فقه المواريث - كيفية توريث ذوي الأرحام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس المبحث الثاني من توريث ذوي الأرحام وهو أقوال علمائنا الكرام في توريث ذوي الأرحام، وتقدم معنا أن الأقوال تنقسم إلى قولين إجمالاً وإلى ثلاثة تفصيلاً، تقدم معنا القول الأول بأدلته، وهو قول الحنفية والحنابلة عليهم جميعاً رحمة الله: أن ذوي الأرحام يرثون إذا لم يوجد عاصب ولا صاحب فرض من النسب، ويقدم إرثهم على بيت المال، وانتهينا من الأدلة التي تدل على هذا من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأقوال السلف الطيبين من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.

وشرعنا في مدارسة القول الثاني الذي قال به الإمام مالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله: أن ذوي الأرحام لا يعتبرون من الورثة، والمتأخرون بعد ذلك من الشافعية والمالكية قالوا: إذا لم ينتظم بيت المال يعتبرون من الورثة، أما إذا انتظم فلا يعتبر ذوو الأرحام من الورثة، فهذا بالاتفاق بين المتقدمين من الشافعية والمالكية والمتأخرين، وقلت: استدلوا أيضاً على ذلك بعمومات كما تقدم معنا منها:

أن عموم قول الله جل وعلا: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] قالوا: إنه مقيد، فآيات المواريث حصرت الإرث في من ذكر إرثهم من القرابات وذوي الأرحام، واستدلوا أيضاً بعمومات في الأحاديث دون أن تكون تلك الأحاديث في خصوص ذوي الأرحام: (إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث).

ولهم خاصة -كما قلت- تقوم على أمرين: على الأحاديث، وعلى الآثار عن الصحابة والتابعين، هذه الأحاديث انتهينا منها إخوتي الكرام! وخلاصتها: أنه لا إرث للعمة والخالة، وأن جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام سار نبينا الجليل بأنه لا إرث لهما.

تقدمت معنا الأحاديث، وكنت أجيب على هذه الأحاديث بثلاثة أجوبه ذكرتها؛ لكن الظاهر ما خرجت في الشريط فأعيدها على وجه الاختصار:

الجواب الأول عن أحاديث عدم توريث ذوي الأرحام

الجواب الأول حول تلك الأحاديث قلت: إنها ضعيفة، ولا يسلم حديث منها من مقال كما تقدم معنا.

فإن قيل: إنها تعتضد بكثرة طرقها فالجواب: نعم، لكن مع اعتضادها واكتسابها قوة هي دون الأحاديث التي صرحت بأن الخال وارث بكثير، وعليه لا تقاومها، سواءٌ كانت ضعيفة لا تنجبر أو ضعيفة منجبرة فهي لا تقاوم تلك الأدلة قطعاً؛ لأن الأدلة إذا تعارضت يقدم أقواها، وتلك كما تقدم معنا حسنة صحيحة ثابتة بنفسها، ورويت من عدة طرق فلا تقاومها هذه الأحاديث الضعيفة سواءٌ كانت منجبرة أو لا.

قلت: وبهذا الجواب إخوتي الكرام! نعلم ما في كلام شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان من قصور، وكيف يرد هذا الكلام الذي ذكره، هو يقول عليه رحمة الله: هذه الطرق الموصولة والمرسلة يشد بعضها بعضاً فيصلح مجموعها للاحتجاج، ولا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء كالطريق التي صححها الحاكم، وتضعيفها بـعبد الله بن جعفر بن نجيح والد الإمام علي بن المديني غير مسلم لم؟ قال: لأنه من رجال المسند وأخرج له البخاري تعليقاً في صحيحه، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ليس به بأس. قلت: وهذا وهمٌ من الشيخ فـعبد الله بن جعفر والد علي بن المديني مجمع على ضعفه وغير محتج به بالاتفاق ولم يروِ له مسلم في صحيحه ولم يخرج له البخاري في صحيحه تعليقاً إنما هو من رجال الترمذي وابن ماجة فقط، وتوفي سنة (178هـ)، وأما الرجل الذي هو عبد الله بن جعفر فوافقه كما تقدم معنا في اسمه واسم أبيه ونسبته، كلٌ منهما مدنيٌ مديني؛ لكن يختلف عنه كما تقدم، فذاك هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المدني المخرمي ، وهو الذي ليس به بأس، وتوفي سنة (170هـ)، وقد خرج حديثه الإمام مسلم في صحيحه والبخاري في صحيحه تعليقاً، وأهل السنن الأربع، فانقلب الأمر على شيخنا ووهم فظن أن الذي في إسناد الحديث الذي فيه: (لا ميراث للعمة والخالة) أنه هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المخرمي وهو واهمٌ في ذلك، وعليه يجاب عن هذا الكلام عندما قال: تعتضد وتصلح للاحتجاج فيقال: تلك أقوى منها، وقوله: إن هذا الحديث صحيح ولا يصح أن يضعف، فيقال: هذا وهمٌ مردود.

الجواب الثاني عن أحاديث عدم توريث ذوي الأرحام

الجواب الثاني: إن معنى الأحاديث القائلة بأنه لا ميراث لهما مثل حديث: (سارَّني جبريل لا إرث لهما)؛ معنى ذلك: ليس لهما ميراث محدد ونصيب مقدر كما هو الحال في الورثة الذين يرثون إما عن طريق الفرض أو عن طريق التعصيب، لأن هؤلاء ليسوا من هذين الصنفين، لكن يبقى أيضاً أنهم يرثون إذا لم يوجد أحدٌ من هذين الصنفين، أو من قول الله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، ولحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) إذاً: هو يعني: هؤلاء ذوو الأرحام الخال ومن معه لا يزاحمون الورثة الذين نص الله على إرثهم فرضاً أو تعصيباً، فإذا انعدم أولئك ورث هؤلاء، هذا هو معنى الأحاديث، فلا إرث للعمة ولا للخالة عند وجود عاصب أو صاحب فرض من النسب.

الجواب الثالث عن أحادث عدم توريث ذوي الأرحام

الجواب الثالث: وهو الذي ذكره الإمام ابن التركماني عليه رحمة الله في الجوهر النقي فقال: على تقدير صحة الأحاديث معناها: لم ينزل علي فيهما شيء، أي كما في أثر عطاء وزيد بن أسلم ، أي: لم ينزل عليَّ في ذلك الوقت، ولا إرث للعمة ولا للخالة في ذلك الوقت، يعني: في أول الأمر، ثم أنزل الله علي: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له).

قلت: ويتعين هذا بأنه يستحيل أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) قبل أن يقول: (لم ينزل عليَّ فيهما شيء)، لأنه يقال: كيف إذاً تقول إنه وارث؟ ويستحيل أن يقول هذا قبل قول الله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] لأنه نزل عليه في الأرحام شيء.

إذاً: فقوله: (لم ينزل عليَّ فيهما شيء) هذا في أول الأمر، ثم أنزل الله عليه: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له)، وبذلك -كما قلت- تظهر قوة القول الأول والعلم عند الله جل وعلا.

الجواب الأول حول تلك الأحاديث قلت: إنها ضعيفة، ولا يسلم حديث منها من مقال كما تقدم معنا.

فإن قيل: إنها تعتضد بكثرة طرقها فالجواب: نعم، لكن مع اعتضادها واكتسابها قوة هي دون الأحاديث التي صرحت بأن الخال وارث بكثير، وعليه لا تقاومها، سواءٌ كانت ضعيفة لا تنجبر أو ضعيفة منجبرة فهي لا تقاوم تلك الأدلة قطعاً؛ لأن الأدلة إذا تعارضت يقدم أقواها، وتلك كما تقدم معنا حسنة صحيحة ثابتة بنفسها، ورويت من عدة طرق فلا تقاومها هذه الأحاديث الضعيفة سواءٌ كانت منجبرة أو لا.

قلت: وبهذا الجواب إخوتي الكرام! نعلم ما في كلام شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان من قصور، وكيف يرد هذا الكلام الذي ذكره، هو يقول عليه رحمة الله: هذه الطرق الموصولة والمرسلة يشد بعضها بعضاً فيصلح مجموعها للاحتجاج، ولا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء كالطريق التي صححها الحاكم، وتضعيفها بـعبد الله بن جعفر بن نجيح والد الإمام علي بن المديني غير مسلم لم؟ قال: لأنه من رجال المسند وأخرج له البخاري تعليقاً في صحيحه، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ليس به بأس. قلت: وهذا وهمٌ من الشيخ فـعبد الله بن جعفر والد علي بن المديني مجمع على ضعفه وغير محتج به بالاتفاق ولم يروِ له مسلم في صحيحه ولم يخرج له البخاري في صحيحه تعليقاً إنما هو من رجال الترمذي وابن ماجة فقط، وتوفي سنة (178هـ)، وأما الرجل الذي هو عبد الله بن جعفر فوافقه كما تقدم معنا في اسمه واسم أبيه ونسبته، كلٌ منهما مدنيٌ مديني؛ لكن يختلف عنه كما تقدم، فذاك هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المدني المخرمي ، وهو الذي ليس به بأس، وتوفي سنة (170هـ)، وقد خرج حديثه الإمام مسلم في صحيحه والبخاري في صحيحه تعليقاً، وأهل السنن الأربع، فانقلب الأمر على شيخنا ووهم فظن أن الذي في إسناد الحديث الذي فيه: (لا ميراث للعمة والخالة) أنه هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المخرمي وهو واهمٌ في ذلك، وعليه يجاب عن هذا الكلام عندما قال: تعتضد وتصلح للاحتجاج فيقال: تلك أقوى منها، وقوله: إن هذا الحديث صحيح ولا يصح أن يضعف، فيقال: هذا وهمٌ مردود.

الجواب الثاني: إن معنى الأحاديث القائلة بأنه لا ميراث لهما مثل حديث: (سارَّني جبريل لا إرث لهما)؛ معنى ذلك: ليس لهما ميراث محدد ونصيب مقدر كما هو الحال في الورثة الذين يرثون إما عن طريق الفرض أو عن طريق التعصيب، لأن هؤلاء ليسوا من هذين الصنفين، لكن يبقى أيضاً أنهم يرثون إذا لم يوجد أحدٌ من هذين الصنفين، أو من قول الله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، ولحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) إذاً: هو يعني: هؤلاء ذوو الأرحام الخال ومن معه لا يزاحمون الورثة الذين نص الله على إرثهم فرضاً أو تعصيباً، فإذا انعدم أولئك ورث هؤلاء، هذا هو معنى الأحاديث، فلا إرث للعمة ولا للخالة عند وجود عاصب أو صاحب فرض من النسب.

الجواب الثالث: وهو الذي ذكره الإمام ابن التركماني عليه رحمة الله في الجوهر النقي فقال: على تقدير صحة الأحاديث معناها: لم ينزل علي فيهما شيء، أي كما في أثر عطاء وزيد بن أسلم ، أي: لم ينزل عليَّ في ذلك الوقت، ولا إرث للعمة ولا للخالة في ذلك الوقت، يعني: في أول الأمر، ثم أنزل الله علي: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له).

قلت: ويتعين هذا بأنه يستحيل أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) قبل أن يقول: (لم ينزل عليَّ فيهما شيء)، لأنه يقال: كيف إذاً تقول إنه وارث؟ ويستحيل أن يقول هذا قبل قول الله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] لأنه نزل عليه في الأرحام شيء.

إذاً: فقوله: (لم ينزل عليَّ فيهما شيء) هذا في أول الأمر، ثم أنزل الله عليه: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له)، وبذلك -كما قلت- تظهر قوة القول الأول والعلم عند الله جل وعلا.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه المواريث - الحجب [1] 3822 استماع
فقه المواريث - الرد على الزوجين [1] 3589 استماع
فقه المواريث - حقوق تتعلق بالميت 3573 استماع
فقه المواريث - ميراث الخنثى [1] 3539 استماع
فقه المواريث - توريث ذوي الأرحام 3484 استماع
فقه المواريث - المسألة المشتركة 3441 استماع
فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحام 3350 استماع
فقه المواريث - متى يسقط الجدات ومن يحجبهن 3307 استماع
فقه المواريث - أصحاب الفروض 3258 استماع
فقه المواريث - الجد والإخوة [7] 3225 استماع