شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:

تقدم معنا أن حب الشيخين لما قيل لبعض أئمتنا كـسفيان الثوري وغيره: سنة؟ قال: لا بل فريضة.

وهنا كذلك حب أبي حنيفة من السنة، ولا شك فهو فقيه الملة، وإذا نحن لم نحبَّه فلا خير فينا، والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان.

إخوتي الكرام! هذا اللغط الذي ينتشر هنا وهناك من قبل أناس ينسبون أنفسهم إلى السلفية، ولا خير في الإنسان إذا لم يتبع منهج السلف، لكن هناك سلفية قديمة وسلفية حديثة، السلفية القديمة نقبلها على العين والرأس، وهي التي كان عليها أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، والله من خرج عنها فهو ضال بل أضل من حمار, أما بعد ذلك تريدون منا أن ننتسب إليها، وإذا لم ننتسب إليها خرجنا عن هدي السلف! خرجنا عن هدي سلفيتكم أنتم، لا عن هدي سلفنا الكرام الذين هم أئمة الإسلام.

فلا خير في الإنسان إذا لم يحبهم ولم ينتسب إليهم، ولم يأخذ بهديهم في جميع أحواله، ومن الذي يسفه آراء السلف المتقدمين؟ ما أحد سفه آراءهم إلا أنتم باسم الرجوع إلى الكتاب والسنة، كأن سلفنا المتقدمين لا يعرفون الكتاب ولا السنة، من الذي سفه رأي الإمام أحمد ؟ ومن الذي سفه ما عليه الإمام أبو حنيفة ؟ وكلما ذكر كلامه يقال: هذه فلسفة قال بها أبو حنيفة، ومن الذي سفه ما عليه ابن قدامة؟

فلا بد من ضبط الأمور، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

حب أبي حنيفة من السنة، وأيام كنت في أبها عملت في ذاك الوقت محاضرة عنوانها: موقف طالب العلم نحو علماء السلف سنة ألف وأربعمائة للهجرة، وفي تلك المحاضرة تكلمت على عدة أمور يقولها بعض من خذله الله في هذا الوقت أيضاً.

وذكرت قراءة القرآن على القبر عند الدفن في ذاك الوقت عام ألف وأربعمائة للهجرة في المعهد العلمي في أبها، فاستمع للمحاضرة التي قيلت في ذلك التاريخ.

وكان سبب المحاضرة أن بعض السفهاء في خميس مشيط كان يلعن أبا حنيفة كما يلعن المؤمن اليهود والنصارى، بل ربما سلم اليهود والنصارى من لسانه، وأئمة الإسلام لا يسلمون من لسانه، ليتك نزلت هذا المعنى على من يستحقه.

أبو حنيفة الذي توفي سنة خمسين ومائة للهجرة يلعن في هذا الحين، وهذا من لعن آخر هذه الأمة أولها, وألقيت المحاضرة للرد عليه وعلى أمثاله من السفهاء.

وقلت: الطعن في أبي حنيفة طعن في دين الله، وإذا كان أبو حنيفة يستحق اللعن فلا خير في أهل الإسلام في ذاك العصر الذين تركوا أبا حنيفة يتصدر وينشر مذهباً تعمل به الأمة في هذا القرن.

هل رقَّ الدين على سلفنا حتى جاء زنديق ملعون يتصدر للعبادة ونشر العلم في بيوت الله والناس يتلقون عنه؟ ولو قدرنا أنه زنديق، فهل الناس في زمنه زنادقة؟ كيف مكنوه من نشر زندقته في ذلك الوقت؟

ولا تظن أنه كان لا يوجد في ذلك الوقت هيبة للإسلام كأيامنا، مع أنه في أيامنا لا يمكن للإنسان أن يلعن من لهم شأن من العلماء الذين لهم مكانة في الدولة، أما الذين ليس لهم مكانة فهؤلاء لهم شأن آخر.

يعني: إذا أردت مثلاً أن تلعن شيخاً من الشيوخ الذين لهم مكانة في دولة من الدول قطعت رقبتك.

و أبو حنيفة في ذاك الوقت وبعد ذلك كيف مكنه أئمة الإسلام الذين معه؟ أريد أن أعلم، فإذا كان يستحق اللعن فكيف ترك؟ قلت: هذا طعن في دين الله قبل أن يكون طعناً في أبي حنيفة، فانظر إلى كلام هذا الذي جاء بعد أبي حنيفة بأربعين سنة أو بخمس وأربعين؟

يقول: حب أبي حنيفة من السنة، أي: من سنة المسلمين ليس من السنة بمعنى كما يقال عن كتب التوحيد: كتب السنة، يعني السنة التي عليها المسلمون، يعني حب أبي حنيفة من الدين، من خصال المسلمين، من انحرف عن ذلك فهو من الضالين المبتدعين.

وتقدم معنا كلام عبد الله بن المبارك قريباً عندما قال: إنه رأى أفقه الناس أبا حنيفة .

هذا فيما يتعلق بترجمة أبي معاوية محمد بن خازم عن الأعمش تقدم معنا، وذكرته في الباب المتقدم.

ترجمة إبراهيم النخعي

عن إبراهيم ، وهو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي التابعي، ثقة، إلا أنه يرسل كثيراً، من الخامسة توفي سنة ست وتسعين فقط وليس بعد المائة، وهذا خرج عن اصطلاح الحافظ أيضاً.

من الخامسة ينبغي أن يقال: بعد المائة، وهو ابن خمسين سنة أو نحوها وحديثه مخرج في الكتب الستة، وهو تابعي.

وقد دخل على أمنا عائشة رضي الله عنها -كما في سير أعلام النبلاء- التماساً للبركة منها في بيت النبوة، وكان التابعون يفعلون هذا، وتقابلهم من وراء حجاب.

دخل على أمنا عائشة رضي الله عنها، قال الحافظ الذهبي : وهو إمام حافظ فقيه العراق، كان بصيراً بعلم عبد الله بن مسعود ، واسع الرواية، فقيه النفس، كبير الشأن، كثير المحاسن، كان يقول في حياته: ما كتبت قط سوداء في بيضاء. إنما كان يحفظ، إذا سمع حفظ.

وكان يقول: تكلمت -أي: بالعلم ونشره والتعليم والتدريس- ولو وجدت بداً لم أتكلم، وإن زماناً أكون فيه فقيهاً لزمان سوء.

فإذا كنت تقول هذا أيها العبد الصالح، فماذا نقول نحن؟! والله لو أدركنا سلفنا لقالوا: ما عند هؤلاء من خلاق، وكأنهم لا يؤمنون بالكبير الخلاق، لو أدركونا هم لما قالوا فينا إلا هذا، ولو أدركناهم لقلنا عنهم: إنهم مجانين، من كثرة عبادتهم وخشيتهم لرب العالمين، فنحن نقول عنهم شيئاً وهم يقولون عنا شيئاً.

وكان رضي الله عنه يستعمل التورية؛ للتخلص من لقاء الناس لينفرد بربنا، فكان إذا طرق عليه طارق الباب يقول لأهله ولأولاده: قولوا له: اطلبوه في المسجد، فيظن الطارق أن إبراهيم النخعي في المسجد وهو ليس كذلك.

يعني: لو قال لهم: معذور ومشغول قد تنكسر خواطرهم.

وهذه التورية من أجل أن يتخلص الإنسان من الزيارات لئلا يقع في المحظور، والمجلس إذا طال كان للشيطان فيه نصيب، والزيارة مشروعة لكن بمقدار، وحسبك من الثقلاء أن الله لم يتحملهم حتى أنزل فيهم آيةً تتلى تسمى بآية النهي عن الثقالة، وهي قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53] .

قالت أمنا عائشة رضي الله عنها بعد نزول هذه الآية: يا رسول الله! حسبك من الثقلاء أن الله لم يتحملهم حتى أنزل فيهم قرآناً، أنزل آية تتلى فيهم وفي شأنهم ويحذرهم ويحذر منهم.

فإذا كثرت الزيارات يقال للزائرين: اطلبوه في المسجد ونحو هذا، ومما ينبغي أن تنتبهوا له من الفوائد الحديثية في ترجمة هذا الرجل انتباهاً خاصاً؛ لأن له مسلكاً يختلف عن غيره فيه فكونوا على علم منه.

قال الإمام ابن رجب في شرح علل الإمام الترمذي وسيأتينا كلام الترمذي في آخر العلل بعد في الجزء الخامس صفحة خمس وخمسين وسبعمائة من جامع الإمام الترمذي موجود كلام النخعي ، يشرحه الإمام ابن رجب الحنبلي في كتاب اسمه شرح علل الترمذي وهو في مجلد كبير قرابة ألف صفحة.

يقول في صفحة واحد وثلاثين ومائتين: قال الإمام الأعمش وهو تلميذ النخعي لـإبراهيم : أسند لي عن ابن مسعود .

وكان النخعي يحدث الأعمش كثيراً عن عبد الله بن مسعود ، فقال: أسند لي، اذكر لي الواسطة بينك وبينه، بأي واسطة تروي عنه؟ فقال له إبراهيم النخعي : إذا حدثتك عن رجل، عنه مثلاً إذا قلت: فلان عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو الذي سميت، وإذا قلت: قال عبد الله بن مسعود، ولم أذكر بيني وبينه واسطة -وهذا الذي أريد أن تنتبه له- فهو عن غير واحد عنه، يعني: أنا أرويه عن أناس كثيرين متعددين عن عبد الله بن مسعود يصعب عدهم وإحصاؤهم.

قال ابن رجب وانتبه لهذه الفائدة: وهنا المرسل عند النخعي أقوى من المسند، وهذا خاص بمراسيل النخعي فيما يرسله عن عبد الله بن مسعود .

وهذا يذكرنا بحديث معاذ الذي تقدم معنا، وقلت: جرى حوله لغط كثير (بم تقضي؟ قال: بكتاب الله)، ومن جملة ما قيل: فيه جهالة أصحاب معاذ ، قال: حدثني أصحاب معاذ .

وقلت: إن الإمام ابن القيم عليه رحمة الله قال في إعلام الموقعين: إن هذا أعلى مما لو قال: عن فلان عن معاذ ؛ لأن أصحاب معاذ كثيرون مجهولون، هذا أعلم مما لو سمى واحداً منهم، وهذه العلة اعتبرها بعض الناس قادحة في الحديث، لكنها في الحقيقة مقوية للحديث فانتبه لاختلاف المباحث والاستنباط.

وهنا النخعي يقول للأعمش : إذا قلت لك: عن رجل عن ابن مسعود فهو الذي سميت، وإذا قلت: عن ابن مسعود دون أن أذكر الواسطة بيني وبينه، فهذا عن غير رجل، عنه، فيفهم إذاً من هذا الكلام ترجيح المرسل على المسند لكن ليس مطلقاً في مراسيل النخعي وإنما فيما رواه عن ابن مسعود خاصة فاعلم هذا.

قال الإمام ابن رجب : وقد كان الإمام أحمد يحتج بمراسيل النخعي ويأخذ بها ويقول: لا بأس بها.

وفي تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر في الجزء الأول صفحة تسع وسبعين ومائة يقول: وقد صحح جماعة من الأئمة مراسيل إبراهيم النخعي ، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود خاصة، وقد وهم ابن حبان في ترجمة النخعي فقرر شيئاً في كتابه ثم قرر ما يكرهه.

يقول: ولد النخعي سنة خمسين للهجرة، وقد سمع من المغيرة بن شعبة ، وفي ترجمة المغيرة يقول: توفي المغيرة بن شعبة سنة خمسين للهجرة، فكيف سيسمع النخعي في السنة التي ولد فيها من المغيرة بن شعبة وهي السنة التي مات فيها؟ وهذا تناقض عجيب.

ولذلك يقول الحافظ ابن حجر : وقيل: هذا عجب منه، فهو الذي يقول: المغيرة بن شعبة مات سنة خمسين، فكيف يقول: النخعي ولد سنة خمسين، وروى عن المغيرة بن شعبة ، ورأى النخعي عائشة وأنساً لكن لم يثبت سماعه منهما.

هنا الأعمش عن إبراهيم .

ترجمة عبد الرحمن بن يزيد

عن عبد الرحمن بن يزيد ، عبد الرحمن بن يزيد هذا خال إبراهيم النخعي ، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي ، ثقة من صغار الثالثة، توفي سنة ثلاث وثمانين، حديثه مخرج في الكتب الستة.

قال الذهبي في السير: حدث عن عثمان وابن مسعود وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان ، وعن جماعة من الصحابة الكرام.

قال: قيل لـسلمان...، وسلمان هو راوي الحديث، وسأفصل الكلام على ترجمته بعد أن نستعرض بقية الرجال حتى لا نعود إليهم لنشتغل بعد ذلك بفقه الحديث وتخريج الأحاديث.

عن إبراهيم ، وهو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي التابعي، ثقة، إلا أنه يرسل كثيراً، من الخامسة توفي سنة ست وتسعين فقط وليس بعد المائة، وهذا خرج عن اصطلاح الحافظ أيضاً.

من الخامسة ينبغي أن يقال: بعد المائة، وهو ابن خمسين سنة أو نحوها وحديثه مخرج في الكتب الستة، وهو تابعي.

وقد دخل على أمنا عائشة رضي الله عنها -كما في سير أعلام النبلاء- التماساً للبركة منها في بيت النبوة، وكان التابعون يفعلون هذا، وتقابلهم من وراء حجاب.

دخل على أمنا عائشة رضي الله عنها، قال الحافظ الذهبي : وهو إمام حافظ فقيه العراق، كان بصيراً بعلم عبد الله بن مسعود ، واسع الرواية، فقيه النفس، كبير الشأن، كثير المحاسن، كان يقول في حياته: ما كتبت قط سوداء في بيضاء. إنما كان يحفظ، إذا سمع حفظ.

وكان يقول: تكلمت -أي: بالعلم ونشره والتعليم والتدريس- ولو وجدت بداً لم أتكلم، وإن زماناً أكون فيه فقيهاً لزمان سوء.

فإذا كنت تقول هذا أيها العبد الصالح، فماذا نقول نحن؟! والله لو أدركنا سلفنا لقالوا: ما عند هؤلاء من خلاق، وكأنهم لا يؤمنون بالكبير الخلاق، لو أدركونا هم لما قالوا فينا إلا هذا، ولو أدركناهم لقلنا عنهم: إنهم مجانين، من كثرة عبادتهم وخشيتهم لرب العالمين، فنحن نقول عنهم شيئاً وهم يقولون عنا شيئاً.

وكان رضي الله عنه يستعمل التورية؛ للتخلص من لقاء الناس لينفرد بربنا، فكان إذا طرق عليه طارق الباب يقول لأهله ولأولاده: قولوا له: اطلبوه في المسجد، فيظن الطارق أن إبراهيم النخعي في المسجد وهو ليس كذلك.

يعني: لو قال لهم: معذور ومشغول قد تنكسر خواطرهم.

وهذه التورية من أجل أن يتخلص الإنسان من الزيارات لئلا يقع في المحظور، والمجلس إذا طال كان للشيطان فيه نصيب، والزيارة مشروعة لكن بمقدار، وحسبك من الثقلاء أن الله لم يتحملهم حتى أنزل فيهم آيةً تتلى تسمى بآية النهي عن الثقالة، وهي قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53] .

قالت أمنا عائشة رضي الله عنها بعد نزول هذه الآية: يا رسول الله! حسبك من الثقلاء أن الله لم يتحملهم حتى أنزل فيهم قرآناً، أنزل آية تتلى فيهم وفي شأنهم ويحذرهم ويحذر منهم.

فإذا كثرت الزيارات يقال للزائرين: اطلبوه في المسجد ونحو هذا، ومما ينبغي أن تنتبهوا له من الفوائد الحديثية في ترجمة هذا الرجل انتباهاً خاصاً؛ لأن له مسلكاً يختلف عن غيره فيه فكونوا على علم منه.

قال الإمام ابن رجب في شرح علل الإمام الترمذي وسيأتينا كلام الترمذي في آخر العلل بعد في الجزء الخامس صفحة خمس وخمسين وسبعمائة من جامع الإمام الترمذي موجود كلام النخعي ، يشرحه الإمام ابن رجب الحنبلي في كتاب اسمه شرح علل الترمذي وهو في مجلد كبير قرابة ألف صفحة.

يقول في صفحة واحد وثلاثين ومائتين: قال الإمام الأعمش وهو تلميذ النخعي لـإبراهيم : أسند لي عن ابن مسعود .

وكان النخعي يحدث الأعمش كثيراً عن عبد الله بن مسعود ، فقال: أسند لي، اذكر لي الواسطة بينك وبينه، بأي واسطة تروي عنه؟ فقال له إبراهيم النخعي : إذا حدثتك عن رجل، عنه مثلاً إذا قلت: فلان عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو الذي سميت، وإذا قلت: قال عبد الله بن مسعود، ولم أذكر بيني وبينه واسطة -وهذا الذي أريد أن تنتبه له- فهو عن غير واحد عنه، يعني: أنا أرويه عن أناس كثيرين متعددين عن عبد الله بن مسعود يصعب عدهم وإحصاؤهم.

قال ابن رجب وانتبه لهذه الفائدة: وهنا المرسل عند النخعي أقوى من المسند، وهذا خاص بمراسيل النخعي فيما يرسله عن عبد الله بن مسعود .

وهذا يذكرنا بحديث معاذ الذي تقدم معنا، وقلت: جرى حوله لغط كثير (بم تقضي؟ قال: بكتاب الله)، ومن جملة ما قيل: فيه جهالة أصحاب معاذ ، قال: حدثني أصحاب معاذ .

وقلت: إن الإمام ابن القيم عليه رحمة الله قال في إعلام الموقعين: إن هذا أعلى مما لو قال: عن فلان عن معاذ ؛ لأن أصحاب معاذ كثيرون مجهولون، هذا أعلم مما لو سمى واحداً منهم، وهذه العلة اعتبرها بعض الناس قادحة في الحديث، لكنها في الحقيقة مقوية للحديث فانتبه لاختلاف المباحث والاستنباط.

وهنا النخعي يقول للأعمش : إذا قلت لك: عن رجل عن ابن مسعود فهو الذي سميت، وإذا قلت: عن ابن مسعود دون أن أذكر الواسطة بيني وبينه، فهذا عن غير رجل، عنه، فيفهم إذاً من هذا الكلام ترجيح المرسل على المسند لكن ليس مطلقاً في مراسيل النخعي وإنما فيما رواه عن ابن مسعود خاصة فاعلم هذا.

قال الإمام ابن رجب : وقد كان الإمام أحمد يحتج بمراسيل النخعي ويأخذ بها ويقول: لا بأس بها.

وفي تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر في الجزء الأول صفحة تسع وسبعين ومائة يقول: وقد صحح جماعة من الأئمة مراسيل إبراهيم النخعي ، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود خاصة، وقد وهم ابن حبان في ترجمة النخعي فقرر شيئاً في كتابه ثم قرر ما يكرهه.

يقول: ولد النخعي سنة خمسين للهجرة، وقد سمع من المغيرة بن شعبة ، وفي ترجمة المغيرة يقول: توفي المغيرة بن شعبة سنة خمسين للهجرة، فكيف سيسمع النخعي في السنة التي ولد فيها من المغيرة بن شعبة وهي السنة التي مات فيها؟ وهذا تناقض عجيب.

ولذلك يقول الحافظ ابن حجر : وقيل: هذا عجب منه، فهو الذي يقول: المغيرة بن شعبة مات سنة خمسين، فكيف يقول: النخعي ولد سنة خمسين، وروى عن المغيرة بن شعبة ، ورأى النخعي عائشة وأنساً لكن لم يثبت سماعه منهما.

هنا الأعمش عن إبراهيم .

عن عبد الرحمن بن يزيد ، عبد الرحمن بن يزيد هذا خال إبراهيم النخعي ، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي ، ثقة من صغار الثالثة، توفي سنة ثلاث وثمانين، حديثه مخرج في الكتب الستة.

قال الذهبي في السير: حدث عن عثمان وابن مسعود وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان ، وعن جماعة من الصحابة الكرام.

قال: قيل لـسلمان...، وسلمان هو راوي الحديث، وسأفصل الكلام على ترجمته بعد أن نستعرض بقية الرجال حتى لا نعود إليهم لنشتغل بعد ذلك بفقه الحديث وتخريج الأحاديث.