شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب إخراج الزكاة


الحلقة مفرغة

اليوم عندنا (باب إخراج الزكاة).

والمقصود بإخراج الزكاة: إعطاؤها لمستحقيها، وهو يتعلق بأحكام إخراج الزكاة، ومم تخرج؟ وكيف تخرج؟ ومتى تجب؟ ومتى تسقط؟ وما يتعلق بذلك.

إخراج الزكاة يكون بإحدى ثلاث طرق:

الطريقة الأولى: أن يخرجها بنفسه. وهذا أولى وأفضل غالباً؛ لأن الإنسان يكون أحوط لنفسه، وأعرف بالفقراء والمساكين والمستحقين .. وغير ذلك.

الطريقة الثانية: أن يوكل من يخرجها عنه. وهذا قد يوكل أفراداً، وقد يوكل جهات، كما تجد أن كثيراً من الجمعيات الخيرية، والمؤسسات الإسلامية، والجهات المختلفة تقوم بأخذ الزكاة من الأغنياء، وتكون وسيطاً بينهم وبين الفقراء؛ لأنها تعرف الفقراء، أو يوجد عندها اطلاع على أحوالهم، أو تستطيع أن تتوصل إليهم، وتنظم إخراج الزكاة، كما نجد في كثير من المؤسسات الخيرية والمستودعات والجمعيات.. وغيرها.

الطريقة الثالثة: هي أن يتم إخراجها عن طريق الإمام، أو بمعنى آخر عن طريق الحكومة، وهذا يحدث أيضاً، فإن هناك جهات في عدد من البلاد الإسلامية تقوم بأخذ الزكاة واستقبالها، كما نجد هنا مصلحة الزكاة والدخل، وهذه الجهات قد تأخذ من الإنسان قسراً بغير اختياره أحياناً، بمعنى: أنه بمجرد ما يعرفون أن رأس مالك مثلاً في هذا المحل مائة ألف ريال أو أقل أو أكثر، يضعون عليه نصابه من الزكاة، وهكذا الحال بالنسبة للشركات الكبرى، مثل ما تجد في الشركات الشهيرة في البلاد، فإنهم يأخذون زكاتها إذا كان لك أسهم في هذه الشركة، يأخذون زكاة الشركة، وبالتالي تكون الأسهم الموجودة عندك قد أخرجت زكاتها.

إذاً: إذا أخرجت زكاة المال بهذا الطريق سواء باختيارك صرفتها إلى جهة رسمية، أو بغير اختيارك كأن أخذت الزكاة عن طريق معرفة رأس المال، أو عن طريق الشركة التي تساهم فيها، فإن هذا يجزئ، ولا يلزم الإنسان أن يخرج مزيداً من الزكاة، أو يخرج الزكاة مرة أخرى حتى لو صرفت في غير وجهها، إضافة إلى أن بعض الناس قد لا يكون أعطى الرقم الصحيح لرأس المال، فيقول مثلاً: إن رأس مال هذا المحل أو هذا الدكان خمسون ألف ريال، فيأخذون الزكاة عليه، بينما الواقع أن رأس المال قد يكون ثلاثمائة ألف، هنا بدون شك يجب عليه أن يخرج ما بقي، يعني: هم يأخذون زكاة خمسين ألفاً الذي صرح به، الزائد على هذا يجب عليه أن يخرج زكاته.

إذاً: هذه ثلاث طرق يتم بها إخراج الزكاة.

وقد نقول: إن أفضل طريقة هي أن يخرج الزكاة بنفسه، هذا هو الأصل، لكن قد يطرأ ما يجعل إخراجها عن طريق وكيل أولى، فإننا نجد أن بعض الجهات الخيرية لها عناية شديدة بالزكوات، ومعرفة بالمستحقين، ووضعت أجهزة خاصة لأسمائهم واستحقاقاتهم، ورواتب شهرية ومصروفات .. وغير ذلك، فأصبحت عندهم عناية واهتمام لا يوجد عند الأفراد، وبهذا قامت هذه الجهات نوعاً ما بجزء من المهمة، التي كانت تقوم بها الجهات الرسمية سابقاً؛ لأن الإمام كان يرسل السعاة -كما يسمون- أو المصدقين، يأخذون الزكاة من الأغنياء ويردونها للفقراء، وكان الساعي يذهب ويتولى هذا باجتهاده، الآن أصبح هناك جمعيات خيرية ومؤسسات ومستودعات وأجهزة تقوم بمهمة الساعي، فتتعرف إلى الفقراء، وتتعرف إلى الأغنياء، وتأخذ الزكاة وتنظمها وتصرفها، فقد يكون هذا أفضل؛ من جهة أنهم أكثر تخصصاً وعناية بمعرفة الفقراء والمستحقين. هذه نقطة.

مما يدخل أيضاً في موضوع إخراج الزكاة ولم يشر إليه المصنف، وربما مر حديث عابر عنه قبل أسبوع: مسألة: النية في إخراج الزكاة، وقد كنت بحثت هذه المسألة، وذكرت أن النية شرط في إخراج الزكاة، ولو أنه أخرج الزكاة من غير نية لم تجزئه، وبعد خروجي لحق بي أحد الطلبة النبهاء بارك الله فيه فأبدى بعض الاعتراضات على موضوع النية والإشكالات، وكانت اعتراضاته وجيهة وجيدة، فهذا يدعو إلى مزيد من إلقاء الضوء على مسألة النية في إخراج الزكاة.

القول الأول: اشتراط النية

فأقول: جمهور العلماء بما فيهم الأئمة الأربعة يرون أنه لابد من النية في إخراج الزكاة، والأدلة على هذا واضحة، منها مثلاً: حديث عمر المتفق عليه: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).

منها: أن العبادات كلها لابد فيها من النية، كالصلاة والصوم والحج، فالصلاة مثلاً: لابد من النية أن تكون فريضة أو نافلة، الصوم كذلك: ( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل )، فيما يتعلق بالفرض بخلاف النفل، كذلك الحج لابد أن ينوي الحج في الجملة باتفاقهم في أصل النية.

إذاً: هذه عبادة لابد فيها من نية.

إذاً: الأول: ( إنما الأعمال بالنيات ).

الثاني: أن هذه عبادة كسائر العبادات لابد فيها من النية.

الدليل الثالث: أن إخراج المال يكون على وجوه شتى، قد يخرج المال زكاة مفروضة، وقد يخرج المال صدقة نافلة، وقد يخرج المال هبة، وقد يخرج المال لسداد دين، وقد يخرجه لأي اعتبار آخر، فلا يمكن تحديد إذا كان قصد بإخراجه الزكاة المفروضة إلا بالنية، ولهذا كان هذا قول الجمهور، لكن لا يخرج عن قول الجمهور بعض الأشياء والتفاصيل التي لا تخالف هذا القول.

مثلاً: بالنسبة لمال الصبي والمجنون، فإن الزكاة يخرجها وليهما أو الوصي عليهما، يخرج الزكاة من مالهما، وهنا يكفي أن يكون الوصي أو الولي قد نوى بإخراج هذا المال الزكاة؛ لأن الصبي والمجنون لا يطالبان بالنية في هذا الباب، كما أنهما لم يطالبا بأصل العمل أن يقوما به، وإنما قام به عنهما غيرهما شأنهما في ذلك مثل العبادات الأخرى، فإن الصبي مثلاً أو الطفل لو نوى حجاً أو عمرة، فإن الذي ينوي عنه وليه، فهكذا الأمر بالنسبة للزكاة.

إذاً: هذه نقطة.

النقطة الثانية أيضاً التي لا تخالف قول الجمهور في موضوع الزكاة: لو أن رجلاً أبى أن يدفع الزكاة وامتنع، فأخذها منه الإمام بالقوة، أو تهرب من أدائها بالحيلة فأخذت منه بالقوة، ففي هذه الحالة أخذ الإمام لها بهذه النية يجزئ عن نية المالك؛ لأن أخذ الإمام بهذه النية جعله بمنزلة الولي على الصبي، أو الولي على المجنون، فهو الذي أخذ المال وهو أخذه بالنية، فيجزئه ذلك، وهل يجزئه هذا ظاهراً وباطناً، يعني: بالنسبة لصاحب المال الذي أخذت منه بالقوة زكاة ماله؟ هل يجزئه أخذ الزكاة ظاهراً وباطناً؟

نعم، عند الشافعية على الأصح من مذهبهم، وهو مذهب المالكية، وقول في مذهب الإمام أحمد : أن أخذ الزكاة منه بالقوة يجزئه ظاهراً وباطناً، بمعنى: أنه لا تتجه عليه مطالبة في أمر الزكاة، ولا يلزمه أن يخرج مرة أخرى.

القول الثاني: إجزاء الزكاة ظاهراً بدون نية

أما القول الآخر للحنابلة وهو الذي اختاره أبو الخطاب الكلوذاني وأبو الوفاء ابن عقيل، فقالا: تجزئه ظاهراً بحيث لا تتجه المطالبة عليه بإخراج الزكاة؛ لأنه أداها، لكن لا يجزئه ذلك باطناً، وعلى هذا فمعناه: أنه يجب عليه عندهم أن يخرج الزكاة بطوعه واختياره، ولا شك أن الأول أقوى وأوجه؛ لأنها لو لم تكن مجزئة له لم يكن لأخذها منه معنى، والأولى في هذه الحالة إلحاقه بالصبي والمجنون، في أن إخراج الولي زكاة مالهما بنيته يجزئ الصبي ويجزئ المجنون.

هناك في المسألة قول آخر فيما يتعلق بأصل النية..

إذاً: نحن ذكرنا أن الجمهور يشترطون النية، وأيضاً ذكرنا أن الجمهور يرون أن الصبي والمجنون أن النية عنهما تكفي من الولي، وأن من أخذت منه قهراً من قبل السلطان؛ لامتناعه أو تهربه تجزئ أيضاً نية السلطان، وتجزئه الزكاة ظاهراً وباطناً على القول المختار مذهب الجمهور.

في أصل مسألة النية قول آخر منسوب للأوزاعي، أنه يرى أن الزكاة لا تشترط لها النية، لماذا؟ قال: لأن الزكاة بمنزلة الدين، الزكاة في ذمة الغني بمنزلة الدين، فكما أنه لا يشترط في سداد الدين النية، فكذلك لا يشترط في أداء الزكاة النية، ولا شك أن هذا القول ضعيف، ومذهب الجمهور بأدلته التي سقناها هو الراجح.

بقي أيضاً أن الأحناف عندهم إيراد في هذه المسألة، وهو لو أن إنساناً عنده مال وفيه زكاة، فقام هذا الإنسان وتبرع بالمال كله على سبيل التطوع، هل يجزئه هذا عن الزكاة الواجبة أو لا يجزئه؟ مذهب الجمهور أنه لا يجزئه؛ لأنه ما نوى، وهذا هو الأقوى.

الأحناف يقولون: يجزئه، ويقولون هذا على سبيل الاستحسان؛ لأنهم يقولون: ما دام تخلص من المال كله فلم يعد عليه زكاة في المال وهو أخرجها في سبيل الله فلا تزاحم بزكاة واجبة، لكن القول الثاني هو الراجح.

فأقول: جمهور العلماء بما فيهم الأئمة الأربعة يرون أنه لابد من النية في إخراج الزكاة، والأدلة على هذا واضحة، منها مثلاً: حديث عمر المتفق عليه: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).

منها: أن العبادات كلها لابد فيها من النية، كالصلاة والصوم والحج، فالصلاة مثلاً: لابد من النية أن تكون فريضة أو نافلة، الصوم كذلك: ( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل )، فيما يتعلق بالفرض بخلاف النفل، كذلك الحج لابد أن ينوي الحج في الجملة باتفاقهم في أصل النية.

إذاً: هذه عبادة لابد فيها من نية.

إذاً: الأول: ( إنما الأعمال بالنيات ).

الثاني: أن هذه عبادة كسائر العبادات لابد فيها من النية.

الدليل الثالث: أن إخراج المال يكون على وجوه شتى، قد يخرج المال زكاة مفروضة، وقد يخرج المال صدقة نافلة، وقد يخرج المال هبة، وقد يخرج المال لسداد دين، وقد يخرجه لأي اعتبار آخر، فلا يمكن تحديد إذا كان قصد بإخراجه الزكاة المفروضة إلا بالنية، ولهذا كان هذا قول الجمهور، لكن لا يخرج عن قول الجمهور بعض الأشياء والتفاصيل التي لا تخالف هذا القول.

مثلاً: بالنسبة لمال الصبي والمجنون، فإن الزكاة يخرجها وليهما أو الوصي عليهما، يخرج الزكاة من مالهما، وهنا يكفي أن يكون الوصي أو الولي قد نوى بإخراج هذا المال الزكاة؛ لأن الصبي والمجنون لا يطالبان بالنية في هذا الباب، كما أنهما لم يطالبا بأصل العمل أن يقوما به، وإنما قام به عنهما غيرهما شأنهما في ذلك مثل العبادات الأخرى، فإن الصبي مثلاً أو الطفل لو نوى حجاً أو عمرة، فإن الذي ينوي عنه وليه، فهكذا الأمر بالنسبة للزكاة.

إذاً: هذه نقطة.

النقطة الثانية أيضاً التي لا تخالف قول الجمهور في موضوع الزكاة: لو أن رجلاً أبى أن يدفع الزكاة وامتنع، فأخذها منه الإمام بالقوة، أو تهرب من أدائها بالحيلة فأخذت منه بالقوة، ففي هذه الحالة أخذ الإمام لها بهذه النية يجزئ عن نية المالك؛ لأن أخذ الإمام بهذه النية جعله بمنزلة الولي على الصبي، أو الولي على المجنون، فهو الذي أخذ المال وهو أخذه بالنية، فيجزئه ذلك، وهل يجزئه هذا ظاهراً وباطناً، يعني: بالنسبة لصاحب المال الذي أخذت منه بالقوة زكاة ماله؟ هل يجزئه أخذ الزكاة ظاهراً وباطناً؟

نعم، عند الشافعية على الأصح من مذهبهم، وهو مذهب المالكية، وقول في مذهب الإمام أحمد : أن أخذ الزكاة منه بالقوة يجزئه ظاهراً وباطناً، بمعنى: أنه لا تتجه عليه مطالبة في أمر الزكاة، ولا يلزمه أن يخرج مرة أخرى.

أما القول الآخر للحنابلة وهو الذي اختاره أبو الخطاب الكلوذاني وأبو الوفاء ابن عقيل، فقالا: تجزئه ظاهراً بحيث لا تتجه المطالبة عليه بإخراج الزكاة؛ لأنه أداها، لكن لا يجزئه ذلك باطناً، وعلى هذا فمعناه: أنه يجب عليه عندهم أن يخرج الزكاة بطوعه واختياره، ولا شك أن الأول أقوى وأوجه؛ لأنها لو لم تكن مجزئة له لم يكن لأخذها منه معنى، والأولى في هذه الحالة إلحاقه بالصبي والمجنون، في أن إخراج الولي زكاة مالهما بنيته يجزئ الصبي ويجزئ المجنون.

هناك في المسألة قول آخر فيما يتعلق بأصل النية..

إذاً: نحن ذكرنا أن الجمهور يشترطون النية، وأيضاً ذكرنا أن الجمهور يرون أن الصبي والمجنون أن النية عنهما تكفي من الولي، وأن من أخذت منه قهراً من قبل السلطان؛ لامتناعه أو تهربه تجزئ أيضاً نية السلطان، وتجزئه الزكاة ظاهراً وباطناً على القول المختار مذهب الجمهور.

في أصل مسألة النية قول آخر منسوب للأوزاعي، أنه يرى أن الزكاة لا تشترط لها النية، لماذا؟ قال: لأن الزكاة بمنزلة الدين، الزكاة في ذمة الغني بمنزلة الدين، فكما أنه لا يشترط في سداد الدين النية، فكذلك لا يشترط في أداء الزكاة النية، ولا شك أن هذا القول ضعيف، ومذهب الجمهور بأدلته التي سقناها هو الراجح.

بقي أيضاً أن الأحناف عندهم إيراد في هذه المسألة، وهو لو أن إنساناً عنده مال وفيه زكاة، فقام هذا الإنسان وتبرع بالمال كله على سبيل التطوع، هل يجزئه هذا عن الزكاة الواجبة أو لا يجزئه؟ مذهب الجمهور أنه لا يجزئه؛ لأنه ما نوى، وهذا هو الأقوى.

الأحناف يقولون: يجزئه، ويقولون هذا على سبيل الاستحسان؛ لأنهم يقولون: ما دام تخلص من المال كله فلم يعد عليه زكاة في المال وهو أخرجها في سبيل الله فلا تزاحم بزكاة واجبة، لكن القول الثاني هو الراجح.

المصنف رحمه الله أول ما بدأ في هذا الباب بدأ بمسألة: تأخير الزكاة عن وقت الوجوب، قال: [ لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها إذا أمكن إخراجها].

فمسألة تأخير الزكاة عن وقت الوجوب، يعني: لو أن إنساناً حال الحول على مال عنده، وقد بلغ نصاباً وتوافرت فيه الشروط، فهل يجوز له أن يؤخر الزكاة شهراً أو شهرين أو سنة؟ أو يجب عليه أن يخرج الزكاة فوراً.

الجمهور وهم الشافعية والحنابلة والمالكية وقول عند الأحناف يقولون: يجب عليه أن يخرج الزكاة فوراً، متى وجبت عليه الزكاة وجب عليه المبادرة بإخراجها، على الفور من غير تأخير إذا كان قادراً على ذلك.

أدلة القول بوجوب إخراج الزكاة على الفور

الأدلة على الوجوب الفوري:

أولاً: هناك دليل أصولي يتكرر دائماً في معظم الواجبات، قالوا: لأن الزكاة مأمور بها: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، والواجبات الشرعية ينبغي أن تؤدى على الفور، الأصل فيها الفورية وعدم التأخير.

إذاً: الأول: لأن الأمر المطلق يقتضي الفورية.

الثاني: لأنها عبادة مؤقتة بوقت، وهو حولان الحول، فيجب أن تؤدى إذا جاء وقتها، وهو تمام الحول.

الثالث: قالوا: لأنه لو جاز له أن يؤخرها شهراً مثلاً، لجاز له أن يؤخرها شهرين، ولو جاز أن يؤخرها شهرين جاز أن يؤخرها ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر إلى سنة، وهذا لا يتناهى، ويترتب عليه ربما تراكم الزكاة، ويترتب عليه عدم مطالبته بالزكاة، ويترتب عليه عدم تأثيم من أخّر الزكاة ولم يخرجها، وقد يكون هذا مهرباً ويؤدي إلى التفريط، ويرفع العقوبة عن تارك الزكاة.

الرابع: قالوا: إن الزكاة حق متعين في المال أو في الذمة للفقراء، فإذا حال الحول وجبت الزكاة، فكانت مثل الدين المؤجل الذي حل وقته، يجب على المدين أن يخرجه فوراً.

فلهذه الأدلة ذهب الجمهور إلى وجوب إخراج الزكاة على الفور، لكن هذا لا يعارض أن تكون هناك حالات خاصة، حتى عند الجمهور يمكن تأخير الزكاة بسببها.

ذكر بعض الأمور التي تبيح تأخير الزكاة

مما يبيح ويجيز تأخير الزكاة، مثلاً: مر قبل أسبوع معنا زكاة الدين، فإن الزكاة إذا كانت متجهة على دين، فذكرنا أقوالاً منها: أنه لا يخرج زكاة الدين إلا إذا قبض الدين، حتى لو ترتب على ذلك تأخير السداد لسنوات.

ومثلها أيضاً: زكاة المال الغائب الذي لا يدري هل يصل إليه أو لا يصل، فإن الغني يكفيه أن يواسي الفقراء بنفسه، فإذا جاء المال وقدم حتى بعد تمام الحول أخرج الزكاة، فواسى الفقراء بنفسه.

مثله أيضاً: لو كان ينتظر بإخراج الزكاة سبباً معيناً، مثل: الساعي، لو كان هناك ساع يأتي لأخذ الزكوات، فحال الحول ولم يتعجل بإخراجها؛ خشية أنه يخرجها ثم يأتي الساعي فيطلب منه أن يخرجها مرة أخرى، فله الحق أن يؤخرها في هذه الحال حتى يأتي الساعي ويقبضها، مثل: الأسباب التي تبيح له أن يؤخر الدين، لو كان على هذا الإنسان دين لإنسان آخر، وهناك أسباب معينة، ظروف مالية خاصة تبيح له تأخير سداد الدين، فهذا من باب أولى أنه تبيح له تأخير الزكاة.

ومثل ذلك أيضاً: لو كان هناك مصلحة عامة تتطلب تأخير الزكاة، مثل: ما لو كان هناك بوادر مجاعة في بلد من البلدان، أو أزمة معينة يتوقع أنه تستدعي حشداً من الأموال والزكوات والصدقات لسداد هذا الوجه، فالرجل تريث في إخراج الزكاة من أجل أن يسدد هذا، إذا وجد أن هناك ما يدعو إليه.

فمثل هذه الأسباب التي فيها إما ضرر على المخرج لو أداها في وقتها، أو فيها ضرر على المستحقين، وربما يكون هناك ما هو أحوج من الجهة التي صرفها فيها تبيح له أن يؤخر الزكاة عن وقتها.

أدلة القائلين بجواز تأخير إخراج الزكاة وأنها على التراخي

هناك قول آخر للحنفية، ذكرنا في القول الأول لهم رأي، لهم رأي آخر في هذه المسألة: وهو أنه يجوز له أن يؤخر الزكاة؛ لأن الزكاة عندهم على التراخي، فلو أخرها مثلاً شهوراً أو سنوات فإن ذلك جائز، وقد استدل لهم الجصاص في هذه المسألة: بأن الإنسان إذا كان عليه زكاة وهلك المال بعد وجوب الزكاة، فإنه ليس عليه ضمان الزكاة، فدل على أنه لو أخرها لم يكن عليه ضرر في ذلك أيضاً.

فمن عليه زكاة إذا هلك النصاب بعد تمام الحول، وبعد تمكنه من الأداء لا يضمن، هذا رأيهم، رأي الجصاص واستدلاله للحنفية، قال: لو كانت على الفور لكان عليه أن يضمن، بينما هذه المسألة سنذكر فيها الخلاف والقول الراجح بعد قليل.

القول الراجح في تأخير الزكاة

الذي نختاره في هذه المسألة: أن الزكاة يجب إخراجها على الفور، ومن أقوى أدلة الفورية قول الله سبحانه وتعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، فمن حقه الزكاة، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بها أن تخرج يوم الحصاد، إضافة إلى ما ذكرناه في أدلة القول الأول. لكن الفورية لا تقتضي يوماً معيناً، وإنما تقتضي أنه بمجرد ما حال الحول وجاء وقت الوجوب، عليه أن يخرج زكاته بالقدر الذي يحتاجه الناس، ولا يؤخرها لمصلحة نفسه، أما كونه كما ذكرنا لم يخرجها في يوم واحد فهذا أمر آخر، والأولى به أن يبدأ بإخراجها حتى قبيل وقت الوجوب، بحيث يتمكن من إخراجها خلال هذه الفترة.

الأدلة على الوجوب الفوري:

أولاً: هناك دليل أصولي يتكرر دائماً في معظم الواجبات، قالوا: لأن الزكاة مأمور بها: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، والواجبات الشرعية ينبغي أن تؤدى على الفور، الأصل فيها الفورية وعدم التأخير.

إذاً: الأول: لأن الأمر المطلق يقتضي الفورية.

الثاني: لأنها عبادة مؤقتة بوقت، وهو حولان الحول، فيجب أن تؤدى إذا جاء وقتها، وهو تمام الحول.

الثالث: قالوا: لأنه لو جاز له أن يؤخرها شهراً مثلاً، لجاز له أن يؤخرها شهرين، ولو جاز أن يؤخرها شهرين جاز أن يؤخرها ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر إلى سنة، وهذا لا يتناهى، ويترتب عليه ربما تراكم الزكاة، ويترتب عليه عدم مطالبته بالزكاة، ويترتب عليه عدم تأثيم من أخّر الزكاة ولم يخرجها، وقد يكون هذا مهرباً ويؤدي إلى التفريط، ويرفع العقوبة عن تارك الزكاة.

الرابع: قالوا: إن الزكاة حق متعين في المال أو في الذمة للفقراء، فإذا حال الحول وجبت الزكاة، فكانت مثل الدين المؤجل الذي حل وقته، يجب على المدين أن يخرجه فوراً.

فلهذه الأدلة ذهب الجمهور إلى وجوب إخراج الزكاة على الفور، لكن هذا لا يعارض أن تكون هناك حالات خاصة، حتى عند الجمهور يمكن تأخير الزكاة بسببها.

مما يبيح ويجيز تأخير الزكاة، مثلاً: مر قبل أسبوع معنا زكاة الدين، فإن الزكاة إذا كانت متجهة على دين، فذكرنا أقوالاً منها: أنه لا يخرج زكاة الدين إلا إذا قبض الدين، حتى لو ترتب على ذلك تأخير السداد لسنوات.

ومثلها أيضاً: زكاة المال الغائب الذي لا يدري هل يصل إليه أو لا يصل، فإن الغني يكفيه أن يواسي الفقراء بنفسه، فإذا جاء المال وقدم حتى بعد تمام الحول أخرج الزكاة، فواسى الفقراء بنفسه.

مثله أيضاً: لو كان ينتظر بإخراج الزكاة سبباً معيناً، مثل: الساعي، لو كان هناك ساع يأتي لأخذ الزكوات، فحال الحول ولم يتعجل بإخراجها؛ خشية أنه يخرجها ثم يأتي الساعي فيطلب منه أن يخرجها مرة أخرى، فله الحق أن يؤخرها في هذه الحال حتى يأتي الساعي ويقبضها، مثل: الأسباب التي تبيح له أن يؤخر الدين، لو كان على هذا الإنسان دين لإنسان آخر، وهناك أسباب معينة، ظروف مالية خاصة تبيح له تأخير سداد الدين، فهذا من باب أولى أنه تبيح له تأخير الزكاة.

ومثل ذلك أيضاً: لو كان هناك مصلحة عامة تتطلب تأخير الزكاة، مثل: ما لو كان هناك بوادر مجاعة في بلد من البلدان، أو أزمة معينة يتوقع أنه تستدعي حشداً من الأموال والزكوات والصدقات لسداد هذا الوجه، فالرجل تريث في إخراج الزكاة من أجل أن يسدد هذا، إذا وجد أن هناك ما يدعو إليه.

فمثل هذه الأسباب التي فيها إما ضرر على المخرج لو أداها في وقتها، أو فيها ضرر على المستحقين، وربما يكون هناك ما هو أحوج من الجهة التي صرفها فيها تبيح له أن يؤخر الزكاة عن وقتها.

هناك قول آخر للحنفية، ذكرنا في القول الأول لهم رأي، لهم رأي آخر في هذه المسألة: وهو أنه يجوز له أن يؤخر الزكاة؛ لأن الزكاة عندهم على التراخي، فلو أخرها مثلاً شهوراً أو سنوات فإن ذلك جائز، وقد استدل لهم الجصاص في هذه المسألة: بأن الإنسان إذا كان عليه زكاة وهلك المال بعد وجوب الزكاة، فإنه ليس عليه ضمان الزكاة، فدل على أنه لو أخرها لم يكن عليه ضرر في ذلك أيضاً.

فمن عليه زكاة إذا هلك النصاب بعد تمام الحول، وبعد تمكنه من الأداء لا يضمن، هذا رأيهم، رأي الجصاص واستدلاله للحنفية، قال: لو كانت على الفور لكان عليه أن يضمن، بينما هذه المسألة سنذكر فيها الخلاف والقول الراجح بعد قليل.

الذي نختاره في هذه المسألة: أن الزكاة يجب إخراجها على الفور، ومن أقوى أدلة الفورية قول الله سبحانه وتعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، فمن حقه الزكاة، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بها أن تخرج يوم الحصاد، إضافة إلى ما ذكرناه في أدلة القول الأول. لكن الفورية لا تقتضي يوماً معيناً، وإنما تقتضي أنه بمجرد ما حال الحول وجاء وقت الوجوب، عليه أن يخرج زكاته بالقدر الذي يحتاجه الناس، ولا يؤخرها لمصلحة نفسه، أما كونه كما ذكرنا لم يخرجها في يوم واحد فهذا أمر آخر، والأولى به أن يبدأ بإخراجها حتى قبيل وقت الوجوب، بحيث يتمكن من إخراجها خلال هذه الفترة.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3987 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3926 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3854 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3846 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3672 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3625 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3615 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3552 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3516 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3444 استماع