خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8330"> شرح مقدمة الترمذي
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [3]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
لا زلنا نتدارس ترجمة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي راوية الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في الباب الخامس من أبواب الطهارة من جامعه، ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك)، قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ غريب، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث أمنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم معنا أننا سنتدارس أخبار أمنا عائشة رضي الله عنها ضمن ستة أمور:
أولها: فيما يتعلق بفضلها وأفضليتها على غيرها.
وثانيها: بحب نبينا صلى الله عليه وسلم لها.
وثالثها: في أسباب ذلك الحب وتقديمها على غيرها.
ورابعها: في زواج نبينا صلى الله عليه وسلم بأمنا عائشة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
وخامسها: في قيام أمنا عائشة رضي الله عنها بأمر الدين على وجه التمام والكمال، من شفقةٍ على الخلق وتعظيمٍ للحق جل وعلا.
وسادس الأمور وآخرها: غيرة الله جل وعلا على أمنا عائشة وحبه لها، ودفاعه عنها رضي الله عنها وعن سائر الصديقين والصديقات.
إخوتي الكرام! كنا في المبحث الرابع في زواج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وتقدم معنا أنها الزوجة الثانية له من حيث العقد، والزوجة الثالثة من حيث الدخول، عقد نبينا صلى الله عليه وسلم على أمنا عائشة بعد موت أمنا خديجة رضي الله عنهن أجمعين، ثم ما دخل عليها إلا بعد ثلاث سنين في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، فدخل عليها في العام الثاني من الهجرة بعد أن عقد عليها في العام العاشر أو الحادي عشر من بعثته عليه صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا أنه بعد عقده عليها عقد على أمنا سودة رضي الله عنها ودخل عليها في مكة المكرمة، وانفردت به ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل بأمنا عائشة بعد ذلك رضي الله عنهن أجمعين.
وتقدم معنا أن عمر أمنا عائشة رضي الله عنها كان عند عقد النبي عليه الصلاة والسلام عليها ست سنين كما تقدم معنا، وفي وقت الدخول أكملت تسع سنين رضي الله عنها وأرضاها.
وتقدم معنا أن زواج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا عائشة رضي الله عنها كان بإيحاءٍ من الله وأمرٍ منه.
وآخر ما ذكرناه حديث الصحيحين وسنن الترمذي وغير ذلك: أن جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه جاء بصورتها إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في سرقة من حرير ثلاث ليالٍ متتابعة، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يكشف هذه السرقة، فإذا هي أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فوصلتُ -وهذا الذي سنبدأ به إن شاء الله- إلى أن هذا النظر كان من نبينا عليه الصلاة والسلام من أجل الخطبة، وفعل الأنبياء في النوم كفعلهم في اليقظة، ولا يمكن لنبيٍ عليه الصلاة والسلام أن يكشف عما لا يحل له في منامٍ ولا في يقظة، وعليه فما حصل في نوم نبينا عليه الصلاة والسلام من كشف هذه السرقة، وإماطة هذه الخرقة للنظر إلى أمنا عائشة رضي الله عنها كان من باب النظر إليها من أجل الخطبة، ورحمة الله على سيد المحدثين وإمام المسلمين أبي عبد الله البخاري حيث بوب على هذا الحديث باباً في كتاب النساء فقال: باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، ثم ذكر الحديث المتقدم: (أريتك في المنام ثلاث ليالٍ جاء بك الملك في سرقةٍ من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك من عند الله يمضه)، فنظر نبينا صلى الله عليه وسلم إلى أمنا عائشة رضي الله عنها قبل أن يدخل بها، وقبل أن يعقد عليها، وقبل أن يتزوجها، من باب النظر إلى المخطوبة، ولا يمكن أن يكون النظر إلا لهذا الدافع؛ لأجل عصمة الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فلا يمكن أن يجري منهم ما يخالف الشريعة المطهرة لا في يقظةٍ ولا في نوم، فالكشف والنظر من أجل أنها مخطوبةً له؛ ولذلك كشف النبي صلى الله عليه وسلم عنها ونظر إليها.
الاستدلال على النظر إلى المخطوبة من قصة زواج النبي بعائشة
وهذا النظر عند أئمتنا أهل المذاهب المتبعة الأئمة الأربعة لا يتعدى الوجه واليدين، فتنظر إلى الوجه؛ لأنه محط المحاسن ومجمع الحسن، وتنظر إلى الكفين لا تزيد على ذلك، وهو دليلٌ على نعومة البشرة وعلى خشونتها، وعلى ظرافة الأعضاء وعلى نفرتها، هذا هو قول المذاهب الأربعة، وهذا الذي فعله نبينا عليه الصلاة والسلام، كشف عن وجهها في النوم فإذا هي أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وأما الذين خرجوا عن ذلك فقد قالوا من الشطط ما يستحيي الإنسان من سماعه تحت ستار الكتاب والسنة وندب مذاهب الأئمة.
يقول الظاهرية: يجوز للإنسان أن ينظر إلى المرأة حال الخطبة ولو كانت عاريةً، حتى إلى السوأتين، إن أراد أن يخطبها، هذا قول داود الظاهري ، وتبعه ابن حزم في المحلى فقال: ينظر إلى ما بطن وإلى ما ظهر، وهذا في المحلى في الجزء العاشر صفحة ثلاثين، تجرد المرأة من أن أجل أن ينظر إليها، ونجعل المرأة سلعة كل من يأتي إليها نجردها له وينظر إليها ويقول: ما أعجبتني.
هذه هي السفاهة التي وجدت بعد المذاهب الأربعة باسم الاجتهاد تحت ستار الكتاب والسنة، ثم يأتي بهذه القاذورات، امرأة في حال الخطبة ما بينها وبين هذا الإنسان أي ارتباطٍ شرعي ينظر إليها عاريةً كما ولدت! أهذا قولٌ يقال بعد ذلك بأنه مأخوذ من الكتاب والسنة؟! ما دليلك يا ابن حزم ؟ قال: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) هذا هو الفقه المعوج، (انظر إليها)، أي: إلى شيءٍ يدل عليها، وهل ستجربها بعد ذلك؟! أنت صرت زوجاً لها حتى تنظر إليها؟! لا يحل لوالدها أن ينظر إليها تلك النظرة، وإذا سأل الوالد: هل يجوز أن أنظر إلى ابنتي؟ نقول: انظر إليها، يقول: إذاً إطلاقاً أنظر إليها، يعني: أجرد ابنتي وأنظر إليها! هذه النظرة لا تحل إلا لواحدٍ فقط وهو الذي أشار الله إليه: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، وأما هذا خاطب، وقد يخطب المرأة مائة وألف ولا يتزوجونها، أفكل واحدٍ يراها عارية؟!
إننا ينبغي أن نضبط أقوالنا بأقوال أئمة الإسلام، والخروج عن ذلك مضيعة وهلكة، تحت ستار التفقه وأخذ الأحكام من الكتاب والسنة، هل السنة قالت: انظر إلى السوأتين؟! فانتبهوا لهذا، النظر مطلوب ومرغوب ومحبوب ضمن هذا الحد، أن تنظر إلى الوجه وإلى الكفين، فإن قيل: هل غير الزوج ينظر إليها؟ نقول: لا ثم لا، المرأة لا تكشف الوجه والكفين لغير الخاطب، لا أقول: غير الزوج، إنما غير الخاطب، ولا يجوز لأي رجلٍ أن ينظر إلى وجه امرأةٍ وكفيها، والمرأة ينبغي أن تستر الوجه، فإذا رغبت في خطبة إنسان ورضيت أن يكون زوجاً لها وتستحي أن تقول: أريدك، فكشف الوجه علامة على الرضا، ولذلك إذا كشفت المرأة عن وجهها ومشت في الشارع فهذا دليلٌ على رغبتها العامة بكل من يقابلها، كأنها تقول لمن يقابلها: أنا أريدك لكن ما تفهمني، هذا معنى كشف الوجه العام، فإذا كشفت عن وجهها دون طلبٍ من أحد ومشت في الشارع، فهذه رغبةٌ عامةٌ وإغراءٌ للناس بالتقدم إليها، ولا يكون النظر إلى المخطوبة في خلوةٍ، بل مع بعض المحارم بصفةٍ شرعية، جاءت هذه المرأة وسلمت، فنظر إليها وكلمها بحضور بعض محارمها ثم انصرفت بعد ذلك، فله بعد ذلك استخارةٌ واستشارة كما يقال، ويتأمل الأمر؛ فإن أوقع الله في قلبه القبول مشى على بصيرة، وإلا كتم ما رأى، والله جل وعلا يغني كلاً من فضله، أما أن تجرد المرأة لكل خاطب فوالله إن هذا لبلاء.
إذاً: نبينا عليه الصلاة والسلام عندما عرضت عليه أمنا عائشة رضي الله عنها من قبل خالقها جل وعلا بواسطة أمين السماء جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام كشف ونظر، واستنبط أئمتنا من هذا باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وهذا في صحيح البخاري الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله جل وعلا.
الجمع بين الحديث الوارد في رؤية النبي لعائشة في ثياب ورؤيتها في كف جبريل حين اختيرت زوجة له
هنا الصورة في كف جبريل وراحته، وهناك في سرقة -يعني قطعةٍ- من حريرٍ، قال الحافظ ابن حجر : الجمع بين الروايتين عن طريقين اثنين:
إما أن يقال: إن تلك السرقة والقطعة من الحرير كانت في كف جبريل، فهي صورةٌ في قطعةٍ من حرير في كف جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام، فقيل مرةً: في سرقةٍ من حرير، وقيل مرةً: في كف جبريل .
والتوجيه الثاني -وهو معتبرٌ أيضاً-: أنها عرضت على النبي عليه الصلاة والسلام بكيفيتين وحالتين اثنتين: الحالة الأولى: في قطعةٍ من حرير، والحالة الثانية: في كف جبريل، ويدل على هذا رواية البخاري : (أريتك في المنام مرتين)، أي: بكيفيتين وهيئتين مع ما تقدم معنا أنه رآها ثلاث ليالٍ، لكن بكيفيتين: كيفية بقطعة من حرير، وكيفية في كف جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
إذاً: زواج نبينا عليه الصلاة والسلام من أمنا عائشة رضي الله عنها كان بأمرٍ إلهي ووحيٍ رباني، وهي البكر الوحيدة التي تزوجها من نسائه، ولم يتزوج بكراً غيرها.
وذكرت في الموعظة الماضية شيئاً وأعيده هنا قلت: لعله لو لم يوح إلى نبينا عليه الصلاة والسلام بالزواج من أمنا عائشة رضي الله عنها لما تزوج امرأة بكراً، وما تزوج إلا الثيبات، فسائر نسائه كلهن ثيبات عليه وعليهن صلوات الله وسلامه.
وهذا النظر -كما وقع من نبينا عليه الصلاة والسلام في المنام لأمنا عائشة رضي الله عنها- أبيح لنا بل ندبنا إليه أن نفعله، فعندما نخطب امرأةً يستحب لنا أن ننظر إليها، وقد ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة الكثيرة، منها: ما في سنن الترمذي والنسائي وصحيح ابن حبان ، والحديث صحيح عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأةً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)، والأحاديث كما قلت في ذلك صحيحةٌ كثيرة، (فإنه أحرى) أي: أجدر، (أن يؤدم بينكما) يعني: تجري الألفة على التمام والكمال، ولذلك قال أئمتنا الكرام: كل نكاحٍ لا يتقدمه نظر فعاقبته همٌ وغم، انظر هل شرح الله صدرك فامش على بصيرة، وإلا فلا داعي لأن تتعب نفسك وأن تؤذي هذه المؤمنة الصالحة بعد ذلك، تقول: أخذتها وما أعجبتني، كان هذا من البداية.
وهذا النظر عند أئمتنا أهل المذاهب المتبعة الأئمة الأربعة لا يتعدى الوجه واليدين، فتنظر إلى الوجه؛ لأنه محط المحاسن ومجمع الحسن، وتنظر إلى الكفين لا تزيد على ذلك، وهو دليلٌ على نعومة البشرة وعلى خشونتها، وعلى ظرافة الأعضاء وعلى نفرتها، هذا هو قول المذاهب الأربعة، وهذا الذي فعله نبينا عليه الصلاة والسلام، كشف عن وجهها في النوم فإذا هي أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وأما الذين خرجوا عن ذلك فقد قالوا من الشطط ما يستحيي الإنسان من سماعه تحت ستار الكتاب والسنة وندب مذاهب الأئمة.
يقول الظاهرية: يجوز للإنسان أن ينظر إلى المرأة حال الخطبة ولو كانت عاريةً، حتى إلى السوأتين، إن أراد أن يخطبها، هذا قول داود الظاهري ، وتبعه ابن حزم في المحلى فقال: ينظر إلى ما بطن وإلى ما ظهر، وهذا في المحلى في الجزء العاشر صفحة ثلاثين، تجرد المرأة من أن أجل أن ينظر إليها، ونجعل المرأة سلعة كل من يأتي إليها نجردها له وينظر إليها ويقول: ما أعجبتني.
هذه هي السفاهة التي وجدت بعد المذاهب الأربعة باسم الاجتهاد تحت ستار الكتاب والسنة، ثم يأتي بهذه القاذورات، امرأة في حال الخطبة ما بينها وبين هذا الإنسان أي ارتباطٍ شرعي ينظر إليها عاريةً كما ولدت! أهذا قولٌ يقال بعد ذلك بأنه مأخوذ من الكتاب والسنة؟! ما دليلك يا ابن حزم ؟ قال: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) هذا هو الفقه المعوج، (انظر إليها)، أي: إلى شيءٍ يدل عليها، وهل ستجربها بعد ذلك؟! أنت صرت زوجاً لها حتى تنظر إليها؟! لا يحل لوالدها أن ينظر إليها تلك النظرة، وإذا سأل الوالد: هل يجوز أن أنظر إلى ابنتي؟ نقول: انظر إليها، يقول: إذاً إطلاقاً أنظر إليها، يعني: أجرد ابنتي وأنظر إليها! هذه النظرة لا تحل إلا لواحدٍ فقط وهو الذي أشار الله إليه: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، وأما هذا خاطب، وقد يخطب المرأة مائة وألف ولا يتزوجونها، أفكل واحدٍ يراها عارية؟!
إننا ينبغي أن نضبط أقوالنا بأقوال أئمة الإسلام، والخروج عن ذلك مضيعة وهلكة، تحت ستار التفقه وأخذ الأحكام من الكتاب والسنة، هل السنة قالت: انظر إلى السوأتين؟! فانتبهوا لهذا، النظر مطلوب ومرغوب ومحبوب ضمن هذا الحد، أن تنظر إلى الوجه وإلى الكفين، فإن قيل: هل غير الزوج ينظر إليها؟ نقول: لا ثم لا، المرأة لا تكشف الوجه والكفين لغير الخاطب، لا أقول: غير الزوج، إنما غير الخاطب، ولا يجوز لأي رجلٍ أن ينظر إلى وجه امرأةٍ وكفيها، والمرأة ينبغي أن تستر الوجه، فإذا رغبت في خطبة إنسان ورضيت أن يكون زوجاً لها وتستحي أن تقول: أريدك، فكشف الوجه علامة على الرضا، ولذلك إذا كشفت المرأة عن وجهها ومشت في الشارع فهذا دليلٌ على رغبتها العامة بكل من يقابلها، كأنها تقول لمن يقابلها: أنا أريدك لكن ما تفهمني، هذا معنى كشف الوجه العام، فإذا كشفت عن وجهها دون طلبٍ من أحد ومشت في الشارع، فهذه رغبةٌ عامةٌ وإغراءٌ للناس بالتقدم إليها، ولا يكون النظر إلى المخطوبة في خلوةٍ، بل مع بعض المحارم بصفةٍ شرعية، جاءت هذه المرأة وسلمت، فنظر إليها وكلمها بحضور بعض محارمها ثم انصرفت بعد ذلك، فله بعد ذلك استخارةٌ واستشارة كما يقال، ويتأمل الأمر؛ فإن أوقع الله في قلبه القبول مشى على بصيرة، وإلا كتم ما رأى، والله جل وعلا يغني كلاً من فضله، أما أن تجرد المرأة لكل خاطب فوالله إن هذا لبلاء.
إذاً: نبينا عليه الصلاة والسلام عندما عرضت عليه أمنا عائشة رضي الله عنها من قبل خالقها جل وعلا بواسطة أمين السماء جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام كشف ونظر، واستنبط أئمتنا من هذا باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وهذا في صحيح البخاري الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله جل وعلا.
إخوتي الكرام! تقدم معنا في الحديث في الصحيحين وسنن الترمذي وغير ذلك: (أن صورة أمنا
هنا الصورة في كف جبريل وراحته، وهناك في سرقة -يعني قطعةٍ- من حريرٍ، قال الحافظ ابن حجر : الجمع بين الروايتين عن طريقين اثنين:
إما أن يقال: إن تلك السرقة والقطعة من الحرير كانت في كف جبريل، فهي صورةٌ في قطعةٍ من حرير في كف جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام، فقيل مرةً: في سرقةٍ من حرير، وقيل مرةً: في كف جبريل .
والتوجيه الثاني -وهو معتبرٌ أيضاً-: أنها عرضت على النبي عليه الصلاة والسلام بكيفيتين وحالتين اثنتين: الحالة الأولى: في قطعةٍ من حرير، والحالة الثانية: في كف جبريل، ويدل على هذا رواية البخاري : (أريتك في المنام مرتين)، أي: بكيفيتين وهيئتين مع ما تقدم معنا أنه رآها ثلاث ليالٍ، لكن بكيفيتين: كيفية بقطعة من حرير، وكيفية في كف جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
إذاً: زواج نبينا عليه الصلاة والسلام من أمنا عائشة رضي الله عنها كان بأمرٍ إلهي ووحيٍ رباني، وهي البكر الوحيدة التي تزوجها من نسائه، ولم يتزوج بكراً غيرها.
وذكرت في الموعظة الماضية شيئاً وأعيده هنا قلت: لعله لو لم يوح إلى نبينا عليه الصلاة والسلام بالزواج من أمنا عائشة رضي الله عنها لما تزوج امرأة بكراً، وما تزوج إلا الثيبات، فسائر نسائه كلهن ثيبات عليه وعليهن صلوات الله وسلامه.
قد يسأل هنا سائل فيقول: لم اختار النبي صلى الله عليه وسلم الثيبات اللاتي يزدن عليه في العمر، وانقطع أمل الرجال منهن، ولو أراد عليه الصلاة والسلام من الأبكار ما أراد لقدم إليه عليه صلوات الله وسلامه؟
ذكر أئمتنا في ذلك عدة حكم ينبغي أن نعيها وأن نكون على علمٍ بها؛ لنعلم حال نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة ونحو هذا الأمر بالذات:
الأمر الأول: قيل: إنه اختار الثيبات عليه صلوات الله وسلامه من أجل المصلحة العامة، من أجل حفظ الأحكام وضبطها وإتقانها؛ فالمرأة الثيب عندها من الوعي والنضج ما ليس عند غيرها، البكر عندها طيش وتريد اللهو واللعب، فالغالب في المرأة الثيب الرزانة كما في قصة جابر بن عبد الله عندما تزوج ثيباً وقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، قال: إن
إذاً: نبينا عليه الصلاة والسلام آثر هذا من أجل المصلحة العامة، وأمنا خديجة رضي الله عنها لها أثرٌ بالغ -وهكذا سائر نسائه رضي الله عنهن وأرضاهن- في ضبط الأحكام ونشرها.
أما أمنا عائشة فهي -وإن كانت بكراً- في الحقيقة يوجد نحوها عنايةً إلهيةً ربانية خاصة، ولذلك أوحي إليه بزواجها على وجه الخصوص؛ لما فيها من هذه الصفات التي تقدم ذكر بعضها وسيأتي تمامها إن شاء الله.
الأمر الثاني: من أجل جبر خواطر النساء اللاتي فقدن أزواجهن؛ صارت هذه أرملة ثيب، والراغب فيها قليلٌ قليل حتماً، وإذا كان كذلك فيعوضها الله عن نعمة الزوج الذي فقدت، وعن البكارة التي خسرتها بأعظم نعمةٍ ألا وهي الاقتران بأفضل الأنام عليه الصلاة والسلام، حقيقةً هنيئاً لها، فـسودة رضي الله عنها كان زوجها من المهاجرين إلى الحبشة، ثم لما عاد إلى مكة وقدر الله عليه الوفاة وكانت قد آمنت بالنبي عليه الصلاة والسلام هي وزوجها، أصيبت بما أصيبت به من فقد الزوج، والراغب فيها قليل فيتقدم لأخذها وسترها، وهذا الذي فعله نبينا عليه الصلاة والسلام، وسأشير إلى أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام على وجه التعداد والتفصيل في مباحث النبوة، إنما نذكر الآن حكمة عامة فقط.
إذاً: آثر النبي صلى الله عليه وسلم الثيبات على الأبكار من أجل جبر خواطر النساء اللاتي فقدن أزواجهن، وأكثر الناس إن لم تقل كلهم لا يرغبون في الثيب.
عرض مرةً على بعض الناس جاريتان من أجل الشراء في عصر الإماء، واحدةٌ بكر والأخرى ثيب، فمال إلى البكر كما هي الطبيعة البشرية، فالثيب تعلقت به ورغبت، قالت: علام تؤثر تلك علي؟ قال: هذه بكر وأنت ثيب، فقالت: ما بيني وبينها إلا ليلة واحدة، يعني أنا ما تزوجت فترة طويلة، إنما هي ليلة واحدة وطلقت، قال: وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون، يعني أنت وإن كنت ثيبة في ليلةٍ واحدة، لكن هذه لها اعتبار كبير عند الناس؛ فأنت الآن تغير اسمك، والرجل لو تزوج ألف امرأةٍ وطلق لا يتغير اسمه، أما المرأة فيتغير، فالبكر إذا تزوجت صارت ثيباً، فإذا ولدت ذهب منها أكثر من ثلثيها فيما يتعلق بجمالها وحسنها ونضارتها، هذا صنع الله الذي أتقن كل شيء، هذا حال المرأة، إذاً هذه أمنا خديجة لها زوجان ولها أولاد، وعمرها أربعون سنة، يأخذها خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، وهو شاب في عنفوان شبابه كما يقال، عمره خمسٌ وعشرون سنة، يأخذ بنت أربعين بعد زوجين وولادة أولادٍ متعددين، حقيقةً هذا لا يفعله الإنسان إلا لمقصدٍ شرعي، وهذا هو حال رسولنا النبي عليه الصلاة والسلام.
الأمر الثالث: إن قيل: لم بعد ذلك أخذ أمنا عائشة وكان بالإمكان أن يأخذ غيرها من الأبكار؟ نقول: أمنا عائشة أخذها بناءً على وحي إلهي وأمر رباني؛ لما فيها من اعتبار ظهر بعد ذلك، وكيف حفظت الشريعة كما تقدم معنا، أما أن يأخذ غيرها فما أوحي إليه بذلك، والله جل وعلا هو الذي يدبر أمر نبيه عليه الصلاة والسلام، فأراد النبي أن يقتصر على أمنا عائشة البكر لما فيها من صفات لا توجد في غيرها؛ كأن في ذلك إشارة إلى أن هذه البكر في كفة والنساء الثيبات الباقيات كلهن في كفة، فهذه لها كفةٌ راجحة، فلا يجوز أن تجعل لما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام واحدة أخرى تماثلها في هذه الصفة؛ لما فيها من اعتبارات، ولو أراد لحصل، ويعرض عليه عليه الصلاة والسلام لكن هذه فيها هذه الصفة وسائر نسائه على صفةٍ أخرى، لا ينبغي أن يشاركها في هذه الصفة أحد؛ لما فيها من خصائص كثيرة، ومنها: أنه لم يتزوج بكراً غيرها، وسيأتينا هذا، وكانت أمنا عائشة تذكر هذا للنبي عليه الصلاة والسلام وتذكر به، ولما عدد أئمتنا خصائصها كما فعل الإمام الزركشي في كتاب الإجابة فيما استدركته أمنا عائشة على الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ذكر خصائصها وأوصلها إلى أربعين خصيصة، وهي أكثر من ذلك، فقال في الأولى: لم يتزوج بكراً غيرها؛ فكأن هذه إشارة أيضاً من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام، ولتستنبط الأمة من كون هذه بكراً وأولئك ثيبات أن هذه تعدلهن وأن كفتها عظيمة راجحة، فلها وزنٌ كبير لما فيها من معانٍ جميلة.
ففي صحيح البخاري في كتاب النكاح وبوب عليه البخاري فقال: باب نكاح الأبكار، ثم نقل عن ابن أبي مليكة معلقاً بصيغة الجزم فقال: وقال ابن أبي مليكة : قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين عندما دخل على أمنا عائشة رضي الله عنها في مرضها، قال لها من جملة ذلك: (لم ينكح بكراً غيرك).
وكانت أمنا عائشة رضي الله عنها تذكر هذا وكأنها تقول للنبي عليه الصلاة والسلام: اختارني الله لك، وأنا البكر الوحيدة، وما اختار لك بكراً غيري، وما قدر لك ذلك لاعتبارٍ في نفسي، فتذكر النبي عليه الصلاة والسلام به، ويعترف به نبينا عليه الصلاة والسلام.
والحديث الثاني الذي في هذا الباب موقوف عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! أرأيت لو نزلت وادياً فيه شجر)، ضبط بالأمرين على صيغة الجمع شجر كثير، وعلى صيغة الإفراد شجرة، إما أن يكون اسم جنس فيعم، أي: أشجار، (قد أكل منها، ووجدت شجراً لم يؤكل منها، ففي أيهما كنت ترتع بعيرك)؟ بعيرك إذا أردت أن ترعاه، ترعاه في الشجر التي رعي منها أو في الشجر التي لم يرع منها؟ في التي لم يرع منها قطعاً، التي لا زالت فيها الخضرة وفيها الخير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كنت أرتع بعيري في التي لم يرتع فيها)، إن أردت أن أرعى البعير أرعاهم في الشجر التي ما رعاها أحد، تعني بذلك أنه لم يتزوج بكراً غيرها. قال الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في الفتح: وقد كنَّت بذلك عن المحبة كأنها تقول: محبتك لي تعدل وتفوق محبتك لسائر نسائك، وأقر النبي عليه الصلاة والسلام هذا، كما أن الذي عنده إبل ويريد أن يرعاها لا يرعاها في الشجر التي رعيت، بل يطلب لها مكاناً لم يُرع، وهذه يحبها ويقصدها من أجل أنه يريد الخير لإبله.
وقال الحافظ ابن حجر : ظن أنها تريد ما هو أبعد من ذلك من المحبة والعشرة، وهكذا التفضيل الديني وغيره، يعني: فيَّ أنا من صفات الزوجة ما ليس في غيري، كما لو كانت هناك أشجار على طبيعتها ومرعى على حاله، فالراعي يرغب أن يرعى فيه من أجل الخير الذي فيه، وهكذا هنا كنَّت إما عن المحبة أو ما هو أبعد من ذلك من محبة وعشرة وصفات دينية ليس فيها نقص، فهي كاملةٌ من جميع الجهات رضي الله عنها وأرضاها، والنبي عليه الصلاة والسلام أقر هذا، والحديث كما قلت في صحيح البخاري .
إذاً: تزوج نبينا عليه الصلاة والسلام الثيبات إلا عائشة لأسباب: الأول: للمصلحة العامة، والثاني: جبراً لخواطر الثيبات، والثالث: للدلالة على منزلة أمنا عائشة ؛ فهذه بكر لا تزاحم في هذه الصفة.
والأمر الرابع: من أجل ألا يبالغ في التلذذ والتنعم في هذه الحياة عليه صلوات الله وسلامه؛ فأراد أن يأخذ منها ما هو حلال شرعي فيه مصلحة شرعية لاعتباراتٍ شرعية دون أن يستوفي حظ نفسه عليه صلوات الله وسلامه مما أحل الله له، كما كان يفعل في مطاعمه ومشاربه ولباسه وسكنه عليه الصلاة والسلام، فيأخذ من ذلك الحلال بمقدار الكفاية ويكتفي بالشيء القليل اليسير، وهنا كذلك، فهنا بكر وهنا ثيب، حتماً الثيب دون البكر، فيأخذها النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا يفعله من يقدم حظ الآخرة على حظ الدنيا.
عرض على الإمام عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمة ربنا أختان: إحداهما عوراء والأخرى سليمة العينين، فانظر لدينه ويقينه وبصيرته وتقديمه للآخرة على الدنيا، قال: أيتهن أصلح؟ فقيل له: العوراء فتزوجها، وهذا حقيقةً حال من ينظر إلى الآخرة، وهنا نبينا عليه الصلاة والسلام لو أراد الأبكار لكان ذاك يسيراً عليه، ولكنه أخذ الثيبات لهذا الاعتبار لئلا يستوفي حظ النفس؛ وليقلل من التلذذ في هذه الحياة، وحتماً معاشرة البكر ليست كمعاشرة الثيب، شتان شتان.
وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نحرص على زواج الأبكار، وهذا -كما قلت- فيه مصلحةٌ للنفس، وفيه مصلحة شرعية، لكن من أراد أن يغلب المصلحة الشرعية بعد ذلك على مصلحة النفس فعنده الثيبات حتماً، لكن إن أردت أن تحصن نفسك على وجه التمام وبعد ذلك تحصل مصلحة الشرع فالبكر يتحقق فيها مقصود النكاح على وجه التمام، وهذا لا يكون في الثيب؛ وكل من يتزوج امرأةً ثيباً يبقى في قلبه كما يقال شيء من الحسرة لأنه ما تزوج امرأة لم تعاشر غيره، إلا فيما يتعلق بأمر الآخرة فله أجرٌ كبير، وأما في أمر الدنيا فيرى أنه ما استوفى نصيبه كما استوفى غيره نصيبه في هذه الحياة.
وعليه فنبينا عليه الصلاة والسلام من أجل التقلل من التلذذ آثر الثيبات، أما الأبكار فقد أرشدنا إلى زواجهن؛ لأن فيه تحصيل مقاصد النكاح على وجه التمام من أمرٍ حلال أحله ربنا الرحمن، لكن من آثر الآخرة بعد ذلك على ما هو حلالٌ مباحٌ في هذه الحياة فهذا أيضاً أجره أعظم، لكن أحياناً بعض الناس يقول: إن نفسي تتعلق، وإذا أخذت الثيب قد لا تسكن نفسي، وتتطلع بعد ذلك إلى الحرام، فنقول له: خذ بكراً وبكرين وثلاثة وأربعة ولا تتطلع إلى ما حرم الله، أما إذا كان في نفسك انكسار وعدم مبالاة بشهوات الدنيا التي أحلها الله وعرضت عليك بكر أو ثيب فتقول: هذه الثيب أخذها خيرٌ من هذه؛ لما فيها من اعتبارات شرعية، وإذا قال: آخذ هذه لكن نفسي تتطلع، نقول له: خذ البكر ولا حرج فهي ضمن الحلال، لكن النفوس تتفاوت، فنفس نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب النفوس، وأرغب النفوس في الآخرة، فآثر الثيبات عليه وعلى أزواجه صلوات الله وسلامه.
أما الأبكار ففيهن من الأوصاف ما ليس في الثيبات، ولذلك أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نحرص على نكاح الأبكار؛ لأنه كما قلنا: يحصل مقصود النفس على وجه التمام من طريقٍ أحله ذو الجلال والإكرام، وإذا كان هناك اعتبارٌ شرعي، والنفس فيها سكينة وانكسار، فاسلك الطريق الثاني وأجرك لم يضع عند ربك، ثبت في المسند والكتب الستة وغيرها، والحديث في أعلى درجات الصحة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه عندما قال للنبي عليه الصلاة والسلام: (تزوجت، قال: ماذا تزوجت يا
وزاد الإمام الطبراني في معجمه الكبير عن كعب بن عجرة في مثل هذا الحديث، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لرجلٍ آخر: (وتعضها وتعضك)، فهذه عندها هذه الصفات؛ فهي لا زالت بكراً ونفسها ترغب في هذا، أما تلك فقد تكون شبعت، وفي بعض الروايات -وهي في الصحيح- قال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أين أنت من العذارى ولعابها)، بكسر اللام، أي: ملاعبتها، فهذا أهنأ للنفس، وكلمة اللعاب ضبطت بالكسر، وقال الحافظ ابن حجر : وضبطت بالضم، (أين أنت من العذارى)، أي: الأبكار ولُعابها، قال: وفي ذلك إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتيها، وهذه ليست كحال الثيب؛ فمها ونكهتها ورائحتها ليست كتلك، ( فأجاب
إذاً: البكر فيها ما ليس في الثيب، والأحاديث في ذلك كثيرة، وبهذا نعلم إيثار الآخرة على الدنيا عند نبينا عليه الصلاة والسلام عندما تزوج الثيبات وهو يعلم هذه المعاني، وهو أعلم خلق الله عليه الصلاة والسلام بأحكام الناس، ومع ذلك أرشدنا وحثنا نبينا عليه الصلاة والسلام على زواج الأبكار في أحاديث كثيرة؛ لأن من يريد أن يحصل مقصود النكاح فهذا يتم في البكر أكثر منه في الثيب.
ثبت في سنن ابن ماجه عن عويم بن ساعدة -وهو صحابيٌ شهد العقبة وبدراً، ومات في خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير) والحديث رواه الإمام البغوي والإمام البيهقي في السنن الكبرى، وانظروه في السنن الكبرى في الجزء الثالث صفحة واحد وثمانين.
(أعذب أفواهاً)، ريقها وملاعبتها ليست كالثيب، (أنتق أرحاماً)، من النتق وهو الحركة والاضطراب، وهكذا قال أئمتنا: القلع، وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ [الأعراف:171]، قلعناه، (أنتق أرحاماً)، إشارة إلى كثرة حركة الرحم، وإلى كثرة خروج الأولاد منها؛ لأنها ما استولدت من قبل غيرك، والغالب أن البكر صغيرة وأن الثيب كبيرة، (وأرضى باليسير)، باليسير في كل شيء؛ بالعشرة الزوجية، وبالقليل الذي تحضره من النفقة؛ لأنها ما ألفت غيرك، أما الثيب فربما كان زوجها الأول يغدق عليها من النعم وحظوظ الدنيا، وأنت ليس عندك كذلك، فعندما تقدم تستقل ما تقدمه لها؛ لأنها عاشرت وعلمت الحقوق والنفقة وما شاكل هذا.
وهذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، وله طرقٌ كثيرة منها: ما رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه باللفظ المتقدم: (عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير)، باللفظ المتقدم عن نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث رواه أيضاً الإمام الطبراني في معجمه الأوسط عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم باللفظ المتقدم وزاده مزية رابعة، (فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير، وأقل خِباً)، والخب هو الخداع والمكر والكيد، فهذه لا زالت على فطرتها ما تعرف الحيل والمكر، وما عاشرت رجلاً لتعلم هذه الأشياء، فهي أقل خباً، وأما التي عاشرت فقد يكون عندها من الدهاء ما لا يخطر بالبال.
والحديث -إخوتي الكرام- رواه أيضاً الإمام ابن السني وأبو نعيم كلاهما في كتاب الطب النبوي في الإرشاد إلى الزواج من البكر، ولفظ الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحو الحديث المتقدم، وزاد في هذه الرواية من رواية ابن عمر : (وأسخن أقبالاً)، أي: أسخن قبلاً، وفي بعض الروايات: (أسخن بطوناً)، أي: جلدها، وهكذا محل عشرتها فيه حرارة، وأما تلك فأصابها من البرود ما أصابها، فهذا كله يحصل مقصود النكاح ويحصل بنكاح البكر، فالذي يعلم كل هذه المعاني ثم يؤثر بعد ذلك عليه صلوات الله وسلامه نكاح الثيبات، هذا حقيقةً ما يفعله إلا لتقديم الآخرة على الدنيا.
والحديث روي أيضاً في كتاب الألقاب للإمام الشيرازي كما ذكر ذلك الإمام السيوطي في الجامع الصغير عن بشر بن عاصم عن أبيه عن جده بلفظ: (عليكم بشواب النساء) بنحو الحديث المتقدم، والحديث رواه أيضاً الإمام عبد الرزاق في مصنفه، وانظروه في الجزء السادس صفحة تسعٍ وخمسين ومائة، وسعيد بن منصور في سننه في الجزء الأول صفحة أربعٍ وأربعين ومائة مرسلاً عن تابعيين اثنين: عن مكحول الدمشقي وعن عمرو بن عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وفي الرواية المرسلة في الروايتين زيادة على ما تقدم، ( فإنهن أغر أخلاقاً، وأثخن جلوداً)، فهنا زيادة الخلق التي هي بمعنى الزيادة في حديث جابر : (وأقل خباً)، فحسن الخلق لا خديعة ولا مكر.
فإذاً أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأحسن أخلاقاً فلا خب فيها، وأثخن بعد ذلك جلوداً وأقبالاً، هذه كلها في البكر، ومع ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام آثر نكاح الثيبات لمقصودٍ شرعي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
أما أمنا عائشة فكانت بكراً، لكن زواجها كان بأمرٍ إلهي، ولو لم يوح إليه بزواجها هل كان سيتزوج بكراً غيرها؟ حقيقة هذا غيب لا يعلمه إلا الرب، لكن واقع الأمر أنه ما تزوج غيرها.
إذاً: زواج نبينا عليه الصلاة والسلام من أمنا عائشة كان بأمرٍ إلهي ووحي رباني.
وأمنا عائشة -كما هي زوجةٌ لنبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة- نجزم قطعاً بلا تردد أنها زوجة لنبينا عليه الصلاة والسلام بعد الممات، وهي زوجةٌ له في نعيم الجنات، وكل من ورد النص له بأنه من أهل الجنة جزمنا له بذلك دون تردد، ومن لم يرد النص فيه نرجو له الجنة ونخشى عليه من النار فقط، فالعشرة المبشرون بالجنة وهكذا أمنا عائشة وبقية زوجات النبي عليه الصلاة والسلام وأهل بدر، وهكذا من وردت نصوصٌ فيهم نجزم لهم بذلك دون تردد، ونقطع بذلك لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى، ولا ننزل أحداً جنةً ولا ناراً إلا من ورد النص فيه بعينه والعلم عند الله جل وعلا.
وأمنا عائشة وردت نصوصٌ صحيحةٌ صريحةٌ بأنها زوجةٌ لنبينا عليه الصلاة والسلام في الجنة، ففي سنن الترمذي ، والحديث رواه الحاكم بإسنادٍ صحيح، وأقره عليه الذهبي في الجزء الرابع صفحة عشرة من المستدرك، والحديث في سنن الترمذي عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ، تحدث عنها وتكلم في شأني، فتكلمت أنا، وما هو الذكر وما هو الكلام؟ ما نقل، لعله بدأ يثني على فاطمة عليه وعلى آل بيته وأزواجه جميعاً صلوات الله وسلامه، وأمنا عائشة رضي الله عنها قالت: الحديث لا يعلم طبيعته وما جرى منه إلا الله، تقول: فتكلمت أنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا
وتقدم معنا الحديث الذي في عرض أمنا عائشة على نبينا عليه الصلاة والسلام: (هذه زوجتك في الدنيا والآخرة)، إحدى روايات الترمذي ، وهنا كذلك: (أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قلت: بلى، قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة).
وثبت في مستدرك الحاكم أيضاً في الجزء الرابع صفحة ثلاثة عشرة بسندٍ صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! من من أزواجك في الجنة؟)، كلهن في الجنة، لكن تريد هي أن يقال لها: أنت، فأجابها النبي عليه الصلاة والسلام بما تريد، فقال: (أما إنك منهن)، اطمئني، إنك منهن، أنت في الجنة وهن كذلك، لكن هي تريد أن تأخذ البشارة، ولذلك قال عمار بن ياسر -كما ثبت في المسند وصحيح البخاري وسنن الترمذي والحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة- في موقعة الجمل التي حصل فيها ما حصل رضي الله عن الصحابة أجمعين، قال: (والله إني لأعلم -وفي رواية: أشهد بالله- إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة)، يعني: أمنا عائشة رضي الله عنها، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر هل أتتبعونه أو تتبعونها؟ وإنما يريد بذلك عمار بن ياسر رضي الله عنه، أي: هل تتبعون الله في طاعة علي الذي هو أمير المسلمين في ذلك الوقت، أو تتبعون أمكم؟ وتقدم معنا حديث حذيفة رضي الله عنه: (فكونوا مع الفرقة التي مع
وفي الختام فهذه الصفة التي ثبتت لأمنا عائشة ألا وهي أنها زوجة نبينا عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، مفخرةٌ ليس بعدها مفخرة، فرضي الله عن الإمام الذهبي عندما قال في سير أعلام النبلاء: نشهد أنها زوجة النبي عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر؟! يعني: هل يوجد فخرٌ أعلى من ذلك؟
أنا أقول: إذا كانت أمنا زينب رضي الله عنها وأرضاها، وعلى نبينا وآله وأزواجه جميعاً صلوات الله وسلامه، قد زوجها الله لنبينا عليه الصلاة والسلام من فوق سبع سموات، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، لكن سبب تزويجها في الأصل كان برغبةٍ من النبي عليه الصلاة والسلام، وهي كانت في أول الأمر تتمنى، ثم نزل الأمر الإلهي بأن يتزوجها، فأمنا عائشة تفضلها في ذلك بكثير؛ وسبب التفضيل أن تلك الذي زوجها هو الله، وأما هذه فسبب زواجها من الله، وهنا سبب الزواج من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فرغب فيها بعد أن كانت تتمنى في أول الأمر، ثم بعد ذلك نزلت الآية فتم زواجها من نبينا عليه الصلاة والسلام، ولما ذهب زيد ليذكر النبي عليه الصلاة والسلام عندها من أجل أن تكون زوجةً له، قالت: ما أنا بفاعلةٍ شيئاً حتى استشير ربي، فلما نزلت الآية انتهى الأمر والله جل وعلا يتصرف في أمر عباده بما يريد، له الحكم سبحانه وتعالى، وهذا الخلق خلقه، فزوجها من نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا زواج من قبل الرحمن، لكن زواج أمنا عائشة لنبينا عليه الصلاة والسلام أعلى من ذلك بكثير، فهناك يوحى إليه بها، ويرغب نبينا عليه الصلاة والسلام في زواجها، وترسل إليه صورتها بواسطة جبريل، ثم بعد ذلك يتم الأمر حسب شريعة الله عز وجل، فهنا الذي زوج زينب بنبينا عليه الصلاة والسلام رب العالمين، لكن الرغبة كانت من نبينا عليه الصلاة والسلام، وهناك -كما قلنا- سبب تزويج أمنا عائشة من نبينا عليه الصلاة والسلام من الله وأوحي إليه بتزويجها، فهذا أعلى من الزواج بأمنا زينب بكثير، ولذلك إذا كانت أمنا زينب رضي الله عنها كانت تفتخر على نساء النبي عليه الصلاة والسلام بأنهن زوجن من قبل أهاليهن، وأما هي فزوجها الله من فوق سبع سموات، فنقول لها إظهاراً لمكانة أمنا عائشة رضي الله عنها: تزويج أمنا عائشة لنبينا عليه الصلاة والسلام أعلى من ذلك، حيث أوحي إليه بالزواج منها ورغب فيها، وهذا أعلى مما لو جرت منه رغبة فقط على حسب الرغبة الإنسانية الشرعية دون أن يوحى إليه بذلك، شتان بين الأمرين، هناك رغبة وهي تتمنى فحكم الله في القضية، وأما هنا الأصل أنه ما كان يتطلع لذلك عليه صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا أنها كانت بنت ست فأوحي إليه بذلك، فقال: (إن يك من عند الله)، وهذا للتحقيق أي: سيحقق الله ذلك ويوقعه، فحصل في المستقبل تحقيق ذلك بفضل الله عز وجل؛ فهذا الأمر أعلى من ذاك، والعلم عند الله جل وعلا. وهذه الخصائص كلها لأمنا عائشة رضي الله عنها.
نبينا عليه الصلاة والسلام تزوج أمنا عائشة وكان بينهما صلةٌ زوجيةٌ خاصةٌ تفوق صلة نبينا عليه الصلاة والسلام بسائر أزواجه عليه وعليهن جميعاً صلوات الله وسلامه، وهذا كله بناءً على ما تقدم من أن زواجها كان بأمرٍ إلهي ووحيٍ رباني، وتقديمها على غيرها كان بأمر الله جل وعلا، فاستمع لهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند ورواه الشيخان في الصحيحين، ورواه الترمذي في السنن، وهكذا الإمام النسائي في سننه، ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (إن الناس كانوا يتحرون هداياهم يوم
وفي روايةٍ عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين: فحزبٌ فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، هؤلاء أربع نسوة، والحزب الثاني خمس نسوة، وكان عنده تسع نسوة عليه وعليهن جميعاً صلوات الله وسلامه، أم سلمة وسائر أزواج النبي عليه الصلاة والسلام الباقيات وهن أربع: زينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان ، وكفة عائشة لو كانت بمفردها لرجحت بسائر نساء نبينا عليه الصلاة والسلام، فكيف ومعها أيضاً ثلاث.
قالت: وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديةٌ يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ذهب صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلم حزب أم سلمة أم سلمة وقلن لها: كلمي رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر من أجل أن يخبر المسلمين أن يهدوا إليه في بيوت نسائه، ولا يخص الهدية ببيت أمنا عائشة ، فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليهد إليه حيث كان من نسائه.
قلت: الهدية سيشتركن فيها، لكن التخصيص فيه امتياز فقط، كأنهن رأين في هذا تقديم عائشة عليهن، يقلن: نريد أحياناً أن يأتي الخير إلى بيتنا ونحن نرسل إلى عائشة رضي الله عنهن أجمعين، انتبه للذي حصل، ولتعلم منزلة أمنا عائشة رضي الله عنها بأمرٍ من الله لا باختيار بشر، فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئاً، أعرض عنها وما أجابها بشيء، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لها: كلميه المرة الثانية، قالت: فكلمته حين دار إليها وجاءت نوبتها من أجل أن يكلم المسلمين أن يهدوا إليه في بيوت نسائه، ولا يتحروا بيت عائشة فلم يقل لها شيئاً أيضاً الثانية، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لها: كلميه حتى يكلمك، الآن لا تسكتي، لو سكت كلميه وأعيدي عليه حتى يجيب، لا تقبلي بالسكوت، فدار إليها فكلمته فقال لها: (لا تؤذيني في
فقال لها: (لا تؤذيني في
هذا الحزب المكون من خمس نسوة ما اقتنعن بجواب النبي عليه الصلاة والسلام لـأم سلمة ، فوسطن فاطمة بضعته الطاهرة المطهرة على نبينا وآله وأزواجه جميعاً صلوات الله وسلامه، فأرسلنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك يسألنك العدل في بنت أبي بكر ، حسناً! هو يعدل عليه الصلاة والسلام، وتقدم معنا أن العدل في الحب لا يجب، وهن يردن العدل في الفضل لا في الواجب، والفضل لا يجب العدل فيه، وما خرج نبينا عليه الصلاة والسلام عن العدل طرفة عين، بل إن الله جل وعلا أسقط عنه صلى الله عليه وسلم القسم بين النساء وكان يقسم، تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا [الأحزاب:51].
إذاً: القسم أيضاً لم يكن واجباً عليه عليه صلوات الله وسلامه؛ فإذا قدم واحدة أو أخرى لاعتبار شرعي فله ذلك، ومع ذلك كان يقسم غاية القسم كما تقدم معنا والحديث صحيح: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، لكن القسم ليس بواجبٍ عليه؛ لأنه لا يتصور منه جورٌ وشططٌ وانحراف كما يتصور منا، ومن ذلك ترك الأمر باختيار النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يعدل غاية العدل، فكلمته فقال: (يا بنية! ألا تحبين ما أحبه)؟ وفي روايةٍ في المسند قال لها النبي عليه الصلاة والسلام: (يا بنية! إنها حبة أبيك ورب الكعبة)، يعني: عائشة هي محبوبة أبيك، وفي روايةٍ: (يا
هذا الحديث له رواياتٌ متعددة تدل على سبب تقديم أمنا عائشة رضي الله عنها على سائر أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام، وأن هذا بأمرٍ إلهي ووحيٍ رباني، وتقديمها بأمرٍ شرعي لا لغير ذلك، فما نزل عليه الوحي في ثياب امرأةٍ من نسائه، ولا في لحاف زوجةٍ من زوجاته إلا مع أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.