعت فيه، فكان سبباً في مجيئك إلى هذه الدار، فكر كيف تستثمر وقت الفراغ الذي أنت فيه، مثلاً: تجعله فرصة لتحفظ شيئاً من القرآن، أو تقرأ وتستفيد، المهم أن تستثمر وقتك بشكل أنفع، ثم فكر كيف تغير من طريقك.

أنا أتصور أن هذا هو الحل، وإذا تاب الإنسان واحتسب يكون هذا بإذن الله تكفيراً للخطيئة التي وقع فيها وكانت سبباً لذلك.

أسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر أمورنا وأموركم إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.