خطب ومحاضرات
مختصر التحرير [30]
الحلقة مفرغة
بدأ المؤلف رحمه الله بأول حكم من الأحكام التكليفية، وهو ما أمر به الشرع على وجه الإلزام كما سبق في الفصل السابق، قال: [إن ورد بطلب فعل مع جزم فإيجاب، أو بدونه فندب، أو بطلب ترك مع جزم فتحريم، أو بدونه فكراهة، أو بتخيير فإباحة].
الجزم في الإيجاب والحظر
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وما انهيتكم عنه فاجتنبوه)، ولم يقل: اجتنبوا ما استطعتم؛ لأن الاجتناب ترك فهو سهل، لكن الفعل فعل وإيجاد فهو أشق، ولهذا قال: (فأتوا منه ما استطعتم)، وبهذا نعرف لماذا بدأ العلماء في أصول الفقه بالواجب، نقول: لأنه إيجاد فهو أشق من المحرم، وقدم الواجب على الندب.
والواجب لغة: الساقط والثابت، وضربنا لذلك مثالاً بقوله تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36] ، أي: سقطت على الأرض.
قال: [وشرعًا ما ذم شرعًا تاركه قصدًا مطلقًا]، ما ذم شرعاً يعني: لا عرفاً (تاركه)؛ لأن ترك الواجب قد لا يذم عرفاً، مثل أن تكون في وسط قوم لا يهتمون بفعل الواجبات، فإنك إذا تركت الواجب لا تذم، ولهذا إذا كنت في مجتمع لا يبالون بصلاة الجماعة وتركت الجماعة لم تذم عند هؤلاء؛ لكنك شرعاً تذم.
وقوله: [تاركه قصداً] الواقع أن كلمة (قصداً) ليست من التعريف، وإنما المراد بذلك بيان أنه لا ذم بدون قصد، وإلا فإنه لو قال: ما ذم تاركه شرعاً لكفى، وأحسن من ذلك أن يقال: ما أمر به الشرع على وجه الإلزام، هذا هو الواجب، وإذا أخذنا هذا التعريف سقط عنا هذه التعقيدات التي ذكرها المؤلف، أو هذه الشروط الزائدة على الماهية.
الواجب الذي لا ثواب عليه
الجواب: أن يقال: هذا الواجب حق لآدمي، فإذا قام به نحو الآدمي برئت ذمته، ولكنه عند الله لا يثاب إذا كان غافلاً لم يرد به وجه الله، ودليل هذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـسعد بن أبي وقاص : (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في فم امرأتك).
إذاً: ما الفائدة من قيامي بهذا الواجب؟ الفائدة: براءة الذمة، وسقوط الواجب، أو سقوط الطلب، أما الأجر المدخر في الآخرة فلا.
قال: [ورد وديعة وغصب]. رد الوديعة يعني: أن رجلاً أعطاك وديعة، قال: خذ هذا المال عندك وديعة حتى أرجع من السفر، رجع الرجل من سفره فذهبتَ بالمال وأعطيته إياه، وأنت غافل عن نية التقرب، فقد قمت بواجب، وهو رد الوديعة؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، لكن لا تثاب على هذا؛ لأنك غافل. وهل تبرأ ذمتك به؟
الجواب: نعم، تبرأ ذمتك به؛ لأنك أديت حق الآدمي.
المحرم الذي لا ثواب في تركه
نعم، المحرم تركه فيه ثواب إذا تركه لله، وليس فيه ثواب إذا تركه مع الغفلة، وفيه وزر إذا تركه عجزاً عنه، فأقسام ترك المحرم ثلاثة: ما فيه ثواب، وما فيه عقاب، وما لا ثواب فيه ولا عقاب.
فالذي فيه الثواب إذا تركه لله مع القدرة عليه، كما جاء في الحديث الصحيح: (من همّ بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة كاملة؛ لأنه تركها من جرائي)، فرجل يمكنه أن يشرب الخمر، ولكنه تركه لله، يثاب على هذا الترك؛ لأنه ترك معصية لله عز وجل.
الثاني: من تركه مع الغفلة، يعني: أنه لم يطرأ على باله إطلاقاً، فهذا لا يأثم ولا يؤجر؛ لأن نفسه لم تدعه إليه، ولم يفعله، ولم يتركه لله، فهذا لا يأثم ولا يؤجر، كرجلٍ لا يزني، ولا يشرب الخمر، ولا يسرق، ولا يعتدي على الناس، لكن هذه طبيعته وسجيته، ليس قد همّ بالشيء فتركه لله، نقول: هذا الرجل سالم وليس بغانم؛ لأنه لم ينو التقرب إلى الله بترك هذا المحرم.
القسم الثالث: رجل ترك المحرم عجزاً عنه، فهذا يأثم؛ لأنه نوى المحرم لكن عجز، ثم إن عمل له أعمالاً صار بمنزلة الفاعل، وإن لم يعمل له أعمالاً صار دون ذلك.
مثال الأول: ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه)، فهذا الرجل نوى المحرم وسعى في أسبابه، ولكن لم يُقدَّر له فله إثم الفاعل، ولهذا قال: (القاتل والمقتول في النار).
مثال الثاني الذي تمنى ولكن لم يفعل السبب، أن يحاول الإنسان ولكن تركه مع القدرة خوفاً، كرجل لص أسند السلم على الحائط ليتسلق الجدار فيسرق البيت، في أثناء ذلك مر به الناس فهرب، فهذا ليس بسالم؛ لأنه نوى وفعل السبب، فيكون كالفاعل، لكنه دون الأول؛ لأنه تركه باختياره، ولو شاء لصعد ولم يهتم بالناس.
ودون ذلك أيضاً: من تمنى ولكن لم يفعل السبب، فهذا أيضاً يأثم لكنه دون القسمين الأولين في الإثم.
والمؤلف رحمه الله لم يتعرض إلا لقسم واحد وهو: إذا ترك المحرم غافلاً، لا إذا تركه عاجزاً.
ترك المحرم إذاً ثلاثة أقسام: أن يتركه محتسباً، أن يتركه غافلاً، أن يتركه عاجزاً، فالأول مأجور، والثالث مأجور، والثاني لا هذا ولا هذا.
فبدأ بالواجب لأنه الأصل، إذ إنه فعل، بخلاف المحرم فإن الواجب تركه، والفعل إيجاد، والأصل في التكليف الإيجاد؛ لأن الترك أمر سهل بخلاف الإيجاد فإنه يتضمن نيةً وعملاً، والترك لا يتضمن إلا نيةً وكفاً، فالإنسان يمكنه أن يكون جالساً، لكن إذا قام فالقيام حركة وعمل فهو أشق، ولهذا بدأ بالواجب.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وما انهيتكم عنه فاجتنبوه)، ولم يقل: اجتنبوا ما استطعتم؛ لأن الاجتناب ترك فهو سهل، لكن الفعل فعل وإيجاد فهو أشق، ولهذا قال: (فأتوا منه ما استطعتم)، وبهذا نعرف لماذا بدأ العلماء في أصول الفقه بالواجب، نقول: لأنه إيجاد فهو أشق من المحرم، وقدم الواجب على الندب.
والواجب لغة: الساقط والثابت، وضربنا لذلك مثالاً بقوله تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36] ، أي: سقطت على الأرض.
قال: [وشرعًا ما ذم شرعًا تاركه قصدًا مطلقًا]، ما ذم شرعاً يعني: لا عرفاً (تاركه)؛ لأن ترك الواجب قد لا يذم عرفاً، مثل أن تكون في وسط قوم لا يهتمون بفعل الواجبات، فإنك إذا تركت الواجب لا تذم، ولهذا إذا كنت في مجتمع لا يبالون بصلاة الجماعة وتركت الجماعة لم تذم عند هؤلاء؛ لكنك شرعاً تذم.
وقوله: [تاركه قصداً] الواقع أن كلمة (قصداً) ليست من التعريف، وإنما المراد بذلك بيان أنه لا ذم بدون قصد، وإلا فإنه لو قال: ما ذم تاركه شرعاً لكفى، وأحسن من ذلك أن يقال: ما أمر به الشرع على وجه الإلزام، هذا هو الواجب، وإذا أخذنا هذا التعريف سقط عنا هذه التعقيدات التي ذكرها المؤلف، أو هذه الشروط الزائدة على الماهية.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مختصر التحرير [69] | 3202 استماع |
مختصر التحرير [54] | 3191 استماع |
مختصر التحرير [70] | 3080 استماع |
مختصر التحرير [33] | 2825 استماع |
مختصر التحرير [36] | 2823 استماع |
مختصر التحرير [47] | 2754 استماع |
مختصر التحرير [23] | 2743 استماع |
مختصر التحرير [45] | 2741 استماع |
مختصر التحرير [4] | 2691 استماع |
مختصر التحرير [34] | 2624 استماع |