البدعة - عبادة الدعاء والابتداع فيه


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3] .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الصادقين الطيبين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

معشر الإخوة الكرام! تقدم معنا أن البدعة شنيعة وخيمة في الإسلام، ويتسبب عنها سوء خاتمة الإنسان، وقد تدارسنا تعريفها، فهي: الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان، مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، وذلك الأمر الحادث المخترع لا تشهد له نصوص الشرع الحسان.

ولا زلنا في المبحث الأول من مباحث البدعة، وقلت: عند هذا المبحث ضل فريقان من الأنام: فريق أفرط ووسع دائرة البدعة وأدخل فيها ما ليس منها، وقد مضى التحذير من هؤلاء في المواعظ السابقة، وأتبعته بثلاثة معالم، ينبغي أن نعض عليها بالنواجذ:

أولها: المشرع هو الله وحده لا شريك له.

ثانيها: أن لهداية الإنسان ركنين: شرع قويم، وعقل سليم.

وبينت بعد ذلك في المعلم الثالث منزلة الاجتهاد في الإسلام، وسننتقل في هذه الموعظة إلى الفرقة الثانية التي ضلت في تعريف البدعة، حيث فرطت كما أن تلك أفرطت، فهذه ألغت البدعة من الإسلام كلاً أو بعضاً، واخترعت في دين الله ما لم يأذن به الله، وزعمت أنها تتقرب بذلك إلى الله جل وعلا، وسنتدارس أحوال هذه الفرقة لنحذر منها، ولنحذر الناس منها في هذه الموعظة وفي مواعظ بعدها.

إخوتي الكرام! سنتدارس في هذه الموعظة تخريف المخرفين من هذا الصنف الثاني الذين ألغوا البدعة في الدين، سنتدارس تخريفهم فيما يتعلق بدعاء الله عز وجل، والالتجاء إليه في السراء والضراء سبحانه وتعالى.

ولبيان تخريفهم لا بد من توضيح منزلة هذه العبادة ومكانتها في شرع الله المطهر، ثم أتبعها بعد ذلك بالبدع التي حصلت نحو هذه العبادة من اللجوء إلى غير الله جل وعلا.

الدعاء هو العبادة

إخوتي الكرام! إن الدعاء عبادة عظيمة في الإسلام، لا ينبغي أن يصرفها الإنسان إلا لمن بيده مقاليد الأمور وهو على كل شيء قدير، الذي خلقك وخلق كل شيء، وهو الله العلي الكبير سبحانه وتعالى، وقد أمرنا ربنا بذلك وأمرنا أن ندعوه، وأن نلجأ إليه في جميع أحوالنا، قال سبحانه وتعالى في سورة غافر: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] .

فقوله: (يستكبرون عن عبادتي) أي: عن دعائي، والالتجاء إلي، والتذلل لي في جميع أحوالهم، سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

نعم إخوتي الكرام! إن الدعاء هو العبادة كما بين ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربع، والحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الأدب المفرد، وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وشرح السنة للإمام البغوي ، وإسناده صحيح كالشمس من رواية النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدعاء هو العبادة ). ثم تلا فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] .

وروي في سنن الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، وقال الترمذي : هذا حديث غريب، ويشهد له حديث النعمان بن بشير ، ولفظ حديث أنس رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الدعاء مخ العبادة ) أي: خلاصتها وغايتها، وسيأتينا إيضاح ذلك وتحقيقه، فإن كان هذا السند ضعيفاً فيشهد له ما تقدم، ويوضحه ما سيأتي معنا من منزلة الدعاء في شريعة رب الأرض والسماء.

الأمر بالقيام بعبادة الدعاء

أمرنا الله أن ندعوه، وأن نلجأ إليه سبحانه وتعالى في جميع أحوالنا، فقال في سورة الأعراف: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، (تضرعاً) أي: تذللاً واستكانةً، فأنتم مربوبون للحي القيوم، (وخفيةً) أي: سراً، (إنه لا يحب المعتدين) الذين يتجاوزن في الدعاء، ويجهرون ويرفعون أصواتهم بالصياح.

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، وقال تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:56] راغبين راهبين، إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56].

والآيات في ذلك كثيرة وفيرة، تحضنا على الدعاء وتأمرنا به.

الدعاء يرفع العذاب

أخبرنا ربنا جل وعلا أنه لولا دعاؤنا لربنا لما بالى بنا، ولعاجل بعقابنا، فقال جل وعلا في آخر سورة الفرقان: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77].

(لولا دعاؤكم) دعاء مصدر، فإما أن يكون مضافاً إلى الفاعل، أي: لولا دعاؤكم الله ربكم والتجاؤكم إليه في سرائكم وضرائكم لما بالى بكم، فإذا أعرضتم عن دعائه واستكبرتم عن عبادته فسوف يكون العذاب لازماً حالاً بكم، ولعذبكم عذاباً أليماً فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77] .

وإما أن يكون المصدر مضافاً إلى المفعول، فيكون المعنى: لولا دعاؤكم فأنتم مدعوون لا داعون، لولا دعاء الله لكم لتعبدوه ولتوحدوه سبحانه وتعالى، لا يعبأ بكم ربي، وليس لكم عنده أي شأن، فكون المقصود: لولا أنه خلقكم لعبادته وتوحيده وتعظيمه سبحانه وتعالى كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:56-57] .

وخلاصة القول: أن الأمرين متلازمان فلولا أن الله خلقنا لعبادته، وأمرنا بتوحيده، ونحن امتثلنا أمره وقمنا بما أراد الله منا لما بالى بنا، ولما كان لنا أي شأن عنده سبحانه وتعالى، قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77] لولا دعاء الله إياكم لتوحدوه، لولا دعاؤكم الله جل وعلا في جميع أحوالكم، والتجاؤكم إليه في سرائكم وضرائكم.

وهذا يظهر أن الدعاء له شأن عظيم في شريعة الله الغراء.

الدعاء أكرم عبادة

ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه ، والحديث رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد، وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء )، فأعظم العبادات وأكرمها دعاء الله، والالتجاء إليه في كل وقت، في السراء وفي الضراء.

غضب الله على من لا يسأله

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من أعرض عن هذه العبادة، ولم يسأل ربه ولم يدعه فقد غضب الله عليه وسخط عليه، كما ثبت في المسند وسنن الترمذي وابن ماجه ، والحديث في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه والحاكم في مستدركه والبغوي في شرح السنة، والإمام البزار في مسنده، وإسناده صحيح، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يسأل الله غضب عليه )، أي: من لم يدع الله يغضب عليه، هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو تقرير لقول ذي الجلال والإكرام: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77]، فأكرم شيء على الله الدعاء، ومن أعرض عن هذه العبادة غضب عليه رب الأرض والسماء.

الأمر بدعاء الله ولو في الأمر اليسير

إخوتي الكرام! أمرنا ربنا جل وعلا أن نلجأ إليه في جميع أحوالنا، وأن ننزل حاجاتنا به سبحانه وتعالى، فهو ربنا لا إله غيره، ولا رب سواه.

وقد ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند حسن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع )، أي: هذا الخيط الذي يربط به النعل سله من ربك، وسل ربك كل صغيرة وكبيرة.

وفي سنن الترمذي عند هذه الرواية من مرسل ثابت بن أسلم البناني عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله، وحتى ملح عجينه ).

الأمر في عزم المسألة والدعاء

ينبغي أن نسأل ربنا جل وعلا جميع أمورنا، وإذا سألناه فلنجزم بالسؤال، ولنلح في طلب العطاء، فالله كريم لا يتعاظمه شيء سبحانه وتعالى.

ثبت في المسند والصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم إن شئت فأعطني، ولكن ليعزم في المسألة، فإن الله لا مكره له )، فقوله: (فإن الله لا مكره له) أي: لا مضاد له، ولا يستطيع أحد أن يكرهه وأن يعارض فعله، فلماذا تقيد إجابة دعائك على المشيئة، (إن شئت فأعطني)، قل: اللهم أعطني، اللهم ارزقني، اللهم اغفر لي وارحمني، اجزم بذلك ولا تتردد، (ليعزم في المسألة)، ولا يقل: ( اللهم إن شئت فأعطني... فإن الله لا مكره له ).

وثبت في الصحيحين أيضاً وسنن الترمذي وأبي داود -والحديث في أعلى درجات الصحة- من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعا أحدكم فلا يقولن: اللهم ارحمني إن شئت، اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارزقني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن الله صانع ما شاء لا مكره له ). وفي رواية: ( فإن الله يفعل ما يشاء لا مستكره له ).

إذاً: ينبغي أن ننزل جميع حاجاتنا بربنا، وأن نلتجئ إليه في جميع أمورنا سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام! إن الدعاء عبادة عظيمة في الإسلام، لا ينبغي أن يصرفها الإنسان إلا لمن بيده مقاليد الأمور وهو على كل شيء قدير، الذي خلقك وخلق كل شيء، وهو الله العلي الكبير سبحانه وتعالى، وقد أمرنا ربنا بذلك وأمرنا أن ندعوه، وأن نلجأ إليه في جميع أحوالنا، قال سبحانه وتعالى في سورة غافر: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] .

فقوله: (يستكبرون عن عبادتي) أي: عن دعائي، والالتجاء إلي، والتذلل لي في جميع أحوالهم، سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

نعم إخوتي الكرام! إن الدعاء هو العبادة كما بين ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربع، والحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الأدب المفرد، وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وشرح السنة للإمام البغوي ، وإسناده صحيح كالشمس من رواية النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدعاء هو العبادة ). ثم تلا فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] .

وروي في سنن الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، وقال الترمذي : هذا حديث غريب، ويشهد له حديث النعمان بن بشير ، ولفظ حديث أنس رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الدعاء مخ العبادة ) أي: خلاصتها وغايتها، وسيأتينا إيضاح ذلك وتحقيقه، فإن كان هذا السند ضعيفاً فيشهد له ما تقدم، ويوضحه ما سيأتي معنا من منزلة الدعاء في شريعة رب الأرض والسماء.

أمرنا الله أن ندعوه، وأن نلجأ إليه سبحانه وتعالى في جميع أحوالنا، فقال في سورة الأعراف: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، (تضرعاً) أي: تذللاً واستكانةً، فأنتم مربوبون للحي القيوم، (وخفيةً) أي: سراً، (إنه لا يحب المعتدين) الذين يتجاوزن في الدعاء، ويجهرون ويرفعون أصواتهم بالصياح.

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، وقال تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:56] راغبين راهبين، إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56].

والآيات في ذلك كثيرة وفيرة، تحضنا على الدعاء وتأمرنا به.

أخبرنا ربنا جل وعلا أنه لولا دعاؤنا لربنا لما بالى بنا، ولعاجل بعقابنا، فقال جل وعلا في آخر سورة الفرقان: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77].

(لولا دعاؤكم) دعاء مصدر، فإما أن يكون مضافاً إلى الفاعل، أي: لولا دعاؤكم الله ربكم والتجاؤكم إليه في سرائكم وضرائكم لما بالى بكم، فإذا أعرضتم عن دعائه واستكبرتم عن عبادته فسوف يكون العذاب لازماً حالاً بكم، ولعذبكم عذاباً أليماً فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77] .

وإما أن يكون المصدر مضافاً إلى المفعول، فيكون المعنى: لولا دعاؤكم فأنتم مدعوون لا داعون، لولا دعاء الله لكم لتعبدوه ولتوحدوه سبحانه وتعالى، لا يعبأ بكم ربي، وليس لكم عنده أي شأن، فكون المقصود: لولا أنه خلقكم لعبادته وتوحيده وتعظيمه سبحانه وتعالى كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:56-57] .

وخلاصة القول: أن الأمرين متلازمان فلولا أن الله خلقنا لعبادته، وأمرنا بتوحيده، ونحن امتثلنا أمره وقمنا بما أراد الله منا لما بالى بنا، ولما كان لنا أي شأن عنده سبحانه وتعالى، قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77] لولا دعاء الله إياكم لتوحدوه، لولا دعاؤكم الله جل وعلا في جميع أحوالكم، والتجاؤكم إليه في سرائكم وضرائكم.

وهذا يظهر أن الدعاء له شأن عظيم في شريعة الله الغراء.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
البدعة - زيارة النساء للقبور 3656 استماع
البدعة - الاجتهاد وموقعه من التشريع 3156 استماع
البدعة - الابتداع في الذكر 2817 استماع
البدعة - حياة الأنبياء في البرزخ 2774 استماع
البدعة - عبادة الذكر والابتداع فيه 2673 استماع
البدعة - تعريفها وضوابطها 2600 استماع
البدعة - ما يصل للميتين باتفاق المسلمين 2589 استماع
البدعة - التشريع لله وحده 2457 استماع
البدعة - إهداء القربات البدنية للأموات 2186 استماع
البدعة - تعذيب الميت ببكاء أهله عليه 2106 استماع