خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8328"> سلسلة فقه المواريث
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
فقه المواريث - العصبات [3]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إخوتي الكرام! كنا نتدارس العصبة النسبية، وتقدم معنا أن العصبة تنقسم إلى قسمين: نسبية، وسببية، وقلت: إن العصبة النسبية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير، وانتهينا من هذه الأقسام الثلاثة، ثم شرعنا في مدارسة أحكام العصبة بالنفس، وقلت: لها ثلاثة أحكام، وهي باختصار: إذا انفرد أخذ كل المال، إذا وجد مع أصحاب الفروض أخذ ما أبقته الفروض، والثالث إذا استوفت الفروض المال فلا يبقى له شيء.
وأحكام العصبة بالغير ومع الغير كحكم العصبة بالنفس في الحكمين الأخيرين؛ لأنه لا يتصور أن يوجد واحد فقط من العصبة بالغير أو مع الغير.
مثلاً لو مات وترك بنتين وأباً وأماً وأختاً، الأب يلغي الأخت، مات وترك بنتين، ماتت وتركت بنتين وزوجاً وأماً، المسألة عالت وما بقي للأخت شيء.
بنت وبنت، وزوج وأخت شقيقة، وأم، البنتان الثلثان، الزوج الربع، لوجود الفرع الوارث، الأخت الشقية عصبة، الأم السدس لوجود فرع وارث، المسألة من اثني عشر، ثلثاها ثمانية، أربعة أربعة، الربع ثلاثة، والأم اثنان، عالت إلى ثلاثة عشر، وما بقي شيء للأخت الشقيقة.
نفس المسألة احذف الأم منها، يبقى للأخت واحد.
إذاً: حكم العصبة بالغير ومع الغير كحكم العصبة بالنفس في الحكمين الأخيرين، وهما إذا وجد مع أصحاب الفروض العصبة بالغير ومع الغير أخذوا ما أبقته الفروض، وإذا لم يبق لهم شيء سقطوا، ولا يتصور أن يوجد عاصب بالغير أو مع الغير لنفسه يحوز التركة كلها؛ لأن العصبة بالغير وجدت مع أخيها أو ابن عمها فيما يتعلق ببنت الابن مثلاً أو الأخت الشقيقة والأخت لأب، وجدت مع البنات أو مع بنات الابن، فلا يتصور أن توجد بمفردها.
لأئمتنا الكرام في المذاهب الأربعة المتبعة في حصر جهات العصبة بالنفس ثلاثة أقوال:
أولها: مذهب الإمام أبي حنيفة ، قال: جهات العصبة بالنفس خمس جهات، وهذه جهات التعصيب لا بد من معرفتها؛ لأننا نقدم الجهة الأولى على الثانية، والثانية على الثالثة، والثالثة على الرابعة، والرابعة على الخامسة في التوريث.
أولها عند أبي حنيفة : جهة البنوة، مهما نزلت، ابن، ابن ابن، ابن ابن ابن، هذه الجهة تقدم على كل جهة بعدها في التعصيب.
يليها: جهة الأبوة، فيقدم الأب، ثم الجد، ثم أبو الجد، ثم جد الجد، ففي البنوة تقدم الأول فالأول، كلما نزلت لا يرث نازل مع وجود من هو أعلى منه، وهنا لا يرث العالي مع وجود من هو أدنى منه بالنسبة للأب وبالنسبة للابن، فالبنوة إذا يوجد واحد عالي لا يرث النازل، والأبوة إذا وجد أحد نازل لا يرث العالي الذي فوقه.
الجهة الثالثة: الأخوة، وترتيبها عند الحنيفة: أخ شقيق ثم أخ لأب ثم ابن أخ شقيق ثم ابن أخ لأب، فأبناء الإخوة يؤخرون على الإخوة، فلا يرث ابن الأخ الشقيق مع وجود الأخ لأب بخلاف ابن الابن مهما نزل يرث مع وجود الأب ويحسب الأب على التعصيب، فانتبه لهذا، هنا ابن الأخ الشقيق لا ينزل منزلته، وكأنه صار درجة مستقلة.
والجهة الأخيرة: العمومة، وهي كترتيب الإخوة تماماً: عم شقيق ثم عم لأب ثم ابن عم شقيق ثم ابن عم لأب.
والجهة الخامسة ليست عن طريق النسب، وهي عن طريق المعتق أو المعتقة؛ لأن هذا لا يرث إذا وجد واحد من هؤلاء؛ لأن العصبة السببية لا يرث صاحبها بها إذا وجد عاصب من النسب، وهذا محل إجماع.
إذاً: هذه خمسة جهات هي جهات العصبة بالنفس عند أبي حنيفة ، وهذه تلزمك في الفرائض كما يلزم الهواء في الكائنات الحية، إنه إذا ما عرفت الترتيب من ستعطيه التعصيب، يعني: افرض جاءت مسألة فيها أخ لأب وابن أخ شقيق فقط، فإما أن تعطي المال كله لابن الأخ الشقيق أو للأخ لأب، لا يوجد شيء ثاني، فلا بد من هذا الترتيب.
عندك ابن ابن ابن مهما نزل، وأب، فالأب الآن صاحب فرض وليس له تعصيب مطلقاً، والمال الباقي كله لابن الابن مهما نزل، فأول جهة البنوة، فإذا وجد واحد منها حجب العصبات بعده كلهم، الأبوة، الأخوة، العمومة، على الترتيب الذي ذكرت، وإذا لا يوجد عاصب من النسب انتقلنا إلى العاصب من السبب.
القول الثاني لأئمتنا الكرام قال به الإمام أحمد وصاحبا أبي حنيفة : أبو يوسف ومحمد عليهم جميعاً رحمة الله، زادوا على الخمسة واحداً فصاروا ستة، فالجهات عندهم ست جهات، الجهة الأولى كما هي، والجهة الثانية كما هي، واختلفوا في الجهة الثالثة، وهي جهة الأخوة، فالجمهور يورثون الإخوة مع الجد، فلو مات وترك جداً وأخاً شقيقاً، نعتبرهم رأسين كما لو كانوا أخوين، لكن نصف للأخ الشقيق، ونصف للجد، ولو مات وترك جداً وأخاً لأب: نصف للجد، ونصف للأخ لأب، ونعتبر الجد الآن كأنه أخ، لكن له تفصيل يختلف بعد ذلك يأتينا في مبحث الجد والإخوة إن شاء الله، لكن هذه الآن مرتبة منفصلة، فأبو حنيفة أدخل الجد في المرتبة الثانية، ولم يورث أحداً من الإخوة مع الجد، فمثلاً لو وجد الجد فالإخوة كلهم يسقطون، والجمهور ورثوا الإخوة مع الجد، فجعلوا الجد كأنه أخ، فصار معنا درجة ثالثة، فإن قيل: إذا جعلنا الجد والإخوة درجة فصارت الدرجة الثالثة هي جد وإخوة، لم جعلتم زيادة درجة؟
نقول: اختلف عندنا أولاد الإخوة، فأولاد الإخوة لا يرثون مع الجد بالإجماع، إنما الإخوة فقط يرثون، عند الجمهور، كما سيأتينا، وهذا قول الشافعي وقول مالك ، وقول الإمام أحمد ، وقول صاحبيه، فكلهم اعتبروا هذه المرتبة إلا أبا حنيفة فلم يورث الإخوة مع الجد، لكن أبناء الإخوة محل إجماع بأنه لا يرث أحد منهم، ولذلك لا بد من عدهم جهة مستقلة، وعليه لو وجد أحد من الجهة الثالثة، يعني: مات عن جد وابن أخ شقيق فالمال كله للجد، وهذه يخطئ فيها كثير من الناس، يظن أن ابن الأخ ينزل منزلة الأخ ويريد أن يشرك به أو يدخله في المعادة، يعني: لو مات وترك ابن أخ شقيق وأخاً لأب وجداً، يأتي هو ويعطي الجد الثلث، وابن الأخ الشقيق الثلث، والأخ لأب الثلث، وهذا خطأ من أوله إلى آخره، ابن الأخ الشقيق قلنا حذف وحجب، بقي جد وأخ لأب المال بينهما مناصفة، إذاً أبناء الإخوة هذه زادت معنا هنا.
إذاً: زادت معنا جهة وهي الجد مع الإخوة، فإن قيل: إذا كان جد مع الإخوة وكان الإخوة مذكورين، فلم ذكرت الجهة الزائدة؟ نقول: من أجل أولاد الإخوة، فهم يتقدمون على الأعمام، ويتأخرون عن آبائهم وأعمامهم.
القول الثالث قول الشافعي ومالك ، وعندهم جهات العصبة للنفس سبع جهات، هي نفس الجهات السابقة وزادوا عليها بيت المال، وتقدم معنا عند أسباب الإرث أن المالكية والشافعية اعتبروا بيت المال وارثاً، وقدموه على الرد وعلى ذوي الأرحام.
مثال: لو مات وترك بنتاً فقط، فنقول: البنت لها النصف، والنصف الثاني لبيت المال، مات وترك عمة فقط ليس لها شيء؛ لأنها هي من ذوي الأرحام وليست من الوارثات والمال كله لبيت المال، بخلاف قول أبي حنيفة ، وقول الإمام أحمد فهم يقولون بالرد: لو مات وترك بنتاً فالمال كله للبنت فرضاً ورداً، مات وترك عمة المال للعمة كله لأنها من ذوي الأرحام، ولا يرث بيت المال عند وجود قريب، سواء كان وارثاً أو لا، هذا سيأتينا كما قلت تفصيله عند الرد ومباحث ذوي الأرحام فيما يتعلق ببيت المال.
هذه ثلاثة أقوال في حصر جهات العصبة بالنفس.
ندخل في آخر مباحث العصبات النسبية، وهو إذا اجتمع عاصبان فأكثر من العصبة بالنفس.
هذا الحكم مبني على جهات العصبة بالنفس، ولذلك أربعة أحكام:
أولها: إذا اتحدا أو اتحدوا جهة ودرجة وقوة، فيشتركان أو يشتركون في كل المال أو في ما بقي من التركة مع إعطاء ذوي الفروض حقوقهم.
مثلاً: البنوة، ابن وابن، جهة واحدة، درجة واحدة، قوة واحدة، أخ شقيق، وأخ شقيق، وأخ شقيق، أخ لأب وأخ لأب وأخ لأب، ابن أخ شقيق، وابن أخ شقيق، وابن أخ شقيق، كلهم في جهة وفي درجة وفي قوة واحدة، يعني: لا يوجد واحد أقرب من الآخر، لأنه لو كان عندنا ابن وابن ابن، تقول: جهة واحدة البنوة، لكن يوجد أقرب درجة، فالأقرب يرث والأبعد يسقط.
لو عندنا أخ شقيق وأخ لأب، الجهة واحدة وهي جهة الإخوة، لكن القوة مختلفة، أي: واحد يدلي بقرابتين وواحد يدلي بقرابة، فالقوي يرث والضعيف يسقط.
في حالة الاتحاد جهة وقوة ودرجة يكون المال بينهم بالتساوي إذا انفردوا وما وجد معهم صاحب فرض، أو يشتركون بالتساوي فيما بقي من أصحاب الفروض، وعليه لو مات وترك ثلاثة أبناء، قلنا: المسألة من ثلاثة، لكل واحد ثلث المال.
لو ماتت وتركت زوجاً وثلاثة أبناء، الزوج له الربع، وهؤلاء عصبة، المسألة من أربعة ربعها واحد للزوج، بقي ثلاثة بالتساوي، لكل واحد ربع، وللزوج ربع.
الحكم الثاني: إذا اختلفا من جهة، فنقدم قرب الجهة وإن بعد في الدرجة على المؤخر في الجهة وإن كان قريباً في الدرجة.
مثاله: مات عن ابن ابن ابن، الجهة أقرب من سائر جهات التعصيب، هي أول جهة، لكن الدرجة نازلة، بينك وبينه ثلاثة أولاد وأب، هذا الأب عاصب في الجهة الثانية، لكن هو أقرب درجة من ذاك، ذاك نزل عنك بثلاث أولاد، ومع ذلك تقول: التعصيب لابن ابن الابن، فيقدم قرب الجهة وإن بعد العاصب في الدرجة، مهما بعد، على من بعدت جهته وإن قربت درجته، وعليه انتبه لهذه الجهات: من وجد في البنوة لا يرث من بعده، مهما كان الابن قريباً أو بعيداً، يعني: لو بينك وبينه أربعة أولاد، هو العاصب؛ لأن اتصال الأصل بفرعه أقوى من اتصاله بأصله، فذاك قطعة منك، وأما هذا أنت قطعة منه، وعليه ذاك أولى بمالك ممن انفصلت عنه، وهذا تقسيم العلي الحكيم سبحانه وتعالى، فيقدم الابن مهما نزل على الأب وإن علا؛ لأن هنا الجهة مقدمة، وهي قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فلأولى رجل ذكر )، هذا ولدك وقطعة منك، ولدك وقطعة منك، ومال الولد للوالد، وهو من كسبك وسعيك، فيقدم على الوالد.
ولذلك عندما ذكر الله البيوت التي رخص من الأكل منها ذكر بيت الوالد، وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ [النور:61]، ولم يذكر ولداً، وبيت الولد لا يوجد في القرآن أبداً؛ لأن بيت الولد بيتك، فما يحتاج أن ينص عليه.
الحكم الثالث: إذا اتحد العاصبان أو اتحدوا في الجهة، واختلفا أو اختلفوا في الدرجة، فيقدم قرب الدرجة مع اتحاد الجهة.
مثاله: ابن وابن ابن، فالابن يقدم، وهما جهة واحدة هي البنوة، مثل الأب والجد، الأب أقوى من الجد، فلا يرث الجد مع وجود الأب، ولا يرث ابن الابن مع وجود الابن وهكذا، إذاً الجهة واحدة كلها إما بنوة أو أخوة أو عمومة أو أبوة، لكن الدرجة تختلف، فعندك مثلاً أخ شقيق وابن أخ شقيق، الأخ الشقيق كما تقدم معنا أقرب في الدرجة والجهة واحدة.
عم شقيق، وابن عم شقيق، عم لأب وابن عم لأب، العم أقوى من ابن العم.
الحكم الرابع وهو آخر الأحكام: إذا اتحد العاصبان أو اتحدت العصبات بالنفس في الجهة وفي الدرجة، لكنهم اختلفوا في القوة: عم شقيق وثلاثة أعمام لأب، العم الشقيق جهة واحدة مع جهة العم لأب، وفي درجة واحدة، فهذا عمك وهذا عمك، لكن هذا يدلي بقرابتين، وهذا يدلي بقرابة واحدة، فيقدم صاحب القوة على من يدلي بالقرابة الواحدة، وهكذا لو مات وترك أخاً شقيقاً، وأخاً لأب، المال كله للأخ الشقيق مع أن الجهة واحدة والدرجة واحدة، لكن القوة اختلفت.
هذه الأحكام الأربعة نظمها الإمام الجعبري في بيت من الشعر أحلى من العسل، وأصفى من الذهب فاكتبوه في الأذهان.
والإمام الجعبري هو صالح بن سامر بن حامد ، أبو الفضل تاج الدين الجعبري ، نسبة إلى جعبر، بلدة على حدود نهر الفرات في بلاد الشام يقال لها: جعبر، ولذلك قيل له: جعبري ، وهو فرضي شافعي، قال الإمام ابن حجر في الدرر الكاملة في أعيان المائة الثامنة في الجزء الثاني صفحة 200: مهر في الفرائض ونظم فيها، وهو صاحب الجعبرية المشهورة في الفرائض، وقد توفي سنة 706 للهجرة، من علماء القرن الثامن للهجرة، 706 للهجرة.
ومن شر أنواع التصحيف الذي وقع في ترجمته أنه ورد في ترجمته أنه كان خيراً عفيفاً، وصحفت في بعض الطبعات أنه كان جباراً عنيفاً. يقول هذا البيت في حكم العصبة بالنفس عند اجتماع عاصبين فأكثر:
فبالجهة التقديم ثم بقرب وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
انتبه لهذه الأحكام الأربعة في هذا البيت المختصر.
فبالجهة التقديم، هذا الأمر الأول، إذا وجد عاصبان أو عصبات، وجهاتهم قلنا بالإجماع والاتفاق يقدم قرب الجهة، فالابن يقدم على الأب، والأب يقدم على الأخ، والأخ يقدم على العم وهكذا.
ثم بقربه، أي: الجهة واحدة لكن فيه درجة قريبة ودرجة بعيدة: ابن وابن ابن، أب وجد، أخ وابن أخ، عم وابن عم، فنقدم القريب.
وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا: الجهة واحدة والقرب واحد، لكن يتفاوتون بالقوة، فهذا يدلي بقرابتين وهذا بقرابة: أخ شقيق وأخ لأب، جهة واحدة ودرجة واحدة لكن تفاوتوا بالقوة.
القسم الثاني: العصبة السببية.
تقدم معنا أن العصبة تنقسم إلى قسمين: نسبية وسببية، النسبية انتهينا منها بأقسامها الثلاثة: بالنفس، بالغير، مع الغير، الآن عصبة سببية، وهي: عصوبة سببها نعمة المعتق على عتيقه بالعتق، ولو بعوض، سواء كان المعتق ذكراً أو أنثى، ولا يوجد في الفرائض عاصب بالنفس أنثى إلا المعتقة، كما قال الإمام الرحبي وسيأتينا:
وليس في النساء طراً عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة
فالتعصيب يكون للمعتق ذكراً أو أنثى، ولعصبته الذين يتعصبون بأنفسهم، يعني: لو مات وترك ابن معتق وبنت معتق، المال كله لابن المعتق، وليس لبنت المعتق شيء، فهي إذا باشرت العتق صارت عصبة، ولا يسري إليها التعصيب، إنما ينتقل إلى العصبات بأنفسهم فقط، يعني: ابن الابن وبنت الابن، ابن الابن عاصب، بنت الابن ليست عاصباً، ابن الابن وابن البنت، ابن البنت الآن ليس بعاصب، لإنه جاء عن طريق أنثى، ابن الابن عاصب، وهنا كذلك، الذي هو عصبة لنفسه يحل محل المعتق عند عدمه.
إذاً: يكون التعصيب للمعتق ولعصبته الذين يتعصبون بأنفسهم فقط على الترتيب المتقدم، نأتي للبنوة، لو مات العتيق ومعتقه أيضاً ميت، المال لعصبة المعتق، على التفصيل الذي ذكرناه نأتي للبنوة ثم ننتقل للأبوة ثم للإخوة ثم للعمومة.
إذاً: ينتقل إلى عصبته الذين يتعصبون بأنفسهم بأي صفة وجد العتق من المعتق، سواء كان منجزاً قال له: أعتقتك، أنت حر لوجه الله، أو معلقاً على شرط، قال له: إن جاء شهر رمضان فأنت حر، إن حججت فأنت حر، إن انتصر المسلمون في موقعة كذا فأنت حر، إذا ولدت زوجتي كذا فأنت حر، فإذا وجد المعلق عليه تحرر هذا العبد وصار حراً، أيضاً له الولاء عليه.
أو أعتقه عن طريق السراية، والسراية لو أعتق الإنسان جزءاً من عبد، لو قدرنا أن أربعة يشتركون في عبد، فأنت أعتقت ربعه، فصار مبعضاً، فأنت إذا كنت موسراً تكلف بعتق باقيه رغم أنفك، فيصبح لك عصوبة العتق عليه بكامله مع أنك أعتقت الربع اختياراً والباقي سرى عليه، وهذا قرره نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث في الكتب الستة من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أعتق عبداً بينه وبين آخر قوم عليه في ماله قيمة عدل لا وكس ولا شطط )، لا نقص ولا زيادة، فإذا كانت قيمته عشرة آلاف، وأنت لك ربعه يسقط عنك ألفان وخمسمائة، وسبعة آلاف وخمسمائة تضمنها لمن يشاركونك في هذا العبد.
إن كان موسراً فشريكه أو شركاؤه الذين يملكون القسم الباقي من العبد يخيرون بين ثلاثة أمور: إما أن يكلفوه بدفع قيمة ما بقي من العبد، كما هو قول الأئمة من السلف، ويعتق العبد على من أعتق جزءاً منه، فيصبح الذي أعتقه كله. وإما إذا ما أرادوا هذا يعتق في مالهم إذا رغبوا وقالوا: نحن لا نكلفه، بما أن ذاك أعتق ربعه فنحن نعتق الباقي.
وإما أن يكلف العبد بالسعاية، فيقول أحد الشريكين: شريكي أعتق ربعك، فأنت الآن اسع وأحضر لي قيمة ثلاثة أرباعك، أنت تساوي عشرة آلاف، تدفع سبعة آلاف وخمسمائة وستصبح حراً.
وإن كان معسراً فالجمهور يقولون: عتق من العبد ما أعتق فقط، والباقي يبقى رقيقاً، فهو صار مبعضاً، فما اكتسبه بجزئه الحر له، وما اكتسبه بجزئه الرقيق لسيده ومالكه، ويقسم الأيام بينه وبين سيده، يوم له يسعى فيه وما حصله فيه له ويوم لسيده وما حصله لسيده، واستخدمه، وهكذا.
أبو حنيفة يقول: لابد من العتق إن كان المعتق معسراً ليس بموسر فمالك الباقي مخير بين أمرين: إما أن يعتقه لوجه الله، وإما أن يستسعي العبد، يقول: اسع وادفع لي ثمن ما بقي لتصبح حراً لئلا يبقى جزء منه رقيقاً؛ لأن الشارع يتشوف ويتطلع إلى تحرير الإنسان.
فعند أبي حنيفة لا بد من العتق بكل حال إذا عتق البعض، وعند الجمهور إن كان موسراً يعتق، وإلا عتق منه ما عتق، على حسب حال من أعتق حزءاً منه، فإذا كان العتق عليه بالسراية لك الولاء، مع أنك أعتقت بغير اختيارك، لأنك أعتقت الربع ثم كلفت ضمان ما بقي من العبد، لكن لك الولاء؛ لأنك أنت من أعتق ولو أعتقته في كفارة، سواء في كفارة قتل خطأ، أو جماع في نهار رمضان، أو في كفارة ظهار، أو في كفارة يمين، مع أن هذا حق واجب، لكن العتق عليه، أو أعتقته في زكاة، وهذا من مصارف الزكاة، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ [التوبة:60]، فاشتريت رقيقاً واعتقته من زكاة، لكن العتق عليه وأنت عاصب له إذا مات يرثك، أو أعتقته في نذر، أو.. أو.. لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما الولاء لمن أعتق )، من باشر العتق وحصل منه بأي صفة فله عصوبة وله ولاء وولاية على من أعتقه، الولاء لمن أعتق.
وفي المسند والكتب الستة إلا سنن الترمذي، ورواه البيهقي والدارقطني والطحاوي وابن الجارود عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، في قصة عندما أرادت أن تعتق وأراد أهلها أن يشترطوا الولاء لهم فتعتقها والولاء لهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( اعتقيها واشترطي )، وهذا الشرط باطل، ثم قام عليه الصلاة والسلام قال: ( ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط )، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق، الولاء لمن أعتق.
وتقدم معنا، كما أن الولاء لمن أعتق، قلنا: الطلاق لمن أخذ بالساق، ما يطلق زوجتك إلا أن أنت الذي تتمتع بها وهي في عصمتك، أما أن يأتي والدك فيطلقها أو أخوك أو أبوها، أو هي فلا، الطلاق لمن أخذ بالساق، وتقدم معنا أيضاً الحديث، وحديث: ( الولاء لمن أعتق ) في الصحيحين من رواية أمنا عائشة ، ورواه الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين: ( إنما الولاء لمن أعتق ).
وتقدم معنا عند أسباب الإرث أن من أسباب الإرث الولاء، وقلت: الولاء يورث به من جانب لا من جانبين بخلاف النسب يورث به من جانبين، وبخلاف النكاح يورث به من جانبين، قلت: هذا عند الجمهور، وانفرد الإمام ابن تيمية فقال: يورث به من جانبين، فإذا مات المعتق ولا يوجد له وارث فيورث عتيقه ماله، واستدل بالحديث الذي ثبت في المسند والكتب الأربعة إلا سنن النسائي تقدم معنا الحديث عن عوسجة مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، أن رجلاً توفي على عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يترك وارثاً إلا عبداً أعتقه، فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام ماله، تقدم معنا أن الحديث في درجة الحسن، لكن الجمهور قالوا: لعل هذا العتيق عاصب للمعتق، يعني: اعتق وهو ابن عم له، فبينه سبب آخر، والإمام ابن تيمية يقول: ظاهرا لحديث لا يدل على وجود سبب آخر، والعلم عند الله، على كل حال هذا تقدم معنا عند أسباب الإرث، ولكن النسيان من طبيعة الإنسان، وهو أيضاً من الشيطان.
إذاً: عموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الولاء لمن أعتق)، يجعل العصوبة للمعتق على عتيقه بأي صفة أعتقه، كما تقدم معنا، مكاتبة، أو أعتقه مدبراً، قال: إذا مت فأنت بعد وفاتي دبر موتي أنت حر، نذر كفارة سواء منجزة أو معلقة، المقصود حصل منه العتق بأي صفة كانت، فله عليه الولاء، له ولعصبته الولاء، ويثبت للمعتق الولاء على العتيق، كما يثبت للمعتق الولاء على أولاد المعتق، مهما نزلوا، سراية؛ لأن الفرع يتبع أصله، فأنت عندما تعتق إنساناً كل نسل يأتي من هؤلاء أنت عاصبهم عن طريق السبب، فابن المعتق، ابن ابنه، بنت المعتق مهما نزل هؤلاء كلهم أنت عاصبهم، ولك الولاء عليهم؛ لأنك إذا أعتقت الأصل فالفرع ينتمي إلى الأصل فلك الولاء على المعتق وعلى أولاده وأحفاده مهما نزلوا بشرطين اثنين، يعني: سراية الولاء على أولاد المعتق تكون بشرطين، أما على المعتق بغير شرط؛ لأن الولاء قد ثبت عليه.
أهمية دراسة أحكام العتق
وليس في النساء طراً عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة
يقول: وقد أعتقت القوانين الدولية الإنسان وحررته، فلذلك تركنا البحث فيه والله أعلم، ما تكلم على حكم العصبة السببية ولا بكلمة، وهذا خطأ قطعاً وجزماً، أنا أذكر لما كنا في الثانوية الشرعية كثير من الطلاب يقولون للشيخ: عندما ندرس أبواب الجنايات في الحدود، يعني: الزاني الذي يجلد ويرجم، وشارب الخمر، وصار هذا كله الآن مرخصاً له من قبل الدولة، يعني: يفعل رسمياً، خمارات تبيع الخمور صباح مساء ومرخصة، وبعد ذلك الزنا بالتراضي حلال، هذا في البلاد الغوية التي تدعي أنها عربية، فلم نتعلم هذا؟ وهذه في الحقيقة حماقة، افرض أن البشر كلهم كفروا وارتدوا هل هذا يعني أن نسير معهم؟
وأما موضوع القوانين الدولية وأنها حررت الإنسان فأقول: القوانين الدولية رقت الإنسان استرقاقاً لا مثيل له، ويكفي أن الإنسان في هذه الأيام في جميع الدنيا بلا استثناء لا يستطيع أن يتحرك إلا ضمن قيود وحدود في إقامات وتحركات وتأشيرات وجوازات وضلالات، وكلها ما كانت في عصر الرق.
وتقدم معنا أن الرقيق سابقاً في الدولة الإسلامية يكفي لأن يجوب الدنيا من أولها لآخرها إذن من سيده، لا من خليفة ولا من سلطان، ولا من جوازات ولا من غيرها، يقول: تأذن لي أن أسافر، يقول: اذهب توكل على الله، يقول: إذاً نذهب لطلب العلم وأتأخر ثلاث سنين يقول: ثلاثين سنة، هذه تأشيرتك، يعني: يسترضي سيده؛ لأنه هو الذي يملك أمره، وقلت لكم: والله إن أعظم الناس حرية لا يشعر ولا يحصل حقوق الرقيق في الدولة الإسلامية، قلت لكم سابقاً: الرقيق إذا احتاج إلى زواج، وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، فسيده بين أمرين رغم أنفه: إما أن يزوجه، وإما أن يبيعه، وإذا شاء أن يعتقه فهذا أحسن وأحسن، لكن أراد أن لا يزوجه فينبغي أن يتصرف، فيعتقه لوجه الله، لك أجر ما تعتق، بعه لمن يزوجه، وإذا ما فعلت يحجر عليه ويرغم على أحد الأمرين، ويباع العبد منه رغم أنفه.
وقلت: إذا زوجه مكلف بأن ينفق عليه وعلى زوجته وعلى أولاده، ومكلف إذا غربت الشمس أن لا يستعمله في خدمة، لأنه عبد مزوج، فيذهب إلى أسرته، هذه حقوق الرقيق، هذه يطلبها من القضاء ويأخذها رغم أنفه، وهكذا الأمة، إذا قالت لسيدها- وهذا طريق للحرية في الإسلام-: أنا بحاجة إلى النكاح، فزوجني أو تزوجني، وهو لا يتزوجها بعقد، إن شاء أن يحررها وأن يتزوج، وإن شاء أن يطأ بملك اليمين، وإذا وطئ وحملت منه صارت أم ولد لا تباع، ومتى ما مات السيد صارت حرة، وصار لها مكان في البيت.
إخوتي الكرام! لو قال بدل حررت: استرقت القوانين الدولية الإنسانية استرقاقاً لا نظير له، إنها أحكام همجية، الآن إذا يريد الإنسان أن يسافر إلى مكان لا يستطيع حتى يأخذ الجواز كأنه شهد موقعة بدر، بالعناء والبلاء، وفي بعض البلاد الذي يأخذ الجواز كأنه دخل الجنة، يعني: فرحته تعدل فرحة دخول الجنة نسأل الله العافية؛ لأنه في عناء وبلاء وكبت، فهو لما يأخذ الجواز يعرف أنه متنفس.. سيخرج، هذه هي الحرية؟ هذه الحرية المزيفة التي نعيش فيها، هذا مثل ما يقال: ضيف ولكن بسجن، فالآن أنت ضيف عندنا ولكن مسجون، لا تسجني ولا تضيفني اتركني امش طريقاً فيه الأدلاء.
كثير الآن من الناس إذا مر عليه يقول: لا داعي لتعلم هذه الأحكام، وهذا غلط قطعاً وجزماً، وإذا جرى من صالح فيقال: غفلة، وإذا جرى من غيره يقال: خبث، ونسأل الله أن يحفظنا من الوصفين.
شروط سراية الولاء للأبناء
أولهما: أن لا يمس ذلك الفرع رق لأحد، فينبغي أن يكون الأولاد ولدوا أحراراً ما عليهم رق لأحد من خلق الله، يعني: لو قدر أن إنساناً كان رقيقاً عند إنسان، وله أولاد أرقاء أيضاً عند غيره، ثم هذا الإنسان أعتق الأب، والأولاد لا زالوا أرقاء، فالولاء لمن أعتقهم، ولا تأخذ حق الغير لأنك أعتقت الأب.
إذاً: إذا كان الأب كما قلنا رقيقاً، وأعتقت أباه فصارت العصوبة على الأب وعلى أولاده الأحرار؛ لأن الولاء كالنسب، والنسب يتبع الأب، فهذا ينتسب إلى أبيه، فنسبه لأبيه، والولاء الذي على أبيه ينتقل إليه، ولو كان الولد رقيقاً لأحدٍ فولاؤه لمباشر عتقه، يعني: المعتق أولى بالعصوبة من معتق أصله، إذ كيف نقدم العتق بالسراية على العتق المباشر؟
الشرط الثاني: يشترط أن لا يكون أحد أبويه حر الأصل، فلو كان الأب حراً في الأصل، أي: ما أعتقه أحد، فلا يكون على أولاده ولاء لأحد؛ لأن الولاء لحمة كلحمة النسب. وهذا حديث شريف صحيح، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ) وتقدم معنا أيضاً عند مبحث المبعض، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في السنن الكبرى، والشافعي في مسنده، وإسناده حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه البيهقي عن ابن عمر وإسناده حسن، ورواه الطبراني أيضاً عن عبد الله بن أبي أوفى فصار عن ثلاثة من الصحابة، ابن عمر وعلي وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم أجمعين ومعناه: حكمك حكم القطعة من النسب، والبضعة من النسب، فكما أنه لا يجوز أن تبيع ولدك ولا ابنتك. ولا أن تهبهما فكذلك الولاء، فإذاً: الولاء كالنسب، فبما أن الولد يتبع أباه في النسب، فإذا كان الأب حراً لا ولاء على الولد مطلقاً، أما إذا كان الأب الأصل حراً والابن رقيقاً فهذا موضوع آخر؛ لأن هذا ليس الولاء عليه بطريق السراية، وإنما بطريق المباشرة، يعني: افرض أن أباً أسلم، وهو عندنا حر، وذريته كافرة، قاتلناهم ثم أسرناهم فاسترققنا أولادهم، فولد هذا المسلم رقيق عندنا فإذا أعتقه من يملكه فله الولاء عليه، وأبوه حر، لكن ولاء عليه مباشر ونحن نتكلم عن السراية، لا نسري عليه ولا لأحد ما دام الأب حراً، أما الولاء المباشر فهذا أمر آخر.
إذا كان الأب حر الأصل لا يمكن أن يكون أولاده عليهم الولاء لأحد؛ لأنه إذا كان حر الأصل فإنهم يتبعونه في النسب، فإذا تبعوه في النسب يتبعوه في عدم وجود ولاء عليهم؛ لأنه لا يوجد ولاء على أبيهم، ولأن الولد يتبع أباه إذا كان عليه الولاء، فكذلك يتبعه في سقوط الولاء.
وإذا كان على الأب ولاء لأحد، فالأولاد ولاؤهم لمعتق أبيهم، فإذا كان الأب ليس عليه ولاء لأحد كما تبعوه في سريان الولاء عليهم بسبب معتق أبيهم يتبعونه في عدم وجود ولاء أحد عليهم؛ لأن أباهم ليس عليه ولاء لأحد.
وإذا كانت الأم حرة الأصل، فلا يمكن أن يكون على ولدها ولاء أيضاً لأحد؛ لأن الولد يتبع أمه في انتفاء الرق عنها، فلأن يتبعها في انتفاء الولاء من باب أولى، إذا كانت حرة الأصل فهو حر، وإذا كانت حرة الأصل لا ولاء لأحد عليها، ولا ولاء لأحد على أولادها، لأنها ليست بمعتقة، بل حرة الأصل، والأب حر الأصل، وعليه لو تزوج حر معتقة، أولاده أحرار لا ولاء لأحد عليهم قطعاً، ولو تزوج معتق حرة الأصل أولاده أحرار لا ولاء لأحد عليهم مطلقاً، ولو تزوج معتق معتقة الولاء لمعتق الأب لا لمعتق الأم.
إذاً: الصورة التي يمكن أن يكون فيها ولاء على الأولاد والأحفاد معتق معتقة، فالولاء لمعتق الأب على الأولاد والأحفاد مهما نزلوا.
ولو كانت الأم حرة الأصل يتبعها في انتفاء الرق والولاء ففي انتفاء الولاء أولى.
تبعية المولود لوالديه
أولها المولود يتبع خير أبويه دينه، لا يتقيد الدين لا بأم ولا بأب، وعليه لو تزوج يهودي يهودية -ثم أسلمت اليهودية سيحكم بإسلام الأولاد، ولو تزوج مسلم نصرانية، ثم جاء أولاد يحكم بإسلامه مباشرة، فهو يتبع خير أبويه دينه؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
وهنا مسألة يقررها أبو حنيفة حقيقة وهي مما يدل على سعة أفق هذا الإمام، ونظره لمقاصد الإسلام في معاملته لبني الإنسان، يقول: لو أن لقيطاً ادعاه مسلم رقيق ونصراني حر ولا بينة، فالمسلم يقول: هذا مني، وهو ولدي، والنصراني يقول: مني وهذا ولدي، ولا بينة فما الذي يقدم؟ هل يلحقه بالنصراني ليكون حراً، أو بالمسلم ليكون عبداً ورقيقاً، هل نحكم بإسلامه مع الرق، أو بكفره مع الحرية، أبو حنيفة يقول: نقدم الأحظ للمدعى عليه وهو المولود، الأحظ أن يكون حراً، فنلحقه بأبيه النصراني، قالوا له: كيف قدمت الكفر على الإسلام؟ قال: ما قدمت شيئاً، هذا عقله معه والإسلام لا يحتاج بعد ذلك إلا إلى أن ينظر الإنسان فقط في دين الله فيهتدي، لكن أنا إذا جعلته رقيقاً هذا لو صار من الصديقين فليس بإمكانه أن يحرر نفسه، فأنا أنظر للأصلح للولد، فالإسلام بإمكانه على الدوام، لكن ليس بإمكانه أن يتحرر، انظر لهذا النظر من هذا الإمام الجليل.
الحكم الثاني: يتبع أباه في النسب، وبناء على ذلك يترتب أحكام كثيرة منها التسمية وهذه من حق الأب، ليس من حق الأم، لأنه ينتمي إليه فيسميه بما شاء، أما أن يأخذ بعد ذلك رأيها فهذا موضوع آخر، لكن هذا تابع له، والله يقول: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233].
الحكم الثالث من أحكام المولود: يتبع أمه في الحرية والرق، فإن كانت الأم حرة فهو حر، وإن كانت رقيقة فهو رقيق، إلا في حالتين اثنتين:
الحالة الأولى: إذا تزوج حر رقيقة يظنها حرة، أو تزوجها على أنها حرة، يعني: غرر به بعض الناس فقال: هذه حرة، فبانت أمة، فالأولاد منها أحرار وعليه لمالك أمهم دفع قيمتهم، وفي الصورة الأولى يدفع من ماله، وفي الصورة الثانية يرجع على من غرره وخدعه وقال إنها حرة وبانت أمة.
الصورة الثانية: إذا تزوج حر رقيقة وشرط على سيدها أن أولاده منها أحرار، ورضي السيد، صح النكاح وصح الشرط، فالأولاد الذين يأتون من هذه الأمة يكونون أحراراً، من أجل تنازل السيد عنهم.
ويجوز للإنسان أن يتزوج الأمة بشرطين إن كان خشي على نفسه العنت، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فما عنده طول وقدرة على نكاح الحرة، ويخشى على نفسه من الزنا، فنكاح الأمة خير من الزنا، مع أن نكاح الأمة سيرق الأولاد، يعني: سيولد الولد ويملكه مالك الزوجة، ويأخذه يبيعه في السوق ووالده ينظر إليه، لكن استرقاق الولد أحسن من ضياع الدين، يعني: إذا زنا نزع الإيمان منه، فهو بين أمرين: إما يصبر أو زواج الأمة.
وبهذا نصل إلى نهاية الدرس، والحمد لله رب العالمين.