خطب ومحاضرات
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب شروط الصلاة -1
الحلقة مفرغة
هذه رقعة كتب فيها أحد الإخوة مسألة الإقامة للرجال دون النساء، وذكر تخريج أثر ابن عمر الذي ذكرته أمس، وقال: إنه ضعيف، وذكرته أنا أيضاً أنه ضعيف مرفوعاً: ( ليس على النساء أذان ولا إقامة )، لكن المفيد في هذه الرقعة أنه قال: روى أبو داود في مسائله : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن المرأة تؤذن وتقيم؟ قال: (سئل ابن عمر عن المرأة تؤذن وتقيم، فقال: أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل؟!)، يعني: أنه لا ينهى.
وهذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بسند جيد عن ابن عمر .
ويؤيده كذلك ما رواه البيهقي عن ليث عن عطاء عن عائشة : [ أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤم النساء وتقوم وسطهن ]، ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة مختصراً. وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف.
ثم رواه البيهقي عن عمرو بن أبي سلمة قال: سألت ابن ثوبان : هل على النساء إقامة؟ فحدثني أن أباه حدثه قال: سألت مكحولاً، فقال: إذا أذنّ فأقمن فذلك أفضل، وإن لم يزدن على الإقامة أجزأت عنهن.
قال ابن ثوبان: وإن لم يقمن فإن الزهري حدث عن عروة عن عائشة قالت: (كنا نصلي بغير إقامة)، وسند الأثر حسن إن شاء الله، أعني أثر ابن ثوبان، ويوفق بينهما: بأن عائشة رضي الله عنها كانت تفعل هذا تارة وذاك تارة أخرى، وجنح إليه البيهقي رحمه الله، ويذكر عن جابر رضي الله عنه أنه قيل له: أتقيم المرأة؟ قال: نعم.
روى أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه وأحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا )، والحديث صححه الألباني كما في صحيح الجامع . قال الطيبي : عطف (أنا وأنا) على قول المؤذن (أشهد) بتقدير العامل.
أما الأخير فكما ذكرنا سابقاً، هذا المتابع يقول: وأنا وأنا، أما أذان النساء وإقامتهن فقد سمعتم ما كتبه الأخ، ويبقى أن موضوع الأذان بالنسبة للنساء لا يثبت، وهذه الآثار لا يثبت بها حكم، ولا شك أن النساء ليس عليهن جماعة؛ ولذلك ليس عليهن أذان، أما الإقامة فلا شك أن الأمر فيها أوسع، وقد قيل بمشروعية الإقامة للنساء.
[ باب: شروط الصلاة ].
في هذا الباب مسائل: الأولى منها: قوله رحمه الله: [ باب شروط ]، فإن الشروط مفرده شرط، ويجمع على: شروط وأشراط، كما ذكر أهل العلم، وكما قال الله تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] أي: علاماتها، والشرط في اللغة: العلامة.
أما في الاصطلاح: فهو ما لا يوجد المشروط مع عدمه.
وينبغي أن يفرق بين الشروط وبين الأركان والواجبات، فأما الشروط فهي تكون خارج الصلاة، كما هو معروف: الطهارة مثلاً، أو الوقت، أو ستر العورة، هي أشياء خارج الصلاة، بخلاف الأركان والواجبات فهي تكون في صلب الصلاة: كالقيام، والقراءة، والركوع، والسجود، والذكر وما أشبه ذلك، هذا هو الفرق الأول.
وأما الفرق الثاني: فإن الشرط يجب استيعابه في جميع الصلاة، بمعنى: أنه يجب أن يكون مصحوباً طول وقت الصلاة، فستر العورة مثلاً واجب إلى نهاية الصلاة، بخلاف الأركان والواجبات فإنه ينتقل من ركن إلى ركن، أو من ركن إلى واجب، أو من واجب إلى ركن.
الفرق الثالث: أنه بالنسبة للشرط يلزم من عدمه العدم، فمثلاً: لو عدم الطهارة من الحدث فإنها لا تصح صلاته، بخلاف الواجب فإنه قد يتركه سهواً وتصح صلاته مع ذلك.
المسألة الثانية: قال: [ وهي ستة ]، يعني: شروط الصلاة.
وينبغي أن يعلم أن من أهل العلم من عد شروط الصلاة تسعة كما هو معروف، ومن عدها ثمانية، وهذا راجع إلى أن الشروط -كما يقول علماء الأصول- هي من الأحكام الوضعية التي تتعلق بأفعال المكلفين من حيث الحكم عليها بالصحة والإجزاء، أو الفساد أو البطلان أو غير ذلك، ولهذا يتفاوت العلماء في عدها وتقديرها.
وبالجملة: فإن أهل العلم قسموا الشروط إلى قسمين: شروط لوجوب الصلاة، وهذه مثل العقل، ومثل الإسلام عده بعضهم أيضاً، ومثله البلوغ أيضاً، فهذه شروط لوجوب الصلاة، بحيث إنها لا تجب على غير العاقل، أو على من لم يبلغ، أو على غير المسلم عند من لا يقول بأن الكفار مطالبون بفروع الشريعة.
أما القسم الثاني من الشروط: فهي شروط الصحة، وهي التي ذكرها المصنف وعدها ستة، منها: الطهارة، ومنها الوقت، ومنها: ستر العورة، ومنها: إزالة النجاسة، ومنها: النية، ومنها: استقبال القبلة، فهذه تسمى شروط صحة الصلاة.
إذاً: الشروط قسمان: شروط الوجوب وهي ثلاثة، وشروط الصحة وهي ستة.
الطهارة من الحدث
أما الطهارة من الحدث فالمقصود بها الطهارة من الأحداث كلها: الحدث الأكبر والأصغر، ويكون ذلك بالغسل من الحدث الأكبر والوضوء من الحدث الأصغر، والدليل على اشتراط الطهارة قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، فهذه هي الطهارة من ماذا؟ من الحدث الأصغر، أما الطهارة من الحدث الأكبر فذكرها جل وعز بقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وما يتبعه أيضاً: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، فإن التيمم أيضاً يعد طهارة لمن فقد الماء أو لم يستطع استعماله، فهذا دليل من القرآن الكريم.
أما الدليل من السنة فهو الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).
والمصنف رحمه الله تعالى ساق هذا الحديث بالمعنى بقوله: (لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ)، ولفظ الحديث: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).
فقوله: ( لا يقبل ) دليل على أن ذلك شرط لصحة الصلاة وإجزائها.
والطهارة من الحدث فرض بكل حال لا تسقط أبداً، فمن استطاع أن يتطهر بالماء فعل، ومن لم يستطع يتيمم، فمطلوب أن يتطهر بقدر وسعه.
ولو نسي الطهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر، فهل تصح صلاته؟
لا تصح صلاته أبداً بل عليه أن يعيد.
دخول الوقت
أي: دخول وقت الصلاة، فإن الصلاة لا تصح بغير وقتها، والدليل على ذلك قوله جل وتعالى: فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].
والدليل من السنة: تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأل عن الصلاة، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ( الصلاة بين هذين الوقتين )، وكذلك إمامة جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول الوقت وفي آخره، كما رواه أحمد وأهل السنن وهو حديث صحيح .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حدد الأوقات، كما في حديث أبي برزة وابن عمر وغيرهما، وبين مواقيت الصلاة، وبالجملة فإن بيان مواقيت الصلاة ثابت بالتواتر قولاً وفعلاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك يقل الخلاف بين أهل العلم في أمر المواقيت لظهورها واشتهارها، وكثرة الأحاديث والآثار فيها.
المسألة الثالثة: قال: [ أحدها الطهارة من الحدث؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ ) ].
أما الطهارة من الحدث فالمقصود بها الطهارة من الأحداث كلها: الحدث الأكبر والأصغر، ويكون ذلك بالغسل من الحدث الأكبر والوضوء من الحدث الأصغر، والدليل على اشتراط الطهارة قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، فهذه هي الطهارة من ماذا؟ من الحدث الأصغر، أما الطهارة من الحدث الأكبر فذكرها جل وعز بقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وما يتبعه أيضاً: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، فإن التيمم أيضاً يعد طهارة لمن فقد الماء أو لم يستطع استعماله، فهذا دليل من القرآن الكريم.
أما الدليل من السنة فهو الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).
والمصنف رحمه الله تعالى ساق هذا الحديث بالمعنى بقوله: (لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ)، ولفظ الحديث: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).
فقوله: ( لا يقبل ) دليل على أن ذلك شرط لصحة الصلاة وإجزائها.
والطهارة من الحدث فرض بكل حال لا تسقط أبداً، فمن استطاع أن يتطهر بالماء فعل، ومن لم يستطع يتيمم، فمطلوب أن يتطهر بقدر وسعه.
ولو نسي الطهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر، فهل تصح صلاته؟
لا تصح صلاته أبداً بل عليه أن يعيد.
المسألة الرابعة: قال [ الشرط الثاني: الوقت ].
أي: دخول وقت الصلاة، فإن الصلاة لا تصح بغير وقتها، والدليل على ذلك قوله جل وتعالى: فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].
والدليل من السنة: تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأل عن الصلاة، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ( الصلاة بين هذين الوقتين )، وكذلك إمامة جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول الوقت وفي آخره، كما رواه أحمد وأهل السنن وهو حديث صحيح .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حدد الأوقات، كما في حديث أبي برزة وابن عمر وغيرهما، وبين مواقيت الصلاة، وبالجملة فإن بيان مواقيت الصلاة ثابت بالتواتر قولاً وفعلاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك يقل الخلاف بين أهل العلم في أمر المواقيت لظهورها واشتهارها، وكثرة الأحاديث والآثار فيها.
وقت صلاة الظهر
فبدأ هاهنا بالمواقيت، بدأ بالأوقات أو المواقيت، وهي جمع ميقات، والعلماء يختلفون في تحديد المواقيت، فمنهم من يبدأ بصلاة الفجر؛ لأنها أول الأوقات ويثني بالظهر ويثلث بالعصر بحيث تكون هي الصلاة الوسطى، كما يذكر المصنف بعد قليل، وينتهي بصلاة العشاء؛ لأنها آخر الصلوات، ومنهم من يبدأ بصلاة الظهر، ويثني بالعصر ويختم بصلاة الفجر، ولا شك أن الأول أنسب، البداءة بصلاة الفجر؛ لأنها هي أول الصلوات النهارية وتعقبها الظهر وتكون العصر حينئذ هي الوسطى.
وعلى كل حال: فهذا الأمر اصطلاحي لا تأثير له.
المصنف رحمه الله بدأ بوقت صلاة الظهر فقال: [ ووقت صلاة الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ].
وقت الظهر من زوال الشمس، يقال: زالت الشمس، وزاغت، ودلكت، إذا انتقلت من كبد السماء إلى جهة الغروب في وسط النهار، والدليل على أن وقت الظهر يبدأ بزوال الشمس، الدليل قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، فقوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أي: لزوالها، فيبدأ وقت الظهر بدلوك الشمس وزوالها وانتقالها من وسط السماء إلى جهة الغروب، وهذا إجماع أو يشبه الإجماع، لم يخالف في وقت صلاة الظهر إلا قول ضعيف غاية الضعف مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، ثم استقر الإجماع بعد على أن صلاة الظهر لا تصح إلا بعد الزوال، هذا فيما يتعلق بأول وقت الصلاة إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، كما في حديث جبريل حينما أم النبي صلى الله عليه وسلم -حديث ابن عباس وغيره- فصلى به في المرة الثانية حين صار ظل الشيء مثله، وكذلك جاء هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وقت الظهر إذا زالت الشمس وصار ظل الشيء مثله )، وهذا هو المشهور.
وقت صلاة العصر
إذاً: وقت العصر يبدأ إذا صار ظل الشيء مثله، وهو آخر وقت صلاة الظهر، وينتهي وقت الاختيار باصفرار الشمس، أي: إذا ضعفت أشعة الشمس واصفرت اصفراراً ظاهراً، هذا وقت الاختيار.
قال المصنف رحمه الله في المسألة السابعة: [ وهي الوسطى ].
أي: صلاة العصر. قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
وقد اختلف أهل العلم في تحديد الصلاة الوسطى على أقوال كثيرة جداً، ومع أن الصلوات كلها خمس، فقد اختلف أهل العلم في تحديد الصلاة الوسطى على أقوال تزيد على سبعة أو أكثر من ذلك على ما هو معروف، أصحها: أنها صلاة العصر؛ لأنها هي الوسطى باعتبار أن الفجر أول الصلوات، فتكون العصر هي الوسطى، ومما يرشح ذلك ويدل عليه حديث علي رضي الله عنه المتفق عليه في يوم الأحزاب، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال -ولم يصل العصر حتى كادت الشمس أن تغيب-: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً )، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر، وفي بعض الروايات قال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ).
وقد جاء في ذلك أدلة كثيرة جداً، هذا من أقواها وأصحها.
إذاً: هي صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى، وقد جاء في فضلها أحاديث منها: ( من صلى البردين دخل الجنة )، وهو في الصحيح، ومنها: (من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله )، ومنها: حديث علي رضي الله عنه في الصحيحين كما سبق.
المسألة الثامنة: قال [ ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس ].
إذاً: صلاة العصر لها وقتان: وقت اختيار، ووقت اضطرار، أما وقت الاختيار -أي: وقت الجواز- فإنه يبدأ حينما يصير ظل الشيء مثله عند جماعة من أهل العلم.
وقال آخرون: بل يبدأ عندما يصير ظل الشيء مثليه، وينتهي باصفرار الشمس هذا وقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فإنه يبدأ باصفرار الشمس وينتهي بغروب الشمس، وذلك للحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة )، والحديث متفق عليه، ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة )، فهذا دليل على أن الوقت الاضطراري يمتد إلى غروب الشمس بالكلية، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر صلاة العصر إلى اصفرار الشمس إلا مضطراً، ومن صلاها في وقت اضطراري فقد أدرك الوقت ولكنه آثم بالتأخير.
وقت صلاة المغرب
أما بدء وقت المغرب فإنه يبدأ بغروب الشمس بالكلية، وهذا إجماع لا خلاف فيه، فإن صلاة المغرب لا يدخل وقتها إلا بمغيب الشمس.
أما نهاية الوقت، فإن المشهور عند أهل العلم -وهو مذهب الجمهور- أنه يمتد إلى أن يغيب الشفق الأحمر، وقيل: الأبيض، وذهب الشافعي رحمه الله تعالى: إلى أن وقت المغرب وقت يسير جداً لا يتسع إلا لقدر صلاة ركعتين قبلها ثم صلاة المغرب، وينتهي وقتها بعد ذلك.
ومذهب الجمهور أصح وأولى، والدليل يعضده، أن وقت المغرب يمتد من غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر، أي: أنه يمتد إلى دخول وقت صلاة العشاء، ولا يوجد بين المغرب والعشاء وقت ليس بشيء من هاتين الصلاتين، بل يخرج وقت المغرب ليدخل وقت العشاء.
إذاً: وقت صلاة المغرب يمتد إلى أن يؤذن لصلاة العشاء إذا أذن لها على الوقت، والدليل على ذلك: حديث بريدة -وهو في صحيح مسلم -: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في اليوم الأول حين غابت الشمس، ثم صلى في اليوم الثاني قبيل أن يغيب الشفق ).
وقت صلاة العشاء
(من ذلك): أي من مغيب الشفق، فإنه إذا خرج وقت المغرب دخل وقت العشاء، والدليل على ما ذكره المصنف قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن عمر : ( وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل )، وهذا هو القول المشهور وعليه الجمهور، وقيل: إلى ثلث الليل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم العشاء حين ذهب ثلث الليل، ولا يخفى أن صلاته صلى الله عليه وسلم العشاء حين ذهب ثلث الليل لا تدل على أن الوقت ينتهي بذلك، فإن قوله: ( إلى نصف الليل ) قول، وهو حاكم على فعله عليه الصلاة والسلام، فالقول مقدم، كما أنه ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر صلاة العشاء إلى نصف الليل، فدل ذلك على أن وقت الاختيار بالنسبة لصلاة العشاء يمتد إلى نصف الليل.
قال بعض أهل العلم: وينتهي بذلك وقت صلاة العشاء بالكلية، وليس للعشاء وقت اختيار ووقت اضطرار.
أما القول الآخر -وهو مذهب الجمهور والرواية المشهورة في المذهب-: فيقولون: إن وقت صلاة العشاء كوقت صلاة العصر ينقسم إلى قسمين: وقت اختيار، ووقت اضطرار، أما وقت الاختيار بالنسبة للعشاء فإنه يبدأ بمغيب الشفق الأحمر وينتهي بنصف الليل، هذا وقت الاختيار، والسنة أن يؤخر العشاء إلى ثلث الليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي )، فتأخير العشاء إلى ما بعد ثلث الليل وقبل نصفه أفضل إذا لم يشق ذلك على الناس، وإن كان الغالب من فعله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يصلي العشاء في وقتها مراعاة لحال الناس كما هو معروف.
أما وقت الضرورة بالنسبة لصلاة العشاء، فإنه يبدأ بعد نصف الليل وينتهي بطلوع الفجر الثاني، والفجر الثاني هو الفجر الصادق وهو البياض المعترض في الأفق، والذي لا يزول بل يعقبه النور ثم طلوع الشمس، بخلاف الفجر الأول، فإنه بياض مستطيل كذنب السرحان -كما جاء في بعض الأحاديث- ويزول بعد ذلك ويعقبه ظلمة، ويسمى الفجر الأول أو الفجر الكاذب.
إذاً: وقت الضرورة بالنسبة لصلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، والدليل على أن وقت العشاء له وقت ضرورة يمتد إلى طلوع الفجر الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة لما ناموا عن صلاة الفجر: ( إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى دخل وقت الصلاة الأخرى ).
فقوله: ( على من لم يصل الصلاة حتى دخل وقت الصلاة الأخرى ) ذلك دليل على أن الأصل أن كل صلاة لا ينتهي وقتها إلا بوقت الصلاة التي بعدها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما دل الدليل القطعي الظاهر عليه، وهي صلاة الفجر مع صلاة الظهر، فإن ما بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ليس وقتاً لشيء من الصلوات، هذا دليل.
أيضاً من الأدلة على وقت الاضطرار في صلاة العشاء: حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر صلاة العشاء حتى ابهار الليل )، وفي رواية: ( حتى تهور الليل )، (تهور) أي: ذهب معظمه، فهذا قد يستدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء إلى نصف الليل أو إلى ما بعد ذلك بزمن يسير، ومن المعلوم أنه لو كان ذلك يخرج به وقت الصلاة لما أخرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك الوقت.
وأما قوله جل وتعالى في الآية الكريمة: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]؛ فذلك لا يدل بالضرورة على أن الوقت ينتهي، فإن قوله: إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] يعني: إلى نصف الليل واشتداد ظلمته، فهذا حدد وقت الاختيار بالنسبة لصلاة العشاء، حدد فيه وقت الاختيار بالنسبة لصلاة العشاء، ثم قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، فحدد بذلك وقت صلاة الفجر.
وقت صلاة الفجر
يعني: وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وتحديد وقت صلاة الفجر لا إشكال فيه، فأما بدايته فقوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] فحددت الآية الكريمة الأوقات الضرورية الأساسية الثلاثة:
الوقت الأول: لدلوك الشمس، ويشمل وقت صلاة الظهر والعصر، ما بين الزوال إلى الغروب.
الوقت الثاني: إلى غسق الليل، وذلك يشمل وقت صلاة المغرب والعشاء، من غروب الشمس إلى منتصف الليل لوقت الاختيار.
الوقت الثالث لصلاة الفجر: (وقرآن الفجر)، ولهذا كانت الظهر تجمع مع العصر عند الحاجة، وكانت المغرب تجمع مع العشاء عند الحاجة، أما الفجر فكانت لا تجمع لا مع ما قبلها ولا مع ما بعدها، وكذلك بالنسبة لآخر الوقت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيح-: ( من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة )، وأمر صلاة الفجر ظاهر لا خلاف فيه.
ويبقى ما بعد طلوع الشمس إلى زوالها ليس محلاً لشيء من الصلوات.
المسألة الخامسة: قال: [ ووقت الظهر ].
فبدأ هاهنا بالمواقيت، بدأ بالأوقات أو المواقيت، وهي جمع ميقات، والعلماء يختلفون في تحديد المواقيت، فمنهم من يبدأ بصلاة الفجر؛ لأنها أول الأوقات ويثني بالظهر ويثلث بالعصر بحيث تكون هي الصلاة الوسطى، كما يذكر المصنف بعد قليل، وينتهي بصلاة العشاء؛ لأنها آخر الصلوات، ومنهم من يبدأ بصلاة الظهر، ويثني بالعصر ويختم بصلاة الفجر، ولا شك أن الأول أنسب، البداءة بصلاة الفجر؛ لأنها هي أول الصلوات النهارية وتعقبها الظهر وتكون العصر حينئذ هي الوسطى.
وعلى كل حال: فهذا الأمر اصطلاحي لا تأثير له.
المصنف رحمه الله بدأ بوقت صلاة الظهر فقال: [ ووقت صلاة الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ].
وقت الظهر من زوال الشمس، يقال: زالت الشمس، وزاغت، ودلكت، إذا انتقلت من كبد السماء إلى جهة الغروب في وسط النهار، والدليل على أن وقت الظهر يبدأ بزوال الشمس، الدليل قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، فقوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أي: لزوالها، فيبدأ وقت الظهر بدلوك الشمس وزوالها وانتقالها من وسط السماء إلى جهة الغروب، وهذا إجماع أو يشبه الإجماع، لم يخالف في وقت صلاة الظهر إلا قول ضعيف غاية الضعف مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، ثم استقر الإجماع بعد على أن صلاة الظهر لا تصح إلا بعد الزوال، هذا فيما يتعلق بأول وقت الصلاة إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، كما في حديث جبريل حينما أم النبي صلى الله عليه وسلم -حديث ابن عباس وغيره- فصلى به في المرة الثانية حين صار ظل الشيء مثله، وكذلك جاء هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وقت الظهر إذا زالت الشمس وصار ظل الشيء مثله )، وهذا هو المشهور.
المسألة السادسة: قال: [ ووقت العصر من آخر وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس ].
إذاً: وقت العصر يبدأ إذا صار ظل الشيء مثله، وهو آخر وقت صلاة الظهر، وينتهي وقت الاختيار باصفرار الشمس، أي: إذا ضعفت أشعة الشمس واصفرت اصفراراً ظاهراً، هذا وقت الاختيار.
قال المصنف رحمه الله في المسألة السابعة: [ وهي الوسطى ].
أي: صلاة العصر. قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
وقد اختلف أهل العلم في تحديد الصلاة الوسطى على أقوال كثيرة جداً، ومع أن الصلوات كلها خمس، فقد اختلف أهل العلم في تحديد الصلاة الوسطى على أقوال تزيد على سبعة أو أكثر من ذلك على ما هو معروف، أصحها: أنها صلاة العصر؛ لأنها هي الوسطى باعتبار أن الفجر أول الصلوات، فتكون العصر هي الوسطى، ومما يرشح ذلك ويدل عليه حديث علي رضي الله عنه المتفق عليه في يوم الأحزاب، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال -ولم يصل العصر حتى كادت الشمس أن تغيب-: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً )، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر، وفي بعض الروايات قال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ).
وقد جاء في ذلك أدلة كثيرة جداً، هذا من أقواها وأصحها.
إذاً: هي صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى، وقد جاء في فضلها أحاديث منها: ( من صلى البردين دخل الجنة )، وهو في الصحيح، ومنها: (من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله )، ومنها: حديث علي رضي الله عنه في الصحيحين كما سبق.
المسألة الثامنة: قال [ ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس ].
إذاً: صلاة العصر لها وقتان: وقت اختيار، ووقت اضطرار، أما وقت الاختيار -أي: وقت الجواز- فإنه يبدأ حينما يصير ظل الشيء مثله عند جماعة من أهل العلم.
وقال آخرون: بل يبدأ عندما يصير ظل الشيء مثليه، وينتهي باصفرار الشمس هذا وقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فإنه يبدأ باصفرار الشمس وينتهي بغروب الشمس، وذلك للحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة )، والحديث متفق عليه، ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة )، فهذا دليل على أن الوقت الاضطراري يمتد إلى غروب الشمس بالكلية، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر صلاة العصر إلى اصفرار الشمس إلا مضطراً، ومن صلاها في وقت اضطراري فقد أدرك الوقت ولكنه آثم بالتأخير.
المسألة التاسعة: قال: [ ووقت المغرب إلى أن يغيب الشفق الأحمر ].
أما بدء وقت المغرب فإنه يبدأ بغروب الشمس بالكلية، وهذا إجماع لا خلاف فيه، فإن صلاة المغرب لا يدخل وقتها إلا بمغيب الشمس.
أما نهاية الوقت، فإن المشهور عند أهل العلم -وهو مذهب الجمهور- أنه يمتد إلى أن يغيب الشفق الأحمر، وقيل: الأبيض، وذهب الشافعي رحمه الله تعالى: إلى أن وقت المغرب وقت يسير جداً لا يتسع إلا لقدر صلاة ركعتين قبلها ثم صلاة المغرب، وينتهي وقتها بعد ذلك.
ومذهب الجمهور أصح وأولى، والدليل يعضده، أن وقت المغرب يمتد من غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر، أي: أنه يمتد إلى دخول وقت صلاة العشاء، ولا يوجد بين المغرب والعشاء وقت ليس بشيء من هاتين الصلاتين، بل يخرج وقت المغرب ليدخل وقت العشاء.
إذاً: وقت صلاة المغرب يمتد إلى أن يؤذن لصلاة العشاء إذا أذن لها على الوقت، والدليل على ذلك: حديث بريدة -وهو في صحيح مسلم -: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في اليوم الأول حين غابت الشمس، ثم صلى في اليوم الثاني قبيل أن يغيب الشفق ).
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية | 3985 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 | 3924 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة | 3852 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض | 3844 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين | 3670 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 | 3623 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض | 3611 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع | 3549 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج | 3513 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها | 3442 استماع |