البدعة وآثارها في محنة المسلمين [6]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]

أما بعد:

فقد كان إحساس الصحابة بالبدعة ونفورهم منها فوق كل تصور، وعندما نعرض بعض النماذج المبتدعة في زمن الصحابة نحن الآن نراها من المستحبات، وكانت عندهم من البدع؛ لأن الأمر كما قالت عائشة رضي الله عنها: يا ويح لبيد ! كيف قال:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب

فالذي عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى هذا النور، وعاش بعده الزمان الغدر يكون من أشد الناس غربة؛ لذلك فمحنة الصحابة في المعارك التي حدثت بينهم كانت شديدة، كان الواحد منهم مع أخيه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم إخوة متحابين، لا مشاكل بينهم على الإطلاق، ثم إذا بالزمان يدور، فالأخ الذي كان يصلي بجانب أخيه والقدم بالقدم .. والكتف بالكتف .. وربما كان يخرج اللقمة من فمه ليعطيها أخاه، فأصبح هذا يقاتل هذا وصارت حرب نفسية، من تكون أنت؟ وكانت عائشة نفسها تخوض بينهم، وهذا من أبلغ الأقوال وأعظمها حين قالت: يا ويح لبيد ! -قاتله الله- كلمة تعجب كيف استطاع أن يقول:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب

تتعجب عائشة من هذا الرجل، ومروان حدثه عروة فقال: يا ويح عائشة ! لو عاشت زماننا قال هشام راوي الحديث عن أبيه عروة : يا ويح ! عروة كيف لو عاش زماننا؟! ولا زال كل راوٍ يروي الحديث ويقول: يا ويح فلان كيف لو عاش زماننا؟!

وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون سنوات خداعة، يخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل الفاسق يتكلم في أمر العامة) كل هذا حدث.

الناصحون كذبة الآن! إذا قلت له: هذا لا يجوز .. هذا حرام، لا يصدق، والأفَّاك الكذَّاب الذي نعلم من نفاقه الظاهر أنه منافق يعتبر ناصحاً، والذين يصدقونه يعلمون أنه منافق، وهذه مشكلة! سنون خداعة!

فالبدعة من أكثر ما يواجه المسلمين وأخطرها، ومما يدل على خطورة البدعة أنه يفعلها الغبي ويظن أنها سنة، وهي كما قال القائل:

احذر عـدوك مـرة واحذر صديقك ألف مرة

فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة

لا يضرك إلا الذي أعطيته بطنك وكرشك، ولو غضب عليك أصبحت مفضوحاً، ومن المعلوم أن عدوك أنت محتاط منه دائماً، أما صديقك فلربما انقلب وهو عالم بالمضرة، فالمبتدع يلدغ في لباس الدين.

فمنظر المبتدع ما غر الصحابة الأوائل؛ لأنهم كانوا فقهاء، والمبتدع اليوم تراه يخرج ماله، وعنده بر وسخاء ليدافع عن البدعة، فعندما تقول لأبنائك احذروا هذا الرجل، يقوم أحدهم فيقول: لا هذا قائم .. ومتدين .. ومصلٍ .. ومتصدق بماله لماذا تنتقده اتق الله؟ ماذا تريدون أكثر من هذا؟ هذا عابد زاهد! هذا ما كان يغر الصحابة الأوائل؛ لأنهم تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم العلم تلقي الرجل الواعي.

استدار الزمان فكان أول من قال بالبدعة في القدر -وهي بدعة قبيحة جداً، والحمد لله الآن انقرضت هذه البدعة من المسلمين- معبد الجهني كان يقول: إن الأمر أُنف، وإن الله لا يعلم بالحدث إلا بعد وقوعه. هذا ملخص بدعته، أن علم الله ليس متقدماً على أفعال العباد، فإن الله عز وجل يكافئ بالفعل، فإذا عصاه شخص لا يعلم أنه سيعصيه إلا بعد وقوع الفعل من الفاعل، هذا هو معنى: الأمر أُنف.

معبد قرأ القرآن وتعلم العلم، أي: نزل إلى قعره، وكان زاهداً عابداً.

يقول يحيى بن يعمر : خرجت أنا حميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين -وكان من أهل البصرة، ومعبد الجهني كان بصرياً، وهذه البدعة خرجت من البصرة، في آخر زمن الصحابة- قال: (فخرجنا حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول معبد في القدر؟ قال: فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلاً المسجد، فاكتنفناه، قلت: أبا عبد الرحمن -وهذه كنية عبد الله بن عمر - إنه ظهر في زماننا أناس قرءوا القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم ما ذكر وأنهم يقولون: لا قدر وأن الأمر أُنف، فقال عبد الله بن عمر : إذا لقيتهم فأخبرهم أنني منهم براء، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ، لو أن أحدهم جاء بأُحد ذهباً ما قبل الله منه إلا أن يؤمن بالقدر). ثم استأنف وساق حديث الإيمان والإحسان والإسلام.

هذا عبد الله بن عمر الفقيه لا يضره أن يقال: زاهد عابد تقي ورع ليس لهذا علاقة، هذا شيء واتباع النبي صلى الله عليه وسلم شيء آخر، عبد الله بن عمر تلقى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم.

المبتدعة من أكثر الناس عبادة

لما جاء ذو الخويصرة والرسول عليه الصلاة والسلام يقسم غنائم حنين، قال: (يا محمد ! اعدل، فإنك لم تعدل -فهذه الكلمة هزت الصحابة هزاً فوالله إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ويلك! فمن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا؟!! وقال له: خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل) .

هكذا في الحديث المشهور، وفي ضبط آخر: (خبتُ وخسرتُ إن لم أعدل) وهذا الضبط واضح، أي: إن لم أعدل خبت وخسرت، و(خبتَ) أي: أنت، (وخسرتَ) إذا لم أعدل أنا.

إذاً: ما علاقته بالرجل؟

قال العلماء: لأنه إذا ظن أن نبيه لا يعدل فقد خاب وخسر بسوء ظنه في النبي صلى الله عليه وسلم، وأن سوء الظن بالنبي كفر، فهو خاب وخسر إذ ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدل فقد خاب وخسر.

فقالوا: (يا رسول الله! أفلا نقتله؟ فقال: دعوه، إنه يخرج من ضئضئ هذا -أي: من صلبه- أقوام، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام لـأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد والعشرة المبشرين وغيرهم.

يا أبا بكر ! مع أنك من أعدل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، سيأتي عليك زمان تحتقر صلاتك بجانب هذا المبتدع، إذا كان أبو بكر يتصدق بماله كله فكيف ينفق المبتدع؟!! إذا كان أبو بكر يقرأ القرآن وهو يبكي حتى لا يتبين الناس قراءته من البكاء، فماذا يفعل المبتدع؟!!

لكن الحال لمثل هؤلاء العباد أنه يصلي ويصوم وهو مبتدع، ويخرج من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ليته يخرج مشياً على قدمه، لكن يخرج بسرعة السهم إذا خرج من كبد القوس.

لا تنفعه صلاته ولا صيامه ولا صدقته تلك إذ جاء بالشبهة، لأنه أصبح من أسرع الناس خروجاً من دينه، إذاً: كثرة العبادة ليس لها علاقة بالاستقامة على الهدى والدين.

المبتدعة يعتقدون البدع ديناً

المبتدع يعتقد أن البدعة دين؛ لذلك فنحن نحجر على الطرق الصوفية بكل قوة، فهي ضاربة في ظهور المسلمين منذ ظهرت الدولة الفاطمية، ... إنهم يتكئون على هؤلاء المخرفين في تحقيق مآربهم بالشبه التي لا يعتمد عليها إطلاقاً، دعوه يتكلم، إن المجلة هذه تستمر، وهي تحرِّف عقائد المسلمين، وتستهدف الأخيار الأبرار من المسلمين بقصد الطعن في ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب ، شيخ الإسلام الذي قال للعلماء عندما ناظروه أمام السلطان قال: من لكم في وقت الشدة غيري؟ وقال: أنبئوني من يقول هذا الكلام، مجرد أنه قال هذا مدحاً لنفسه لا مانع أن يذكر من محاسنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي) وكان يقول ويقول، وقوله الحق، فقد يضطر الإنسان أن يقول لمن فعله أمام موجات التضليل للجماهير. الخيرة الأبرار على صفحات الصحف والمجلات، هذا من المحيط بنا مع شدة إنكاره، حتى وإن لم يستجب هذا الإنسان لا بد من إنكاره معذرة إلى الله تبارك وتعالى، لذلك نقاوم كل بدعة، ونحاول أن نرسخ هذا الشعور عند المسلمين، أن البدع تفعل أمامه ولا يشعرون بمصابهم في فقد السنن الحقيقية، كيف يعرف أن هذه بدعة وهو جاهل بالسنة؟!!

لذلك لا بد من تعليم الناس خير الهدي، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تنفيرهم من البدع.

البدعة قرينة الكفر وهي البوابة للخروج من الإسلام.

الجهم بن صفوان ما خرج من الدين إلا ببدعة، والجعد بن درهم ما خرج من الدين إلا ببدعة، وذو الخويصرة ما خرج من الدين إلا ببدعة.

فالمطلوب تعليم الناس السنة والصبر على تعليمهم، فتعليمهم السنن من أعظم القربات إلى الله، أعظم من صلاة النافلة، وأعظم من قيام الليل وصيام النهار والتصدق بكل المال.

لذلك صبر الإمام أحمد بن حنبل على مر الجلد وظل سنتين والأغلال في رجله، فها هو يذكر أكثر مما يذكر آباؤنا وأمهاتنا، نترحم ونترضى عليه أكثر من آبائنا وأمهاتنا، جعله الله لسان الصدق: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب:39] .

لذلك الإنسان عندما يتعرض للإرهاق والتعذيب والإهانة يرتفع قدره.

الإمام مالك يضرب ثلاثمائة جلدة حتى خلعت كتفه؛ لأنه أبى أن يفتي بإيقاع طلاق المكره، خلافاً لـأبي جعفر المنصور والي المدينة والذي كان يقول: إن طلاق المكره يقع، وكان الجلاد يجلد مالك حتى تنخلع كتفه، وهو صابر ولا يبدِّل ولا يداهن.

وكذلك في شأن الإمام أحمد ، قال علي بن المديني رحمه الله: وقى الله الأمة من الكفر مرتين: بـأبي بكر يوم الردة، وبـأحمد بن حنبل يوم الفتنة. ولذلك الإمام أحمد لقبوه بالصديق الثاني، فالصديق الأول هو أبو بكر ، والصديق الثاني هو أحمد بن حنبل ؛ لأنه ثبت في محنة يشيب لها رأس الولدان.

أمير المؤمنين نفسه المعتصم يقول له: (يا أحمد ! قلها، يا أحمد ! أريد أن أرحمك، فقال: يا أمير المؤمنين! أعطني سنداً من كتاب الله أو من سنة رسول الله أقول به).

ويدخل عليه عمه، فيقول: (قلها يا أحمد ! قلها يا أحمد ! كما قالها غيرك، قلها تقية، انج بنفسك، فيقول: يا عم! عرضت نفسي على السوط وعلى النار، فوجدتني لا أتحمل النار).

عالم أمين على عقائد الخلق، لا بد أن يشعر بها ويتحمل الأذى في سبيلها، ولولا أن العلماء صبروا ما وصلك دين، فلا تتصور أن ما وصل إليك من الدين وصل بسهولة، والله ما وصلك إلا على دماء أناس وأشلائهم وشردوا من ديارهم، وإن لم نقم به كما قاموا فسيبدل الله خيراً منا يبلغون كلمة الله، والذي ينحاز إلى جنب الله يحفظه.

لما جاء ذو الخويصرة والرسول عليه الصلاة والسلام يقسم غنائم حنين، قال: (يا محمد ! اعدل، فإنك لم تعدل -فهذه الكلمة هزت الصحابة هزاً فوالله إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ويلك! فمن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا؟!! وقال له: خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل) .

هكذا في الحديث المشهور، وفي ضبط آخر: (خبتُ وخسرتُ إن لم أعدل) وهذا الضبط واضح، أي: إن لم أعدل خبت وخسرت، و(خبتَ) أي: أنت، (وخسرتَ) إذا لم أعدل أنا.

إذاً: ما علاقته بالرجل؟

قال العلماء: لأنه إذا ظن أن نبيه لا يعدل فقد خاب وخسر بسوء ظنه في النبي صلى الله عليه وسلم، وأن سوء الظن بالنبي كفر، فهو خاب وخسر إذ ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدل فقد خاب وخسر.

فقالوا: (يا رسول الله! أفلا نقتله؟ فقال: دعوه، إنه يخرج من ضئضئ هذا -أي: من صلبه- أقوام، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام لـأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد والعشرة المبشرين وغيرهم.

يا أبا بكر ! مع أنك من أعدل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، سيأتي عليك زمان تحتقر صلاتك بجانب هذا المبتدع، إذا كان أبو بكر يتصدق بماله كله فكيف ينفق المبتدع؟!! إذا كان أبو بكر يقرأ القرآن وهو يبكي حتى لا يتبين الناس قراءته من البكاء، فماذا يفعل المبتدع؟!!

لكن الحال لمثل هؤلاء العباد أنه يصلي ويصوم وهو مبتدع، ويخرج من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ليته يخرج مشياً على قدمه، لكن يخرج بسرعة السهم إذا خرج من كبد القوس.

لا تنفعه صلاته ولا صيامه ولا صدقته تلك إذ جاء بالشبهة، لأنه أصبح من أسرع الناس خروجاً من دينه، إذاً: كثرة العبادة ليس لها علاقة بالاستقامة على الهدى والدين.

المبتدع يعتقد أن البدعة دين؛ لذلك فنحن نحجر على الطرق الصوفية بكل قوة، فهي ضاربة في ظهور المسلمين منذ ظهرت الدولة الفاطمية، ... إنهم يتكئون على هؤلاء المخرفين في تحقيق مآربهم بالشبه التي لا يعتمد عليها إطلاقاً، دعوه يتكلم، إن المجلة هذه تستمر، وهي تحرِّف عقائد المسلمين، وتستهدف الأخيار الأبرار من المسلمين بقصد الطعن في ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب ، شيخ الإسلام الذي قال للعلماء عندما ناظروه أمام السلطان قال: من لكم في وقت الشدة غيري؟ وقال: أنبئوني من يقول هذا الكلام، مجرد أنه قال هذا مدحاً لنفسه لا مانع أن يذكر من محاسنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي) وكان يقول ويقول، وقوله الحق، فقد يضطر الإنسان أن يقول لمن فعله أمام موجات التضليل للجماهير. الخيرة الأبرار على صفحات الصحف والمجلات، هذا من المحيط بنا مع شدة إنكاره، حتى وإن لم يستجب هذا الإنسان لا بد من إنكاره معذرة إلى الله تبارك وتعالى، لذلك نقاوم كل بدعة، ونحاول أن نرسخ هذا الشعور عند المسلمين، أن البدع تفعل أمامه ولا يشعرون بمصابهم في فقد السنن الحقيقية، كيف يعرف أن هذه بدعة وهو جاهل بالسنة؟!!

لذلك لا بد من تعليم الناس خير الهدي، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تنفيرهم من البدع.

البدعة قرينة الكفر وهي البوابة للخروج من الإسلام.

الجهم بن صفوان ما خرج من الدين إلا ببدعة، والجعد بن درهم ما خرج من الدين إلا ببدعة، وذو الخويصرة ما خرج من الدين إلا ببدعة.

فالمطلوب تعليم الناس السنة والصبر على تعليمهم، فتعليمهم السنن من أعظم القربات إلى الله، أعظم من صلاة النافلة، وأعظم من قيام الليل وصيام النهار والتصدق بكل المال.

لذلك صبر الإمام أحمد بن حنبل على مر الجلد وظل سنتين والأغلال في رجله، فها هو يذكر أكثر مما يذكر آباؤنا وأمهاتنا، نترحم ونترضى عليه أكثر من آبائنا وأمهاتنا، جعله الله لسان الصدق: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب:39] .

لذلك الإنسان عندما يتعرض للإرهاق والتعذيب والإهانة يرتفع قدره.

الإمام مالك يضرب ثلاثمائة جلدة حتى خلعت كتفه؛ لأنه أبى أن يفتي بإيقاع طلاق المكره، خلافاً لـأبي جعفر المنصور والي المدينة والذي كان يقول: إن طلاق المكره يقع، وكان الجلاد يجلد مالك حتى تنخلع كتفه، وهو صابر ولا يبدِّل ولا يداهن.

وكذلك في شأن الإمام أحمد ، قال علي بن المديني رحمه الله: وقى الله الأمة من الكفر مرتين: بـأبي بكر يوم الردة، وبـأحمد بن حنبل يوم الفتنة. ولذلك الإمام أحمد لقبوه بالصديق الثاني، فالصديق الأول هو أبو بكر ، والصديق الثاني هو أحمد بن حنبل ؛ لأنه ثبت في محنة يشيب لها رأس الولدان.

أمير المؤمنين نفسه المعتصم يقول له: (يا أحمد ! قلها، يا أحمد ! أريد أن أرحمك، فقال: يا أمير المؤمنين! أعطني سنداً من كتاب الله أو من سنة رسول الله أقول به).

ويدخل عليه عمه، فيقول: (قلها يا أحمد ! قلها يا أحمد ! كما قالها غيرك، قلها تقية، انج بنفسك، فيقول: يا عم! عرضت نفسي على السوط وعلى النار، فوجدتني لا أتحمل النار).

عالم أمين على عقائد الخلق، لا بد أن يشعر بها ويتحمل الأذى في سبيلها، ولولا أن العلماء صبروا ما وصلك دين، فلا تتصور أن ما وصل إليك من الدين وصل بسهولة، والله ما وصلك إلا على دماء أناس وأشلائهم وشردوا من ديارهم، وإن لم نقم به كما قاموا فسيبدل الله خيراً منا يبلغون كلمة الله، والذي ينحاز إلى جنب الله يحفظه.

لنكن صفاً واحداً في وجه البدع، فالدعوة أمر واجب، والوقوف في مواجهة المبتدعين في هذا البلد وفي غيره أولى من الوقوف في وجه اليهود، فهؤلاء اليهود أنت تعرفهم، وهؤلاء المبتدعة يقولون: قال الله .. وقال رسوله ويلبسون على الخلق، فهم أخطر على البلد من اليهود، والصوفية يعتقدون شيئاً خطيراً يقولون: لا فائدة من العمل، وقد تبين مقعده من الجنة ومقعده من النار.

إذاً: نحن لا قيمة لأعمالنا، وقد جاء في الحديث الصحيح: (أن الله لما خلق آدم مسح على ظهره؛ فأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، قال: هؤلاء إلى الجنة برحمتي، وهؤلاء إلى النار بعدلي) يقولون: إن الله قبض القبضة وقضى هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار انتهى الأمر وأراني من أهل السعادة، ويقولون: الآن لا فائدة من العمل.

يجلسون يشربون الحشيش ويسمرون عليها ويرقصون طوال الليل، أحد أهل البدع قال: -وحدثنا عنهم شخص منهم- يقول: من قال: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين غفرت ذنوبه، وإن ترك الصلاة، حتى تبعه أناس كثيرون، فهذا الرجل يريد أن يدخل الجنة بالمجان، وهو جالس لا يتصدق ولا يقوم الليل، لماذا لا تصلي؟ سوف يدخل الجنة، هذه الدعوة قابلت نفوساً خبيثة فاستقرت على الخبث.

يا جماعة! الرجل أراد الولد ولم يتزوج، يقول هو: سوف نخلف أبناءً هكذا، قالوا: هو لم يكن يتصور أن يأتي إلا بامرأة؟ لا، لو أن الله تعالى قدر له الولد سيعطيه الولد من غير امرأة، هي نفس دعوى: لو أن الله سبحانه وتعالى قدر عليه دخول الجنة سوف يدخلها بلا عمل، فلماذا يأكل إذاً؟ لو أن ربنا كتب له الحياة فإنه سوف يعيش من غير أكل! هل سوف يعيش؟ لماذا يأكل إذن؟ هذه هي الصورة نفسها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث علي بن أبي طالب والحديث في الصحيحين: (ما من نفس منفوسة إلا كتب مقعدها من الجنة ومقعدها من النار) قال رجل في بعض الروايات عن سراقة بن مالك : (قالوا: أفنترك العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم تلا هذه الآيات -: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]) .

التيسير لليسرى للمسلم إعطاء وتقوى وعمل، وهذا سبب يبذل، (فأما من أعطى واتقى) اسمع الكلام.

فكل شيء يؤدي إلى الجنة لا بد له من عمل، والصحابة فهموا ذلك كما قال سراقة بن مالك بعدما سمع الكلام من الرسول صلى الله عليه وسلم: (فلا أجدني أشد عملاً مني الآن) الآن الجماهير عندما تسمع هذه الآيات تركن، لماذا خالفوا الصحابة؟ لأنهم لا يحفظون كتاب الله.

والإيمان بالقضاء والقدر لا بد أن يكون مجملاً، والتفصيل فيه يضل العبد على طول؛ لأن حكمة الله لا تستطيع أن تصل إلى فهمها، ولا تعرف لماذا أشقى الله العلماء وعذبهم وأراح الأشقياء الكفرة؟ الذي يدل على الله أولى الناس بالسعادة، وأولى الناس بأن تكون الدنيا تحت قدمه. فما باله شقى.

ومن الدليل على القضاء وحكمه بئوس التقي وخدعة الأحمق

هذا من الدليل على القضاء، حار اللبيب في القضاء والقدر، لذلك لا يكون القضاء والقدر إلا مجملاً، إياك أن تفصل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا ذكر القدر فأمسكوا) لأنك لا تستطيع أن تصل إلى حل.

فهؤلاء الذين يعترضون على الله يقولون: إذا كان الله كتب عليَّ المعصية فلماذا يعذبني؟ ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن الله ظالم! ويجري هذا الفكر على ألسنة الجماهير، بسبب واحد خبيث لا يعمل ولا يعبد الله ومنحرف عن السنن، يقاوم أهل السنة في بلده، ويرى نفسه آمناً مطمئناً إطلاقاً لا يتصور أنه ممكن يقبض عليه أبداً.

لا بد من مقاومة البدع، وأن نعلم الناس السنن؛ حتى يقفوا في وجه المبتدعة، إننا خربنا كثيراً جداً في ديننا، الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقاومون البدعة ولو كانت أدق من سن الإبرة بكل علم، وهناك أحاديث كثيرة تدل على ذلك، مثل قصة عبد الله بن مسعود عندما أنكر على الذين يسبحون بالحصى وغيرها.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.