خطب ومحاضرات
مباحث النبوة - وصف الحور العين في الكتاب والسنة [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إخوتي الكرام! لازلنا نتدارس الحكمة من مشروعية النكاح ومقاصده الأساسية، وتقدم معنا أن الحكمة من مشروعيته تدور على خمسة أمور:
أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية، حسية كانت أو معنوية.
وثانيها: إنجاب الذرية التي تعبد رب البرية.
وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منها لصاحبه، ومساعدته عليه في نفقته، ومساعدته في نفقته.
والحكمة الرابعة: تذكر لذة الآخرة.
وآخر الحكم وخاتمتها: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل زوجه وأقاربه.
وكنا نتدارس الحكمة الرابعة من هذه الحكم ألا وهي: تذكر لذة الآخرة، وتقدم معنا أن أعظم لذائذ بني آدم في هذه الحياة من المشتهيات المحسوسات لذة النكاح، وهذه اللذة التي هي أعظم اللذات الحسية تقدم معنا أن فيها آفات ونقصاً كثيراً في هذه الحياة، ومع ذلك تتعلق بها النفس وترغب فيها، فإذا كان الإنسان عاقلاً ينبغي أن يتعلق بهذه اللذة وأن يرغب فيها في الدار الآخرة، فهناك لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والكمال هناك فيها وفي سائر الشهوات التي يتمتع بها الإنسان، نسأل الله أن يمن علينا برضوانه وبدار كرامته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
تقدم معنا أن الله شوقنا في كتابه إلى نساء أهل الجنة، كما شوقنا نبينا صلى الله عليه وسلم في حديثه إليهن، فوصف نساء أهل الجنة في الكتاب والسنة بأوصاف تتعلق بها نفوس العقلاء، تتعلق بها النفوس الكريمة الطاهرة، وتقدم معنا أن كثيراً من الصالحين كانوا يرون أزواجهم من الحور العين في المنام من كثرة تعلقهم بهن، تقدم معنا أنه حصل هذا لـأبي سليمان الداراني ، وحصل لعبد صالح من تلاميذ الشيخ منصور بن عمار ، وحصل هذا لعدد من الصالحين منهم صحابي أو تابعي، العلم عند الله لم يسم، لكن خبره ثابت بإسناد حسن في كتاب الزهد للإمام هناد بن السري ، وانظروه في الجزء الأول صفحة تسع وخمسين، ورواه شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد، ورواه أبو بكر الشافعي في فوائده، وهو -كما قلت- إسناده حسن.
وخلاصة الأثر: عن شيخ الإسلام ثابت بن أسلم البناني، وهو ألصق الناس بسيدنا أنس بن مالك خادم نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، يقول ثابت بن أسلم البناني :كنت مع أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، فجاء ولده أبو بكر من الغزو، فحدث والده بقصة غريبة فقال: إن صاحبنا -وهذا هو الذي لم يسم، هل هو صحابي أو من التابعين؟ العلم عند الله- إن صاحبنا -أي الذي تعرفه ولم يذكر اسمه- بينا نحن في الغزو صاح: وا أهلاه! وا أهلاه! قال: فاجتمعنا عليه وظننا أنه طرأ عليه طارئ، فقلنا: ما لك؟ قال: كنت أعزم في نفسي ألا أتزوج في هذه الحياة، وأطلب من ربي أن يزوجني من الحور الحسان في نعيم الجنات، وكنت أتمنى أن أستشهد وأتعجل الشهادة ليعطيني الله أمنيتي، فدخلت معارك وغزوات كثيرة، وما قدر الله لي الشهادة، ففي هذه الغزوة التي أنا معكم فيها لما طال علي الوقت ولم أرزق الشهادة، عزمت أنني إذا رجعت إلى بلدي أن أتزوج، فنمت القيلولة وإذا بإنسان يوقظني في النوم ويقول: أنت الذي عزمت أن تتزوج إذا قفلت ورجعت من الغزو؟ قلت: نعم، قال: قم حتى نزوجك العيناء الجميلة الحسناء، قال: فذهبت معه، فمررت على روضة معشبة فيها عشر جوار من النساء الحسان، يقول: ما رأيت مثلهن في الحسن والجمال، فقلت لهن: فيكن العيناء؟ قالوا: نحن من خدمها، والعيناء أمامك، تقدم، يقول: فأتيت على روضة أخرى معشبة أكثر من الأولى، وفيها عشرون جارية، ما حسن العشر إليهن بشيء إذا قيس حسن أولئك إلى العشرين الجواري الأخريات، فقلت: فيكن العيناء؟ قالوا: نحن من خدمها، والعيناء أمامك، تقدم، يقول: فإذا بروضة معشبة فيها من الخضرة والجمال ما ليس في الروضة الأولى والثانية، وفيها أربعون جارية، ما حسن العشر والعشرين إليهن بشيء، فقلت: فيكن العيناء؟ قالوا: نحن من خدمها، والعيناء أمامك، يقول: فتقدمت وإذا بحجرة من ياقوتة مجوفة عليها امرأة ما رأيت مثل حسنها، قد فضل جنباها عن السرير من حسنها وسمنها، قال: فمددت يدي إليها، فقالت: أوه، لا زال فيك روح، تمد يدك إلي وفيك روح، أنت سوف تمد يدك إلي بعد أن تنتقل إلى الآخرة، ثم قالت له: يا عبد الله! فطورك الليلة عندنا، ستفطر هذه الليلة عندنا، يقول: فاستيقظ الرجل فبدأ يقول: وا أهلاه! وا أهلاه!
قال: فبينا هو يحدثنا بحديثه نادى أمير الجيش: يا خيل الله اركبي، لمقابلة الأعداء، قال: فركبنا وبدأنا نتسابق على خيولنا في مقاتلة أعداء الله جل وعلا، يقول: فلما غربت الشمس، وأنا أنظر إليه وإلى غروب الشمس أيهما سيذهب قبل صاحبه؟ لأنها قالت له: سيفطر عندها، قال: فندر رأسه وقتل في سبيل الله قبل أن تغرب الشمس، فقال أنس لولده أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين: رحمه الله، رحمه الله.
حقيقة إذا كان الإنسان يتعلق بهذه اللذة المحفوفة بالأكدار والأخطار والشوائب والنواقص والنقائص، فينبغي أن يتعلق بتلك الشهوة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والأثر -كما قلت إخوتي الكرام- مروي في هذه الكتب وإسناده حسن عن شيخ الإسلام ثابت بن أسلم البناني ، عن ولد سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين.
إخوتي الكرام! تقدم معنا وصف نساء أهل الجنة الحسان في آيات القرآن، وأنه مطهرات في خلقهن وأخلاقهن، كما استعرضنا بعد ذلك شيئاً من أواصفهن في أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام، وآخر ما ذكرته في الموعظة الماضية حديث سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وتقدم معنا تخريجه، وقلت: إنه روي مرفوعاً وموقوفاً، وبعد أن ذكرت لفظه أعيده الآن، وأما تخريجه فقد تقدم في المواعظ الماضية، لكن سأذكر أيضاً شواهد لهاتين الروايتين المرفوعة والموقوفة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
حديث ابن مسعود: (إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة...)
هذا الأثر تقدم معنا -إخوتي الكرام- ذكره في آخر الموعظة الماضية، وقلت: إنه روي موقوفاً على عبد الله بن مسعود ، ومرفوعاً إلى نبينا المحمود عليه صلوات الله وسلامه.
إخوتي الكرام! أما الرواية الموقوفة فتقدم معنا من خرجها بذلك اللفظ، لكن رويت بألفاظ أخرى، رواها شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك أيضاً في كتاب الزهد، انظروها في صفحة أربع وسبعين، وهي في معجم الطبراني الكبير كما في مجمع الزوائد في الجزء العاشر صفحة ثماني عشرة وأربعمائة، ورواها شيخ الإسلام عبد الرزاق في مصنفه في الجزء الحادي عشر صفحة أربع عشرة وأربعمائة، وهذه رواية موقوفة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه بمعنى الرواية المتقدمة، ولفظها: ( إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء ).
رواية عمرو بن ميمون الأودي: (... لكل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء اللحم والحلل)
ومن مناقبه كما في طبقات ابن سعد في الجزء السادس صفحة ثماني عشرة ومائة: أن هذا العبد الصالح -أعني عمرو بن ميمون الأودي- كان إذا رئي ذكر الله جل وعلا، إذا رآه الناس يذكرون الله، رؤيته تذكر بالله، وكنت ذكرت في بعض المواعظ الماضية أن عدداً من أئمتنا نعتوا بذلك، منهم شيخ الإسلام الإمام محمد بن سيرين ، وهكذا الحسن البصري ، ومنهم عمرو بن ميمون الأودي ، وتقدم معنا أن شيخ الإسلام ابن سيرين كان إذا دخل السوق ترك أهل السوق أعمالهم وذكروا ربهم عندما يرون نور وجهه وما فيه من خشية وبهاء وجمال.
فعمرو بن ميمون الأودي نقل عنه مثل ذلك الأثر موقوفاً عليه، وكما قلت: هذا لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع، لكن هناك رواية موقوفة لها حكم الرفع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وهنا رواية موقوفة لها حكم الرفع لكنها مرسلة ليست متصلة؛ لأنه تابعي، والمخضرم هو في عداد التابعين، لكن أطلق عليه هذا اللفظ لرفعه عن رتبة التابعين، ونزوله عن درجة الصحابة، من أجل أن يتميز عن التابعين قليلاً؛ لأنه عاصر الزمن الذي كان فيه نبينا عليه الصلاة والسلام، فعاش في عصر النور، لكنه لم ير النبي عليه الصلاة والسلام، فقيل له: مخضرم، وأما التابعي فما أدرك النبي عليه الصلاة والسلام لكنه رأى الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
وروي أيضاً ذلك الأثر مرفوعاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه بلفظ آخر في غير الكتب المتقدمة، رواه البزار والطبراني في معجمه الكبير والأوسط، ورواه الإمام البيهقي في كتاب البعث، انظروه في صفحة وسبعين مائة، ورواه شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق، وإسناد الأثر صحيح، قال شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين وخمسمائة: إسناد الطبراني صحيح، وإسناد البيهقي حسن.
وقال شيخ الإسلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح في صفحة تسع وثلاثين ومائة: إسناد الطبراني على شرط الصحيح. وهذا ما حكم به الإمام المنذري حيث قال: إسناد الطبراني صحيح، وإسناد البيهقي حسن، وهنا الإمام ابن القيم يقول: إسناد الطبراني على شرط الصحيح، والحديث مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، ولفظه: ( إن أول زمرة يدخلون الجنة -أول طائفة- كأن وجوههم القمر )، وفي رواية: ( كأن وجوههم ضوء القمر )، قمر منير بدر مشرق، كأن وجوههم ضوء القمر، كأن وجوههم القمر ليلة البدر، كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر.
( والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري -أي: مضيء منير- في السماء، لكل منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وحللهما -ترى مخ الساقين من وراء اللحم ومن فوق الحلل- كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء ) وهذا من كلام نبينا خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه.
انظر لهذا الحسن وهذا الجمال الذي جعله الله في نساء أهل الجنة، (لكل واحد منهم زوجتان) وسيأتينا عدد ما يكون لأهل الجنة من زوجات -إن شاء الله- ضمن خطوات البحث، وأستعرض كلام الحافظ ابن حجر وكلام الإمام ابن القيم عليهم جميعاً رحمة الله، وأبين ما يظهر لي في هذا الأمر، ( لكل منهم زوجتان، على كل واحدة سبعون حلة )، ومع ذلك ترى مخ الساقين من وراء اللحم ومن فوق الحلة، وأيضاً هم في صورة بهية مشرقة، الواحد منهم ضوءه كضوء القمر، أو كضوء أحسن كوكب دري في السماء، نسأل الله أن يمن علينا بذلك إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
حديث أبي سعيد الخدري: (... لكل امرئ منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من ورائها)
رواية أبي سعيد رواها الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن وقال: هذا إسناد حسن صحيح، ورواها البغوي في شرح السنة، ورواها أبو الشيخ في كتاب العظمة، انظروها صفحة واحدة وستين ومائتين، وهي أيضاً في معجم الطبراني الأوسط، وكتاب المصنف للإمام ابن أبي شيبة في الجزء الثالث عشر صفحة عشرين ومائة، ورواها البيهقي في البعث في المكان المتقدم سبع وتسعين ومائة، ورواها أبو نعيم في كتاب صفة الجنة، والحديث كما قلت: من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، وقلت: هو قريب من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
ولفظ حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة على مثل ضوء القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على مثل أحسن كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من ورائها )، يعني: من وراء هذه الحلل الكثيرة التي هي سبعون حلة، بمثل رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين تماماً، لكن اختلف الصحابي الراوي، وهذا يزيدنا وثوقاً واطمئناناً إلى أن هذا منقول عن نبينا عليه الصلاة والسلام وثابت عنه.
ذكر روايات أبي هريرة في أن الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء اللحم
ولفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة )، وهي العود، المجامر التي يتطيبون بها رائحة العود، لكنها من عود الجنة لا من عود الأرض، هذه مجامرهم التي يتجمرون بها، ويتبخرون بها، قال: ( أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد )، يعني صورتهم واحدة، وسيأتينا أن طول الواحد منهم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع على خلق أبيهم آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، كما أن النساء أيضاً على خلقة واحدة، إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:35-37]، أي: أمثالاً متساويات كما تقدم معنا، ( على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء ) ، هذا الطول، والعرض سبعة أذرع، هذا طول الرجل، والمرأة فيها من الحسن ما تقدم معنا.
وفي رواية: قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد )، فكما أن خلقهم على صورة رجل واحد، فقلوبهم على قلب رجل واحد، تساووا في الخلق وفي الخلق، في المظهر وفي المخبر، ولذلك لا تتطلع المرأة إلى رجل آخر، والرجل لا يتطلع إلى غير ما عنده، ( قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً )، وهذه الروايات كما قلت في الصحيحين وغيرهما.
وفي رواية أخرى في الصحيحين: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب واحد، لا تباغض بينهم ولا تحاسد، لكل امرئ زوجتان من الحور العين، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم )، وفي رواية لـمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل )، وفيه قال ابن أبي شيبة : ( على خلْق رجل واحد )، وقال أبو كريب : ( على خلُق رجل واحد )، واجمع بين الأمرين، فهم على خلْق رجل واحد في الصورة، وهم على خلُق رجل واحد في المعنى، ولذلك الرواية الأولى: على خلُق رجل واحد، وعلى قلب رجل واحد، وإذا كانوا على قلب رجل واحد، فهم على خلْق رجل واحد، فالخلق استووا فيه، والخلق أيضاً تماثلوا فيه واستووا فيه.
وفي رواية أخرى من رواية شيخ الإسلام محمد بن سيرين قال: إما تفاخروا وأما تذاكروا عند أبي هريرة رضي الله عنه: الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ وسيأتينا الكلام على هذه الرواية عند الكلام على الحكمة من التعدد، وسيأتينا هناك أن نسبة النساء أكثر من الرجال في الدنيا وفي الآخرة، في الجنة وفي النار، عدد المؤمنات في الجنة أكثر من عدد المؤمنين، وعدد الكافرات في النار أكثر من عدد الكافرين، ونسبة النساء في كل عصر تزيد على نسبة الرجال في الحياة الدنيا، فهن أكثر أهل الدنيا، وهن أكثر أهل الجنة، وهن أكثر أهل النار، كما سيأتينا هذا إن شاء الله.
قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا عند أبي هريرة رضي الله عنه: الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان )، إذن النساء أكثر من الرجال، فإنه لكل امرئ منهم زوجتان، هذا أقل ما يحصل، وهذا بعدما يضم إليه من الحور العين ما لا يعلمه إلا رب العالمين.
وهاتان الزوجتان ذهب الحافظ إلى أنهما من أهل الدنيا، أي: كل واحد له زوجتان من نساء أهل الدنيا، ومن أخذ أكثر لا ينقص نصيبه، من كان عنده أربع لا يفرق بينه وبين زوجتين من أزواجه في الجنة، لكن لكل واحد زوجتان اثنتان من نساء أهل الدنيا، قال: ( يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب )، فكل واحد له زوجتان، وسيأتينا أن الحافظ ابن حجر يقول: لكل واحد زوجتان من نساء أهل الدنيا، وله بعد ذلك ما شاء من الحور الحسان، وعليه فما ورد: له اثنتان وسبعون، له سبعون.. ونحو ذلك، يقول: اثنتان من نساء أهل الدنيا، والزائد من الحور، وللإمام ابن القيم رأي آخر أذكره إن شاء الله وألقي الضوء عليهما بعون الله عند مجيء ذكر هذا العدد.
إذاً: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه الذي تقدم معنا له شواهد متعددة بمعناه من رواية عدة من الصحابة، من رواية أبي سعيد رضي الله عنه وأرضاه، ومن رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وروي أيضاً موقوفاً على عمرو بن ميمون الأودي رضي الله عنهم أجمعين.
تقدم معنا لفظ الحديث من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وموقوفاً عليه، ولذلك حكم الرفع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها ) مخ ساقها يرى من فوق سبعين حلة، ( وذلك لأن الله يقول: كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58]، فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم اطلعت لرأيته من ورائه )، وهكذا الحوريات الحسان يلبسن هذه الحلل الجميلة، ولشدة جمالهن وصفائهن يرى مخ ساقها من فوق سبعين حلة، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.
هذا الأثر تقدم معنا -إخوتي الكرام- ذكره في آخر الموعظة الماضية، وقلت: إنه روي موقوفاً على عبد الله بن مسعود ، ومرفوعاً إلى نبينا المحمود عليه صلوات الله وسلامه.
إخوتي الكرام! أما الرواية الموقوفة فتقدم معنا من خرجها بذلك اللفظ، لكن رويت بألفاظ أخرى، رواها شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك أيضاً في كتاب الزهد، انظروها في صفحة أربع وسبعين، وهي في معجم الطبراني الكبير كما في مجمع الزوائد في الجزء العاشر صفحة ثماني عشرة وأربعمائة، ورواها شيخ الإسلام عبد الرزاق في مصنفه في الجزء الحادي عشر صفحة أربع عشرة وأربعمائة، وهذه رواية موقوفة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه بمعنى الرواية المتقدمة، ولفظها: ( إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء ).
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مباحث النبوة - الرضاعة حق للطفل | 3297 استماع |
مباحث النبوة - أزواج المؤمنين في جنات النعيم | 3252 استماع |
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [1] | 3230 استماع |
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1] | 3207 استماع |
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [3] | 3166 استماع |
مباحث النبوة - صفات النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخلُقاً | 3152 استماع |
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [2] | 3121 استماع |
مباحث النبوة - كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده | 3095 استماع |
مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [1] | 3005 استماع |
مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة | 2951 استماع |