خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8333"> البدعة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
البدعة - حكم قراءة القرآن على القبور
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فتقدم معنا أن من صفات عباد الرحمن الذين يعمرون بيوت ذي الجلال والإكرام من صفاتهم الخوف من ربهم، وهذه الصفة اتصفوا بها بعد أن أحسنوا حالهم ومعاملتهم مع الله جل وعلا ومع عباده, فهم الذين لم تلههم البيوع والتجارات، وهم الذين عظموا رب الأرض والسموات, وهم الذين أحسنوا إلى المخلوقات، ومع ذلك يخشون رب الأرض والسموات, حقيقة هؤلاء هم الرجال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].
إخوتي الكرام! كنا نتدارس أسباب خوف المكلفين من رب العالمين, وهي على كثرتها يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب:
أولها: إجلال الله وتعظيمه.
ثانيها: خشية التفريط والتقصير في حق الله الجليل.
وقد تقدم الكلام على هذين السببين مفصلاً بأدلته.
والسبب الثالث من أسباب خوف المكلفين من رب العالمين: خوفهم من سوء الخاتمة.
وتقدم معنا أن لسوء الخاتمة سببين معتبرين:
السبب الأول منهما: الأمن على الإيمان من الاستلاب والفقدان. فما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه إلا سلبه عند موته. نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا؛ إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
والسبب الثاني من أسباب سوء الخاتمة: اغترار المكلف بالحالة الحاضرة, واغتراره بما يصدر منه من طاعات ناقصة قاصرة، مع الغفلة عما فيه من بليات مهلكات، وتقدم معنا أن أشنع تلك البليات ثلاث بلايا ورزايا:
أولها: النفاق, وثانيها: البدعة, وثالثها: الركون إلى الدنيا.
وكنا نتدارس ما يتعلق بالبدعة, وقلت: سأتكلم عليها ضمن ثلاثة أمور: في تعريفها, وفي النصوص المحذرة منها، وفي أقسام البدعة, وسبب كون البدعة سببا لسوء الخاتمة.
إخوتي الكرام! أما الأمر الأول فقد مضى الكلام عليه, وقلت: إن حقيقة البدعة: الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مما لم تشهد له أدلة الشريعة الحسان، مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن.
وبينت هذا التعريف سابقاً وشرحته, وقلت: انقسم الناس نحو البدعة إلى ثلاثة أقسام:
مهتدون صالحون, عند حدود الله وقافون، فما ينطبق عليه أنه بدعة حكموا عليه بذلك، وما لا ينطبق عليه أنه بدعة اتقوا الله في أنفسهم وفي أمة نبيهم عليه الصلاة والسلام وحملوا أحوال الناس على الاستقامة والسداد والحسنى.
وفريق أهل شطط متهورون, فما لا يروق لأذهانهم ولا يدخل في فهمهم حكموا عليه بأنه بدعة, فوسعوا دائرة البدعة, ونبزوا عباد الله الصالحين بهذا اللقب المشين.
وفريق قابلهم ففرطوا كما أن أولئك أفرطوا, فقالوا: لا بدعة في الدين ولا وجود للمبتدعين, وكل ما يفعله الإنسان ويرى أنه يتقرب به إلى رب العالمين فهو خير وهدى.
ولا شك أن الفرقة الثانية التي أفرطت والفرقة الثالثة التي فرطت كل منهما على ردى، وكنا نناقش الفرقة الأولى من هاتين الفرقتين الضالتين، وهي الفرقة التي وسعت مفهوم البدعة، وقلت: إن هذا التوسيع له حالتان:
الحالة الأولى عندهم -وهي حالة ضلال-: حكموا على ما شهد له الدليل وقال به إمام جليل بأنه بدعة, وهذا ضلال كما تقدم معنا, وضربت لذلك مثالاً من الأمثلة الشرعية التي شهدت لها نصوص الشريعة الإسلامية وقال بها بعض أئمتنا الكرام: موضوع قبض الشمال باليمين ووضع اليمين على الشمال بعد الرفع من الركوع, وبينت أن الدليل الشرعي يحتمل هذه الكيفية, وقد قال بها بعض أئمتنا الكرام، فلا يجوز أن ندخلها في دائرة البدعة.
وقلت: إنهم وسعوا البدعة أيضا إلى ما هو أشنع من ذلك, فحكموا بالبدعة على ما دل عليه دليل صحيح صريح, كما تقدم معنا في صلاة التراويح وقلنا: إنها عشرون ركعة, ويوتر المسلمون بثلاث كما قررت هذا بأدلته وبفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وجمهور أهل العلم، فجمهور أمة نبينا عليه الصلاة والسلام على هذا العدد في صلاة التراويح.
إذاً: فقد شهد لذلك دليل صحيح وقال به أئمتنا الكرام, ثم وجد في هذه الأيام من ينبز هذا الفعل ومن يفعله بأنه بدعة والفاعل مبتدع, وليس بعد هذا الضلال ضلال.
إخوتي الكرام! ومما يدخل في هذا الأمر - أعني: في توسيع مفهوم البدعة والحكم على عباد الله بالبدعة- مسألة سنتدارسها هنا وهي مسألة لها ذيول, ألا وهي قراءة القرآن على القبور, والمسألة يتبعها عدة مسائل, يتبعها حكم التلقين بعد الدفن، ويتبعها بيان الحق في سماع الأموات وعلمهم بزيارة الأحياء, وشعور الميت شعوراً أدق من شعور الحي، فهو يعلم ويبصر ويرى ويسمع من يزوره وما يجري حوله، وأقرر هذا بالأدلة الصحيحة الصريحة من كتاب الله ومن أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ومما أجمع عليه سلفنا الكرام، ثم وجد من ينبز هذا بالبدعة في هذه الأيام.
والأمر الرابع الذي يتعلق بهذه المسألة: إهداء القربات إلى الأموات؛ سواء كانت تلك القربات والطاعات بدنية أو مالية أو مركبة منهما.
هذه المسائل الأربع إخوتي الكرام! تتعلق بالمسألة الأولى وتتفرع عنها, ألا وهي قراءة القرآن على القبور.
إخوتي الكرام! استحضروا التعريف, ولا يغيبن عنكم طرفة عين في هذه الحياة، كل ما لم يشهد له دليل مستقيم وما لم يقل به إمام كريم فهو بدعة، وما شهد له الدليل الشرعي وقال به إمام تقي خرج عن رسم البدعة وحدها، ومن رمى ذلك الفعل بالبدعة فهو المبتدع الخارج على أمة نبينا عليه الصلاة والسلام.
فلا بد من ضبط هذا، وإذا أراد الإنسان أن يتكلم في هذا العصر فينبغي أن يسند كلامه إلى النصوص الشرعية وإلى علماء هذه الأمة المرضية، وأما أن يأتي ويقول: هذا الذي يظهر لي وهذه هي السنة وهذه هي السلفية فهذا قول مردود على قائله أياً كان.
قراءة القرآن على القبور: هذه المسألة استحبها علماء الإسلام, ونقلت عن السلف الكرام، ومع هذين الأمرين ترى في هذه الأيام من يرفع لسانه على أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيصف قراءة القرآن على القبور بأنها بدعة، ويحكم على القارئين بأنهم مبتدعون. وهذا الأمر -حقيقة- مما يفطر الأكباد في هذه الأوقات، أمر نقل عن السلف الكرام من صحابة وتابعين ومن بعدهم وقرره أئمة الإسلام -كما سيأتينا- ثم يوجد في هذه الأيام أهل شطط ينبزون من فعل ذلك بأنه مبتدع مخرف صاحب أوهام، فمن المخرف؟ هل هو من يخرج عن هدى السلف أو من يلتزم بهديهم؟
فإذا كان هذا نقل عن السلف الصالح وقرره أئمتنا وهو مسطور مزبور في كتبنا وفي كتب شريعتنا فعلام بعد ذلك التشويش على الناس؟!
إخوتي الكرام! وإذا كان الأمر في هذه الصورة -وهو كذلك؛ أناس يرفعون أصواتهم بأن هذا بدعة وبتبديع من يفعل ذلك- إذا كان الأمر كذلك في هذه الأيام فلا بد من وعي هذه المسألة على التمام وبيان العلم فيها بشكل تام.
وهذه المسألة لها أمران:
قراءة القرآن مشروعة في كل مكان وزمان إلا ما استثناه الشرع
ولا يجوز أن يقرأ القرآن في الحمامات عند انكشاف العورات؛ فالله طيب لا يذكر إلا في مكان طيب، وما عدا هذا ما ينبغي أن يمنع الإنسان من قراءة القرآن إلا إذا أتيته بدليل يمنعه, فهوانا يتبع شرع مولانا ولا نحكم عقولنا في ديننا, فما نهانا عنه ربنا ونبينا عليه الصلاة والسلام انتهينا عنه.
فأنت أيها الإنسان! يا من تريد أن تمنع قراءة القرآن على موتى المسلمين! ما دليلك بأن هذا منهي عنه كما أننا نهينا عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وحال كوننا مجنبين؟ فإذا أردت أن تمنع من قراءة القرآن على المقابر فينبغي أن تقيم الدليل على ذلك, وأن يكون هذا الدليل ظاهراً بيناً واضحاً.
قراءة القرآن على الميت بقصد حصول البركة
وقد كان الصحابة الكرام يفعلون هذا ويتعالجون بالقرآن, والحديث ثابت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة: في الصحيحين والسنن الأربع، وهو من أصح الأحاديث وأعلاها رتبة، فهو في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه في قصتهم عندما ذهبوا بعثاً غزاة وسرية من السرايا, ( فمروا بطريقهم على حي من أحياء العرب, وطلبوا منهم أن يضيفوهم فأبوا ضيافتهم ولم يقروهم، ثم لدغ زعيم الحي في تلك الليلة فجهد أهل القبيلة أن يعالجوه بأنواع العلاجات, فما نفع ذلك فيه, فأتوا إلى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, فقالوا: هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي قد لدغه ثعبان ذات سمى وحمى, قال
إذاً: قرئ القرآن لتحصل البركة ويعالج هذا المريض, وهكذا يقرأ القرآن لتحصل البركة على الميت وللميت, وليخفف عنه العذاب أو ليرفع عنه, أو ليزيد الله في النور الذي يحصل له في قبره, وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.
فالقرآن شفاء بنص القرآن، يقول الله جل وعلا: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82]. و(من) في قوله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ [الإسراء:82] لبيان الجنس, فالقرآن كله شفاء من سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس, وليست (من) للتبعيض.
فمعنى قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ [الإسراء:82], أي: ننزل القرآن شفاء للناس, فليستشفوا به من أمراض قلوبهم ومن أمراض أبدانهم.
فـ(من) هنا لبيان الجنس, كقول الله جل وعلا في سورة الحج: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30] فـ(من) هنا لبيان الجنس, وليست تبعيضية, وجميع الأوثان رجس ونجس, لا خير فيها ولا طهارة ولا بركة، فقوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ [الحج:30], أي: اجتنبوا الرجس التي هي الأوثان القذرة النجسة.
وهكذا قول الله جل وعلا في آخر سورة الفتح: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29]. (من) لبيان الجنس, لا للتبعيض، لا أن بعض المؤمنين الصالحين الذين يطيعون رب العالمين وعدوا بذلك والباقي ليس كذلك، لا ثم لا.
وهكذا قوله جل وعلا: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82].
فإذا قرئ القرآن على الأموات لتحصل لهم البركة بعد موتهم حققنا مقصود القرآن، والقرآن من مقاصد إنزاله أن يتبرك به الرجال والنساء، والأموات والأحياء، والمرضى والأصحاء، فنتبرك بتلاوته في جميع أحوالنا.
إذاً: هذا الأمر الأول: ما ينبغي أن يغيب عن أذهاننا, لو لم يرد في هذه المسألة دليل بخصوصه في شريعة ربنا وأنه يجوز قراءة القرآن على الموتى لما صح أن نمنع إلا بدليل من كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام.
ورود قراءة الصحابة للقرآن عند القبور
فإن قيل: من الذي فعله من المهاجرين؟
فنقول ثبت في سنن البيهقي في كتاب الجنائز وبوب عليه الإمام البيهقي : باب قراءة القرآن عند القبر, والأثر في الجزء الرابع من سنن البيهقي في صفحة 56, ورواه أيضاً الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو آخر شيء في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو كتاب في حدود مائتي صفحة، هذا في صفحة تسعين ومائة, وهو آخر الأبواب باب قراءة القرآن عند القبور.
والإمام الخلال هو الذي قرر مذهب الإمام أحمد وجمع نصوصه, وكانت قبل ذلك مفرقة, وقد توفي هذا العبد الصالح سنة إحدى عشرة وثلاثمائة للهجرة، يعني: بعد الإمام المبجل أحمد بن حنبل بسبعين سنة رضوان الله عليهم أجمعين.
والإمام الخلال ينقل هذا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, عن العباس بن محمد الدوري قال: قلت لـيحيى بن معين : هل ورد شيء في قراءة القرآن على القبور؟ وهل يجوز أن نقرأ القرآن على القبور؟ ويحيى بن معين هو قرين الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين, فقال يحيى بن معين : حدثني مبشر الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه قال لبنيه: إذا مت (مت) -بضم الميم وكسرها- ووضعتموني في اللحد فقولوا: باسم الله وعلى ملة رسول الله عليه الصلاة والسلام, ثم سنوا علي التراب سناً, -يعني: ضعوه برفق, فالميت يتأذى مما يتأذى منه الحي- واقرؤوا عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها؛ فإني سمعت ابن عمر يوصي بذلك ويستحبه. وابن عمر شيخ الإسلام في الصحابة الكرام, وهو من المهاجرين. وهذا الأثر قال عنه شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار في صفحة سبع وثلاثين ومائة: إسناده حسن، وقال عنه الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء الثالث صفحة أربع وأربعين: رجاله موثقون. وكما قلت هو في السنن الكبرى للإمام البيهقي ورواه الخلال ورواه الإمام الطبراني أيضاً.
إذاً هذا أثر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين بأنه أوصى بأن يفعل ذلك به, واستحبه للأموات, أن يقرأ عند رءوسهم بعد دفنهم بفاتحة البقرة وخاتمتها.
وهذا الفعل الذي نقل عن هذا الصحابي المهاجري رضي الله عنهم أجمعين نقله الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقله أيضاً عن الإمام الخلال الإمام ابن القيم في كتاب الروح في صفحة عشرة, قال الخلال : قال الشعبي : وكان الأنصار إذا مات لهم ميت يختلفون إلى قبره فيقرءون عنده القرآن.
فهذا فعل الأنصار وهذا فعل المهاجرين.
وقد نقل ذلك الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمات رب البرية عن الصحابة، كما في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع والعشرين صفحة ثمان وتسعين ومائتين, وقال: القراءة عند الدفن ثابتة في الجملة عن الصحابة، وقد أوصى بعضهم أن يقرأ عنده سورة البقرة.
وهذا الذي فعله المهاجرون والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين روي مرفوعاً عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه لكن بإسناد ضعيف, والأثر رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن شاهين في كتاب القبور، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ولا تؤخروه عن قبره، فإذا دفنتموه فليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخواتيم سورة البقرة ). والحديث فيه يحيى بن عبد الله البابلتي , وقد حكم عليه الإمام الهيثمي بأنه ضعيف، وهكذا الإمام ابن حجر في التقريب بأنه ضعيف، وقد أخرج البخاري حديثه معلقاً في صحيحه, فهو من رجال البخاري ، لكن ما أخرج له في الأحاديث المتصلة، وهو أيضاً من رجال سنن النسائي .
ويحيى بن عبد الله البابلتي , هو ابن امرأة الإمام الأوزاعي عليهم جميعاً رحمة الله، وتوفي سنة ثماني عشرة ومائتين للهجرة, فلو لم يكن هذا في إسناد الحديث لكان الحديث صحيحاً.
إذاً: أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث -الذي قلت: إسناده ضعيف- أن يقرأ عند رأس الميت بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخواتيم سورة البقرة.
لكن -كما تقدم معنا- أثر ابن عمر ثابت, وقد حسنه شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار، ونقل هذا عن الأنصار الأبرار، وروي مرفوعاً عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه لكن بإسناد ضعيف.
الأمر الأول: لو لم يرد دليل في هذه المسألة بخصوصها يجيز قراءة القرآن على مقابر المسلمين وبين مقابر المسلمين وعلى موتى المسلمين لما صح أن يحكم على هذا الفعل بأنه بدعة وأنه ضلال وأنه ذميم, ووجه ذلك: أن قراءة القرآن يؤمر بها الإنسان في كل زمان ومكان إلا ما نهاه عنه الشرع المطهر، فنحن نهينا أن نقرأ القرآن إذا كنا مجنبين, ونهينا أن نقرأ القرآن راكعين وساجدين، والحديث ثابت بذلك في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً ).
ولا يجوز أن يقرأ القرآن في الحمامات عند انكشاف العورات؛ فالله طيب لا يذكر إلا في مكان طيب، وما عدا هذا ما ينبغي أن يمنع الإنسان من قراءة القرآن إلا إذا أتيته بدليل يمنعه, فهوانا يتبع شرع مولانا ولا نحكم عقولنا في ديننا, فما نهانا عنه ربنا ونبينا عليه الصلاة والسلام انتهينا عنه.
فأنت أيها الإنسان! يا من تريد أن تمنع قراءة القرآن على موتى المسلمين! ما دليلك بأن هذا منهي عنه كما أننا نهينا عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وحال كوننا مجنبين؟ فإذا أردت أن تمنع من قراءة القرآن على المقابر فينبغي أن تقيم الدليل على ذلك, وأن يكون هذا الدليل ظاهراً بيناً واضحاً.
فإن قال قائل: إن الذي يقرأ القرآن على الأموات يقصد بذلك أن تحصل البركة لهم، ولا بد من دليل على ذلك, نقول: سبحان الله! إلى هذا الحد وصل بك الانحطاط, وأي حرج في قراءة القرآن على الموتى لتحصل لهم البركة؟ إن من مقاصد إنزال القرآن أن يتبرك به الرجال والنساء, والمرضى والأصحاء, والأموات والأحياء, فما الحرج في ذلك؟ أو ليس هذا القرآن بكتاب مبارك؟: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [الأنبياء:50]. وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]. هذا الكتاب مبارك, وكما أنزل ليكون لنا هداية في هذه الحياة كذلك نتبرك به ونستشفي به من أمراضنا، ونقرؤه لتحصل به البركة على موتانا.
وقد كان الصحابة الكرام يفعلون هذا ويتعالجون بالقرآن, والحديث ثابت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة: في الصحيحين والسنن الأربع، وهو من أصح الأحاديث وأعلاها رتبة، فهو في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه في قصتهم عندما ذهبوا بعثاً غزاة وسرية من السرايا, ( فمروا بطريقهم على حي من أحياء العرب, وطلبوا منهم أن يضيفوهم فأبوا ضيافتهم ولم يقروهم، ثم لدغ زعيم الحي في تلك الليلة فجهد أهل القبيلة أن يعالجوه بأنواع العلاجات, فما نفع ذلك فيه, فأتوا إلى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, فقالوا: هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي قد لدغه ثعبان ذات سمى وحمى, قال
إذاً: قرئ القرآن لتحصل البركة ويعالج هذا المريض, وهكذا يقرأ القرآن لتحصل البركة على الميت وللميت, وليخفف عنه العذاب أو ليرفع عنه, أو ليزيد الله في النور الذي يحصل له في قبره, وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.
فالقرآن شفاء بنص القرآن، يقول الله جل وعلا: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82]. و(من) في قوله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ [الإسراء:82] لبيان الجنس, فالقرآن كله شفاء من سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس, وليست (من) للتبعيض.
فمعنى قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ [الإسراء:82], أي: ننزل القرآن شفاء للناس, فليستشفوا به من أمراض قلوبهم ومن أمراض أبدانهم.
فـ(من) هنا لبيان الجنس, كقول الله جل وعلا في سورة الحج: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30] فـ(من) هنا لبيان الجنس, وليست تبعيضية, وجميع الأوثان رجس ونجس, لا خير فيها ولا طهارة ولا بركة، فقوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ [الحج:30], أي: اجتنبوا الرجس التي هي الأوثان القذرة النجسة.
وهكذا قول الله جل وعلا في آخر سورة الفتح: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29]. (من) لبيان الجنس, لا للتبعيض، لا أن بعض المؤمنين الصالحين الذين يطيعون رب العالمين وعدوا بذلك والباقي ليس كذلك، لا ثم لا.
وهكذا قوله جل وعلا: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82].
فإذا قرئ القرآن على الأموات لتحصل لهم البركة بعد موتهم حققنا مقصود القرآن، والقرآن من مقاصد إنزاله أن يتبرك به الرجال والنساء، والأموات والأحياء، والمرضى والأصحاء، فنتبرك بتلاوته في جميع أحوالنا.
إذاً: هذا الأمر الأول: ما ينبغي أن يغيب عن أذهاننا, لو لم يرد في هذه المسألة دليل بخصوصه في شريعة ربنا وأنه يجوز قراءة القرآن على الموتى لما صح أن نمنع إلا بدليل من كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام.
والأمر الثاني، وهو الذي يوضح لنا حقيقة الأمر الأول: هذه المسألة - أعني جواز قراءة القرآن على الأموات- نقل عن الصحابة الأبرار من مهاجرين وأنصار, وتبعهم على ذلك أئمتنا الكرام الأخيار، فأي دليل تريده بعد ذلك يا عبد الله؟!
فإن قيل: من الذي فعله من المهاجرين؟
فنقول ثبت في سنن البيهقي في كتاب الجنائز وبوب عليه الإمام البيهقي : باب قراءة القرآن عند القبر, والأثر في الجزء الرابع من سنن البيهقي في صفحة 56, ورواه أيضاً الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو آخر شيء في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو كتاب في حدود مائتي صفحة، هذا في صفحة تسعين ومائة, وهو آخر الأبواب باب قراءة القرآن عند القبور.
والإمام الخلال هو الذي قرر مذهب الإمام أحمد وجمع نصوصه, وكانت قبل ذلك مفرقة, وقد توفي هذا العبد الصالح سنة إحدى عشرة وثلاثمائة للهجرة، يعني: بعد الإمام المبجل أحمد بن حنبل بسبعين سنة رضوان الله عليهم أجمعين.
والإمام الخلال ينقل هذا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, عن العباس بن محمد الدوري قال: قلت لـيحيى بن معين : هل ورد شيء في قراءة القرآن على القبور؟ وهل يجوز أن نقرأ القرآن على القبور؟ ويحيى بن معين هو قرين الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين, فقال يحيى بن معين : حدثني مبشر الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه قال لبنيه: إذا مت (مت) -بضم الميم وكسرها- ووضعتموني في اللحد فقولوا: باسم الله وعلى ملة رسول الله عليه الصلاة والسلام, ثم سنوا علي التراب سناً, -يعني: ضعوه برفق, فالميت يتأذى مما يتأذى منه الحي- واقرؤوا عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها؛ فإني سمعت ابن عمر يوصي بذلك ويستحبه. وابن عمر شيخ الإسلام في الصحابة الكرام, وهو من المهاجرين. وهذا الأثر قال عنه شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار في صفحة سبع وثلاثين ومائة: إسناده حسن، وقال عنه الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء الثالث صفحة أربع وأربعين: رجاله موثقون. وكما قلت هو في السنن الكبرى للإمام البيهقي ورواه الخلال ورواه الإمام الطبراني أيضاً.
إذاً هذا أثر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين بأنه أوصى بأن يفعل ذلك به, واستحبه للأموات, أن يقرأ عند رءوسهم بعد دفنهم بفاتحة البقرة وخاتمتها.
وهذا الفعل الذي نقل عن هذا الصحابي المهاجري رضي الله عنهم أجمعين نقله الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقله أيضاً عن الإمام الخلال الإمام ابن القيم في كتاب الروح في صفحة عشرة, قال الخلال : قال الشعبي : وكان الأنصار إذا مات لهم ميت يختلفون إلى قبره فيقرءون عنده القرآن.
فهذا فعل الأنصار وهذا فعل المهاجرين.
وقد نقل ذلك الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمات رب البرية عن الصحابة، كما في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع والعشرين صفحة ثمان وتسعين ومائتين, وقال: القراءة عند الدفن ثابتة في الجملة عن الصحابة، وقد أوصى بعضهم أن يقرأ عنده سورة البقرة.
وهذا الذي فعله المهاجرون والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين روي مرفوعاً عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه لكن بإسناد ضعيف, والأثر رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن شاهين في كتاب القبور، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ولا تؤخروه عن قبره، فإذا دفنتموه فليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخواتيم سورة البقرة ). والحديث فيه يحيى بن عبد الله البابلتي , وقد حكم عليه الإمام الهيثمي بأنه ضعيف، وهكذا الإمام ابن حجر في التقريب بأنه ضعيف، وقد أخرج البخاري حديثه معلقاً في صحيحه, فهو من رجال البخاري ، لكن ما أخرج له في الأحاديث المتصلة، وهو أيضاً من رجال سنن النسائي .
ويحيى بن عبد الله البابلتي , هو ابن امرأة الإمام الأوزاعي عليهم جميعاً رحمة الله، وتوفي سنة ثماني عشرة ومائتين للهجرة, فلو لم يكن هذا في إسناد الحديث لكان الحديث صحيحاً.
إذاً: أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث -الذي قلت: إسناده ضعيف- أن يقرأ عند رأس الميت بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخواتيم سورة البقرة.
لكن -كما تقدم معنا- أثر ابن عمر ثابت, وقد حسنه شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار، ونقل هذا عن الأنصار الأبرار، وروي مرفوعاً عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه لكن بإسناد ضعيف.
هذا الأمر الذي ورد فيه هذا الدليل المنقول انتبه لأئمة الإسلام كيف تلقوه بالقبول! لترى بعد ذلك من الذي يخرج عن هدى السلف؟ وهل يجوز لإنسان أن يحكم على فعل نقل عن المهاجرين والأنصار وثبت عن الصحابة في الجملة واستحبه أئمتنا الأخيار وقرر هذا أئمتنا في كتبهم هل يجوز أن يحكم عليه بالبدعة وعلى فاعله بأنه مبتدع؟
رأي الشافعي في قراءة القرآن عند القبور
وهذا الكلام الذي قرره الإمام الشافعي ينقله محقق المذهب الشافعي الإمام النووي في الأذكار وفي رياض الصالحين وفي المجموع وفي كتاب الروضة, فيقول: نص الشافعي على أنه يستحب قراءة القرآن عند الدفن, ووافقه جميع الأصحاب على ذلك, قالوا: ولو قرءوا القرآن كله كان حسناً. هذا الكلام في الأذكار صفحة سبع وثلاثين ومائة, وهو في المجموع في الجزء الخامس صفحة إحدى عشرة وثلاثمائة, وهو في روضة الطالبين للإمام النووي عليه رحمة الله في الجزء الثاني صفحة تسع وثلاثين ومائة, وهو في رياض الصالحين.
قال المعلق على رياض الصالحين صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة: هذا الكلام الذي نقله الإمام النووي عن الشافعي قال: غريب لا أعرفه, ثم قال: أنا في شك كبير من نسبة ذلك إلى الإمام الشافعي , هذه النسبة فيها نظر. أي نظر فيها أيها المعلق؟ فالذي ينقل هذا عن الإمام الشافعي هو محقق المذهب, ألا وهو الإمام النووي في أربعة من كتبه, ثم أنت تأتي تعلق على عبارته بأن هذه النسبة فيها نظر! وأنت في شك كبير من نسبة ذلك إلى الإمام الشافعي ! سبحان الله! هلا سألت شافعياً في هذه الأيام؛ ليرشدك إلى نص الإمام في كتاب الأم, وأن هذا موجود في كتاب الأم, وأن الإمام النووي عندما نقل هذا عن الإمام الشافعي لم يتخرص وما افترى, ولا وهم ولا أخطأ، إنما هذا هو نص المذهب.
فقولك: إنك في شك كبير من نسبة ذلك إليه، وهذه النسبة فيها نظر كان الواجب عليك أن تسأل شافعياً ممن يعيش معك في هذه الحياة, وأن تقول له: الإمام النووي نسب هذا إلى الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه, فأين نص الشافعي ؟ ليقال لك: هو في الأم في الجزء الأول صفحة اثنتين وثمانين ومائتين.
رأي الحنفية في قراءة القرآن عند القبور
قال الحنفية: ثم يقرأ ما تيسر من القرآن, ثم يدعو، وإنما يقرأ القرآن قبل الدعاء من أجل أن تنزل البركة والرحمة في ذلك المكان قبل دعائه، ومن أجل أن يكون ذلك أرجى لقبول دعائه. فيقرأ القرآن لحصول الرحمة والبركة في ذلك المكان, ثم يدعو, فيكون الدعاء أرجى للإجابة والقبول. هذا هو كلام الأئمة الحنفية في كتبهم.
رأي المالكية في قراءة القرآن عند القبور
ولذلك لا تقرأ القرآن عند القبور؛ من أجل أن تتفكر في ما صار إليه من قبلك, وعما قريب أنت ستصير إلى ما صاروا إليه.
أخي الكريم! أما تأملت أحوال الموتى, جثث هامدة, أما تأملت أحوالهم, وعما قريب سنصير إليهم, كم من حبيب تزوره وهو قريب منك, ولا تستطيع أن تراه ولا أن تكلمه.
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلاء في كل يوم وليلة وتنسى كما تبلى وأنت حبيب
كم من إنسان يدفن حبيباً لديه ويكثر من زيارته في أول الأمر ثم يتسلى عن حبه بعد ذلك.
كما أن البلى يسري إليك رويداً رويداً ويأكل التراب والدود بدنك، هكذا الحب يبلى من قلوب محبيك وأنت حبيب.
فإذا كان هذا هو المقصود يقول الإمام مالك عليهم جميعاً رحمة الله: فيمتنع الإنسان عن القراءة, لا لأن القراءة لا تجوز عند القبر إنما ليعتبر بحال هؤلاء وبحاله الذي سيصير إليه.
ولذلك قال أئمة المالكية: إن قرأ القرآن تسنناً فهذا لا يجوز ويمنع منه, أي: اعتقاداً لسنية القراءة في ذلك الوقت. السنة في الزيارة -كما يقول الإمام مالك - أن تعتبر, وإذا أردت أن تقرأ على أن هذا من شعائر الزيارة فلا يجوز.
ثم بعد ذلك قالوا: إن قرأ دون اعتقاد السنية فهذا جائز -وهذا أصل المذهب كما قلت-، ثم جاء متأخرو المذهب كما في حاشية الدسوقي فنقل عن ابن رشد وعن أئمة المالكية المغاربة والأندلسيين: أنهم أجازوا قراءة القرآن على القبور؛ طلباً لنزول الرحمة والبركة على الأموات.
قال الإمام الدسوقي في الحاشية، وهذا من كتب فقه المالكية، قال: وعلى هذا عمل المسلمين شرقاً وغرباً, أي: إذا زاروا المقابر يقرءون القرآن, ولا ينكر بعضهم على بعض ذلك.
رأي الإمام أحمد في قراءة القرآن عند القبور
وقصة رجوع الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليه عن هذا القول وأنه يرى أن قراءة القرآن جائزة عند القبور نقلها أتباع مذهبه قاطبة، فقد نقلها شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني في الجزء الثاني صفحة خمس وعشرين وأربعمائة, قال: وقد رجع الإمام أحمد عن ذلك رجوعاً أبان به عن نفسه, ونقلها الإمام ابن القيم في كتاب الروح وشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله في مجموع الفتاوى.
واسمعوا هذه القصة في رجوع الإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم أجمعين عن قوله.
والقصة -كما يرويها الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب قراءة القرآن عند القبور-: أن الإمام أحمد كان مع أصحابه في زيارة لمقابر المسلمين فرأى ضريراً يقرأ على القبور فنهاه, وقال: يا هذا! القراءة عند القبر بدعة، فقال له تلميذه محمد بن قدامة الجوهري : يا أبا عبد الله ! ما تقول في مبشر الحلبي ؟ -وهو الذي حدث بهذا الحديث لـيحيى بن معين أيضاً- فقال الإمام أحمد : ثقة، كتبت عنه؟ -الإمام أحمد يقول لـمحمد بن قدامة الجوهري : هذا ثقة، هل كتبت عنه؟- قال: نعم، حدثني مبشر الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه قال: إذا مت -وذكر الأثر المتقدم- ووضعتموني في اللحد فسنوا علي التراب سناً, وقولوا قبل ذلك: بسم الله, وعلى ملة رسول الله عليه الصلاة والسلام، واقرأوا عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها؛ فإني سمعت ابن عمر يوصي بذلك ويستحبه. فقال الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين: ارجع إلى الرجل فقل له: يقرأ, أي: إذا ثبت هذا عن شيخ المهاجرين عبد الله بن عمر رضوان الله عنهم أجمعين فما بقى كلام لي ولا لغيري.
إخوتي الكرام! هذا هو المنقول عن الصحابة من مهاجرين وأنصار, وتبعهم على ذلك أئمتنا الأبرار الأخيار, فهل يصح القول بعد ذلك بأن هذا بدعة؟ لا ثم لا. والإمام ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه الروح تعرض لهذه المسألة في أول الكتاب في صفحة عشرة يقول: وقد ذكر عن جماعة من السلف أنهم أوصوا بأن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن، ولمن رأى بذلك قال عبد الحق : يروى أن عبد الله بن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة. وكان الإمام أحمد ينكر ذلك أولاً حيث لم يبلغه فيه أثر ثم رجع عن ذلك.
وهذا كلامه الذي ينقله الإمام ابن القيم هو الذي نقله أئمتنا عن الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله.
وقال الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: رخص فيها -يعني: في القراءة على القبور- الإمام أحمد في الرواية الأخرى؛ لأنه بلغه أن ابن عمر أوصى أن يقرأ على قبره بفاتحة البقرة وخاتمتها، وروي عن بعض الصحابة قراءة سورة البقرة، فالقراءة عند الدفن مأثورة في الجملة.
ويرويها الإمام الخلال في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي كتابه الجامع, وينقل هذا عنه الإمام ابن القيم أيضاً, يقول عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني وهو من أئمة الشافعية الكبار من تلاميذ الإمام الشافعي توفي سنة ستين ومائتين للهجرة عليهم جميعاً رحمة الله, وحديثه مخرج في صحيح البخاري والسنن الأربع، قال: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال: لا بأس بها.
فـالشافعي يقرر هذا في كتابه وينقله عنه تلاميذه وينقله الخلال عن الزعفراني .
وكما قلت: الخلال توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة, والزعفراني سنة ستين ومائتين, فبين وفاتهما وقت قصير, والإمام الخلال أدرك من حياة الإمام الزعفراني ستاً وعشرين سنة؛ لأنه ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين للهجرة والإمام الخلال توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.
ثم قال: وذكر الخلال عن الشعبي ، قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرءون عنده القرآن.
إخوتي الكرام! هذه هي أقوال أئمتنا رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين في هذه المسألة, فهل يصح بعد ذلك أن تقول: إنها بدعة, وأن فاعل ذلك مبتدع؟ لا ثم لا؛ لأنه تحتمله الأدلة وينقل عن سلفنا، ثم يوجد في هذا الحين من يبدع من يفعل ذلك ويصف هذا الفعل بالبدعة؟! فهذا شطط نحو رسم البدعة وحدها وإدخال في البدعة ما ليس منها.
فكل ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل فقد خرج عن كونه بدعة.