البدعة - الابتداع في الذكر


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين وخالق الخلق ورازقهم أجمعين: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[فاطر:3] .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين, فشرح به الصدور, وأنار به العقول, وفتح به أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

أما بعد: معشر الإخوة الكرام! لا زلنا نتدارس شناعة البدعة في الإسلام، وأنها توجب للإنسان سوء الختام، وتقدم معنا أن البدعة: هي الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان, مع زعم التقرب بذلك الحدث إلى الرحمن، وذلك الحدث لا تشهد له نصوص الشرع الحسان.

إخوتي الكرام! قد استعرضنا نماذج من البدع التي وجدت في هذه الأيام؛ منها: بدعٌ حول الدعاء، حيث انحرف كثير من الناس عن الالتجاء إلى رب الأرض والسماء، والتجئوا إلى الأموات أو إلى الأحياء.

ومنها: ما يتعلق بعبادة الذكر، حيث انحرفوا عن الأذكار الشرعية، ثم عكفوا بعد ذلك على الأشعار الصوفية أو الجهادية، والآن سنتدارس بدعة من البدع التي انتشرت أيضاً؛ ألا وهي تغيير الأذكار الشرعية المأثورة عن نبينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، أي: تغيير صيغتها والتلاعب بألفاظها إلى صورة لم يأذن بها رب العالمين، ولم تنقل عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام.

إخوتي الكرام! نفتتح الموعظة بتقرير الحق؛ ليرسخ في الذهن, وليتمكن من القلب، ثم نكر بعد ذلك على الباطل لندمغه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [ الرعد:17 ].

إخوتي الكرام: إن منزلة ذكر الرحمن في الإسلام أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه بعد أداء الفرائض والواجبات، وإذا كان لهذه العبادة -أعني: ذكر الله جل وعلا- هذه المنزلة في الإسلام، فإن صيغها تتفاوت في الأجر والرتبة والحظوة والمنزلة.

إن أعلى صيغ الأذكار كلمة التوحيد، التي من أجلها خلق الله الخليقة، وأسس الجنة والنار، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، كلمة لا إله إلا الله، فهذه أفضل الأذكار، وهي أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى العزيز الغفار، وقد قرر هذا نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه، ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربع، والحديث في الأدب المفرد للإمام البخاري أيضاً، ورواه الإمام أبو عبيد في كتاب (الإيمان) وهو في أعلى درجات الصحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ فأعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ).

فقوله: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة )، وجاء في رواية: ( الإيمان بضع وستون شعبة ) لا تعارض بين الروايتين، كما قرر أئمتنا لدخول القليل في الكثير.

قال: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ) فأعلى هذه الشعب وأفضلها عند الرب جل وعلا: ( لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان )

إخوتي الكرام! أفضل الطاعات وأعلى الأذكار وأعظم الحسنات كلمة التوحيد: لا إله إلا الله. وقد ثبت في مسند الإمام أحمد من رواية أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه: ( أنه قال لنبينا صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أسأت فاعمل بعدها حسنة تمحها، فقال سيدنا أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله! - صلى الله عليه وسلم - أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي أفضل الحسنات )، إذاً: لا إله إلا الله أفضل الحسنات.

والحديث كما قال الإمام الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات، كلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، لكن في إسناد الحديث شمر بن عطية الكاهلي الأسدي ، وهو ثقة كما قال الهيثمي، وهو من رجال الإمام النسائي في السنن، والإمام الترمذي في السنن، وأخرج له أبو داود في مراسيله، وحكم عليه الحافظ في التقريب: بأنه صدوق.

إذاً: هذا العبد الصالح وهو: شمر بن عطية روى الحديث عن أشياخه ولم يسم أحداً منهم عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين، والحديث تشهد له نصوص كثيرة سيأتي بعضها إن شاء الله.

فقول: لا إله إلا الله هي أفضل الحسنات، كما أخبرنا عن ذلك نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

إخوتي الكرام! أفضل الحسنات, وأعلى شعب الإيمان, وأعظم الطاعات, وأفضل الأذكار كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربع إلا سنن أبي داود، والحديث في صحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، وإسناده صحيح كالشمس، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله ).

وقد تقدم معنا توجيه الشق الثاني من هذا الحديث الصحيح الثابت: ( أفضل الدعاء الحمد لله )، وقلت: لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء مسألة، ودعاء عبادة، وهذه من صيغ دعاء العبادة، وهي من أعظم الصيغ: (الحمد لله) وإذا أثنى السائل على المسئول فقد تعرض لإجابة سؤله وإن لم يسأله حاجته، كما تقدم معنا تقرير هذا من كلام العبد الصالح أبي محمد سفيان بن عيينة سيد المسلمين في زمانه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قال: إذا كان مخلوق يقول لمخلوق مثلما كان أمية بن أبي الصلت يقول لـعبد الله بن جدعان عندما يمدحه:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء

إذاً: أفضل الذكر لا إله إلا الله, وأفضل الدعاء الحمد لله، فأعظم الطاعات, وأفضل الأذكار التي يتقرب بها المخلوق إلى خالقه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله.

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أفضل كلمة خرجت من بين شفتيه الطاهرتين الكريمتين ومن بين شفاه أنبياء الله ورسله، منذ أن أرسل الله آدم إلى أن ختم رسله بنبينا محمد على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أن أفضل كلمة خرجت من تلك الأفواه الطيبة المباركة من أفواه أنبياء الله ورسله هي كلمة التوحيد: لا إله إلا الله.

ثبت الحديث بذلك في موطأ الإمام مالك من رواية طلحة بن عبيد الله بن كريز بغير التصغير: (كريب)، وهو ثقة من أئمة التابعين الطيبين، وهو من رجال صحيح مسلم وسنن أبي داود ، فالحديث من رواية طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.

والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير ).

فأفضل كلمة نطق بها أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله.

إخوتي الكرام! سأستعرض شيئاً من الأجور التي يحصلها الذاكر لله جل وعلا بهذه الصيغة، أعني بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، سأذكر الأجور التي يحصلها الإنسان على قول هذه الصيغة إذا قالها مطلقاً، دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان، ودون أن أتحدث على فضائلها الحسان وأحكامها العظام، إنما سأخص شيئاً من الحديث على فضل النطق بهذه الكلمة مرة أو عشر مرات أو مائة أو مائتين أو أكثر دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان، ودون أن أبحث في بقية أحكامها الحسان: ما أجر من نطق بها؟ ما أجر من كررها؟ ما أجر من عبد الله بها؟

أجر من قال كلمة التوحيد مرة

إخوتي الكرام! لذلك أجور كثيرة, وخيرات وبركات، فالكلمة الواحدة من هذه الصيغة إذا قلتها تعدل عدل رقبة عند الله جل وعلا، فقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد ، والحديث رواته رواة الصحيح كما قال الإمام الهيثمي في المجمع، رواته محتج بهم في الصحيح، والحديث صححه الإمام المنذري وغيرهما من أئمتنا عليهم جميعاً رحمة الله، والحديث من رواية البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من منح منحة ورق, أو منحة لبنٍ, أو هدى زقاقاً كان كعتاق رقبة، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعتق رقبة ) .

وقوله: ( من منح منحة ورق ) الورق هي: الفضة وهي المال، أي: من أقرض إنساناً ومنحه مساعدة، وليس المراد هنا العطية بلا مقابل، إنما عطية لتستردها فهو في حاجة فأقرضته، إن أقرضته مالاً فلك عند الله أجر عتق رقبة، وسيأتينا ما في عتق الرقبة من الأجور، ( والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ).

وهكذا من منح منحة لبنٍ فكأنه أعتق رقبة، فإذا أعطيته شاة أو بقرة أو ناقة لينتفع بدرها ولتستردها بعد ذلك فلك أجر عتق رقبة. وقوله: (ومن هدى زقاقاً)، الزقاق هو: الشارع والطريق، ممثلاً: إنسان ضال تائه ضائع، فسرت معه وأوصلته إلى مكان حاجته فلك عند الله أجر عتق رقبة، وهذه الأمور الثلاثة كلها فيها شفقة على المخلوق.

وديننا يقوم على دعامتين: تعظيم للخالق, وشفقة على المخلوق، فإذا أشفقنا على المخلوق لنا هذا الأجر العظيم عند ربنا الكريم، فماذا نحصل من أجر إذا عظمنا الخالق, وأثنينا عليه بما هو أهله؟ فمن قال مرة واحدة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير كان كعتق رقبة.

والحديث في المسند، ورواته محتج بهم في الصحيح أي: رجاله رجال الصحيح، وهو حديث صحيح. وقد رواه الإمام أحمد في رواية ثانية، وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وهكذا ابن أبي شيبة في مصنفه، والضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ورواه الإمام الطبراني في الكبير بلفظ عشر مرات بدل مرة: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كعتق رقبة ).

وسيأتينا إن شاء الله توجيه الاختلاف بين الروايات التي نقلت عن نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

هذا المعنى ثبت أيضاً في معجم الطبراني الكبير بسند صحيح، كما نص على ذلك الإمام الهيثمي والمنذري عليهما رحمة ربنا، من رواية سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير مرة واحدة كان كعدل محرر أو محررين ) وقوله: (كان كعدل محرر أو محررين) أي: كمن حرر عبداً أو أمةً أو حرر عبدين أو أمتين.

وفي رواية أيضاً: في معجم الطبراني وإسنادها صحيح أيضاً من رواية أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ) على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

أجر من قال كلمة التوحيد عشر مرات

إخوتي الكرام! ذكرنا الأجر لمن يقول هذه الصيغة مرة واحدة وأما إذا قالها أكثر من ذلك إلى عشر مرات فاستمع للأجر العظيم الذي نص عليه نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين، والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه البيهقي في كتاب الدعوات الكبير وهو في أعلى درجات الصحة، من رواية أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) . على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

أي: كان كمن أعتق أربعة أنفس من خير أنواع العبيد، من العرب إذا استرقوا، وهم من نسل هذا النبي المبارك، على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فكم تنال أجراً في تحريرهم؟ إذا قلت هذه الكلمة عشر مرات لك هذا الأجر العظيم عند رب الأرض والسموات.

وروى البخاري وابن أبي شيبة في مصنفه والنسائي في كتاب (عمل اليوم والليلة) ، رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه موقوفاً عليه من قوله أنه قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

وهذا الكلام له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قطعاً وجزماً, فمثله لا يقال من قبل الرأي، وعليه فهو مرفوع من رواية هذين الصحابيين المباركين: من رواية أبي أيوب ، ومن رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم.

وفي بعض روايات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: ( لأن أقول عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أحب إليَّ من أن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

أجر من قال كلمة التوحيد مائة مرة

أخي الكريم! إذا زدت في العدد والمقدار وقلت هذه الصيغة مائة مرة فلك من الأجر الشيء الكثير، كما جاء عن نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه، فقد ثبت في موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد ، والحديث في الصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه ، ورواه الإمام النسائي في كتاب (عمل اليوم والليلة)، ورواه الإمام البغوي في (شرح السنة) وابن حبان في صحيحه، كما رواه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه، وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين, من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كان كعدل عشر رقاب, وكتب له مائة حسنة, ومحيت عنه مائة سيئة, وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا من عمل أفضل منه ) .

فإذا قلت هذه الصيغة مائة مرة كأنك أعتقت عشرة أنفس، ولك بعد ذلك هذه الأجور؛ يكتب لك مائة حسنة ويمحى عنك مائة خطيئة، وتكون في ذلك اليوم في حصن حصين وحرز مكين من الشيطان الرجيم، ولا يأتي أحدٌ بأفضل من عملك إلا من قال مثلك أو زاد عليك.

وتوجيه هذه الروايات في الاختلاف في الأجور التي يحصلها الإنسان عند النطق بهذه الكلمة، فإذا قالها مرة له رقبة، أو أربعة رقاب أو أجر محرر أو محررين، وهكذا إذا قالها عشر مرات له أجر عتق أربع رقاب. فما هو الجمع بين هذه الروايات؟

لأئمتنا في ذلك عدة أقوال أذكر ثلاثة منها باختصار, فالذي مال إليه الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الترجيح بين هذه الروايات، وهو فيما يظهر فيه بُعد.

والقول الثاني مال إليه الإمام القرطبي في كتابه (المفهم في شرح صحيح مسلم) وهو من أحسن الأجوبة, وأحسن منه الجواب الثالث, ألا وهو: أن ذلك يختلف باختلاف حال الذاكرين، فمن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وقد امتلأ قلبه بتعظيم الله جل وعلا، وكأنه حاضر بين يديه، فكأنه أعتق بهذه الجملة الواحدة أربعة أنفس من ولد إسماعيل عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه، وإذا خف حضوره بين يدي الله نقص من أجره لكنه لا ينقص عن أجر إعتاق رقبة مؤمنة.

وتقدم معنا مثل هذا التوجيه في الأجور التي يحصلها الإنسان عندما يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم معنا رواية في المسند بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة )، وقلت: لا تعارض بين هذا الحديث، وبين الروايات الثابتة الصحيحة التي أخبرت أن الله يصلي عشر مرات على من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام مرة واحدة، فقلت: هذا على حسب ما يقوم بالقلب من تعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام، وميل إليه ومحبة له عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا، والأمر هنا كذلك. وهذا جواب الإمام أبي العباس القرطبي وهو جواب معتبر قوي.

وأحسن منه فيما يظهر لي: وهو الذي يفهم من كلام الإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، أنه لا منافاة بين هذه الأجور لدخول القليل في الكثير، كما يقرر هذا بكثرة في شرح صحيح مسلم والعدد لا مفهوم له.

وعليه، إذا نيط بهذه الصيغة أجر إعتاق رقبة، لا يتنافى مع أجر محررين أو مع أجر أربعة رقاب، والعلم عند الكريم الوهاب.

إخوتي الكرام! إذا قال الإنسان هذه الصيغة مرة أو عشر مرات أو مائة مرة ينال هذه الأجور، منها عتق الرقاب وأجور أخرى كثيرة تصاحبها.

وعتق الرقاب وما أدراكم ما عتق الرقاب؟ له أجر عظيم عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، فمن أعتق رقبة في هذه الحياة فهي فكاكه من النار، كما أخبر عن ذلك نبينا المختار عليه الصلاة والسلام.

ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين, والحديث في سنن الترمذي ورواه الإمام البيهقي في (السنن الكبرى) وفي كتاب الدعوات الكبير، كما رواه الإمام البغوي في شرح السنة، والحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار، حتى فرجه بفرجه )، أي: إذا أعتقت رقبة مسلمة، فكما أنك حررت أعضاءه من الرق، وجعلته طليقاً يتصرف في هذه الحياة، كذلك يعتقك الله من النار، كل عضو منه بعضو منك، فعندما أعتقت يده يعتق الله يدك من النار، وعندما أعتقت رجله يعتق الله رجلك من النار، وعندما أعتقت وجهه ورأسه يعتق الله وجهك ورأسك من النار، كل عضو منك بعضو منه، حتى الفرج بالفرج.

ومعنى هذا: أنك إذا أعتقت عبداً كاملاً بنفسك، سيعتقك الله بكاملك من نار جهنم، وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي بإسناد صحيح، من رواية عمرو بن عبسة أبي نجيح رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أعتق رقبة مؤمنة كانت فكاكه من النار )، سبحان ربي العظيم! إذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، يكتب لك كعتق رقبة، أو كعتق محرر أو محررين، أو كعتق أربع رقاب، فما هذا الأجر العظيم الذي يغدقه ربنا الكريم على عباده المؤمنين، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

أجر من قال كلمة التوحيد مائتي مرة

أخي الكريم! إذا زدت في العدد فقلت هذه الصيغة مائتين فلك أجر عظيمٌ عظيم، لا يسبقك من تقدمك ولا يدركك من لحقك إلا إذا قالوا أكثر منك، فقد ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ، ومعجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح، من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة، لا يسبقه من كان قبله, ولا يدركه من يأتي بعده، إلا من عمل بأفضل من عمله ).

فإذا قلت هذه الصيغة مائتي مرة، لا يسبقك من سبقك، ولا يدركك من يأتي بعدك إلا إذا قالوا هذه الصيغة مثلك، أو زادوا في العد عليك، سبحان الله! لا يسبقه من كان قبله، ولا يدركه من يأتي بعده، إلا من أتى بأفضل وأكثر من عمله.

إلا أن الحديث رواه الحاكم في المستدرك، وضبط العد بمائة، وهل هذا تصحيف في طباعة المستدرك، أو أن الرواية مائة ومائتين؟ العلم عند الله جل وعلا، لكن رواية الإمام أحمد ورواية الطبراني العد فيهما مائتان، وقد قال الإمام الهيثمي في المجمع في كتاب (الأذكار) باب التهليل بمائة أو أكثر، وكما قلت: إن إسناد الحديث صحيح، وقد حسنه الإمام المنذري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتاب (الترغيب والترهيب) ، فهذه الأجور العظيمة يحصلها من يذكر الله جل وعلا.

إخوتي الكرام! لذلك أجور كثيرة, وخيرات وبركات، فالكلمة الواحدة من هذه الصيغة إذا قلتها تعدل عدل رقبة عند الله جل وعلا، فقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد ، والحديث رواته رواة الصحيح كما قال الإمام الهيثمي في المجمع، رواته محتج بهم في الصحيح، والحديث صححه الإمام المنذري وغيرهما من أئمتنا عليهم جميعاً رحمة الله، والحديث من رواية البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من منح منحة ورق, أو منحة لبنٍ, أو هدى زقاقاً كان كعتاق رقبة، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعتق رقبة ) .

وقوله: ( من منح منحة ورق ) الورق هي: الفضة وهي المال، أي: من أقرض إنساناً ومنحه مساعدة، وليس المراد هنا العطية بلا مقابل، إنما عطية لتستردها فهو في حاجة فأقرضته، إن أقرضته مالاً فلك عند الله أجر عتق رقبة، وسيأتينا ما في عتق الرقبة من الأجور، ( والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ).

وهكذا من منح منحة لبنٍ فكأنه أعتق رقبة، فإذا أعطيته شاة أو بقرة أو ناقة لينتفع بدرها ولتستردها بعد ذلك فلك أجر عتق رقبة. وقوله: (ومن هدى زقاقاً)، الزقاق هو: الشارع والطريق، ممثلاً: إنسان ضال تائه ضائع، فسرت معه وأوصلته إلى مكان حاجته فلك عند الله أجر عتق رقبة، وهذه الأمور الثلاثة كلها فيها شفقة على المخلوق.

وديننا يقوم على دعامتين: تعظيم للخالق, وشفقة على المخلوق، فإذا أشفقنا على المخلوق لنا هذا الأجر العظيم عند ربنا الكريم، فماذا نحصل من أجر إذا عظمنا الخالق, وأثنينا عليه بما هو أهله؟ فمن قال مرة واحدة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير كان كعتق رقبة.

والحديث في المسند، ورواته محتج بهم في الصحيح أي: رجاله رجال الصحيح، وهو حديث صحيح. وقد رواه الإمام أحمد في رواية ثانية، وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وهكذا ابن أبي شيبة في مصنفه، والضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ورواه الإمام الطبراني في الكبير بلفظ عشر مرات بدل مرة: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كعتق رقبة ).

وسيأتينا إن شاء الله توجيه الاختلاف بين الروايات التي نقلت عن نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

هذا المعنى ثبت أيضاً في معجم الطبراني الكبير بسند صحيح، كما نص على ذلك الإمام الهيثمي والمنذري عليهما رحمة ربنا، من رواية سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير مرة واحدة كان كعدل محرر أو محررين ) وقوله: (كان كعدل محرر أو محررين) أي: كمن حرر عبداً أو أمةً أو حرر عبدين أو أمتين.

وفي رواية أيضاً: في معجم الطبراني وإسنادها صحيح أيضاً من رواية أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ) على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

إخوتي الكرام! ذكرنا الأجر لمن يقول هذه الصيغة مرة واحدة وأما إذا قالها أكثر من ذلك إلى عشر مرات فاستمع للأجر العظيم الذي نص عليه نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين، والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه البيهقي في كتاب الدعوات الكبير وهو في أعلى درجات الصحة، من رواية أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) . على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

أي: كان كمن أعتق أربعة أنفس من خير أنواع العبيد، من العرب إذا استرقوا، وهم من نسل هذا النبي المبارك، على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فكم تنال أجراً في تحريرهم؟ إذا قلت هذه الكلمة عشر مرات لك هذا الأجر العظيم عند رب الأرض والسموات.

وروى البخاري وابن أبي شيبة في مصنفه والنسائي في كتاب (عمل اليوم والليلة) ، رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه موقوفاً عليه من قوله أنه قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

وهذا الكلام له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قطعاً وجزماً, فمثله لا يقال من قبل الرأي، وعليه فهو مرفوع من رواية هذين الصحابيين المباركين: من رواية أبي أيوب ، ومن رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم.

وفي بعض روايات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: ( لأن أقول عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أحب إليَّ من أن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

أخي الكريم! إذا زدت في العدد والمقدار وقلت هذه الصيغة مائة مرة فلك من الأجر الشيء الكثير، كما جاء عن نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه، فقد ثبت في موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد ، والحديث في الصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه ، ورواه الإمام النسائي في كتاب (عمل اليوم والليلة)، ورواه الإمام البغوي في (شرح السنة) وابن حبان في صحيحه، كما رواه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه، وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين, من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كان كعدل عشر رقاب, وكتب له مائة حسنة, ومحيت عنه مائة سيئة, وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا من عمل أفضل منه ) .

فإذا قلت هذه الصيغة مائة مرة كأنك أعتقت عشرة أنفس، ولك بعد ذلك هذه الأجور؛ يكتب لك مائة حسنة ويمحى عنك مائة خطيئة، وتكون في ذلك اليوم في حصن حصين وحرز مكين من الشيطان الرجيم، ولا يأتي أحدٌ بأفضل من عملك إلا من قال مثلك أو زاد عليك.

وتوجيه هذه الروايات في الاختلاف في الأجور التي يحصلها الإنسان عند النطق بهذه الكلمة، فإذا قالها مرة له رقبة، أو أربعة رقاب أو أجر محرر أو محررين، وهكذا إذا قالها عشر مرات له أجر عتق أربع رقاب. فما هو الجمع بين هذه الروايات؟

لأئمتنا في ذلك عدة أقوال أذكر ثلاثة منها باختصار, فالذي مال إليه الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الترجيح بين هذه الروايات، وهو فيما يظهر فيه بُعد.

والقول الثاني مال إليه الإمام القرطبي في كتابه (المفهم في شرح صحيح مسلم) وهو من أحسن الأجوبة, وأحسن منه الجواب الثالث, ألا وهو: أن ذلك يختلف باختلاف حال الذاكرين، فمن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وقد امتلأ قلبه بتعظيم الله جل وعلا، وكأنه حاضر بين يديه، فكأنه أعتق بهذه الجملة الواحدة أربعة أنفس من ولد إسماعيل عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه، وإذا خف حضوره بين يدي الله نقص من أجره لكنه لا ينقص عن أجر إعتاق رقبة مؤمنة.

وتقدم معنا مثل هذا التوجيه في الأجور التي يحصلها الإنسان عندما يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم معنا رواية في المسند بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة )، وقلت: لا تعارض بين هذا الحديث، وبين الروايات الثابتة الصحيحة التي أخبرت أن الله يصلي عشر مرات على من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام مرة واحدة، فقلت: هذا على حسب ما يقوم بالقلب من تعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام، وميل إليه ومحبة له عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا، والأمر هنا كذلك. وهذا جواب الإمام أبي العباس القرطبي وهو جواب معتبر قوي.

وأحسن منه فيما يظهر لي: وهو الذي يفهم من كلام الإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، أنه لا منافاة بين هذه الأجور لدخول القليل في الكثير، كما يقرر هذا بكثرة في شرح صحيح مسلم والعدد لا مفهوم له.

وعليه، إذا نيط بهذه الصيغة أجر إعتاق رقبة، لا يتنافى مع أجر محررين أو مع أجر أربعة رقاب، والعلم عند الكريم الوهاب.

إخوتي الكرام! إذا قال الإنسان هذه الصيغة مرة أو عشر مرات أو مائة مرة ينال هذه الأجور، منها عتق الرقاب وأجور أخرى كثيرة تصاحبها.

وعتق الرقاب وما أدراكم ما عتق الرقاب؟ له أجر عظيم عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، فمن أعتق رقبة في هذه الحياة فهي فكاكه من النار، كما أخبر عن ذلك نبينا المختار عليه الصلاة والسلام.

ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين, والحديث في سنن الترمذي ورواه الإمام البيهقي في (السنن الكبرى) وفي كتاب الدعوات الكبير، كما رواه الإمام البغوي في شرح السنة، والحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار، حتى فرجه بفرجه )، أي: إذا أعتقت رقبة مسلمة، فكما أنك حررت أعضاءه من الرق، وجعلته طليقاً يتصرف في هذه الحياة، كذلك يعتقك الله من النار، كل عضو منه بعضو منك، فعندما أعتقت يده يعتق الله يدك من النار، وعندما أعتقت رجله يعتق الله رجلك من النار، وعندما أعتقت وجهه ورأسه يعتق الله وجهك ورأسك من النار، كل عضو منك بعضو منه، حتى الفرج بالفرج.

ومعنى هذا: أنك إذا أعتقت عبداً كاملاً بنفسك، سيعتقك الله بكاملك من نار جهنم، وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي بإسناد صحيح، من رواية عمرو بن عبسة أبي نجيح رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أعتق رقبة مؤمنة كانت فكاكه من النار )، سبحان ربي العظيم! إذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، يكتب لك كعتق رقبة، أو كعتق محرر أو محررين، أو كعتق أربع رقاب، فما هذا الأجر العظيم الذي يغدقه ربنا الكريم على عباده المؤمنين، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

أخي الكريم! إذا زدت في العدد فقلت هذه الصيغة مائتين فلك أجر عظيمٌ عظيم، لا يسبقك من تقدمك ولا يدركك من لحقك إلا إذا قالوا أكثر منك، فقد ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ، ومعجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح، من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة، لا يسبقه من كان قبله, ولا يدركه من يأتي بعده، إلا من عمل بأفضل من عمله ).

فإذا قلت هذه الصيغة مائتي مرة، لا يسبقك من سبقك، ولا يدركك من يأتي بعدك إلا إذا قالوا هذه الصيغة مثلك، أو زادوا في العد عليك، سبحان الله! لا يسبقه من كان قبله، ولا يدركه من يأتي بعده، إلا من أتى بأفضل وأكثر من عمله.

إلا أن الحديث رواه الحاكم في المستدرك، وضبط العد بمائة، وهل هذا تصحيف في طباعة المستدرك، أو أن الرواية مائة ومائتين؟ العلم عند الله جل وعلا، لكن رواية الإمام أحمد ورواية الطبراني العد فيهما مائتان، وقد قال الإمام الهيثمي في المجمع في كتاب (الأذكار) باب التهليل بمائة أو أكثر، وكما قلت: إن إسناد الحديث صحيح، وقد حسنه الإمام المنذري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتاب (الترغيب والترهيب) ، فهذه الأجور العظيمة يحصلها من يذكر الله جل وعلا.

إخوتي الكرام! وإذا كان في هذه الصيغة هذا الأجر عند الله جل وعلا، فتقدم معنا أيضاً أن أعلى الأذكار وأفضلها كلام الله جل وعلا. وإذا كان في صيغ الأذكار صيغة هي أفضل الأذكار ففي كلام الله جل وعلا أيضاً سورة هي أعظم السور عندما تتلوها، ولك عليها أجر عظيم عند ربنا الكريم سبحانه وتعالى.

وقد تقدم معنا الأجور العامة المطلقة التي يحصلها الإنسان عند قراءة كلام الرحمن دون تحديدٍ لسورة منه, وهناك أجور كثيرة مضاعفة لبعض السور إذا قرأتها يزداد أجرك، كما أن هناك صيغاً من الأذكار إذا قلتها لها أجر زائد عند ربنا سبحانه وتعالى.

أجر من قرأ حرفاً من القرآن

إخوتي الكرام! كل حرف من القرآن تؤجر عليه بعشر حسنات ولا ينقص الأمر والثواب عن هذا الحد، كما أخبر عن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، والحديث في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه الإمام البخاري في (التاريخ الكبير) كما رواه الإمام الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، والحديث رواه الإمام ابن الضريس في كتابه (فضائل القرآن)، ورواه الإمام البيهقي في (شعب الإيمان)، وكما قلت: إسناده صحيح، من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة, والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف. ولكن: ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف ) فلك على النطق بهذه الحروف الثلاثة ثلاثون حسنة وعند الله المزيد، قال: ( لا أقول: ألم حرف. ولكن: ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف ) فكل حرف تقرؤه من كتاب الله لك عليه عشر حسنات، لكن بعض السور -كما قلت- لها أجور مضاعفة، كما أن بعض صيغ الأذكار لها منزلة وأجور مضاعفة.

سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

إخوتي الكرام! إن أفضل السور التي تحصّل عليها أجراً كبيراً عند قراءتها سورة الإخلاص، كما أن أفضل الأذكار كلمة الإخلاص، وسورة الإخلاص هي سورة الصمد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 1-4]. وهذه السورة تعدل ثلث القرآن عند ربنا الرحمن، وإذا قرأتها عشر مرات يبني الله لك قصراً في الجنة، وإذا زدت فالله جل وعلا أكثر وأطيب وأوسع سبحانه وتعالى.

وهذه المعاني كلها ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ثبت في مسند الإمام أحمد، والحديث في صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى، وابن الضريس في فضائل القرآن من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه: ( مر رجل على رجل في الليل وهو يصلي يقرأ سورة الإخلاص ويرددها، فلما طلع الصبح جاء هذا الرجل الذي سمع رجلاً يردد سورة الإخلاص، جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم عما رأى وسمع وشاهد، وكأنه يتقالها، يقول: فلان، يقوم الليلة بسورة الإخلاص يرددها, وكأن هذا المخبر من الصحابة يتقال هذه السورة ويستقل أجرها. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ).

وهذا المعنى متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أجزم بذلك وأقطع به وأسأل أمام الله عز وجل، وقد روي هذا المعنى عن أكثر من عشرة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الروايات التصريح بأن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن.

فمن هذه الروايات رواية سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، وهي في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم، وهي أيضاً في كتاب (فضائل القرآن)، لـابن الضريس، وهي أيضاً في سنن النسائي، ورواها الإمام أبو عبيد في كتابه (فضائل القرآن) ومثلها رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، وهي أيضاً في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي ورواها أبو عبيد في (فضائل القرآن) ، وابن الضريس في (فضائل القرآن)، كما رواها الإمام البخاري في (التاريخ الكبير)، ورواها البيهقي في (شعب الإيمان).

ولفظ روايتي أبي الدرداء وأبي أيوب رضي الله عنهم وأرضاهم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين: ( أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فقالوا: يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم نحن أضعف من ذلك وأعجز ) أي: أن نواظب على قراءة ثلث القرآن.. على قراءة عشرة أجزاء كل ليلة، وتحتاج هذه على أقل تقدير إلى ثلاث ساعات في كل ليلة مع ما نقوم به من عبادات، قالوا: ( نحن أضعف من ذلك وأعجز، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن )، فإذا جن عليك الليل فاقرأ هذه السورة مرة واحدة كأنك قرأت ثلث القرآن.

وثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( احشدوا حشدكم ) أي: اجتمعوا جموعاً كثيرة غفيرة وثيرة، قال: ( فلما اجتمع الصحابة الكرام خرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فقرأ سورة الإخلاص ) فداه أبي وأمي وعليه صلوات الله وسلامه، ( ثم دخل حجرته المباركة المنورة عليه صلوات الله وسلامه.

فقال الصحابة: ما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام، ودخل بيته إلا لأمرٍ طرأ من السماء، ثم خرج النبي عليه الصلاة السلام وهم جموع لا زالوا مكانهم، قال: ما لكم؟ قالوا: قلت لنا ستقرأ علينا ثلث القرآن، وقرأت سورة الإخلاص. ثم دخلت إلى بيتك المبارك على نبينا صلوات الله وسلامه، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ), فهذه روايات أبي سعيد وأبي الدرداء وأبي أيوب وأبي هريرة .

وروي هذا المعنى من رواية عدة من الصحابة الكرام، انظروها في كتب السنة المشرفة، وهي من رواية أنس وأبي بن كعب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ، ومن رواية معاذ بن جبل ومن رواية النعمان بن بشير ومن رواية أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنهم أجمعين، وفيها هذا المعنى؛ أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن.

وقد اختلفت أنظار أئمتنا في توجيه المراد بهذا الحديث، وأبرز ما قيل في ذلك قولان:

القول الأول: تعدل ثلث القرآن من حيث الثواب والأجر، والله يختص ما يشاء بما يشاء سبحانه وتعالى، فمن قرأ سورة الإخلاص له كأجر من قرأ عشرة أجزاء من القرآن الكريم.

والثاني: هي ثلث القرآن من حيث الموضوع، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وألف كتاباً في ذلك سماه: (جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم من أن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن).

وحاصل كلامه وكلام غيره في هذا الشأن أن القرآن من حيث الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد، وأحكام شرعية من عبادات ومعاملات وغير ذلك، وقصص، والقصص جاء لتقرير هذين الأمرين وتوكيدهما وإثباتهما لتقرير التوحيد وإثبات الأحكام الشرعية، فالقرآن لما كان ينقسم إلى ثلاثة أمور: توحيد، وأحكام شرعية، وقصص، فإن سورة الإخلاص تمحضت في توحيد الخالق جل وعلا، فهي ثلث القرآن من هذا الاعتبار.

وأنا أقول: لا مانع من الجمع بين الأمرين: هي ثلث القرآن من حيث موضوعها، وهي ثلث القرآن من حيث ثوابها والأجر على قراءتها, والله ذو الفضل العظيم.

أجر من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات

إخوتي الكرام! هذه السورة لها شأن عظيم فمن قرأها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة، فقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير, وكتاب (عمل اليوم والليلة) لـابن السني من رواية معاذ بن أنس الجهني ، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، ورواه الإمام الدارمي في سننه من رواية أبي عقيل زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة )، وفي رواية أبي هريرة والرواية المرسلة لـسعيد بن المسيب : ( ومن قرأها عشرين مرة بني له قصران، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاثة قصور، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه الحريص عن الخير- إذاً نستكثر قصوراً يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم ).

فإذاً: هذا هو الأجر على هذه السورة، هذا الذي تحدث عنه خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، قصر لكل عشر مرات نقرأ هذا السورة، سبحان ربي العظيم! وقصر في أي دار؟ في دار باقية لا تفنى ولا تزول.

إخوتي الكرام! كم نتنافس ونشقى ونتعب ونتعنى في تحصيل كوخ في هذه الحياة؟ ثم نزهد بعد ذلك في قصور الجنات، إن هذه هي السفاهة والحماقة بعينها: ( إذاً نستكثر قصوراً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الله أكثر وأطيب ) وفي رواية الدارمي : ( الله أوسع ) وملكه سبحانه وتعالى لا ينقضي ولا يحيط به إلا هو سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام! وهذه الروايات لا تنزل عن درجة الحسن بحال، أما رواية سعيد بن المسيب فهي مع إرسالها حكم عليها الإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا بأن هذا المسند جيد الإسناد، ومن بحث في رجال إسنادها يرى أن جميع رجال الإسناد رجال أئمة ثقات أثبات من رجال الصحيحين، إلا عبداً واحداً صالحاً تقياً ولياً وهو: أبو عقيل زهرة بن معبد ، فهذا خرج له البخاري فقط وأهل السنن الأربعة ولم يخرج له الإمام مسلم ، وقد توفي سنة خمس وثلاثين ومائة للهجرة.

وقد قال عنه الإمام الدارمي بعد أن روى الحديث من طريقه عن سعيد بن المسيب , عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: وكانوا يزعمون أنه كان من الأبدال.

ولذلك عندما ترجم له الإمام ابن حجر في (التقريب) قال: ثقة عابد، ولما ترجم له الإمام الذهبي في (الكاشف) قال: كان من الأولياء.

يقول الإمام الدارمي : كان من الأبدال، وتقدم معنا ما يتعلق بتعريف الأبدال والأحاديث الواردة فيهم, فلا يغيبن ذلك عن أذهانكم.

وأما رواية أبي هريرة رضي الله عنه ففيها ضعف من حيث الإسناد، وهكذا رواية معاذ بن أنس الجهني ، لكن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن بحال، وهذا ثابت من كلام نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه: ( من قرأ هذه السورة عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة, ومن قرأها عشرين مرة بني له قصران، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاثة قصور) والله على كل شيء قدير.

إخوتي الكرام! هذه هي الأجور والمغانم التي يحصلها من يذكر الله بأعظم صيغ الذكر بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله.

وهذه هي الأجور والمغانم التي يحصلها من يذكر الله بكلامه في السورة التي أنزلها في بيان نسبته ونسبه سبحانه وتعالى؛ وهي سورة الإخلاص.

وإذا كان الإنسان عاقلاً كيساً فطناً فليلهج بكلمة التوحيد, ويكثر من قراءة هذه السورة المباركة وهي سورة الإخلاص.

إخوتي الكرام! كل حرف من القرآن تؤجر عليه بعشر حسنات ولا ينقص الأمر والثواب عن هذا الحد، كما أخبر عن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، والحديث في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه الإمام البخاري في (التاريخ الكبير) كما رواه الإمام الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، والحديث رواه الإمام ابن الضريس في كتابه (فضائل القرآن)، ورواه الإمام البيهقي في (شعب الإيمان)، وكما قلت: إسناده صحيح، من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة, والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف. ولكن: ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف ) فلك على النطق بهذه الحروف الثلاثة ثلاثون حسنة وعند الله المزيد، قال: ( لا أقول: ألم حرف. ولكن: ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف ) فكل حرف تقرؤه من كتاب الله لك عليه عشر حسنات، لكن بعض السور -كما قلت- لها أجور مضاعفة، كما أن بعض صيغ الأذكار لها منزلة وأجور مضاعفة.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
البدعة - عبادة الدعاء والابتداع فيه 3778 استماع
البدعة - زيارة النساء للقبور 3656 استماع
البدعة - الاجتهاد وموقعه من التشريع 3157 استماع
البدعة - حياة الأنبياء في البرزخ 2775 استماع
البدعة - عبادة الذكر والابتداع فيه 2673 استماع
البدعة - تعريفها وضوابطها 2600 استماع
البدعة - ما يصل للميتين باتفاق المسلمين 2589 استماع
البدعة - التشريع لله وحده 2457 استماع
البدعة - إهداء القربات البدنية للأموات 2186 استماع
البدعة - تعذيب الميت ببكاء أهله عليه 2107 استماع