خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8328"> سلسلة فقه المواريث
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
فقه المواريث - موانع الإرث [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين! اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين!
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك! سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك!
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليم كثيراً.
أما بعد: إخوتي الكرام! كنا نتدارس موانع الإرث, وغالب ظني أننا انتهينا من دراسة مانعين اثنين: الرق والقتل. والموانع المجمع عليها ثلاثة كما تقدم معنا:
ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث
رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين
تقدم الكلام على الرق وعلى القتل.
وندخل إن شاء الله في هذه الموعظة في المانع الثالث المجمع عليه، ثم نتدارس الموانع المختلف فيها.
وقبل أن نشرع في مدارسة ذلك أحب أن أبين لكم أمراً كنت وعدتكم به في سبب نزول قول الله جل وعلا: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. تقدم معنا إخوتي الكرام! أنه ثبت في تفسير الطبري ومصنف الإمام عبد الرزاق والأثر رواه عبد بن حميد والإمام البيهقي في السنن بإسناد صحيح، عن أنس رضي الله عنه أن سيرين مولاه سأله الكتابة فامتنع, فقال له عمر رضي الله عنه: لتكاتبنه أو لأوجعن ظهرك, وأراد أن يعلوه بالدرة. كما تقدم معنا.
وقلت: إن هذا الأثر ليس بسبب لنزول الآية؛ لأن هذا وقع في عهد عمر رضي الله عنهم أجمعين، إنما الآية نزلت في صبيح مولى حويطب , ذكر ذلك أئمتنا, انظروا الإصابة في تمييز أسماء الصحابة في الجزء الثاني صفحة ست وسبعين ومائة؛ وصبيح مولى حويطب بن عبد العزى قال ابن السكن وابن حبان : يقال: له صحبة, وقال البخاري في تاريخه: عبد الله بن صبيح عن أبيه كنت مملوكاً لـحويطب وهو خال محمد بن إسحاق . انتهى. وروى ابن السكن والجارودي من طريق ابن إسحاق عن خالد عن عبد الله بن صبيح عن أبيه, وكان جد ابن إسحاق أبا أمه, يعني: صبيح جد محمد بن إسحاق من جهة الأم, قال: كنت مملوكاً لـحويطب فسألته الكتابة, ففي أنزلت: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ [النور:33], الآية. قال ابن السكن : لم أر له ذكراً إلا في هذا الحديث.
وهكذا ذكر أيضاً الإمام ابن الأثير في أسد الغابة في معرفة أسماء الصحابة الجزء الثالث صفحة ثمانية، صبيح مولى حويطب بن عبد العزى هو جد محمد بن إسحاق من قبل أمه فيما ذكر سلمة عن محمد بن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح عن أبيه, وكان جد ابن إسحاق أبا أمه, قال: كنت مملوكاً لـحويطب فسألته الكتابة, فنزلت: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم .
خلاصة الكلام: أن سبب نزول الآية التي في سورة النور هو طلب صبيح من سيده حويطب بن عبد العزى أن يكاتبه, فلما امتنع نزلت الآية تأمره بمكاتبته، وتأمر المسلمين بمكاتبة أرقائهم إذا طلبوا ذلك منهم. وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. وقد تكرر مثل هذا في عهد عمر رضي الله عنه من قبل سيرين مع أنس رضي الله عنهم أجمعين. فكونوا على علم بذلك إخوتي الكرام! لأنه تقدم معنا أن ذلك ليس سبباً لنزول الآية، وإنما سبب نزولها قصة صبيح مع مولاه حويطب , والعلم عند الله جل وعلا.
أما المانع الثالث وهو الذي سنتدارسه: اختلاف الدين. هذا المانع إخوتي الكرام! له حالتان: اختلاف الدين بين المؤمنين والكافرين, هذه الحالة الأولى, واختلاف الدين بين الكفار الملعونين, يعني: هل يرث اليهودي من قريبه النصراني, هذه مسألة ثانية، والمسألة الأولى: هل يرث المسلم من الكافر وهل يرث الكافر من المسلم؟ هذا في المسألة الأولى. فإذاً لنفصل الكلام على هذين الشقين.
الأول: بين المسلمين والكافرين، إذا اختلف الدين هل يوجد توارث؟ مسلم له قريب نصراني أو يهودي، أسرة نصرانية أسلم مثلاً منها فرد، إنسان تزوج يهودية ثم مات هل ترثه؟ أو ماتت هل يرثها؟ لاختلاف الدين. الآن كما قلنا في الشق الأول اختلاف الدين بين المسلمين وغيرهم, هل يوجد توارث أم لا؟ لأئمتنا في ذلك أربعة أقوال, أفصل الكلام عليها ودليل كل منها إن شاء الله.
القول الأول: امتناع التوارث بين المسلم والكافر مطلقاً
الأول: لا ولاية ولا معاضدة ولا مناصرة بين المؤمنين والكافرين، الولاية بينهم منقطعة، فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وهكذا الكفار بعضهم أولياء بعض، وسبب الإرث: نسب وولاية، فلا ولاية بيننا وبين الكفار، وإذا كانت الولاية منعدمة فلا إرث إذاً بيننا.
الأمر الثاني: النصوص الصحيحة الصريحة عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأنه لا توارث إذا اختلف الدين بين المورث والوارثين، إذا اختلف الدين فلا توارث، مورث ميت، وارثون أحياء، دين مختلف لا توارث بينهم، هذا وردت به الأحاديث الصحيحة الصريحة, منها: ما في مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك والكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربع إلا سنن النسائي فهو ليس فيها، هذا الحديث لم يخرجه الإمام النسائي , إنما أخرجه أهل السنن الثلاثة وصاحبا الصحيحين, والحديث رواه الدارمي أيضاً ورواه جم غفير من أئمتنا المحدثين في كتبهم كالإمام الدارقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك وأبو داود الطيالسي في مسنده والإمام ابن الجارود في المنتقى, وهو من أصح وأصح الأحاديث بإخراج الشيخين له, كما تقدم معنا هو في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حبه رضي الله عن أسامة وعن أبيه وعن سائر الصحابة الكرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتوارث أهل ملتين, ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). ( لا يتوارث أهل ملتين ), يعني: أهل دينين مختلفين لا توارث بينهما، ( ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). فالإرث بين من اختلفت أديانهم منتف. ( لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). والحديث كما قلت في أعلى درجات الصحة.
وثبت في الصحيحين أيضاً وسنن أبي داود ومن طريقه أخرج الإمام البيهقي الحديث في السنن الكبرى عن أسامة بن زيد أيضاً رضي الله عنهما قال: ( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ) في العام الثامن للهجرة: ( أين تنزل غداً )؟ أين يكون مقامك في مكة؟ ( أتنزل في دارك ) التي كنت تسكنها قبل الهجرة المشرفة؟ وهي التي استولي عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: ( وهل ترك لنا
وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وهل ترك لنا
ثبت في موطأ الإمام مالك عن علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله ورضي الله عنه قال: إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ، ولم يرثه علي , نزيد عليه وجعفر ، ولم يرثه علي أي: وجعفر أيضاً، وإنما خص علي بن الحسين علياً لأنه جدٌّ له ليبين أنه ما حصل لنا شيء من تركة أبي طالب . ولم يرثه علي أي: وجعفر , فلذلك تركا نصيبهما من الشعب، من شعب أبي طالب الذي كان يتملكه أبو طالب .
إذاً: ( وهل ترك لنا
حديث ثالث: رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن وهكذا الإمام ابن ماجه والحديث رواه الدارقطني في سننه أيضاً وابن الجارود في المنتقى وهو صحيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). شتى بمعنى: مختلفين متفرقين, لا يتوارث أهل ملتين متفرقين متباعدين متباينين مختلفين, هذا مسلم وذاك نصراني، لا يرث المسلم النصراني، ولا النصراني المسلم. ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). والحديث رواه الحاكم في المستدرك, وانظروه في الجزء الرابع صفحة خمس وأربعين وثلاثمائة, والبيهقي في السنن الكبرى في الجزء السادس صفحة ثمان عشرة ومائتين أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: ( لا يرث المسلم الكافر, ولا الكافر المسلم ), زاد البيهقي في السنن: ( ولا يتوارثون أهل ملتين )، أي: لا يقع الإرث بين أهل ملتين مختلفتين.
والحديث أيضاً روي عن صحابي آخر, وهي عن رواية رابعة, رواها الإمام الترمذي في السنن بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا توارث بين أهل ملتين ).
هذه أربعة أحاديث صحاح كما رأيتم, كلها تدل على أنه لا توارث بين المورث والورثة إذا اختلف الدين بينهما، فلا يرث المؤمن الكافر، ولا يرث الكافر المؤمن. وبذلك أفتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, ثبت في موطأ الإمام مالك والسنن الكبرى للإمام البيهقي وإسناد الأثر صحيح عن محمد بن الأشعث : أن عمة له يهودية توفيت أو نصرانية يهودية أو نصرانية، فذكر ذلك لـعمر رضي الله عن الصحابة أجمعين، فذكر ذلك لـعمر وسأله من يرثها؟ فقال عمر رضي الله عنه: يرثها أهل ملتها. ثم أتى محمد بن الأشعث عثمان بن عفان رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، فسأله عن ذلك مرة ثانية لعله يطمع أن يكون الإرث للمسلمين وإن كانت يهودية أو نصرانية, فسأله عن ذلك, فقال له عثمان : أتراني نسيت ما قال لك عمر ؟ يعني: أنت لا تعلم أنني كنت حاضراً عندما أفتاك عمر ؟ وأن إرثها لأهل ملتها, أتراني نسيت ما قال لك عمر ؟ يرثها أهل دينها. هذا كلام عثمان , والأول كلام عمر , يرثها أهل ملتها, يرثها أهل دينها. فبذلك أفتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
إخوتي الكرام! كما قلت هذا مذهب الجمهور: أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو رواية عن الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً ورضي عنهم, وقد نسب هذا القول إلى الجمهور الإمام ابن المنذر كما حكاه عنه الحافظ في الفتح في الجزء الثاني عشر صفحة خمسين من فتح الباري, حكى أن هذا القول هو قول الجمهور عن ابن المنذر , ولا داعي لحكايته لا عن ابن المنذر ولا عن غيره رضي الله عنهم أجمعين، فقد تقدم معنا أنه قال به ثلاثة من الأئمة الأربعة, وهو رواية أيضاً عن الإمام أحمد . وهذا القول فيما يظهر هو أرجح الأقوال كما قلت؛ لأمرين: الأمر الأول: لا ولاية بين المؤمنين والكافرين ولا مناصرة ولا رباط.
الأمر الثاني: نصوص صريحة صحيحة في هذه المسألة, فالوقوف عندها أسلم، والعلم عند الله عز وجل.
القول الثاني في هذه المسألة ذهب إليه الإمام أحمد في الرواية الأخرى عنه، في رواية ثانية وسيأتينا له رواية ثالثة أيضاً.
القول الثاني: جواز إرث المسلم الكافر بالولاء
أسباب ميراث الورى ثلاثه كل يفيد ربه الوراثه
وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب
وتقدم معنا أن الولاء سبب للإرث من جانب أو من جانبين؟ من جانب واحد, فالمعتق وارث؛ لأنه من بالعتق, والعتيق لا يرث من أعتقه؛ لأنه لا علاقة له به, أما المعتق فوارث, فإذا مات عتيقه ولم يكن له وارث من النسب جاء هذا وورث عن طريق التعصيب؛ لأنه تقدم معنا أن الولاء عصوبة؛ سببها نعمة المعتق على عتيقه على رقيقه بالعتق ولو بعوض.
فالإمام أحمد يقول: المعتق يرث عتيقه بالولاء وإن اختلف الدين سواء كان المعتق كافراً أو مسلماً.
والإمام أحمد أيد هذا بما رواه الإمام الدارقطني في السنن والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام, قال الإمام الدارقطني : والمحفوظ أنه موقوف، يعني: هذا من كلام عن جابر رضي الله عنه موقوفاً عليه, ولا يثبت رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام. والأثر صحيح, لكن كما قلت صحح أئمتنا وقفه لا رفعه. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته. قال الإمام أحمد : ويقاس عليه العكس, فلا يرث النصراني المسلم إلا أن يكون عبده أو أمته؛ لعلة الولاء في المعتق سواء كان كافراً أو مسلماً. وهذا في الحقيقة لا دلالة فيه أبداً على التسليم بثبوته؛ لأنه ليس المراد من الإرث هنا الإرث عن طريق أسباب الإرث, إنما المراد انتقال المال من الرقيق إلى سيده لا في حال عتقه, إنما هذا قبل عتقه, ولذلك سماه عبداً أو أمة. لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته. ليس هنا إرث, أي: أن هذا النصراني صار حراً أنت أعتقته, وإنما أطلق عليه لفظ الإرث؛ لأن ماله انتقل إليه؛ لأن ما يكسبه العبد ما يحصله يكون للسيد فقط, فأطلق عليه لفظ الإرث ولم يرد به الإرث الاصطلاحي, إنما يريد ملك ما يملكه العبد ملك لسيده وإن كان العبد نصرانياً أو يهودياً. فقوله: إلا إن كان عبده أو أمته لا يراد منه الإرث الاصطلاحي, إنما يراد منه أن ما في يد العبد أو الأمة يكون للسيد؛ لأن العبد كما تقدم معنا ذكراً أو أنثى لا يرثه أحد من أقاربه. وقد تقدم معنا, أن الرق مانع للإرث من جانبين, فهو لا يرث أحداً؛ لأنه لو ورث آل المال إلى سيده, والسيد أجنبي عن مورثي الرقيق, والرقيق لا يرثه أحد من أقاربه؛ لأنه لا يملك شيئاً, فماله ملك لسيده.
فقوله: لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته. المراد من الإرث هنا: انتقال مال العبد في حال رقه وانتقال مال الأمة في حال رقها إلى السيد بعد موتهما، لا عن طريق الإرث, لأسباب الإرث التي تقدمت معنا, لا توارث, إنما هذا مال انتقل؛ لأن ذاك يملكه من يملك العبد.
هذا إظهار ما أجاز به الجمهور عن هذا القول, أنه إذا قيل لنا: إنه على التسليم قول جابر رضي الله عنه، قول جابر لا يمكن أن يكون عن طريق الرأي، فإذاً: لا بد من أن نخص منه عموم ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). نخص ذلك العموم بهذه الصورة الواردة، نقول: لا تخصيص؛ لأن هذا معناه: ليس الإرث المصطلح عليه, انتقال ما بيد العبد إلى مالكه بعد موته. وهذا جواب الجمهور. وتلك النصوص باقية على إطلاقها وعمومها, لا تخص ولا تقيد. والعلم عند الله جل وعلا.
هذا دليل جواب الجمهور, وهو جواب كما قلت محكم سديد رشيد.
القول الثالث: جواز إرث الكافر من المسلم إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة
وهذا كما علله بهذا التعليل يريد به أن يرغبه في الإسلام، وقواه أيضاً بدليل منقول, وهو ما رواه أبو داود في السنن وهكذا الإمام ابن ماجه في سننه أيضاً والبيهقي في السنن الكبرى وانظروا في الجزء التاسع صفحة اثنتين وعشرين ومائة, والأثر رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما, وإسناد الحديث صحيح في هذه الروايات والأثر رواه الطبراني من طريق آخر, لكن فيه محمد بن الفضل , هذا في رواية الطبراني , ليس في الرواية الأولى, وفيه محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف جداً كما قال الهيثمي في المجمع في الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين ومائتين، والروية الأولى كما تقدم معنا صحيحة تغني عن هذه في سنن أبي داود وابن ماجه والبيهقي وأحاديث الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام ). فإذاً: هنا الحكم مناط بالقسم لا بالحالة التي تكون عند موت المورث، هذا المال الذي تركه المورث قسم, إذا لم يقسم كيف سيوزع على مستحقيه عند القسم، من يرث عند القسم نعطيه سواء كان وارثاً عند موت المورث أو لم يكن وارثاً، فما قسم في الجاهلية على ما قسم، وإذا جاءت القسمة في ظل الإسلام وفي عهد الإسلام على حسب قسم الإسلام, فعند قسم التركة أمن الوارث, قسم من أدركه الإسلام, فينبغي أن يرث الوارث من مورثه الذي مات وهو على خلاف دينه, لكنه الآن صار موافقاً له في الدين. هذا دليل, والحديث صحيح كما قلت.
والحديث رواه أيضاً الإمام الطبراني في معجمه الكبير بإسناد صحيح، قال الحافظ الهيثمي في المجمع: خلا حسان بن بلال , وهو ثقة, يعني: إسناد الأثر صحيح, رجاله رجال الصحيح إلا حسان بن بلال لكنه ثقة, والبقية كلهم من رجال الصحيح من رجال البخاري ومسلم , انظروا مجمع الزوائد في المكان المتقدم في الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين ومائتين, عن حسان بن بلال أن يزيد بن قتادة حدث أن رجلاً من أهله مات وهو على غير دين الإسلام, قال: فورثته أختي دوني. وأخته لم تكن مسلمة فورثت ذاك الرجل الذي مات, ويزيد بن قتادة ما ورث من قريبه الكافر شيئاً قال: فورثته أختي دوني، وكانت على دينه, ثم إن أبي أسلم, فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً, وهو قتادة , فأحرزت ميراثه, فالذي يرثه الآن يزيد , وأخته كافرة لا ترث, وكان ترك غلاماً ونخلاً، فأسلمت أختي وخاصمتني إلى عثمان في الميراث, فحدثني عبد الله بن الأرقم أن عمر قضى أن من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه. قال: فقضى به عثمان , أي: ورث الأخت أخت يزيد بن قتادة من أبيها مع يزيد ؛ لأن القسم لم يقسم. فقضى به عثمان قال يزيد بن قتادة : فذهبت بذلك الأول كله. ميراث قريبنا الكافر قبل أن تسلم أخذته كله, وشاركتني في هذا. والأثر كما قلت إسناده صحيح. فذهبت بذلك الأول كله, وشاركتني في هذا.
إشكال في إرث الكافر ممن هو على دينه من قرابته مع وجود من يحجبه وجوابه
لكن هب أنه يوجد لـقتادة وارث آخر, افرض له زوجة، المال ما قسم, هو الآن يذكر أن نقودها شاركته فيه الأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن من الذي يرثه؟ هذا مسكوت عنه، يعني: من الذي نص على أنه لا يوجد وارثا آخر مع يزيد ؟ هذا كله أيضاً لا بد من تقديره، يعني: التركة لم تقسم، افرض أن قتادة عندما مات ترك زوجة, فما قسمت بين هذا الابن وبين تلك الزوجة.
المقصود أنه ما حصل القسم وإفراز حصة يزيد من أبيه قتادة , ما تميز, لا زال كما مات إما شركة ما استولى عليها هو وحازها، وإما هناك زوجة لم تكن أماً لـيزيد , زوجة أخرى ما أخذت نصيبها, الله عليم ما الذي حصل، المقصود أن هذه التي هي أخت لـيزيد أسلمت، فشاركت يزيد في نصيبه، أما هل في كل المال هناك وارث آخر؟ العلم عند الله, يعني: الآن إذا صارت أختاً له سترث نصف ما يرث, و لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. لكن ما هي القصة بتفاصيلها، لا يعني فائدة منها أن يقال: كان الورثة فلاناً وفلاناً وفلاناً, لا داعي, المقصود قسم لم يقسم، فلما عرضت هذه على عثمان رضي الله عنه في عهده قضى بما قال به عمر رضي الله عنه، وأن القسم الآن يكون على حسب حال الورثة عند القسم، فورث الأخت مع الأخ، أما من الذي كان أيضاً من الورثة؟ هذا لا تعلق لنا به ولا فائدة منه؛ لأنه ليس المراد الآن كيف قسم الميراث على فلان وفلان؟ المراد أن هذه شاركت أخاها في الإرث، والقصة كما قلت لكم: إسنادها صحيح, لكن منهم الورثة بعد ذلك؟ هذا كما هو الحال في قصص القرآن، جزء جزئيات كثيرة عندم
القول الأول: وهو الذي عليه الجمهور: أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وهو رواية عن الإمام أحمد : أنه لا توارث بين المسلم والكافر مطلقاً, يعني: لا عن طريق الإرث العادي ولا عن طريق الولاية بسبب العتق ولا لشيء من الأشياء, متى ما اختلف الدين بين المسلمين والكافرين فلا توراث بين الطرفين، لا هذا يرث هذا ولا هذا يرث هذا. وهذا كما سيأتينا إخوتي الكرام! أظهر الأقوال وأقواها؛ لأمرين معتبرين:
الأول: لا ولاية ولا معاضدة ولا مناصرة بين المؤمنين والكافرين، الولاية بينهم منقطعة، فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وهكذا الكفار بعضهم أولياء بعض، وسبب الإرث: نسب وولاية، فلا ولاية بيننا وبين الكفار، وإذا كانت الولاية منعدمة فلا إرث إذاً بيننا.
الأمر الثاني: النصوص الصحيحة الصريحة عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأنه لا توارث إذا اختلف الدين بين المورث والوارثين، إذا اختلف الدين فلا توارث، مورث ميت، وارثون أحياء، دين مختلف لا توارث بينهم، هذا وردت به الأحاديث الصحيحة الصريحة, منها: ما في مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك والكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربع إلا سنن النسائي فهو ليس فيها، هذا الحديث لم يخرجه الإمام النسائي , إنما أخرجه أهل السنن الثلاثة وصاحبا الصحيحين, والحديث رواه الدارمي أيضاً ورواه جم غفير من أئمتنا المحدثين في كتبهم كالإمام الدارقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك وأبو داود الطيالسي في مسنده والإمام ابن الجارود في المنتقى, وهو من أصح وأصح الأحاديث بإخراج الشيخين له, كما تقدم معنا هو في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حبه رضي الله عن أسامة وعن أبيه وعن سائر الصحابة الكرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتوارث أهل ملتين, ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). ( لا يتوارث أهل ملتين ), يعني: أهل دينين مختلفين لا توارث بينهما، ( ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). فالإرث بين من اختلفت أديانهم منتف. ( لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). والحديث كما قلت في أعلى درجات الصحة.
وثبت في الصحيحين أيضاً وسنن أبي داود ومن طريقه أخرج الإمام البيهقي الحديث في السنن الكبرى عن أسامة بن زيد أيضاً رضي الله عنهما قال: ( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ) في العام الثامن للهجرة: ( أين تنزل غداً )؟ أين يكون مقامك في مكة؟ ( أتنزل في دارك ) التي كنت تسكنها قبل الهجرة المشرفة؟ وهي التي استولي عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: ( وهل ترك لنا
وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وهل ترك لنا
ثبت في موطأ الإمام مالك عن علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله ورضي الله عنه قال: إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ، ولم يرثه علي , نزيد عليه وجعفر ، ولم يرثه علي أي: وجعفر أيضاً، وإنما خص علي بن الحسين علياً لأنه جدٌّ له ليبين أنه ما حصل لنا شيء من تركة أبي طالب . ولم يرثه علي أي: وجعفر , فلذلك تركا نصيبهما من الشعب، من شعب أبي طالب الذي كان يتملكه أبو طالب .
إذاً: ( وهل ترك لنا
حديث ثالث: رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن وهكذا الإمام ابن ماجه والحديث رواه الدارقطني في سننه أيضاً وابن الجارود في المنتقى وهو صحيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). شتى بمعنى: مختلفين متفرقين, لا يتوارث أهل ملتين متفرقين متباعدين متباينين مختلفين, هذا مسلم وذاك نصراني، لا يرث المسلم النصراني، ولا النصراني المسلم. ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). والحديث رواه الحاكم في المستدرك, وانظروه في الجزء الرابع صفحة خمس وأربعين وثلاثمائة, والبيهقي في السنن الكبرى في الجزء السادس صفحة ثمان عشرة ومائتين أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: ( لا يرث المسلم الكافر, ولا الكافر المسلم ), زاد البيهقي في السنن: ( ولا يتوارثون أهل ملتين )، أي: لا يقع الإرث بين أهل ملتين مختلفتين.
والحديث أيضاً روي عن صحابي آخر, وهي عن رواية رابعة, رواها الإمام الترمذي في السنن بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا توارث بين أهل ملتين ).
هذه أربعة أحاديث صحاح كما رأيتم, كلها تدل على أنه لا توارث بين المورث والورثة إذا اختلف الدين بينهما، فلا يرث المؤمن الكافر، ولا يرث الكافر المؤمن. وبذلك أفتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, ثبت في موطأ الإمام مالك والسنن الكبرى للإمام البيهقي وإسناد الأثر صحيح عن محمد بن الأشعث : أن عمة له يهودية توفيت أو نصرانية يهودية أو نصرانية، فذكر ذلك لـعمر رضي الله عن الصحابة أجمعين، فذكر ذلك لـعمر وسأله من يرثها؟ فقال عمر رضي الله عنه: يرثها أهل ملتها. ثم أتى محمد بن الأشعث عثمان بن عفان رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، فسأله عن ذلك مرة ثانية لعله يطمع أن يكون الإرث للمسلمين وإن كانت يهودية أو نصرانية, فسأله عن ذلك, فقال له عثمان : أتراني نسيت ما قال لك عمر ؟ يعني: أنت لا تعلم أنني كنت حاضراً عندما أفتاك عمر ؟ وأن إرثها لأهل ملتها, أتراني نسيت ما قال لك عمر ؟ يرثها أهل دينها. هذا كلام عثمان , والأول كلام عمر , يرثها أهل ملتها, يرثها أهل دينها. فبذلك أفتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
إخوتي الكرام! كما قلت هذا مذهب الجمهور: أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو رواية عن الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً ورضي عنهم, وقد نسب هذا القول إلى الجمهور الإمام ابن المنذر كما حكاه عنه الحافظ في الفتح في الجزء الثاني عشر صفحة خمسين من فتح الباري, حكى أن هذا القول هو قول الجمهور عن ابن المنذر , ولا داعي لحكايته لا عن ابن المنذر ولا عن غيره رضي الله عنهم أجمعين، فقد تقدم معنا أنه قال به ثلاثة من الأئمة الأربعة, وهو رواية أيضاً عن الإمام أحمد . وهذا القول فيما يظهر هو أرجح الأقوال كما قلت؛ لأمرين: الأمر الأول: لا ولاية بين المؤمنين والكافرين ولا مناصرة ولا رباط.
الأمر الثاني: نصوص صريحة صحيحة في هذه المسألة, فالوقوف عندها أسلم، والعلم عند الله عز وجل.
القول الثاني في هذه المسألة ذهب إليه الإمام أحمد في الرواية الأخرى عنه، في رواية ثانية وسيأتينا له رواية ثالثة أيضاً.