خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/129"> الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/129?sub=66146"> اعتقاد أهل السنة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح اعتقاد أهل السنة [11]
الحلقة مفرغة
قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: [ويقولون: إن عذاب القبر حق يعذب الله من استحقه إن شاء، وإن شاء عفا عنه؛ لقوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فأثبت لهم ما بقيت الدنيا عذاباً بالغدو والعشي دون ما بينهما، حتى إذا قامت القيامة عذبوا أشد العذاب بلا تخفيف عنهم كما كان في الدنيا، وقال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124] يعني: قبل فناء الدنيا؛ لقوله تعالى قبل ذلك: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] بين أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة، وفي معاينة اليهود والنصارى والمشركين في العيش الرغد والرفاهية والرفاهة في المعيشة ما يعلم به أنه لم يرد به ضيق الرزق في الحياة الدنيا؛ حيث إن المشركين في سعة من أرزاقهم، وإنما أراد به قبل الموت بعد الحشر.
ويؤمنون بمسألة منكر ونكير على ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قول الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، وما ورد تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرون ترك الخصومات والمراء في القرآن وغيره، كقول الله عز وجل: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر:4] يعني: يجادل فيها تكذيباً بها. والله أعلم.
ويثبتون خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة إياه.
ثم خلافة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنه باستخلاف أبي بكر إياه.
ثم خلافة عثمان رضي الله عنه باجتماع أهل الشورى وسائر المسلمين عليها عن أمر عمر .
ثم خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ببيعة من بايع من البدريين عمار بن ياسر وسهل بن حنيف ومن تبعهما من سائر الصحابة مع سابقته وفضله.
ويقولون بتفضيل الصحابة الذين رضي الله عنهم].
من الإيمان بالغيب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وهذا داخل في قول الله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:2-3] أي: يؤمنون بكل ما غاب عنهم من أمر الآخرة ومقدماتها. فعذاب القبر ونعيمه أمر غيبي؛ لأنا لا نشاهده، ولذلك جعل من أمر الآخرة، ولو كنا نحن الذين نواري الأموات وندفنهم ونجهزهم، ولكن نعرف أنهم قد خرجوا من الدنيا ودخلوا في حيز الآخرة، فهم في عداد أهل الآخرة، وأمر الآخرة محجوب عنا لا نطلع على تفاصيله، فلذلك صار من الإيمان بالغيب، ودخل في الإيمان باليوم الآخر، فمن أركان الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، والقدر، فنقول: إن الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وما يكون في البرزخ داخل في اليوم الآخر.
يقول العلماء: (من مات فقد قامت قيامته) إذا مات الإنسان وخرج من الدنيا فقد قامت عليه القيامة؛ حيث إنه أصبح من أهل الآخرة، وطويت أعماله وختم عليها، لا يستطيعون نقصاً من السيئات ولا زيادة في الحسنات، علم مقعده من الجنة أو مقعده من النار، فدخل في عالم الآخرة وعرف مآله وحالته فيكون من أهل الآخرة.
ثم عذاب القبر ونعيمه هو أنه يعذب في البرزخ بحيث يصل العذاب إليه، أو ينعم بحيث يصل النعيم إليه، ومعلوم أن العذاب: هو الآلام التي تؤلم الإنسان ويتضرر بها، فالعذاب في الدنيا مثل الضرب والجلد والتجريح والطعن فهذا عذاب حسي، ومثل السب والثلب والعيب والقدح والقذف والإيذاء باللسان هذا يسمى عذاباً معنوياً، ولكن العذاب الذي ذكر في البرزخ هو عذاب حسي، والنعيم الذي ذكر في البرزخ هو نعيم حسي، ولكنه على الأرواح، فنقول: دلت على هذا العذاب مفصلاً الأحاديث الكثيرة، فمنها حديث البراء المشهور الذي روي في السنن والمسند وغيره، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال إلى الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت عليه ملائكة بيض الوجوه، معهم أكفان من الجنة وحنوط من الجنة، فيجلسون منه مد البصر، فيأتيه ملك الموت ويجلس عند رأسه فيقول: أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب! اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان. فيسلها من بدنه كما تسل الشعرة من العجين، فإذا أخذها لم يتركوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك الأكفان وذلك الحنوط، فيصعدون بها إلى السماء، ويخرج منها كأطيب ريح وجدت في الدنيا، ثم يمرون بها على الملائكة كلما مروا على ملأ من الملائكة سألوهم: ماهذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان. بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فإذا صعدوا بها إلى السماء يقول الله تعالى: ردوا عبدي إلى الدنيا؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. فتعاد روحه إلى جسده، ويأتيه ملكان فيجلسان عند رأسه فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. فيقولان: قد عرفنا ذلك، نم هنيئاً. فينام كنومة العروس لا يوقظه إلا أحب الخلق إليه، فيفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وريحانها، فإذا رأى ذلك قال: رب! أقم الساعة)، وفي رواية: (فيأتيه رجل طيب الريح، حسن الوجه، فيقول: أبشر باليوم الذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح)، والحديث طويل، وفيه أيضاً أحاديث أخرى، وهذا بالنسبة إلى أهل السعادة، وذكر بضد ذلك أهل الشقاوة فيقول: (إن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت عليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم حنوط من نار، وأكفان من النار، فيجلسون منه مد البصر، فيأتيه ملك الموت فيقول: أيتها الروح الخبيثة كانت في الجسد الخبيث! اخرجي إلى سخط من الله وغضب. فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك الأكفان من النار، فيصعدون بها إلى السماء، فيخرج منها كأنتن ريح كانت في الدنيا، وكلما مروا على ملأ من الملائكة قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان. بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فإذا وصلت إلى السماء أغلقت دونها أبواب السماء؛ لقوله تعالى: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40] فتطرح روحه طرحاً، وتعاد روحه في الجسد فيأتيه ملكان ... إلى آخره).
أدلة عذاب القبر ونعيمة
وقد أطال العلماء في ذكر عذاب القبر ونعيمه، وأورد ابن كثير رحمه الله الأحاديث التي وردت في ذلك عند قوله تعالى في سورة إبراهيم: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، وإن كان لم يستوفها، ولكنه أورد جملة كبيرة من الأحاديث.
قصص في عذاب القبر ونعيمة
وكذلك ذكر بعضهم أنهم دفنوا إنساناً، ولما دفنوه في قبره نسوا فأساً كانت معهم، فحفروا القبر، فلما حفروه وجدوا ذلك الميت قد أدخلت يداه ورقبته في حلقة الفأس، وقد أوثق عليها، فردوا عليه التراب ودفنوه، فوجدوا له عملاً سيئاً.
وذكر بعضهم أنه رأى قبراً كلما جاء الليل خرج صاحب القبر وعليه نار تشتعل ويشتعل قبره وهو فيه، فإذا طلع الصبح دخل في قبره، وأمثلة ذلك كثيرة.
وذكر ابن رجب أنه رؤي بعض أهل العلم بعد موته في المنام، وإذا في وجهه سفعة من حرق، فسُئل: ما سبب ذلك؟ فقال: دفن عندنا فلان بن فلان فلفحتنا النار لفحةً نالنا منها هذا الأثر. يعني الذي هو أثر في وجهه. وأشباه ذلك.
وهذه قصص تجدها في كتاب ابن رجب الذي يسمى (أهوال القبور في أحوال أهلها إلى النشور)، طبع طبعة قديمة، ثم طبع -مع الأسف- طبعة أخيرة مغلوطة وفيها سقط وأخطاء كثير، فالطبعة الأولى هي المضبوطة. وتجدها أيضاً في كتاب (الروح) لـابن القيم، فإنه استوفى ما يتعلق بعذاب القبر وتكلم عليه كلام علم لا كلام حكايات وخرافات، كعادته رحمه الله.
ولـابن أبي الدنيا مؤلفات صغيرة مطبوعة فيما يتعلق بعذاب القبر وحكايات وردت عنهم، وابن أبي الدنيا من علماء القرن الثالث رحمه الله، كان اهتمامه بهذه الحكايات والزهديات وما أشبهها.
وبالجملة فإن عذاب القبر ونعيمه ورد في السنة يقيناً، حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منه في الصلاة، قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال)، فأمرنا أن نستعيذ في صلاتنا من عذاب القبر، وكان دائماً يستعيذ بالله من عذاب القبر ويأمر بذلك أصحابه.
تكلم العلماء على عذاب القبر ونعيمه، وأوردوا في ذلك الأحاديث الكثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار)، والروضة معلوم أنها التي فيها الرياحين والأزهار والبهجة والسرور، والحفرة معلوم أنها إذا كانت من النار أن فيها حراً ووقوداً وجمراً وحرارة، ذُكر في الأحاديث أنه إذا كان مؤمناً فإنه يفسح له في قبره مد البصر، وإذا كان كافراً يضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، وأنه إذا كان مؤمناً يفتح له باب إلى الجنة، وإذا كان كافراً يفتح له باب إلى النار، ويأتيه من حرها وسمومها.
وقد أطال العلماء في ذكر عذاب القبر ونعيمه، وأورد ابن كثير رحمه الله الأحاديث التي وردت في ذلك عند قوله تعالى في سورة إبراهيم: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، وإن كان لم يستوفها، ولكنه أورد جملة كبيرة من الأحاديث.
ألف العلماء تأليفات واسعة فيما يتعلق بعذاب القبر ونعيمه، وكذلك أيضاً في الحكايات التي وقعت لبعض المعذبين أو لبعض المنعمين، وإن كذبها بعض من لم يتسع ذهنه لها، فقد ذكر الذهبي في بعض كتبه أن إنساناً مات أخوه، فجيء إليه يعزى وإذا به يبكي بكاءً شديداً، فقيل له: أما علمت أن الموت حق؟! فقال: بلى. ولكني أبكي على ما كان فيه أخي من العذاب. فسُئل: ما سبب ذلك؟ قال: سقطت لبنة فأدخلت يدي بين اللبن وإذا بالقبر يتلظى. يقول: فاحترقت يدي. وأراهم يده فيها حرق، فسألوه عن أخيه: ما عمله؟ فقال: كان لا يؤدي الزكاة. فقالوا: لعل ذلك مأخوذ من قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ [آل عمران:180].
وكذلك ذكر بعضهم أنهم دفنوا إنساناً، ولما دفنوه في قبره نسوا فأساً كانت معهم، فحفروا القبر، فلما حفروه وجدوا ذلك الميت قد أدخلت يداه ورقبته في حلقة الفأس، وقد أوثق عليها، فردوا عليه التراب ودفنوه، فوجدوا له عملاً سيئاً.
وذكر بعضهم أنه رأى قبراً كلما جاء الليل خرج صاحب القبر وعليه نار تشتعل ويشتعل قبره وهو فيه، فإذا طلع الصبح دخل في قبره، وأمثلة ذلك كثيرة.
وذكر ابن رجب أنه رؤي بعض أهل العلم بعد موته في المنام، وإذا في وجهه سفعة من حرق، فسُئل: ما سبب ذلك؟ فقال: دفن عندنا فلان بن فلان فلفحتنا النار لفحةً نالنا منها هذا الأثر. يعني الذي هو أثر في وجهه. وأشباه ذلك.
وهذه قصص تجدها في كتاب ابن رجب الذي يسمى (أهوال القبور في أحوال أهلها إلى النشور)، طبع طبعة قديمة، ثم طبع -مع الأسف- طبعة أخيرة مغلوطة وفيها سقط وأخطاء كثير، فالطبعة الأولى هي المضبوطة. وتجدها أيضاً في كتاب (الروح) لـابن القيم، فإنه استوفى ما يتعلق بعذاب القبر وتكلم عليه كلام علم لا كلام حكايات وخرافات، كعادته رحمه الله.
ولـابن أبي الدنيا مؤلفات صغيرة مطبوعة فيما يتعلق بعذاب القبر وحكايات وردت عنهم، وابن أبي الدنيا من علماء القرن الثالث رحمه الله، كان اهتمامه بهذه الحكايات والزهديات وما أشبهها.
وبالجملة فإن عذاب القبر ونعيمه ورد في السنة يقيناً، حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منه في الصلاة، قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال)، فأمرنا أن نستعيذ في صلاتنا من عذاب القبر، وكان دائماً يستعيذ بالله من عذاب القبر ويأمر بذلك أصحابه.
ذكر ابن القيم أن كثيراً من الفلاسفة الذين لا يؤمنون بالغيب أنكروا عذاب القبر، وادعوا أنه كذب، وقالوا: إننا بحثنا عن الميت بعد دفنه بثلاث فوجدناه على هيئته، ووضعنا على صدره الزئبق الذي هو أخف شيء حركةً فوجدناه لم يتغير، فكيف تقولون: إنه يجلس، وإنه يخاطب ويضرب بمرزبة من حديد، وإنه يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلان؟ أين هذا ونحن لم نجد فيه أي تغير عن حالته التي مات عليها؟
فأجابهم: إنكم في عالم والموتى في عالم آخر، فإن أهل الدنيا في عالم الدنيا والأموات في عالم البرزخ، وأهل الدار الآخرة في عالم الآخرة ولكل منهما حكم، فأهل الدنيا معروف أنهم يحس بعضهم ببعض وينظر بعضهم إلى بعض، ونسمع كلام أحدنا ونرى شخصه ونلمسه ونعرف شخصيته، وأما الذي من أهل البرزخ فإن روحه قد خرجت من بدنه، ونحن لا نعلم ماهية تلك الروح ولا كيفيتها، فالعذاب الذي تلاقيه لا ندري ما كيفيته، لكنا نتحقق أن الروح هي التي تتعذب وتتألم، أما الجسد الذي هو هذا اللحم والعظم ونحوه فإنه بعد الموت يفنى ويصير تراباً كما هو مشاهد، وكما ذكر الله ذلك عن الكفار في قولهم: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الإسراء:49] ، ينقلب تراباً كما في قوله: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ [طه:55] أي: نعيدكم فيها إلى أن تصيروا تراباً.
فالأحكام في البرزخ على هذه الروح، والروح بعد خروجها من الجسد تبقى إما منعمة وإما معذبة، ونحن لا نتصور ماهيتها، إن الأرواح التي تعمر هذه الأجساد عجز الخلق عن أن يتصوروا ماهيتها وأن يدركوا مما هي وأن يصلوا إلى تكييفها، فلذلك اقتصروا على قول الله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، اقتصروا على هذا فقالوا: هذه الروح نسلم أنها مخلوقة تبقى بعد خروجها من البدن، وإما أن تنعم وإما أن تعذب، وأن الحساب والعذاب في البرزخ على الأرواح.
والله تعالى قادر على أن يوصل الألم إلى الأجساد ولو كانت رماداً في التراب، ولكن العذاب الحقيقي والنعيم الحقيقي على هذه الروح مشاهد.
فالجن خلق ولكنا لا نراهم؛ لأنهم أروح ليس لهم أجساد، وإن كان لهم قدرة على أن يتشكلوا ويظهروا بمظاهر جسدية، ولكن الأصل أنهم أرواح، ولذلك لا نراهم، ولهم قدرة على ملابسة الإنس وأن يخالطوا الإنسي وينتشروا في جسده ويلاطفوه حتى تغلب روح الجني على روح الإنسي، فلذلك الذي معه مس من الجن تغلب روح الجني عليه، وذكر شيخ الإسلام أن الذي يصاب بهذا الجنون تتغلب عليه تلك الروح الجنية، وأنه إذا ضرب فإن الضرب يقع على الجني، ولهذا كان رحمه الله إذا جيء بمن هو مصروع من الجن يضربه ضرباً شديداً، فيصيح ذلك الجني ويتألم، وإذا خرج سأل الإنسي: هل أحسست بضرب؟ فيقول: ما أحسست بشيء ولا شعرت أنني ضربت. لأن الضرب يقع على ذلك الجني.
فنقول: هذه الروح التي فيك -أيها الإنسان- هي التي يحيا بها الجسد، فإذا نزعت من الجسد بقي الجسد جثة ليس فيه حياة، لا يتألم ولا يحس بضرب ولا بغيره، أين ذهبت تلك الروح؟ الله أعلم، تذهب إلى عالم الأرواح، يصيبها عذاب أو نعيم، وتلقى ما تلاقيه إن كانت سعيدة من السرور، وتلقى ما تلاقيه إن كانت شقية من العذاب والآلام، فهي في عالم ونحن في عالم.
وقد اختلفوا: أين تكون أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين؟
فذكر بعضهم أن أرواح المؤمنين في بئر زمزم -وقيل: إنها في السماء- وأن أرواح الكفار في بئر بحضرموت، ولكن هذا قول من الأقوال، والله تعالى قد ذكر شيئاً من ذلك في قوله: إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18]، قيل: المراد به أرواحهم، وإِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين:7] قيل: إنه أسفل سافلين. فالله أعلم بمقر هذه الأرواح، ولكن هي التي في هذه الدنيا تتألم وتتعذب.
فلا يلتفت إلى أقوال الفلاسفة الذين يقولون: إن الجسد لم يتغير، وإنا وجدناه على هيئته عندما وضعناه، وإنه لم يتحرك بأدنى حركة. نقول: صدقتم، فالجسد لا يتغير؛ لأنه جثة، ولكن الحساب والعقاب على الروح، وما ذكر من إجلاسه وسؤاله إنما يتوجه على الروح.
جواب مجمل ومفصل على منكري عذاب القبر
فأجاب عن ذلك ابن القيم بجوابين: مجمل ومفصل.
فالمجمل يقول فيه: ثبت بالسنة وفي السنة كفاية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بالكتاب والسنة، فإذا بينه في سنته وبين أسبابه وبين العذاب الذي يحصل به وبين نوعه وذكر بعض الأعمال التي يعذب بها، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه)، وفي الحديث: (أنه مَرَّ باثنين يعذبان في قبريهما فقال: أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة)، ثم ذكر أيضاً أن هذين من أسباب العذاب في القبر، ومر على مقبرة وسمع فيها صياحاً فقال: (يهود تعذب في قبورها).
لا شك أن مثل هذا أدلة واضحة، وكذلك الأمر بالاستعاذة من عذاب القبر في أحاديث كثيرة قد تبلغ حد التواتر، قد تكون -مثلاً- مائة حديث كلها في عذاب القبر، ألا يكون ذلك دليلاً؟! ألا يكون ذلك كافياً؟! يكفي أن نعتقد أن عذاب القبر ثابت، وأنه دلت عليه السنة النبوية فنقبلها ونتقبلها. هذا جواب.
والجواب الثاني جواب مفصل، ذكر فيه بعض الأدلة -وقد أشار إلى بعضها الإسماعيلي- يقول: إن عذاب القبر حق، يعذب الله من استحقه إن شاء وإن شاء عفا عنه. ثم ذكر أدلة، فالدليل الأول هذه الآية في سورة غافر: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] أثبت لهم ما بقوا في الدنيا عذاباً بالغدو والعشي دون ما بينهما، فإذا قامت القيامة عذبوا أشد العذاب.
ذكر بعضهم أنهم كشف لهم ورأوا في الصباح طيوراً تذهب إلى جهة وهي بيض، ثم ترجع في المساء وهي سود، فسألوا عن ذلك فقال بعضهم: هذه أرواح آل فرعون تذهب في الصباح وهي منعمة -يعني: بيضاء- فتلقى في النار وتحترق فيها وتعذب وترجع في العشي وقد انقلبت إلى السواد من الحرق يعني أن الله تعالى قادر على أن يجعلها في أجساد هذه الطيور كما فعل ذلك بالشهداء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة) أرواحهم فارقت أجسادهم، والله تعالى ذكر أنهم: أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فعلى هذا جعلت أرواحهم في أجواف الطير حتى يكون لها إحساس، واختير أن يكون الطير أخضر تدخل في الجنة وتعلق في شجر الجنة وتأكل من ثمارها وأزهارها حتى ترد إلى أجسادها.
فعلى هذا أرواح المؤمنين تنعم، سواء جعلت في أجواف الطير أو مستقلة، وأرواح الكافرين كآل فرعون تعذب فتحرق في النار وتلقى فيها وتتألم بهذا التألم الذي ذكره الله إلى أن تنقضي الدنيا، ويأتي يوم القيامة فيقال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
معنى المعيشة الضنك الحاصلة للكافرين
ليس كذلك، نشاهد ويشاهد من قبلنا أن كثيراً من المعرضين والكفار يعطون نعيماً في الدنيا ويتوسعون في المآكل والمشارب والمساكن والملابس والمراكب والفرش، ويؤتى عليهم بما يتمنونه من الأغذية والمشتهيات والفواكه والمستلذات والمآكل بأنواعها من اللحوم والخبز وما أشبهها، فأين المعيشة الضنك والله تعالى يقول: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124]؟!
إذاً هي في البرزخ، يلقى ضنكاً في البرزخ ولو لم يكن محتاجاً إلى المعيشة؛ لأن الأرواح في البرزخ لا تحتاج إلى غذاء ولا إلى أكل فالأكل خاص بالبدن، فتكون المعيشة هنا معناها اللذة والسرور، أو الهم والغم والتضييق والأذى والعذاب الذي تلاقيه تلك الأرواح، وهكذا اختار المؤلف أنه قبل فناء الدنيا لهم معيشة ضنك
ثم يقول الله تعالى بعد ذلك: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]، فذكر أنهم يحشرون في الآخرة على هذه الحال، يعني: قد فقدوا بصائرهم، فبين أن المعيشة الضنك التي قال الله: إنها لهم جزاء إعراضهم تكون قبل يوم القيامة؛ لأنه قال: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [طه:124]، فتبين أن المعيشة إما في الدنيا وإما في البرزخ.
ونحن نعاين اليهود والنصارى والمشركين في الدنيا في عيش رغيد ورفاهية في المعيشة وسعة في الرزق، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) بمعنى أن الكافر يعطى فيها ما يتمناه فكأنه في جنة، وأما المؤمن فإنه لا يأخذ منها إلا ما يقوته وما يعبر به حياته، فكأنه في سجن. ويقول الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ [الزخرف:33]، والسقف: ما يسقف به البيت من فضة، وَمَعَارِجَ [الزخرف:33]، يعني: السلم من فضة، عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا [الزخرف:33-34] يعني: من فضة وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ [الزخرف:34] جمع سرير، وَزُخْرُفًا [الزخرف:35] يعني: ذهباً، وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف:35]، فالحاصل أن هذه الآية دليل على أن المراد بالمعيشة الضنك عذاب القبر.
فإذا نظرنا إلى معيشتهم وما هم فيه من السعة علمنا أنه لم يرد ضيق الرزق في الحياة الدنيا؛ لوجود كثير من المشركين في سعة من أرزاقهم، وإنما أراد بعد الموت وقبل الحشر، أي: عذاب القبر. فتكون هذه الآية دليلاً على إثبات عذاب القبر.
ومن الأدلة التي ذكرها ابن القيم قول الله تعالى في سورة السجدة، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ [السجدة:21]، فالعذاب الأدنى فسر بأنه عذاب القبر.
ومن الأدلة قوله تعالى في سورة التوبة: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ [التوبة:101]، ( مرتين ) قيل: مرة في الدنيا ومرة في البرزخ، ثم يكون العذاب في الآخرة. وآيات أخرى استند إليها ابن القيم وبين أنها دالة عليه وإن لم تكن صريحة.
أنكر بعضهم أيضاً عذاب القبر، وقالوا: كيف لم يذكر في القرآن مع أنه من أركان الإيمان ومن أصوله؟
فأجاب عن ذلك ابن القيم بجوابين: مجمل ومفصل.
فالمجمل يقول فيه: ثبت بالسنة وفي السنة كفاية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بالكتاب والسنة، فإذا بينه في سنته وبين أسبابه وبين العذاب الذي يحصل به وبين نوعه وذكر بعض الأعمال التي يعذب بها، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه)، وفي الحديث: (أنه مَرَّ باثنين يعذبان في قبريهما فقال: أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة)، ثم ذكر أيضاً أن هذين من أسباب العذاب في القبر، ومر على مقبرة وسمع فيها صياحاً فقال: (يهود تعذب في قبورها).
لا شك أن مثل هذا أدلة واضحة، وكذلك الأمر بالاستعاذة من عذاب القبر في أحاديث كثيرة قد تبلغ حد التواتر، قد تكون -مثلاً- مائة حديث كلها في عذاب القبر، ألا يكون ذلك دليلاً؟! ألا يكون ذلك كافياً؟! يكفي أن نعتقد أن عذاب القبر ثابت، وأنه دلت عليه السنة النبوية فنقبلها ونتقبلها. هذا جواب.
والجواب الثاني جواب مفصل، ذكر فيه بعض الأدلة -وقد أشار إلى بعضها الإسماعيلي- يقول: إن عذاب القبر حق، يعذب الله من استحقه إن شاء وإن شاء عفا عنه. ثم ذكر أدلة، فالدليل الأول هذه الآية في سورة غافر: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] أثبت لهم ما بقوا في الدنيا عذاباً بالغدو والعشي دون ما بينهما، فإذا قامت القيامة عذبوا أشد العذاب.
ذكر بعضهم أنهم كشف لهم ورأوا في الصباح طيوراً تذهب إلى جهة وهي بيض، ثم ترجع في المساء وهي سود، فسألوا عن ذلك فقال بعضهم: هذه أرواح آل فرعون تذهب في الصباح وهي منعمة -يعني: بيضاء- فتلقى في النار وتحترق فيها وتعذب وترجع في العشي وقد انقلبت إلى السواد من الحرق يعني أن الله تعالى قادر على أن يجعلها في أجساد هذه الطيور كما فعل ذلك بالشهداء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة) أرواحهم فارقت أجسادهم، والله تعالى ذكر أنهم: أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فعلى هذا جعلت أرواحهم في أجواف الطير حتى يكون لها إحساس، واختير أن يكون الطير أخضر تدخل في الجنة وتعلق في شجر الجنة وتأكل من ثمارها وأزهارها حتى ترد إلى أجسادها.
فعلى هذا أرواح المؤمنين تنعم، سواء جعلت في أجواف الطير أو مستقلة، وأرواح الكافرين كآل فرعون تعذب فتحرق في النار وتلقى فيها وتتألم بهذا التألم الذي ذكره الله إلى أن تنقضي الدنيا، ويأتي يوم القيامة فيقال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].