شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اليوم عندنا زكاة الفطر، وأذكر بهذه المناسبة قصةً حصلت وهي تجربة بالأصح: أنهم أخذوا مجموعة من الشباب وقسموهم إلى قسمين: القسم الأول قالوا لهم: إننا سوف نطالبكم بعد ساعات بأن تكتبوا لنا قصة، والقسم الثاني: فاجئوهم مفاجأة ووضعوهم على الكراسي وأعطوهم أوراقاً، وقالوا: اكتبوا لنا قصة، وبالمقارنة وجدوا أن الذين فوجئوا بالخبر كانوا أكثر إبداعاً وجودة وعفوية، من أولئك الذين أخبروا من قبل وبدءوا يفكرون بالموضوع.

أيضاً أذكر أن أحد الإخوة يقول لي: إنه كان طالباً في الحلقة، وكانوا يحفظون كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب عند أستاذهم، فأحياناً يكون الدرس طويلاً، فيستعد له الطلاب قبل ذلك بوقت، ويحضّرونه ويحفظونه ويراجعونه، فإذا جاء الواحد منهم أتقن قراءة الدرس مع أنه طويل، بينما يكون الدرس أحياناً قليل، عبارة عن آية وحديث ومسائل معدودة، فيستهين الطالب بالدرس، فإذا جاء إلى الشيخ وجد أنه يتلكأ ويخطئ ويتعثر ويقع له ما يقع، وربما حصل شيء من هذا فيما يتعلق بهذه الدرس، فهو درس سهل إن شاء الله وواضح، لكن صادف أن مفاتيح مكتبي ومكتبتي ضاعت مني، وأن الإخوة كلهم كانوا مسافرين أيضاً، فجلست أترقب وقتاً طويلاً حتى أجد من يفتح لي بابي، ولكن مع ذلك الحمد لله إن شاء الله نستطيع أننا نجهز على هذا الباب في وقت محدود بإذن الله تعالى.

فيما يتعلق بزكاة الفطر أولاً: لها أسماء، من أسمائها، زكاة الفطر، وصدقة الفطر، المقصود بالفطر: الفطر من رمضان، وهذا من نسبة الشيء إلى سببه، كما يقولون، فإن سبب هذه الزكاة هو الإفطار من رمضان، وتسمى أيضاً: الفطرة، بكسر الفاء أيضاً عند الفقهاء وهذا مشهور وذكره في القاموس، وإن لم يكن له أصل من اللغة، وإنما هو من المولَّد، يعني: من الكلمات المولّدة الجديدة، وهذا الاسم معروف عند العامة عندنا، بل ربما لا يعرف غيره، فهم يسمونها الفطرة، وقد يرققون الراء، فيقولون: الفطرِة.

وإنما سميت الفطرة لأحد معنيين: إما لأنها تُؤدَى بعد الفطر من رمضان، وإما نسبة إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ لأن هذه الزكاة لا تتعلق بالمال وإنما تتعلق بالبدن، ولذلك من أسمائها: زكاة البدن، أو زكاة الرأس، أو زكاة الرقبة، يعني: زكاة الإنسان، وهذا مما يميزها عن الزكاة الأخرى، ولذا مثلاً يقولون في زكاة المال: إنها تخرج في بلد المال، بينما يقولون في زكاة الفطر: إنها تخرج في البلد التي يكون فيها الإنسان، ولو كان ماله في بلد آخر؛ لأنها تتعلق ببدنه لا بماله.

النقطة الثانية: الحكمة من مشروعية زكاة الفطر، تتلخص في ثلاث نقاط: ‏

طهرة للصائم من اللغو والرفث

الأولى: أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ وذلك لأن الصائم لا يخلو أن يقع في صيامه نقص بوجه من الوجوه، ولو أن يلغو في الكلام أو يرفث، أو يقع في غيبة أو فضول كلام أو فضول نظر .. أو غير ذلك من المعاصي التي لا تُفسد الصيام، ولكنها تُنقص أجره وتُضعفه، فكانت هذه الصدقة طهرة للصائم من اللغو والرفث.

طعمة للمساكين

الثانية: أنها طعمة للمساكين؛ لأنها تخرج في ليلة العيد ويوم العيد، وهو يوم فرح وسرور واغتباط وتوسع في المأكل والمشرب، ولذلك حرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صيام يومي العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، فالأكل فيها مقصود، وبالذات في عيد الفطر شرع للإنسان أن يأكل تمرات قبل أن يخرج إلى الصلاة.

فإذاً: المقصود في هذا اليوم أن يكون هناك توسع في المأكل والمشرب والزينة المباحة، وفرح وسرور، ولذلك كان إظهار الفرح والسرور في أيام العيد مقصوداً للشرع، وفي هذا مقام طويل، فكان في إخراج صدقة الفطر في ذلك اليوم إشعاراً للمساكين والفقراء بانتمائهم إلى هذا المجتمع، وإطعاماً لهم، ومشاركة لهم في سرور يوم العيد وفي فرح يوم العيد؛ لئلا يأتي عليهم العيد وهم جياع يشعرون بالانقباض، وربما يشعرون ربما بالحسد لذلك المجتمع الذي يتمتع بالنعيم، ويحرمهم هم من قوتهم أو طعامهم أو ضرورة حياتهم، فكان في ذلك طعمة للمساكين والفقراء.

ولهذا ذهب من ذهب من الفقهاء كما سوف يأتي إلى أن صدقة الفطر تقصر على الفقراء والمساكين ولا تصرف لغيرهم من الأصناف الثمانية، وهذا اختيار ابن القيم وابن تيمية رحمهما الله.

التربية على البذل والعطاء

الوجه الثالث: أن في صدقة الفطر تعويداً لأفراد المجتمع كلهم على المشاركة، وعلى العطاء، ولذلك كانت الصدقة -كما قلنا- عن البدن أو عن الرقبة أو عن الرأس، الصدقة متعلقة بالإنسان حتى لو كان قليل المال، حتى لو لم يكن غنياً فإنه يتصدق، ولهذا قال الفقهاء كما سوف يأتي: إنه يخرج صدقة الفطر حتى لو لم يكن عنده نصاب المال، وبذلك يتعود الفقير أيضاً أنه يأخذ ويعطي في الوقت نفسه، وهذا فيه معنى شديد الأهمية بالنسبة لبناء المجتمعات، تدريب الإنسان على المشاركة، وهذا يقع في المال، ويقع في الدعوة، ويقع في العلم، ويقع في كل شيء، مثلاً في الحديث: ( بلغوا عني ولو آية )، فتعويد الإنسان على أنه إذا تعلم شيئاً يسيراً يقدمه للآخرين، فهذا فيه تربية له على المشاركة والعطاء.

كذلك تربية الإنسان على أنه يشارك في قضايا الأمة الكبيرة، يشارك مثلاً بالدعاء، يشارك بالتفكير السليم، يشارك بما يملك حتى لو كان قليلاً، هذا يجعل الأمة تتحرك بمجموعها لا بأفرادها.

ونشهد هذا المعنى في صدقة الفطر التي يخرجها حتى غير الأغنياء، فإنه من وجد ما يفضل عن قوت يومه وليلته، وقوت من يمونه من الناس، وجب عليه أن يخرج صدقة الفطر عن نفسه، يعطيها للفقراء ويخرجها عمن يمونه من ولد أو زوجة أو والد فقير .. أو نحو ذلك.

إذاً: هنا ثلاث فوائد أو ثلاث حكم من مشروعية صدقة الفطر:

الأولى: تطهير الصائم من اللغو والرفث.

الثانية: إطعام المساكين، وتحقيق فرحهم بيوم العيد، وانتمائهم لهذا المجتمع ولهذه الأمة.

الثالث: تربية الأمة على العطاء والبذل والمشاركة: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7].

ولهذا جاء في حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه: أن ابن عباس قال: ( فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر؛ طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ).

والحديث وإن كان صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي وحسنه النووي في المجموع إلا أن غير واحد من أهل العلم أعلوا الحديث وضعفوه، بما في سنده من ضعف واضطراب، ولكن معنى الحديث في الجملة له ما يشهد له.

الأولى: أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ وذلك لأن الصائم لا يخلو أن يقع في صيامه نقص بوجه من الوجوه، ولو أن يلغو في الكلام أو يرفث، أو يقع في غيبة أو فضول كلام أو فضول نظر .. أو غير ذلك من المعاصي التي لا تُفسد الصيام، ولكنها تُنقص أجره وتُضعفه، فكانت هذه الصدقة طهرة للصائم من اللغو والرفث.

الثانية: أنها طعمة للمساكين؛ لأنها تخرج في ليلة العيد ويوم العيد، وهو يوم فرح وسرور واغتباط وتوسع في المأكل والمشرب، ولذلك حرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صيام يومي العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، فالأكل فيها مقصود، وبالذات في عيد الفطر شرع للإنسان أن يأكل تمرات قبل أن يخرج إلى الصلاة.

فإذاً: المقصود في هذا اليوم أن يكون هناك توسع في المأكل والمشرب والزينة المباحة، وفرح وسرور، ولذلك كان إظهار الفرح والسرور في أيام العيد مقصوداً للشرع، وفي هذا مقام طويل، فكان في إخراج صدقة الفطر في ذلك اليوم إشعاراً للمساكين والفقراء بانتمائهم إلى هذا المجتمع، وإطعاماً لهم، ومشاركة لهم في سرور يوم العيد وفي فرح يوم العيد؛ لئلا يأتي عليهم العيد وهم جياع يشعرون بالانقباض، وربما يشعرون ربما بالحسد لذلك المجتمع الذي يتمتع بالنعيم، ويحرمهم هم من قوتهم أو طعامهم أو ضرورة حياتهم، فكان في ذلك طعمة للمساكين والفقراء.

ولهذا ذهب من ذهب من الفقهاء كما سوف يأتي إلى أن صدقة الفطر تقصر على الفقراء والمساكين ولا تصرف لغيرهم من الأصناف الثمانية، وهذا اختيار ابن القيم وابن تيمية رحمهما الله.

الوجه الثالث: أن في صدقة الفطر تعويداً لأفراد المجتمع كلهم على المشاركة، وعلى العطاء، ولذلك كانت الصدقة -كما قلنا- عن البدن أو عن الرقبة أو عن الرأس، الصدقة متعلقة بالإنسان حتى لو كان قليل المال، حتى لو لم يكن غنياً فإنه يتصدق، ولهذا قال الفقهاء كما سوف يأتي: إنه يخرج صدقة الفطر حتى لو لم يكن عنده نصاب المال، وبذلك يتعود الفقير أيضاً أنه يأخذ ويعطي في الوقت نفسه، وهذا فيه معنى شديد الأهمية بالنسبة لبناء المجتمعات، تدريب الإنسان على المشاركة، وهذا يقع في المال، ويقع في الدعوة، ويقع في العلم، ويقع في كل شيء، مثلاً في الحديث: ( بلغوا عني ولو آية )، فتعويد الإنسان على أنه إذا تعلم شيئاً يسيراً يقدمه للآخرين، فهذا فيه تربية له على المشاركة والعطاء.

كذلك تربية الإنسان على أنه يشارك في قضايا الأمة الكبيرة، يشارك مثلاً بالدعاء، يشارك بالتفكير السليم، يشارك بما يملك حتى لو كان قليلاً، هذا يجعل الأمة تتحرك بمجموعها لا بأفرادها.

ونشهد هذا المعنى في صدقة الفطر التي يخرجها حتى غير الأغنياء، فإنه من وجد ما يفضل عن قوت يومه وليلته، وقوت من يمونه من الناس، وجب عليه أن يخرج صدقة الفطر عن نفسه، يعطيها للفقراء ويخرجها عمن يمونه من ولد أو زوجة أو والد فقير .. أو نحو ذلك.

إذاً: هنا ثلاث فوائد أو ثلاث حكم من مشروعية صدقة الفطر:

الأولى: تطهير الصائم من اللغو والرفث.

الثانية: إطعام المساكين، وتحقيق فرحهم بيوم العيد، وانتمائهم لهذا المجتمع ولهذه الأمة.

الثالث: تربية الأمة على العطاء والبذل والمشاركة: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7].

ولهذا جاء في حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه: أن ابن عباس قال: ( فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر؛ طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ).

والحديث وإن كان صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي وحسنه النووي في المجموع إلا أن غير واحد من أهل العلم أعلوا الحديث وضعفوه، بما في سنده من ضعف واضطراب، ولكن معنى الحديث في الجملة له ما يشهد له.

النقطة الثالثة: حكم صدقة الفطر، والجمهور من أهل العلم على أن صدقة الفطر واجبة، وقد يعبر بعضهم بأنها فرض، والفرق بين الفرض والواجب يسير، هذا التفريق عند الأحناف خاصة، يفرقون بين الفرض والواجب، فيرون أن الفرض هو ما ثبت بدليل قطعي، كالقرآن الكريم أو السنة المتواترة، فهذا يسمونه فرضاً.

أما ما ثبت بدليل ظني كحديث الآحاد عندهم فإنهم يسمونه: واجباً، يعني: أقل من الفرض عندهم، ولكنه لازم للإنسان، فهذا تفريق اصطلاحي خاص، لكن الأئمة الأربعة تقريباً يرون أن صدقة الفطر واجبة، بما في ذلك أبو حنيفة يراها واجبة وليست فرضاً؛ لأنها لم تثبت في القرآن الكريم، ولكنه يوافق الأئمة الأربعة على وجوبها.

وكذلك الإمام مالك نص في الموطأ على أنها واجبة.

والدليل على وجوبها:

أولاً: القرآن الكريم قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، جاء عن بعض السلف بل ورد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح ولكنه موقوف على ابن عمر أنه فسر هذه الآية بزكاة الفطر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14]: زكاة الفطر، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:15]، يعني: صلاة العيد. وهذا من التفسير بالمثال، يعني: الآية تدل على فلاح من أدى زكاة الفطر وصلى صلاة العيد، لكنها من باب أولى أيضاً تدل على فضيلة من أدى زكاة المال المفروضة، وصلى الصلاة المفروضة أيضاً.

إذاً: الآية تدل في ضمن ما تدل عليه على وجوب صدقة الفطر، وعلى مشروعية صلاة العيد، وجاء في هذا كما ذكرت حديث ابن عمر .

الدليل الثاني وهو المعول عليه: ما رواه الشيخان، بل الشيخان وأهل السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان: صاعاً من بر أو شعير، على الذكر والأنثى والعبد والحر من المسلمين )، فحديث ابن عمر رضي الله عنه فيه: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) والفرض صريح في الإيجاب والحتم والإلزام.

ومثله أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال: ( كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو تمر، أو شعير، أو زبيب، أو أقط. فلما جاء معاوية رضي الله عنه من الشام وجاءت هذه السمراء، قال: إني أرى مداً من هذه يعدل مدين، فأخرج الناس نصف صاع من القمح، يقول أبو سعيد : أما أنا فلا أزال أخرجها، كما كنت أخرجها في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )، يعني: يخرجها صاعاً كاملاً.

فالمقصود أنها ثبتت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر : (فرض) وثبتت بفعله وفعل أصحابه رضي الله عنهم، كما في حديث أبي سعيد الخدري، وكلاهما في الصحيحين، وهذا مذهب الأربعة كما ذكرت.

هناك قول آخر في المسألة وهو منسوب إلى رواية في مذهب الإمام مالك، وابن حزم رحمه الله في المحلى نسبه إلى مالك، وهذا يبدو أنه وهم، لأن مالكاً نص على وجوبها كما في الموطأ، وإنما هو قول عند المالكية، وكأنه قول أشهب وهو من فقهائهم الكبار: أنها سنة مؤكدة، وقد ذكر هذا القول ابن رشد في بداية المجتهد، ونسبه لبعض المتأخرين من أصحاب مالك، ولم يحدد قائله، وهذا أيضاً قول لبعض الظاهرية، وهو مذهب ابن اللبان من الشافعية، وقد قال النووي عن هذا القول: إنه خطأ وشذوذ.

هؤلاء الذين قالوا بأنها سنة مؤكدة من المالكية والظاهرية والشافعية -وهم قليل كما لاحظتم- استدلوا أو لعل أهم ما استدلوا به: ما رواه أبو داود وما رواه النسائي وأحمد وابن خزيمة وغيرهم، عن قيس بن سعد بن عبادة : ( أنه سئل عن صدقة الفطر؟ فقال: إنها فرضت قبل أن تفرض زكاة المال، فلما فرضت زكاة المال لم نؤمر بها ولم ننه عنها، ونحن نخرجها )، فقالوا: هذا دليل على أن صدقة الفطر كانت واجبة قبل أن تفرض زكاة المال، فلما فرضت الزكاة على المال لم تعد زكاة الفطر واجبة، وإن كان الصحابة رضي الله عنهم يخرجونها، كما قال قيس بن سعد، ولكن على هذا الاستدلال أكثر من إشكال:

الإشكال الأول: سند الحديث فإن سند الحديث وإن كان صححه غير واحد بالنظر إلى رجاله، خصوصاً من المتأخرين، إلا أن الصواب أن سنده ليس بالقوي، وفي سنده أيضاً اضطراب وعلة أشار إليها النسائي في سننه، وأشار إلى طرف منها الحافظ ابن حجر في مواضع من كتابه العظيم: فتح الباري هذا أولاً.

ثانياً: أنه على فرض صحة الحديث أو حسنه إلا أنه لا يدل على ما ذهبوا إليه؛ لأن قيساً رضي الله عنه ذكر أنهم لم يؤمروا ولم ينهوا، ولا يلزم أنه كلما فرض أمر ينسخ ما سواه، ولا يلزم أن يتجدد الأمر أيضاً، بل الأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل بقاء الوجوب، ولا يحتاج الأمر إلى حكم أو نص جديد بعد إيجاب صدقة الفطر، فهذا لو صح لكان قصاراه أن قيساً يتردد في القول بوجوبها، أو يرى أنها سنة مؤكدة .. وما أشبه ذلك، ولا يقاوم مثل هذا الحديث الضعيف في سنده، والذي عليه الإشكال في متنه، لا يقاوم النصوص الصحيحة الثابتة في وجوب صدقة الفطر، بل لا يقاوم ما حكاه بعضهم من الإجماع، فقد ذكر ابن المنذر ونقله عنه ابن قدامة وغيره إجماع الفقهاء على وجوب صدقة الفطر، ونص على ذلك أيضاً البيهقي في السنن عند الحديث، فإنه نص على إجماع الفقهاء على وجوب صدقة الفطر، وقال إسحاق بن راهويه : (هو كالإجماع)، ولعل كلام إسحاق أجود وأدق، أنه لا إجماع على الوجوب ولكن كالإجماع، وقد ذكرنا هذا مراراً: أنهم قد يطلقون الإجماع ويقصدون به أنه قول الجمهور أو مذهب الأكثرين، وإلا فالخلاف في مثل هذه المسائل معروف.

قال المصنف رحمه الله هاهنا: [ باب زكاة الفطر.

قال: وهي واجبة على كل مسلم ]، فقوله: (على كل مسلم) يقودنا إلى مسألة أخرى وهي شروط وجوب صدقة الفطر.

ما هي الشروط التي إذا توفرت في أحد وجبت عليه صدقة الفطر؟

الإسلام

الشرط الأول: قال المصنف: [على كل مسلم]، إذاً: الشرط الأول: هو الإسلام، فإن صدقة الفطر لا تجب على الكافر، هذا من حيث الأثر والنظر العقل والنقل.

أما من حيث العقل فإن صدقة الفطر شرعت طهرة للصائم، والكافر ليس بصائم وليس محلاً للتطهير، فلا معنى لإيجاب الزكاة عليه.

وكذلك ما ذكرناه من العلل الأخرى في مواساة الفقراء، وفي تربية المجتمع على المشاركة وعلى العطاء، فهذا متحقق بالنسبة للمجتمع المسلم وأفراده، من حيث النظر والعقل.

أما من حيث الأثر فقد صح في حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أنه قال: ( على كل ذكر أو أنثى حر أو عبد من المسلمين )، فقوله: (من المسلمين) هذا نص على وجوبها على المسلمين، وهو يدل بمفهومه أو مفهوم المخالفة على أنها لا تجب على غير المسلم.

وهذا هو مذهب الجمهور كما ذكرت، وهناك قول عند الشافعية -وهو الأصح عندهم في رواية- أنه يجب على الرجل الكافر أن يؤدي صدقة الفطر عن أقاربه المسلمين، لاحظ هم لم يوجبوا عليه هو زكاة الفطر، هذا لا قائل به: أن زكاة الفطر تجب على الكافر ما دام كافراً، وإنما قالوا: إنها تجب على الرجل الكافر عن أقاربه المسلمين، مثلاً لو كان الكافر وأبوه مسلم وفقير، فقالوا في الحالة هذه يجب على الابن الكافر أن يخرجها عن أبيه المسلم الفقير، أو العكس لو كان الأب كافراً غنياً والابن فقيراً مسلماً، فقالوا في هذه الحالة: يجب على الأب الكافر الغني أن يخرجها عن الابن الفقير المسلم، وهذا كما ذكرت هو مخالف لقول الجمهور وظاهر النص أيضاً.

الحرية

الشرط الثاني فيمن تجب عليه صدقة الفطر: الحرية، وهذا أيضاً عند الأكثرين خلافاً للحنابلة ورواية عند الشافعية .. وغيرهم، فقالوا: لأن العبد لا يملك المال، فمن باب أولى أنه لا يطالب بالصدقة والنفقة، وأنه لا يستطيع أن يُـملِّك غيره شيئاً، إلا أن يعطيه سيده، لكن يقولون بوجوبها على سيده من ماله يخرجها عن العبد، هذا جوابهم عن هذا.

القدرة

الشرط الثالث: القدرة، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: [ إذا ملك فضلاً عن قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه ]، فلا بد أن يكون قادراً والقدرة تختلف عند الأحناف عنها عند بقية العلماء، فأما الأحناف فيرون القدرة على إخراج صدقة الفطر متعلقة بالنصاب، فيقولون: من ملك نصاباً من المال سواء من العروض، أو من الذهب، أو من الفضة، أو من الماشية، أو من الزروع، من ملك نصاباً من المال أي مالٍ كان، فإنه يجب عليه أن يخرج صدقة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه، هذا مذهب الأحناف؛ لأنهم قالوا: إن ملك النصاب هو الدليل على الغنى، واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو داود وغيره وسنده صحيح: ( لا صدقة إلا عن ظهر غنى ).

أما القول الثاني: وهو مذهب الجمهور الشافعية والمالكية والحنابلة فإنهم قالوا: لا يشترط أن يملك نصاباً لكن يكفي أن يكون عنده فضل عن قوته وقوت من يمونه يوم العيد وليلة العيد، فإذا كان عنده زيادة وجب عليه أن يخرج هذه الزيادة، يخرج منها صدقة الفطر.

وهذا القول هو القول المختار؛ لأن صدقة الفطر كما ذكرنا هي صدقة عن البدن، ليس لها تعلق بالمال، ولا يلزم لها الغنى، بل يكفي فيها القدرة على الإخراج والإنفاق.

الشرط الأول: قال المصنف: [على كل مسلم]، إذاً: الشرط الأول: هو الإسلام، فإن صدقة الفطر لا تجب على الكافر، هذا من حيث الأثر والنظر العقل والنقل.

أما من حيث العقل فإن صدقة الفطر شرعت طهرة للصائم، والكافر ليس بصائم وليس محلاً للتطهير، فلا معنى لإيجاب الزكاة عليه.

وكذلك ما ذكرناه من العلل الأخرى في مواساة الفقراء، وفي تربية المجتمع على المشاركة وعلى العطاء، فهذا متحقق بالنسبة للمجتمع المسلم وأفراده، من حيث النظر والعقل.

أما من حيث الأثر فقد صح في حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أنه قال: ( على كل ذكر أو أنثى حر أو عبد من المسلمين )، فقوله: (من المسلمين) هذا نص على وجوبها على المسلمين، وهو يدل بمفهومه أو مفهوم المخالفة على أنها لا تجب على غير المسلم.

وهذا هو مذهب الجمهور كما ذكرت، وهناك قول عند الشافعية -وهو الأصح عندهم في رواية- أنه يجب على الرجل الكافر أن يؤدي صدقة الفطر عن أقاربه المسلمين، لاحظ هم لم يوجبوا عليه هو زكاة الفطر، هذا لا قائل به: أن زكاة الفطر تجب على الكافر ما دام كافراً، وإنما قالوا: إنها تجب على الرجل الكافر عن أقاربه المسلمين، مثلاً لو كان الكافر وأبوه مسلم وفقير، فقالوا في الحالة هذه يجب على الابن الكافر أن يخرجها عن أبيه المسلم الفقير، أو العكس لو كان الأب كافراً غنياً والابن فقيراً مسلماً، فقالوا في هذه الحالة: يجب على الأب الكافر الغني أن يخرجها عن الابن الفقير المسلم، وهذا كما ذكرت هو مخالف لقول الجمهور وظاهر النص أيضاً.

الشرط الثاني فيمن تجب عليه صدقة الفطر: الحرية، وهذا أيضاً عند الأكثرين خلافاً للحنابلة ورواية عند الشافعية .. وغيرهم، فقالوا: لأن العبد لا يملك المال، فمن باب أولى أنه لا يطالب بالصدقة والنفقة، وأنه لا يستطيع أن يُـملِّك غيره شيئاً، إلا أن يعطيه سيده، لكن يقولون بوجوبها على سيده من ماله يخرجها عن العبد، هذا جوابهم عن هذا.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3987 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3926 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3854 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3846 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3672 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3625 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3615 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3552 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3516 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3444 استماع