فتاوى نور على الدرب [371]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل صحيح -فضيلة الشيخ- بأن ختم خطبة الجمعة الثانية بقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45] بدعة كما يقول صاحب كتاب (السنن والمبتدعات)؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أقول: إن البدعة التي ورد النهي عنها، والتحذير منها، هي البدعة في الدين والعبادة، وهي التعبد لله عز وجل بما لم يشرعه، أي: بخلاف ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأصحابه، سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو في القول أو في العمل.

والتزام هذه الآية الكريمة: أَقِمِ الصَّلاةَ [هود:114] في آخر الخطبة الثانية يوم الجمعة من البدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعلها، وإذا لم يكن يفعلها لا هو ولا أحدٌ من خلفائه وأصحابه، فإن التزامها يكون بدعة.

أما لو قالها الإنسان لمناسبة بحيث يكون موضوع الخطبة قريباً من هذا المعنى، وختم الخطبة بذلك، فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه، وليس من البدع، وهذا أمرٌ ينبغي التفطن له بين الأشياء التي تفعل على وجه الدوام والتي تفعل أحياناً، فقد يكون الشيء بدعة إذا فعله الإنسان دائماً، وغير بدعة إذا لم يكن يفعله دائماً.

ولنضرب لهذا مثلاً بصلاة الجماعة في النافلة، لو أن الإنسان اتخذ الجماعة سنةً راتبة في صلاة الليل، وصار لا يصلي الليل إلا بجماعة، لقلنا: إن هذا بدعة، ولو صلى صلاة الليل جماعة أحياناً لقلنا: إن هذا لا بأس به وليس بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يصلي معه بعض أصحابه في صلاة الليل، كما فعل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فينبغي أن يعرف الفرق بين الشيء الذي يتخذ راتباً مستمراً، وبين الشيء الذي يفعل أحياناً ولا يخالف الشرع.

والمهم أن التزام الخطيب بختم الخطبة الثانية بهذه الآية الكريمة بدعة كما قال صاحب (السنن والمبتدعات).

السؤال: ما هو أفضل كتاب للحفظ في علم العقيدة، وأفضل شرح له، وعدة شروح أخرى؟

الجواب: من أحسن ما كتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها رسالةٌ مختصرة مفيدة جداً، فيها قواعد عظيمة من القواعد التي ينتفع بها الإنسان في كل مسألة من مسائل العقيدة، ومنها أيضاً شرح العقيدة الطحاوية، فإنه كتابٌ جيد مفيد ينتفع به طالب العلم، ومنها الصواعق المرسلة ومختصره لـابن القيم رحمه الله.

السؤال: ما هو أفضل كتاب للحفظ في علم الحديث، وأفضل شرح له؟

الجواب: يقصد السائل فيما يظهر كتاب حديث في الأحكام، فمن أفضل الكتب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي، فإنها عمدة؛ لأنه انتقاها رحمه الله مما اتفق عليه البخاريو مسلم، وله شروح متعددة، من أنفعها لطالب العلم شرح ابن دقيق العيد، وأما للمبتدئين فلها شروح متعددة من المعاصرين معروفة في أيدي الطلبة.

مداخلة: وفي الفقه يا فضيلة الشيخ؟

الشيخ: وفي الفقه أيضاً كتاب (زاد المستقنع في اختصار المقنع) لـموسى الحجاوي، وشرحه الروض المربع لـمنصور البهوتي رحمه الله، فإنه كتابٌ مختصر مفيد، هذا لمن أراد التفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

مداخلة: وفي النحو؟

الشيخ: في النحو الأجرومية للمبتدئين، ثم الألفية لمن أخذ حظاً وافراً من النحو، ويا حبذا لو أن الطالب حفظ هذه المتون المختصرة حتى ينتفع بها بعد أن يحتاج إليها في المستقبل.

السؤال: ما معنى قوله تعالى في سورة النمل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ [النمل:44]؟

الجواب: معنى هذه الآية أن سليمان عليه الصلاة والسلام لما علم بملكة سبأ المشركة التي تسجد هي وقومها للشمس من دون الله، أرسل إليها، والقصة معروفة في سورة النمل، فجاءت إلى سليمان عليه الصلاة والسلام، فبنى صرحاً من قوارير زجاج يحسبه الرائي ماءً، فجاءت هذه المرأة فحسبته ماءً فكشفت عن ساقيها، فقال: (إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير).

وإنما قصد سليمان والله أعلم أن يبن لها ضعفها حتى ينكسر منها لوائها، ويتبين لها أنها ضعيفة، ولهذا قالت: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44].

السؤال: قوله تعالى في سورة المائدة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] ، من هم الذين قالوا ذلك يا فضيلة الشيخ؟

الجواب: الذين قالوا ذلك هم النصارى، قالوا: إن الله ثالث ثلاثة: الله والمسيح ابن مريم، وأمه، فكفرهم الله تعالى بذلك؛ لأنهم جعلوا مع الله شريكاً، والله سبحانه تعالى إله واحد، كما قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] .

المقدم: ما معنى اسم السورة القرآنية الكريمة التغابن؟

الجواب: التغابن هو الغلبة بالغبن، وقد ذكر الله عز وجل في هذه السورة أن يوم التغابن حقيقة هو يوم القيامة، قال الله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9].

فالتغابن الحقيقي هو التغابن في الآخرة، حيث يكون فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير، أما التغابن في الدنيا فليس بشيء بالنسبة للتغابن في الآخرة، ولهذا قال الله تعالى: انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء:21].

السؤال: هل تجوز للمرأة أن تصلي صلاة العيد في بيتها؟

الجواب: المشروع في حق النساء أن يصلين صلاة العيد في مصلى العيد مع الرجال؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر أن يخرج النساء حتى الحيض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى ).

فالسنة أن يخرج النساء إلى مصلى العيد مع الرجال، أما صلاة النساء في البيوت فلا أعلم في ذلك سنة، والله أعلم.

السؤال: هل يجوز لي أن أهدي ختمة القرآن لوالدي، علماً بأنه يعرف القراءة والكتابة؟

الجواب: إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأب أو إلى غيره من الناس لا بأس به، ولكن الأفضل أن يدعو الإنسان لوالده دون أن يعمل له عبادة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جارية أو علمٌ ينتفع به أو ولدٌ صالح يدعو له ).

ولم يقل: أو ولدٌ صالحٌ يقرأ له أو يصلي له أو يصوم له أو يحج له أو يضحي له، وإنما قال: أو ولدٌ صالح يدعو له.

ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من الناس أن يتعبد لغيره تطوعاً، نعم الشيء الواجب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضائه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه ).

أما الشيء المتبرع به فلا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به، لكنه أجازه حين استفتي عن ذلك، فقد سأله رجل فقال: (إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم ).

واستفتاه سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يجعل مخرافه لأمه، فأجاز له ذلك، أي: على سبيل الصدقة، أما الأمر بهذا وجعله مشروعاً للأمة، فلا أعلم في ذلك سنة.

وعلى هذا فأقول: الأفضل للإنسان أن يدعو لأمواته من آبائه وأمهاته وإخوانه وأبنائه وبناته، وأن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه؛ لأنه هو نفسه سيحتاج إليها في المستقبل، فإن الإنسان إذا مات تمنى أن يكون في صحيفته حسنةٌ واحدة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من ميتٍ يموت إلا ندم، إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون استعتب ).

السؤال: أنا أصلي أربع ركعات قبل صلاة العصر، لكني لا أدري هل أصليها قبل دخول وقت الصلاة أم بعد ذلك؟ نرجو الإفادة!

الجواب: الصلاة التي قبل صلاة العصر -وهي أربع ركعات بتسليمتين- إنما تكون بعد أذان العصر وقبل الصلاة، وليس قبل أذان العصر.

السؤال: تقول: هل يجوز رفع الأيدي بالدعاء بعد فرائض الصلاة، أي: بعد أن نسلم من الصلاة؟

الجواب: إن من آداب الدعاء وأسباب إجابته أن يرفع الإنسان يديه إلى الله عز وجل حين الدعاء، ولكن ينبغي أن يعلم أن رفع اليدين في الدعاء على أقسام.

قسمٌ بدعة ينهى عنه، مثل رفع الخطيب يديه حال خطبة الجمعة، فإن الصحابة أنكروا على بشر بن مروان رفع يديه في الخطبة، إلا أنه يستثنى من هذا ما إذا دعا الخطيب بنزول الغيث أو بإمساكه، فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه دخل رجلٌ يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فوالله ما نرى في السماء من سحابٍ ولا قزعة وما بيننا وبين سلعٍ من بيتٍ ولا دار، فنشأت من ورائه سحابةٌ مثل الترس، فارتفعت فلما توسطت السماء انتشرت فرعدت وبرقت، ثم أمطرت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر ينحدر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً، ثم دخل رجل في يوم الجمعة الثانية فقال: يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر)، وعلى هذا فينكر على الخطيب إذا دعا في خطبة الجمعة أن يرفع يديه إلا في الاستسقاء والاستصحاء، لورود النص بهما.

الثاني من أقسام رفع اليدين بالدعاء: ما دلت السنة على عدم الرفع فيه، وذلك كالدعاء بين السجدتين، الدعاء بعد التشهد، فإن السنة تدل على أن الإنسان يضع يديه على فخذيه في الجلوس بين السجدتين، وكذلك في الجلوس للتشهد، وأن لا رفع في الدعاء في هذه الحال.

والثالث: ما دل الدليل على أن الرفع من آداب الدعاء فيه، وهو ما عدا المواضع التي ثبت فيها عدم الرفع.

وحينئذٍ فنقول للإنسان إذا دعا بعد الصلاة: إنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه إذا فرغ من صلاته، لا صلاة الفريضة ولا صلاة النافلة، فلم يرد أبداً عنه عليه الصلاة والسلام أنه إذا فرغ من الصلاة رفع يديه، وجعل يدعو، فليس من السنة إذاً أن ترفع يديك في الدعاء بعد صلاة الفريضة، أو بعد صلاة النافلة، بل ولا ينبغي أن تؤخر الدعاء إلى أن تسلم من الصلاة، بل الأفضل أن تدعو الله عز وجل قبل أن تسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى هذا في قوله في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء).

فالإنسان مأمور أن يدعو الله تعالى قبل أن يسلم، أما إذا سلم وانصرف وفارق المقام بين يدي الله عز وجل، فإن ذلك ليس من الحكمة أن يؤخر الدعاء إلى هذه الحال التي يكون فيها قد انصرف من صلاته.

والخلاصة أن الأفضل لمن أراد الدعاء أن يدعو الله عز وجل قبل أن يسلم، إذ إن هذا هو الذي جاء الأمر به عن النبي صلى الله عليه وسلم.