شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الرحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

ذكرنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما، الذي رواه الترمذي عليه رحمة الله، في أول باب من أبواب الطهارة، وهو أول حديث في جامعه، ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول )، وفي لفظ: ( لا تقبل صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول )، وتقدم معنا ضبط اللفظين، عن شيخي الترمذي : قتيبة بن سعيد ، وهناد بن السري عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.

وآخر مبحث من مباحث هذا الحديث الشريف هو قول الترمذي : هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وتقدم معنا أن الحديث حسن، ولتعدد طرقه وشواهده يرتقي إلى درجة الصحة، فالحكم عليه بالصحة صحيح، وحق وصواب، لكن قول الترمذي : إن هذا الحديث هو أصح شيء في هذا الباب، قلنا: حول هذا مؤاخذةٌ لطيفة، ووقفةٌ يسيرة، ينبغي أن نعيها، فحديث ابن عمر رضي الله عنهما خرجه مسلم ، ولم يخرجه البخاري ، وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي في قوله: وفي الباب، أخرجه البخاري ومسلم ، وعليه فهو أعلى درجة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، وعليه فقول الترمذي : هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، لو اقتصر على قوله رحمه الله: هذا حديث حسن صحيح لكان أولى، وبينت هذا كما قلت.

وتقدم معنا أن حديث ابن عمر أخرجه أحمد في المسند، ومسلم في صحيحه، ورواه ابن ماجه والترمذي، وقلنا: إن ما قاله المجد ابن تيمية عليه رحمات رب البرية في المنتقى من أن الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري ، وأقره على ذلك الشوكاني ، ووافقهم عليه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي عليهم جميعاً رحمة الله؛ فـأبو داود لم يخرج الحديث، ولا النسائي ، كما تقدم معنا.

وأما حديث أبي هريرة والذي رجح الترمذي حديث ابن عمر عليه، مع أن حديث أبي هريرة هو أقوى من حديث ابن عمر ، فلفظه: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ )، ( لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ ) أخرجه الشيخان في صحيحيهما، ورواه أبو داود، والترمذي ، عليهم جميعاً رحمة الله، وهو أقوى من حديث ابن عمر ، وحديث ابن عمر ليس على شرط البخاري من وجوه كما تقدم معنا ففيه سماك بن حرب ، وقد قلنا: إن البخاري لم يخرج له، وهو صدوق، وإنما خرج له تعليقاً، أما أنه خرج له ضمن رجال أسانيد أحاديثه فلا، فليس هو على شرط البخاري ، ولا من رجال البخاري في الصحيح، نعم هذه الجملة وهذا الجزء من هذا الحديث: ( لا تقبل صلاة بغير طهور ) جعلها الإمام الترمذي ترجمة للباب الأول فقال: باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، وهذه الترجمة -التي هي جزء من هذا الحديث الشريف- جعلها البخاري عليه رحمة الله ترجمةً لباب عنده في أبواب الطهارة، بما أن الحديث لم يصح على شرطه، ثم دلل عليه بحديث أبي هريرة ، ففي كتاب الطهارة من صحيح البخاري ، يقول البخاري : بابٌ: لا تقبل صلاة بغير طهور، وهذه نفس ترجمة الترمذي ، وهو نص حديث النبي عليه الصلاة والسلام، لكن أورد البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ )، ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ( لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، فقال رجل من أهل حضرموت لـأبي هريرة رضي الله عنه: ما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال: فساء، أو ضراط )، وبينت لماذا اقتصر أبو هريرة على بيان الحدث بهذين الأمرين؟

قال الحافظ ابن حجر : هذه الترجمة (لا تقبل صلاة بغير طهور) كما في الفتح في الجزء الأول، صفحة: (234)، هي لفظ حديثٍ أخرجه الإمام مسلم وغيره عن ابن عمر ، وأخرجه أبو داود وغيره عن أبي المليح عن أبيه كما سيأتينا هنا، وفي الباب عن أبي المليح ، أخرج هذه الرواية أبو داود ، وأخرجها الترمذي ، فلفظ الترجمة مأخوذ من حديث ابن عمر ، ومن حديث أبي المليح عن أبيه.

قال ابن حجر : وله طرق كثيرة، لكن ليس فيها شيءٌ على شرط البخاري ، أي: أنه لا يوجد طريق من طرق حديث ابن عمر على شرط البخاري ، فلهذا -يقول الحافظ ابن حجر -: اقتصر البخاري على ذكره في الترجمة، وأورد في الباب ما يقوم مقامه، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في الصحيحين، وسنن الترمذي ، وأبي داود .

وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، قوله: (يتوضأ) يدخل في لفظ الوضوء التيمم؛ لأن الوَضوء -بفتح الواو- شاملٌ لما يُتطهر به من ماءٍ، أو تراب، وهذا ما أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام، كما في سنن النسائي ، وصحيح ابن حبان ، من رواية أبي ذر رضي الله عنه -قال الحافظ في الفتح: إسنادُ الحديث قوي- قال صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب وَضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين )، الصعيد الطيب هو: ما صعد على وجه الأرض من تراب أو رمل، ( الصعيد الطيب وَضوء المسلم )، يعني: حكمه حكم الماء، فالماء يُتوضأ به، والتراب يتيمم به، ( وَضوء -بفتح الواو- المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين )، وفي رواية في مسند البزار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( الصعيد وضوء المسلم، ما لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خيراً له ).

إذاً: قوله: (حتى يتوضأ) يدخل في الوضوء التيمم، والوَضوء -بفتح الواو- شامل للماء الذي يتوضأ به، وبالتراب الذي يتوضأ به في اصطلاح الشرع.

إذاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أقوى من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، نعم الأحاديث كلها صحيحة، ولكنها تتفاوت في درجات الصحة.

تقدم معنا أن أرفع الصحيح وأعلاه: ما اتفق عليه الشيخان، ثم ما أخرجه البخاري ، ثم ما أخرجه مسلم ، ثم ما كان على شرط البخاري وحده، ثم ما كان على شرط مسلم ، ثم ما كان صحيحاً ولم يكن على شرط واحدٍ منهما، مما صححه الإمام الترمذي ، أو أبو داود ، أو الحاكم ، أو غيرهم من أئمة الإسلام، والعلم عند الله.

قال الناظم:

وأرفع الصحيح مرويهما ثم البخاري فمسلم فما

شرطهما حوى فشرط الجعفي فمسلم فشرط غير يكفي

والمقصود بالجعفي البخاري رحمه الله.

وقول الترمذي -وآخر شيءٍ نختم به الكلام على حديث ابن عمر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين: وفي الباب عن أبي المليح ، عن أبيه.

إذاً: هنا عندنا حديث ينبغي أن نخرجه، رواية أبي المليح ، عن أبيه، وأبي هريرة ، وأنس .

ترجمة أبي المليح

وأبو المليح بن أسامة اسمه عامر ، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي .

إذاً: أبو المليح اسمه كما قال الترمذي : عامر ، أو زيد ، وقيل أيضاً: زياد ، فصار معنا ثلاثة أسماء له، اختلف في تعيين واحدٍ منها: عامر ، زيد ، زياد ، قال الحافظ في ترجمته: ثقة من الثالثة، أخرج حديثه الجماعة، أهل الكتب الستة.

وأبو المليح تابعي، روى عن أبيه.

ترجمة أسامة بن عمير الهذلي

وأبوه أسامة بن عمير الهذلي .

قاله الترمذي ، قال الحافظ في التقريب: أسامة بن عمير الهذلي البصري ، صحابي تفرد ولده بالرواية عنه، أخرج حديثه أهل السنن الأربعة فقط، ولذلك رمز له بعين صغيرة، وليس ع التي للجماعة فهذه تكون مدورة، وتلك تكون صغيرة يمدها بشكل مستقيم، ثمُ ينزلها أيضاً بشكل مستقيم، كما يفعل أحياناً الذهبي في الكاشف يكتب أربعة صغيرة، ثم يمدها بشكل مستقيم، وينزلها بشكل مستقيم، إشارة إلى أنه أخرج حديثه أهل السنن الأربعة.

والصحابي لا يحتاج إلى توثيق، لكن أين يوجد حديثه؟ من خرج حديثه من أهل الكتب الستة؟ أخرج حديثه أهل السنن الأربعة، وما خرجه أحدٌ من أصحاب الصحيحين؛ لأن رواية أسامة -كما قلنا- لا توجد في أحد الصحيحين، ليس له رواية على الإطلاق.

إذاً: رواية أبي المليح كما قلنا: عامر ، أو زيد ، أو زياد ، من أخرجها؟ أخرجها أبو داود ، والإمام النسائي ، وابن ماجه ، وأخرجها الإمام الترمذي ، مشيراً إليها بقوله: وفي الباب، وللإمام الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله كتاب سماه اللباب في قول الترمذي : وفي الباب، ليس عندنا خبر عن هذا الكتاب، والكتاب يبين فيه الحافظ هذه الروايات ومن أخرجها من أئمة الحديث.

وأخرجها أبو عوانة الإسفرائيني ، وأخرجها الإمام أبو داود الطيالسي ، بإسناد صحيح، ولفظ الحديث: ( لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور )، يعني: ليس فيه إلا تقديم الشق الثاني على الأول، عند أبي داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأبي عوانة ، وأبي داود الطيالسي ، عليهم جميعاً رحمة الله، هذه رواية أبي المليح ، عن أبيه أسامة بن عمير الهذلي ، الوالد صحابي، والولد تابعي عليهم جميعاً رحمة الله.

تخريج رواية أنس رضي الله عنه لحديث: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور...)

وأما الرواية الأخيرة: فهي رواية أنس أخرجها ابن ماجه ، في كتاب الطهارة حديث رقم: (273)، وأبو يعلى ، كما في مجمع الزوائد في الجزء الأول، صفحة: (227)، ولفظ الحديث: ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول )، بلفظ حديث ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

وأما الإمام البخاري فاقتصر على هذه الأحاديث الثلاثة بعد حديث ابن عمر فأشار إليها.

قال الترمذي: وفي الباب عن أبي المليح ، عن أبيه، وعن أبي هريرة ، وعن أنس ، يعني: يوجد ثلاثة أحاديث أخرى بمعنى حديث عبد الله بن عمر -وليست بنفس اللفظ- يعني: تدل على أن الله لا يقبل صلاة إلا بطهارة.

وأبو المليح بن أسامة اسمه عامر ، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي .

إذاً: أبو المليح اسمه كما قال الترمذي : عامر ، أو زيد ، وقيل أيضاً: زياد ، فصار معنا ثلاثة أسماء له، اختلف في تعيين واحدٍ منها: عامر ، زيد ، زياد ، قال الحافظ في ترجمته: ثقة من الثالثة، أخرج حديثه الجماعة، أهل الكتب الستة.

وأبو المليح تابعي، روى عن أبيه.

وأبوه أسامة بن عمير الهذلي .

قاله الترمذي ، قال الحافظ في التقريب: أسامة بن عمير الهذلي البصري ، صحابي تفرد ولده بالرواية عنه، أخرج حديثه أهل السنن الأربعة فقط، ولذلك رمز له بعين صغيرة، وليس ع التي للجماعة فهذه تكون مدورة، وتلك تكون صغيرة يمدها بشكل مستقيم، ثمُ ينزلها أيضاً بشكل مستقيم، كما يفعل أحياناً الذهبي في الكاشف يكتب أربعة صغيرة، ثم يمدها بشكل مستقيم، وينزلها بشكل مستقيم، إشارة إلى أنه أخرج حديثه أهل السنن الأربعة.

والصحابي لا يحتاج إلى توثيق، لكن أين يوجد حديثه؟ من خرج حديثه من أهل الكتب الستة؟ أخرج حديثه أهل السنن الأربعة، وما خرجه أحدٌ من أصحاب الصحيحين؛ لأن رواية أسامة -كما قلنا- لا توجد في أحد الصحيحين، ليس له رواية على الإطلاق.

إذاً: رواية أبي المليح كما قلنا: عامر ، أو زيد ، أو زياد ، من أخرجها؟ أخرجها أبو داود ، والإمام النسائي ، وابن ماجه ، وأخرجها الإمام الترمذي ، مشيراً إليها بقوله: وفي الباب، وللإمام الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله كتاب سماه اللباب في قول الترمذي : وفي الباب، ليس عندنا خبر عن هذا الكتاب، والكتاب يبين فيه الحافظ هذه الروايات ومن أخرجها من أئمة الحديث.

وأخرجها أبو عوانة الإسفرائيني ، وأخرجها الإمام أبو داود الطيالسي ، بإسناد صحيح، ولفظ الحديث: ( لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور )، يعني: ليس فيه إلا تقديم الشق الثاني على الأول، عند أبي داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأبي عوانة ، وأبي داود الطيالسي ، عليهم جميعاً رحمة الله، هذه رواية أبي المليح ، عن أبيه أسامة بن عمير الهذلي ، الوالد صحابي، والولد تابعي عليهم جميعاً رحمة الله.

وأما الرواية الأخيرة: فهي رواية أنس أخرجها ابن ماجه ، في كتاب الطهارة حديث رقم: (273)، وأبو يعلى ، كما في مجمع الزوائد في الجزء الأول، صفحة: (227)، ولفظ الحديث: ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول )، بلفظ حديث ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

وأما الإمام البخاري فاقتصر على هذه الأحاديث الثلاثة بعد حديث ابن عمر فأشار إليها.

قال الترمذي: وفي الباب عن أبي المليح ، عن أبيه، وعن أبي هريرة ، وعن أنس ، يعني: يوجد ثلاثة أحاديث أخرى بمعنى حديث عبد الله بن عمر -وليست بنفس اللفظ- يعني: تدل على أن الله لا يقبل صلاة إلا بطهارة.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4042 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3975 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3904 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3785 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3784 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3769 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3565 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3481 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3462 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [59] 3413 استماع