شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

شرعنا في الموعظة الماضية في مدارسة الباب الخامس من أبواب الطهارة من جامع الإمام أبي عيسى الترمذي عليه وعلى جميع المسلمين رحمة رب العالمين، وهذا الباب عنوانه: ما يقول إذا خرج من الخلاء، وقد أورد الإمام الترمذي في هذا الباب حديثاً عن الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله على نبينا وأزواجه وأهل بيته صلوات الله وسلامه، وهذا الحديث الذي رواه الإمام الترمذي عن أمنا عائشة رضي الله عنها ساقه من طريق شيخه سيد المسلمين، وإمام حفاظ حديث نبينا الأمين عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، ألا وهو الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي البخاري ، ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك)، قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ غريب، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

وكما قلت سابقاً: نتدارس الحديث ضمن أربعة مباحث.

المبحث الأول: دراسة إسناد الحديث، وقد انتهينا من مدارسة إسناد الحديث في الموعظة الماضية، ووصلنا إلى أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي راوية الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وكعادتنا إذا وصلنا إلى الصحابي أن نبسط الكلام في ترجمته وفي أخباره؛ لأن هؤلاء تلاميذ النبي عليه الصلاة والسلام، وهم صورةٌ لنبينا عليه الصلاة والسلام، فحباً لهم وإجلالاً لنبينا عليه الصلاة والسلام نوسع الكلام في أخبارهم، ثم مع ذلك -عندما نفعل هذا- نستلهم رحمات الله رب العالمين بذكر الصحابة الطيبين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين.

أما أمنا عائشة رضي الله عنها، وهي راوية هذا الحديث الشريف، فسنتدارس ما يتعلق بشأنها وأخبارها ضمن ستة أمور:

أولها: في فضلها رضي الله عنها.

وثاني هذه الأمور: في حب النبي عليه الصلاة والسلام لها حباً زائداً كثيراً، ولا يحب نبينا الطيب إلا من كان طيباً، صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم تسليماً كثيراً.

والأمر الثالث: في أسباب حب نبينا عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

والأمر الرابع: زواج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا عائشة رضي الله عنها، ورد لغطٍ أثير حول هذا الموضوع.

والأمر الخامس: قيام أمنا عائشة رضي الله عنها بتعظيم الله والشفقة على خلق الله على وجه التمام والكمال حسب ما في وسع الإنسان.

وسادس الأمور وهو آخرها: دفاع الله عن أمنا عائشة وغيرة الله عليها، فإذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحبها ويغار عليها ويدافع عنها، فقد أحبها وغار عليها ودافع عنها رب العالمين في آياتٍ تتلى في محاريب المسلمين، ويتعبد بها المؤمنون إلى يوم الدين.

فضل عائشة على سائر النساء

أما الأمر الأول في أحوال هذه الصديقة الطيبة المباركة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهو في فضلها؛ فهي أفضل الصديقات، ووالدها أفضل الصديقين عليهم جميعاً رضوان رب العالمين، وهي حبيبة حبيب رب العالمين، وزوجة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، وقد فضلها نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر النساء، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فداه نفسي وأبي وأمي، ففي المسند والصحيحين وسنن الترمذي -والحديث في أعلى درجات الصحة- من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: ( كمَل -بتثليث الميم كما قال علماء اللغة وشراح الحديث- من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، قوله: (كمل من الرجال كثير)، فالأنبياء لا يوجدون إلا في جنس الذكور، وعدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً كما سيأتينا في مبحث النبوة، أو لعله مر معنا في المبحث الثاني من مباحث النبوة، إذاً: أنبياء الله وصفوته من خلقه كاملون مكملون، وليس في النساء نبية، إنما غاية ما تصل إليه المرأة أن تكون صديقة، وهذه هي أعلى الرتب بعد رتبة النبوة، وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذه الرتبة في كتابه فقال: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75] ، وهي مريم بنت عمران عليها وعلى سائر الصديقات والصديقين الرحمة والرضوان.

إذاً: (كمل من الرجال كثير)، ففيهم أنبياء، وفيهم رسل، وفيهم صديقون وصالحون. قوله: ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، هذا من باب التمثيل على من حصل منها الكمال من النساء، ( وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ).

والحديث رواه ابن مردويه في تفسيره بسندٍ صحيح كما قال الحافظ الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الثالث صفحة تسعٍ وعشرين ومائة بزيادة أمنا خديجة في الشق الأول من الحديث، ولفظه: ( ولم يكمل من النساء إلا ثلاثٌ -أي: ثلاث نسوة-: مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ).

قال أئمتنا الأخيار في بيان حال هؤلاء النسوة اللاتي حصل فيهن الكمال: هؤلاء النسوة الثلاث كل واحدة منهن كفلت نبياً، وأحسنت إليه تمام الإحسان، أما آسية بنت مزاحم زوجة فرعون فقد كفلت كليم الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [القصص:9]، وأما مريم فقد كفلت نبي الله وروحه عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وأما خديجة فقد كفلت خير خلق الله نبينا محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فهؤلاء حقيقةً أكمل نسوة.

لكن هناك امرأةٌ فيها ميزة على سائر النساء ألا وهي أمنا الصديقة بنت الصديق ، ففضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، والثريد هو الطعام المكون من نوعين: من خبز البر واللحم الشهي، فإذا ثرد اللحم وطبخ وقطع الخبز، ووضع عليه مرق اللحم واللحم فيقال له: ثريد، وهذا أطيب أنواع الطعام؛ لأنه جمع أفضل الأقوات ألا وهو البر، وجمع سيد الإدام وهو اللحم.

قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد على نبينا صلوات الله وسلامه: الثريد طعامٌ يجمع غذاءً، وقوةً، ولذةً، وسهولةً في التناول، ولذيذ، وإذا أكلته له ميزة على غيره من الأغذية، فهو يكسبك القوة عن طريق ما فيه من اللحم، ثم مع هذا هو سريع التناول، سريع الأخذ والمضغ والدخول في الجوف؛ لأنه ثرد بمرق اللحم، وهذا الخبز لا يحتاج بعد ذلك إلى كلفة في تقطيعه بأسنانك، وحقيقةً هذا أطيب أنواع الأطعمة.

فإن قال قائل: أي هذين النوعين أفضل وأعز وأكثر: الخبز أو اللحم؟ فنقول: كل واحد له جهة تفضيل ينفرد بها، أما الخبز فالحاجة إليه أعم وأكثر، وأما اللحم فهو أجل وأفضل، والحال بين الخبز واللحم كالحال بين الحديد والذهب، فالحاجة إلى الحديد أكثر، لكن الذهب أغلى وأثمن، ولو لم يكن في الحياة حديد لكان فيها شيءٌ من الصعوبة، وقد أنزل الله الحديد فجعل فيه بأساً شديداً، وأما الذهب فيمكن للناس أن يستغنوا عنه، أما الحديد فإنه قوام الحياة، فالحديد أنفع وذاك أغلى، وكذلك اللحم أثمن لكن الخبز أنفع للناس، فالحاجة إليه أعم وأكثر.

و مريم وآسية ذكرتا مع أمنا خديجة وعائشة رضي الله عنهن أجمعين ورد في الآثار الضعيفة أنهما ستكونان زوجتين لنبينا عليه الصلاة والسلام في جنة النعيم، وعليه فهؤلاء النسوة كلهن من نساء نبينا عليه الصلاة والسلام، مريم البكر، وآسية الثيب، وبعد ذلك من دخل بهن في هذه الحياة من أمنا خديجة وأمنا عائشة رضي الله عنهن أجمعين، ذكر هذا المفسرون في تفسير قول الحي القيوم: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، قالوا: الثيبات إذا كان الإبدال سيكون في الآخرة، فهذا يكون في حق آسية زوجة فرعون، والأبكار في حق مريم عليهن وعلى سائر الصديقات والصديقين رضوان رب العالمين، وإذا حصل التبديل في الدنيا فسيحصل لكن هاتان المرأتان الصالحتان ستكونان لنبينا عليه الصلاة والسلام في الآخرة، وردت الآثار بذلك، لكن فيها ضعفٌ من حيث الإسناد، أوردها الإمام ابن كثير في تفسيره عند تفسير الآية المتقدمة. انظر تفسير الإمام ابن كثير في الجزء الرابع صفحة تسعين وثلاثمائة، ونسب الأثر إلى الإمام الطبراني وابن مردويه في تفسيره عن بريدة رضي الله عنه وهو من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ [التحريم:5]، حتى وصل إلى قول الله: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، قال: الثيب هي آسية ، والبكر هي مريم .

قال الإمام ابن كثير : وأخرج ابن عساكر أيضاً عن ابن عمر : (أن جبريل أتى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: بشر خديجة ببيتٍ في الجنة بين بيت آسية ومريم ).

قال الإمام ابن كثير : وروى ذلك الإمام ابن عساكر أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه دلالة على أن آسية ومريم وامرأةً أخرى سيكنّ أزواجاً لنبينا عليه الصلاة والسلام في الجنة، فقال في هذه الرواية ابن عباس رضي الله عنهما: قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأمنا خديجة عندما اقترب أجلها، قال لها: (إذا لقيت ضرائرك فبلغيهن مني السلام، قالت: وهل تزوجت أحداً قبلي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: لا، لكن الله وعدني أن يزوجني في الجنة مريم وآسية وكلثم أخت نبي الله موسى)، على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

وقال الإمام ابن كثير أيضاً: وروى ذلك أيضاً أبو يعلى عن أبي أمامة ، ثم قال الإمام ابن كثير : هذه الآثار كلها أسانيدها ضعيفة، ولا مانع أن يحصل هذا لنبينا عليه صلوات الله وسلامه.

إذاً لم يكمل من النساء إلا مريم وآسية وخديجة ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

ذكر الأحاديث المصرحة بتفضيل عائشة على سائر النساء

وتفضيل أمنا عائشة رضي الله عنها على سائر النساء كما فضل الثريد على سائر الطعام ورد من رواية عدةٍ من الصحابة الكرام عن نبينا عليه الصلاة والسلام، الرواية الأولى تقدمت عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، وروى ذلك الإمام أحمد والنسائي عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وبوب الإمام النسائي باباً في سننه يشير به إلى هذه القضية في كتاب النكاح، فقال: باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض، وسيأتينا أن هذا لا حرج فيه ولا محظور فيه، وليس هو من العدل الذي أمرنا به نحو النساء في حق من يعدد أكثر من زوجة، فلا يؤمر أن يعدل في حبه بين نسائه؛ لأن هذا متعلقٌ بقلبه، وقلبه بيد ربه جل وعلا، إنما هو مأمور بالعدل في أمرين اثنين لا ثالث لهما: في النفقة الواجبة، ثم في البيتوتة وهي القسم، وما عدا هذا يفعل الإنسان ما أحل الله له، ولا حرج عليه في كونه يحب هذه أكثر من تلك، وهذا حاصلٌ في حال الوالد مع أولاده، فلا يمكن لوالدٍ على وجه الأرض أن يستوي أولاده عنده في المحبة، لكنه منهيٌ أن يفضل بعضهم على بعض في العطاء وفي المال، أما أنه يحب بعض أولاده فهذا طبيعي، وقد أحب نبي الله يعقوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام ولده يوسف على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه أكثر من سائر أولاده، وهذا منصوصٌ عليه في القرآن.

والحديث رواه الإمام أحمد والشيخان أيضاً في الصحيحين، والترمذي في سننه وابن ماجه أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه ورواه الطبراني في الأوسط بسندٍ صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن قرة بن إياس ، وهو من الصحابة الأسياد رضوان الله عليهم أجمعين، ورواه الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف ، والرواية الأخيرة في إسنادها ضعف، لكن تتقوى بما تقدم من الروايات الكثيرة.

خلاف العلماء في المفاضلة بين عائشة وخديجة وفاطمة رضي الله عنهن

قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة أمنا عائشة رضي الله عنها في الجزء الثامن صفحة ثلاثٍ وتسعين: استدل كثيرٌ من العلماء ممن ذهب إلى تفضيل عائشة رضي الله عنها على أمنا خديجة رضي الله عنهن أجمعين بهذا الحديث على أن عائشة أفضل من خديجة ، ووجه الاستدلال كما يقول الإمام ابن كثير : أن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يقول: (ولم يكمل من النساء إلا ثلاث: مريم وآسية وخديجة ، ثم قال: وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، يقول الإمام ابن كثير : عندما قال: ( فضل عائشة على سائر النساء )، دخل فيه الثلاث المذكورات كما دخل غيرهن، فكل امرأةٍ تحمل هذا الوصف فأمنا عائشة تفضلها، أي: كل من كانت امرأة فأمنا عائشة أفضل منها.

أما موضوع الرجال فهذا موضوعٌ آخر، ونحن نوقن ونجزم أن والد عائشة رضي الله عنه أفضل من ابنته أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وإن كان هناك شذوذ كنت ذكرته في بعض المواعظ السابقة انفرد به ابن حزم ، ففضل أمهات المؤمنين على سائر الصحابة الطيبين من أبي بكر وغيره رضوان الله عليهم أجمعين، وقلت: سبب التفضيل عنده قياس غير سليم، مع أنه ألف كتاباً في إبطال القياس، وهذا من أعجب العجب، يؤلف كتاباً في إبطال القياس ثم يقيس. قيل له: لم تفضل؟ قال: لأن أمهات المؤمنين مع نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام في الجنة، وإذا كن معه في الجنة فدرجتهن أعلى من درجة أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين! فقيل له: في الحقيقة أنت تتعدى على الصنعة، تذكر القياس لكن لا تتقنه، قيل له: فهل تقول: إن أم رومان زوجة أبي بكر أفضل من عمر ؟ قال: لا، قال: نقضت قياسك؛ لأنك لا تتقن القياس أصلاً، فأم رومان مع أبي بكر رضي الله عنه، فينبغي أن تكون أفضل من عمر ، قال: إذاً ما الجواب؟ قال أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين: الجواب: أن المزية لا تقتضي الأفضلية، فـعائشة رضي الله عنها تمتاز على أبي بكر رضي الله عنه برفعة الدرجة يوم القيامة، ودرجتها أعلى من درجة أبي بكر ، لكن لا يلزم أن تكون أفضل منه، ولا يلزم أن تتمتع في الجنة بما يتمتع به أبو بكر بل هي دونه بكثير، وإن كانت في المنزلة أعلى منه، لكن في التفضيل هي دونه، فالمزية لا تقتضي الأفضلية، وهي إن كانت قد انفردت بهذه المزية، وفاقت على والدها بها؛ لكن هذا لاعتبارٍ ليس في ذاتها، بل لغيرها، وهي أنها صاحبة النبي عليه الصلاة والسلام، فرفعت لا لأنها تستحق تلك المكانة أصالةً إنما تبعاً، وأما أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فإن نزل عنها من ناحية الدرجة، فهو أفضل منها ويتمتع بما لا تتمتع به، ونسأل الله أن يمتعنا برضوانه في دار كرامته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية مواصلاً حديثه: ويعضد ذلك، أي: يقويه، وهو أن أمنا عائشة هي أفضل من خديجة ومن سائر النساء رضوان الله عنهن أجمعين ما رواه البخاري -والحديث الذي ذكره مرويٌ في المسند والصحيحين أيضاً وليس في البخاري فقط- عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( استأذنت هالة على النبي عليه الصلاة والسلام -و هالة هي بنت خويلد ، أخت خديجة رضي الله عنهن أجمعين- فعرف استئذان خديجة - وخديجة كانت ميتة رضي الله عنها، أي: عرف استئذان قريبةٍ لها، وأن صوت أختها يشبه صوت زوجته أمنا خديجة رضي الله عنهن أجمعين- فارتاع لذلك -أي: تغير عليه صلوات الله وسلامه، واعتراه فرحٌ ونشوةٌ، وصار لبه عليه الصلاة والسلام فرحاً بما يذكره بأمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها- فقال: اللهم هالةَ اللهم هالةُ )، بالنصب وبالرفع، فإن كان بالنصب فالتقدير: اللهم اجعلها هالة ، أي: هذه المستأذنة تكون أختاً لزوجي المتوفاة أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها، وإن كان بالرفع فالتقدير: اللهم هذه هالة ، فهي خبر لمبتدأ محذوف، يعني: يا الله! يا رب! اجعلها هالة، فأفرح بقدوم من يذكرني بحبيبتي وزوجتي الوصية الطيبة، أو هذه هالة فكيف لا أفرح؟! قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: فغرت، أي: اعترتها الغيرة التي تعتري النساء رضوان الله عليهن أجمعين، فغرت، فقلت: يا رسول الله، وما تذكر من عجوزٍ من عجائز قريشٍ حمراءُ الشدقين، وحمراء الشدقين بالجرّ نعت ووصف لهذه العجوز، أي: عجوز حمراء الشدقين، وبالرفع على القطع أي: ما تذكر من عجوز هي حمراء الشدقين، وبالنصب على الحال، أي: هي عجوزٍ حالة كونها حمراء الشدقين.

قال شيخ الإسلام الإمام النووي عليه رحمة الله: وتريد بذلك أن أسنان وأضراس أمنا خديجة سقطت، وإذا تكلمت لا ترى في جوف فمها وغار فمها إلا الحمرة؛ فلا يوجد بياضٌ للأسنان ولا للأضراس، وأمنا خديجة رضي الله عنها عندما توفيت زادت على الخامسة والستين في عمرها؛ لأن نبينا عليه الصلاة والسلام لما تزوجها كان عمرها أربعين سنة، وجلست مع النبي عليه الصلاة والسلام ثلثي المدة التي قضاها متزوجاً معها ومع سائر نسائه، وهي خمس وعشرون سنةً، فاجمع أربعين مع خمسٍ وعشرين يصبح المجموع خمساً وستين وزيادة، والنبي عليه الصلاة والسلام بقي متزوجاً مع نسائه ثمانيةً وثلاثين سنة؛ لأنه تزوج عليه الصلاة والسلام وعمره خمسٌ وعشرون سنة، فبقي مع أمنا خديجة خمساً وعشرين، ثم بعد ذلك تزوج عليه الصلاة والسلام، فسائر النساء لهن ثلاث عشرة سنة، وأما خديجة فلها ثلثا حياة النبي عليه الصلاة والسلام: خمسٌ وعشرون سنة ما اقترن معها غيرها وهي مع خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه، وبقية النسوة كلهن لهن ثلاث عشرة سنة، وخمسٌ وعشرون إذا حسبتها من ثمانٍ وثلاثين كانت قرابة الثلثين.

فقلت: ( ما تذكر من عجوزٍ حمراء الشدقين قد هلكت في الدهر، أي: هلكت فيما تقدم، قد أبدلك الله خيراً منها ).

قال الإمام ابن كثير : فأما ما يروى في هذا الحديث من الزيادة: ( والله ما أبدلني الله بخيرٍ منها ) فليس يصح سندها.

ثم قال الإمام ابن كثير : هذه الرواية تعضد الحديث المتقدم، بأن أمنا عائشة هي أفضل النساء. لم؟ قال: لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقر أمنا عائشة على كلامها وما أنكر عليها، وزيادة: (والله ما أبدلني الله بخيرٍ منها )، لا تصح. هذا على قول الإمام ابن كثير ، وسيأتينا التعليق على هذه الجملة إن شاء الله، فقال: إقرار النبي عليه الصلاة والسلام أمنا عائشة بأن الله قد أبدله خيراً منها، دليلٌ على تفضيل أمنا عائشة على خديجة رضي الله عنهن أجمعين، فقال: هذا ظاهرٌ في التقرير على أن عائشة رضي الله عنها أفضل من خديجة إما فضلاً وإما عشرةً، أي: إما هي أفضل عند الله، وإما في العشرة الزوجية؛ إذ لم ينكر عليها نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا رد عليها ذلك كما هو ظاهر سياق البخاري .

وحقيقةً عندما أقرأ هذا الكلام لهذا الإمام الهمام أتعجب من ذهول الإنسان، فالإمام ابن كثير بيده المباركة قرر أن هذه الزيادة ثابتة صحيحةٌ في ترجمة أمنا خديجة في الجزء الثالث صفحة مائة وثمان وعشرين كما سيأتينا، وهنا يقول: ما يذكر من الزيادة فلم يصح سندها، وهناك قرر أن هذه الزيادة صحيحة، وسنبين لكم من رواها إن شاء الله وهي صحيحةٌ كما قال أئمتنا، وإذا كانت صحيحةً فلا يستدل بهذا على ما يريده الإمام ابن كثير ، وعلى ما قاله بعض العلماء من أن هذا الحديث يدل على تفضيل أمنا عائشة على أمنا خديجة رضي الله عنهن أجمعين.

أما هذه الزيادة فهي ثابتةٌ في المسند في الجزء السادس صفحة مائة وثمان عشرة، ورواها أيضاً شيخ الإسلام الإمام الدُولابي بضم الدال، ويقال: الدَّولابي بالفتح وهو الأصل، والضم من باب التسهيل الدُولابي الدَولابي، له كتاب سماه الذرية الطاهرة النبوية، والكتاب صغير الحجم لكنه قيمٌ ونافع، والإمام الدولابي من الأئمة المتقدمين، توفي في السنة التي توفي فيها شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري ، في سنة عشرٍ وثلاثمائة، وقد رواها الإمام الطبراني أيضاً بأسانيد حسنة، ولفظ الرواية عندما قالت عائشة رضي الله عنها: (قد أبدلك الله خيراً منها، قال عليه الصلاة والسلام: والله ما أبدلني الله خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء)، فأنجبت له سائر الأولاد إلا

أما الأمر الأول في أحوال هذه الصديقة الطيبة المباركة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهو في فضلها؛ فهي أفضل الصديقات، ووالدها أفضل الصديقين عليهم جميعاً رضوان رب العالمين، وهي حبيبة حبيب رب العالمين، وزوجة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، وقد فضلها نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر النساء، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فداه نفسي وأبي وأمي، ففي المسند والصحيحين وسنن الترمذي -والحديث في أعلى درجات الصحة- من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: ( كمَل -بتثليث الميم كما قال علماء اللغة وشراح الحديث- من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، قوله: (كمل من الرجال كثير)، فالأنبياء لا يوجدون إلا في جنس الذكور، وعدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً كما سيأتينا في مبحث النبوة، أو لعله مر معنا في المبحث الثاني من مباحث النبوة، إذاً: أنبياء الله وصفوته من خلقه كاملون مكملون، وليس في النساء نبية، إنما غاية ما تصل إليه المرأة أن تكون صديقة، وهذه هي أعلى الرتب بعد رتبة النبوة، وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذه الرتبة في كتابه فقال: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75] ، وهي مريم بنت عمران عليها وعلى سائر الصديقات والصديقين الرحمة والرضوان.

إذاً: (كمل من الرجال كثير)، ففيهم أنبياء، وفيهم رسل، وفيهم صديقون وصالحون. قوله: ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، هذا من باب التمثيل على من حصل منها الكمال من النساء، ( وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ).

والحديث رواه ابن مردويه في تفسيره بسندٍ صحيح كما قال الحافظ الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الثالث صفحة تسعٍ وعشرين ومائة بزيادة أمنا خديجة في الشق الأول من الحديث، ولفظه: ( ولم يكمل من النساء إلا ثلاثٌ -أي: ثلاث نسوة-: مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ).

قال أئمتنا الأخيار في بيان حال هؤلاء النسوة اللاتي حصل فيهن الكمال: هؤلاء النسوة الثلاث كل واحدة منهن كفلت نبياً، وأحسنت إليه تمام الإحسان، أما آسية بنت مزاحم زوجة فرعون فقد كفلت كليم الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [القصص:9]، وأما مريم فقد كفلت نبي الله وروحه عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وأما خديجة فقد كفلت خير خلق الله نبينا محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فهؤلاء حقيقةً أكمل نسوة.

لكن هناك امرأةٌ فيها ميزة على سائر النساء ألا وهي أمنا الصديقة بنت الصديق ، ففضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، والثريد هو الطعام المكون من نوعين: من خبز البر واللحم الشهي، فإذا ثرد اللحم وطبخ وقطع الخبز، ووضع عليه مرق اللحم واللحم فيقال له: ثريد، وهذا أطيب أنواع الطعام؛ لأنه جمع أفضل الأقوات ألا وهو البر، وجمع سيد الإدام وهو اللحم.

قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد على نبينا صلوات الله وسلامه: الثريد طعامٌ يجمع غذاءً، وقوةً، ولذةً، وسهولةً في التناول، ولذيذ، وإذا أكلته له ميزة على غيره من الأغذية، فهو يكسبك القوة عن طريق ما فيه من اللحم، ثم مع هذا هو سريع التناول، سريع الأخذ والمضغ والدخول في الجوف؛ لأنه ثرد بمرق اللحم، وهذا الخبز لا يحتاج بعد ذلك إلى كلفة في تقطيعه بأسنانك، وحقيقةً هذا أطيب أنواع الأطعمة.

فإن قال قائل: أي هذين النوعين أفضل وأعز وأكثر: الخبز أو اللحم؟ فنقول: كل واحد له جهة تفضيل ينفرد بها، أما الخبز فالحاجة إليه أعم وأكثر، وأما اللحم فهو أجل وأفضل، والحال بين الخبز واللحم كالحال بين الحديد والذهب، فالحاجة إلى الحديد أكثر، لكن الذهب أغلى وأثمن، ولو لم يكن في الحياة حديد لكان فيها شيءٌ من الصعوبة، وقد أنزل الله الحديد فجعل فيه بأساً شديداً، وأما الذهب فيمكن للناس أن يستغنوا عنه، أما الحديد فإنه قوام الحياة، فالحديد أنفع وذاك أغلى، وكذلك اللحم أثمن لكن الخبز أنفع للناس، فالحاجة إليه أعم وأكثر.

و مريم وآسية ذكرتا مع أمنا خديجة وعائشة رضي الله عنهن أجمعين ورد في الآثار الضعيفة أنهما ستكونان زوجتين لنبينا عليه الصلاة والسلام في جنة النعيم، وعليه فهؤلاء النسوة كلهن من نساء نبينا عليه الصلاة والسلام، مريم البكر، وآسية الثيب، وبعد ذلك من دخل بهن في هذه الحياة من أمنا خديجة وأمنا عائشة رضي الله عنهن أجمعين، ذكر هذا المفسرون في تفسير قول الحي القيوم: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، قالوا: الثيبات إذا كان الإبدال سيكون في الآخرة، فهذا يكون في حق آسية زوجة فرعون، والأبكار في حق مريم عليهن وعلى سائر الصديقات والصديقين رضوان رب العالمين، وإذا حصل التبديل في الدنيا فسيحصل لكن هاتان المرأتان الصالحتان ستكونان لنبينا عليه الصلاة والسلام في الآخرة، وردت الآثار بذلك، لكن فيها ضعفٌ من حيث الإسناد، أوردها الإمام ابن كثير في تفسيره عند تفسير الآية المتقدمة. انظر تفسير الإمام ابن كثير في الجزء الرابع صفحة تسعين وثلاثمائة، ونسب الأثر إلى الإمام الطبراني وابن مردويه في تفسيره عن بريدة رضي الله عنه وهو من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ [التحريم:5]، حتى وصل إلى قول الله: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، قال: الثيب هي آسية ، والبكر هي مريم .

قال الإمام ابن كثير : وأخرج ابن عساكر أيضاً عن ابن عمر : (أن جبريل أتى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: بشر خديجة ببيتٍ في الجنة بين بيت آسية ومريم ).

قال الإمام ابن كثير : وروى ذلك الإمام ابن عساكر أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه دلالة على أن آسية ومريم وامرأةً أخرى سيكنّ أزواجاً لنبينا عليه الصلاة والسلام في الجنة، فقال في هذه الرواية ابن عباس رضي الله عنهما: قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأمنا خديجة عندما اقترب أجلها، قال لها: (إذا لقيت ضرائرك فبلغيهن مني السلام، قالت: وهل تزوجت أحداً قبلي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: لا، لكن الله وعدني أن يزوجني في الجنة مريم وآسية وكلثم أخت نبي الله موسى)، على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

وقال الإمام ابن كثير أيضاً: وروى ذلك أيضاً أبو يعلى عن أبي أمامة ، ثم قال الإمام ابن كثير : هذه الآثار كلها أسانيدها ضعيفة، ولا مانع أن يحصل هذا لنبينا عليه صلوات الله وسلامه.

إذاً لم يكمل من النساء إلا مريم وآسية وخديجة ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.