خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36181"> سلسلة البدعة وأثرها في محنة المسلمين
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
البدعة وآثارها في محنة المسلمين [3]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
للمبتدعة طرق شتى في تحريف القرآن والسنة يصلون بها إلى مرامهم، وهذه الخطبة بدايةٌ لفضح هذه الأساليب، فلا يختلف أحدٌ من العلماء أن أعظم جريمة تحيط بالمعنى وهي نزع الكلام عن السياق، وأنها تنتج نتيجة مغايرةً تماماً لما وضع الكلام له، وهذه طريقة يهودية صرفة.
قال الله تبارك وتعالى: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46]، وقال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13]، وقال : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41]، وقال: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ [البقرة:75] والذين فعلوا هذا هم اليهود، وهذا الكتاب ناطق عليهم فاضح لهم، والسنة أيضاً: ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً وامرأة من اليهود زنيا -رجلٌ محصن وامرأة محصنة، ومعروف أن حد الزاني المحصن عند اليهود كعندنا، وهو الرجم- وفي سنن أبي داود من طريق آخر: أن رجلاً من أحبار اليهود زنى بامرأة، فقال بعضهم لبعض: هلم إلى هذا النبي فإنه جاء بالتخفيف، فإن أتانا بشيء خفيف فعلناه واحتججنا به عند ربنا بأننا تحاكمنا إلى نبيك وحكم بذلك، وقال الله تبارك وتعالى لهؤلاء: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ [المائدة:43] فلما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن سلام وهو حبر اليهود الذي أسلم، قالوا: يا رسول الله! هذا رجلٌ زنى بهذه المرأة، قال: ألا تجدون شيئاً في كتابكم؟! قال: نجد الجلد والتغريب، قال: ائتوا بالتوراة، فجاءوا بالتوراة، فوضع القارئ يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك، فرفعها فوجد آية الرجم. والكلام عند علماء البيان ثلاثة: خلاف، وسباق، ولحاق، فهذا الكلام يسبقه كلام ويعقبه كلام، فإذا نزعت ما في الوسط عما قبله وبعده أعطاك معنىً مغايراً لما وضع الكلام له، فلو قرأ قارئ فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] وسكت، فهذا نزع للكلام عن السياق، وقد استفاد من هذا النزع شاعر ماجن وهو أبو نواس عندما قال:
دع المساجد للعباد تسكنهـا وطف بنا حول خمار ليسقينا
ما قال ربك ويل للأولى سكروا ولكن قال ويل للمصلينا
وهو كمن قرأ: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ [النساء:43] ولا يقرأ ما قبلها ولا ما بعدها، فهل وضع الكلام لذلك؟ لا.
إذاً: أخذ الكلام من السياق دون مراعاته قلب للحقائق، وإخراج لمعان جديدة لم يوضع لها الكلام، ومن جراء هذه العملية أيضاً قال من قال: إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، فهل هذا صحيح؟
قال: قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28]، وقال في كيد الشيطان: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76] كذبت. هذه عن السياق الأول وتلك عن السياق الثاني، فخرج بهذه النتيجة الخاطئة، ولو أخذ السياق كاملاً لاتضح الكلام، فكيد النساء ليس أعظم من كيد الشيطان أبداً؛ لكن الآية الأولى جاءت مقارنة بين كيد الرجال والنساء في قصة يوسف عليه السلام، فقال الله عز وجل: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28] أي: في مقابل كيد يوسف عليه السلام، والآية الثانية: كيد الشيطان في مقابل كيد الله، فلذلك كان كيد الشيطان ضعيفاً الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76] فهذا مقابل بكيد الله، فلا شك أن يكون ضعيفاً، فهذا أحد أسلحة المبتدعة؛ وهو: نزع الكلام من السياق، وهو أحد ألوان تحريفهم، لأنه تحريف الكلام عن مواضعه متعدد وهذا أحدها.
أدلة أهل البدع على تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة والرد عليها
فهذا الحديث أحد أدلتهم على وجود ما يسمى بالبدعة الحسنة، وأول سؤال يتبادر إلى الذهن: نحن نعلم أن البدعة طريقة في الدين مخترعة، ترى ما الذي اخترعه الأنصاري؟!
ما فعل الأنصاري أكثر من أنه جاء بصرة مال اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: القائل: (ليتصدق...) إذاً الذي جاء به الأنصاري صدقة، فعندما قيل: (ليتصدق أحدكم) جاء بصدقة، فهل الصدقة ابتدعها الأنصاري أم حض عليها تبارك وتعالى في الكتاب المنزل، وحض عليها النبي عليه الصلاة والسلام في كلامه؟
إذاً ما وجه الاحتجاج بهذا الحديث على وجود البدعة الحسنة؟ إنه لما فصل الكلام عن سياق الموضوع ظهر هذا المعنى الجديد، فليس في هذا الحديث حجة على الذين يقولون بالبدعة الحسنة، لاسيما وكلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يدخله مكذوب قط يمنع من القول بذلك، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة) جملة موجبةٌ كلية، (موجبة): لم يسبقها ناصب ولا جازم (كلية): أي مكبرةٌ بلفظ (كل) الذي يفيد العموم والشمول، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: (كل مسلم ....) فهي جملة من أقوى الجمل، بل هي قاعدةٌ فقهية لشمولها، ولا تسمى القاعدة قاعدة إلا إذا انتظمت كل الجزئيات تحتها.
إذاً لا يصير القول قاعدة إلا إذا كانت جميع الجزئيات تحته، وهذا الحديث قاعدة كلية.
ومما يحتج به أيضاً هؤلاء المبتدعة: قوله عليه الصلاة والسلام: (ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن، وما رأوه قبيحاً فهو قبيح).
والجواب: أن هذا الحديث لا أصل له مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له وجهٌ صحيح، إنما الصواب: أنه من كلام ابن مسعود ، لكن المبتدعة نزعوه من كلام ابن مسعود أيضاً.
فـابن مسعود لم يقل هذه الكلمة فقط، بل قال كلاماً قبلها، وإذا قرأت الكلام قبلها علمت كيف لعبوا أيضاً بكلام ابن مسعود ونزعوه من السياق، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله نظر في قلوب العالمين، فاختار قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لرسالته؛ ثم نظر في قلوب العالمين فاختار أصحابه له، فما رآه المسلمون حسناً فهو حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو قبيح).
فانظر إلى الجملة عندما وضعت في مكانها هل أفادت ما يحتج به؟
الجواب: لا.
(ثم نظر في قلوب أصحابه فاختارهم له، فما رآه المسلمون ..) فمن المقصود بالمسلمين هنا؟ إنهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، إذاً لفظ المسلم وإن خرج مخرج العموم فالمقصود به هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام بدلالة السياق، والسياق (أيها المسلمون) من المقيدات وهذه خطورته، وخطورة نزع كلمة أو جملة منه، فكلمة (عين) إذا سمعتها أيها العربي فأول شيء يتبادر إلى ذهنك أنها العين التي تبصر بها، فإذا سمعته يقول: صنعتها على عيني، هل يعني هذا أنه وضع شيئاً في عينه واشتغل فيه؟
(صنعته على عيني) أي: أوليته اهتمامي، والذي جعلك تؤول لفظ العين في المثال الثاني هو السياق، فإذا قلت: أرسلت إلى العدو عيناً، أليس هذا هو الجاسوس؟ تعددت معاني كلمة العين عندما أدخلتها في السياق، والسياق هو الذي يرجح المعنى، لذلك حذف كلمة أو جملة منه جريمة.
الفعل (رغب) يتعدى بحرف الجر (عن) مرة، و(في) مرة، وفي كلا التعديتين مناقضة للأخرى، تقول: رغبت في كذا أي: أردته، ورغبت عنه أي: كرهته، ما الذي حول هذا اللفظ؟
إنه السياق.
ولذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) أي: ما رآه الصحابة، بدلالة السياق؛ لأنه أورد هذا الكلام تعظيماً لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولئن قلنا: ليس المقصود بالمسلمين خصوص الصحابة، فيكون لفظ المسلمين يفيد إجماع المسلمين، والإجماع حجة شرعية ملزمة إذا ثبتت، وهو أحد الأدلة الأربعة المتفق عليها بين الجماهير، وهي: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، ومن العلماء من يكفر مخالف الإجماع، وأكثرهم يضللونه ويفسقونه.
فيكون اللفظ: (ما رآه المسلمون) أي: ما رآه العلماء المحققون إجماعاً قطعاً هو عند الله حسن، والدلالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة) والسر في ذلك أن أية أمة تبتدع بدعة أو تغير شيئاً في شريعتها كان الله ينزل نبياً، كما حدث لبني إسرائيل، فلما قضى الله تبارك وتعالى أن نبينا صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، ولو ابتدعت الأمم بدعة أو غيرت شيئاً من شريعتها فلن يرسل رسولاً؛ لأنه عصم الأمة أن تجتمع على ضلالة.
وليس المقصود بالأمة هنا من كانت في مصر أو في الشام، بل المقصود: مجموع الأمة كلها، فلو أجمع الناس في بلدنا على تحليل الخمر مثلاً، فطالما أن هناك في الشام من ينكرها فقد خرق الإجماع، ولا يكون إجماعاً حينئذٍ، ويستحيل أن تجد الأمة مجمعة على تحريم ما أحل الله، أو على تحليل ما حرم الله، وإلا ذهبت حجة الله على الخلق، بل ما من مكانٍ إلا ولله فيه قائم بحجة.
إذاً: قوله: (ما رآه المسلمون حسناً) لا يستفاد منه إلا تحريم أي شيء من البدع، لا سيما إذا علمنا أن البدعة هي طريقة في الدين مخترعة.
التفسير الباطني للآيات والأحاديث عند المبتدعة
يقول: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تخرج الشمس من مغربها) والشمس هي الإسلام، والمغرب هو أمريكا وأوروبا.
انظر إلى الكلام!! وهذا الحديث لو بحثت عنه -أيها المسلم- في جميع دواوين الإسلام لوجدته في كتاب الفتن، وما معنى كتاب الفتن؟
يعني: علامات الساعة، فهذا الحديث معناه: لا تقوم الساعة -أي: القيامة- حتى تخرج الشمس من مغربها، حينئذٍ تقوم الساعة، هذا هو فهم جميع علماء الإسلام لهذا الحديث، وهم الأولى بفهم الدين منا.
فما الذي ذلل هذا المعنى لهذا الرجل؟! إنه التأويل الباطني، إذ أن ظاهره لا يوحي بذلك، وأكثر من ارتكب هذه الطريقة هم الصوفية المبتدعة، وعلى رأسهم ابن عربي ، وهو النكرة ليس المحلى بالألف واللام، لأن عندنا عالم آخر اسمه ابن العربي ، وهذا عالم مالكي جليل اسمه: أبو بكر بن العربي ، لكن ابن عربي وابن سبعين ، وابن الفارض هؤلاء كلهم يدخلون في زمرة الذين قلبوا حقيقة الإسلام بما أسموه بالتأويل الباطني.
وهذا من تحريف الكلام عن مواضعه، ومن أخبث ما ارتكبوه قول ابن عربي في قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] قال: نزلت هذه الآية في أهل الورع (إن الذين كفروا) والكلام فيه تقدير لمحذوف، ومعناه: إن الذين كفروا إيمانهم، أي: غطوه وحجبوه، وأصل الكفر هو التغطية، ومنه سميت الكفور كفوراً، هناك بلاد سميت: كفور؛ لأنها عبارة عن مجموعة من البيوت التفت حولها الأشجار فسترتها عن العيون، والذين كفروا إيمانهم أي: غطوه وحجبوه لئلا يحبط بالرياء.
قال تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فلا يدخلها غيره وَعَلَى سَمْعِهِمْ فلا يسمعون إلا منه، وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ فلا يرون غيره، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7] أي: من المخالفين، هل هذا هو تفسير القرآن؟!!
كان يقول الإمام أحمد بن حنبل ما معناه: (إن القرآن ما وقر في سمع الرجل العامي) فأول ما تسمع القرآن فالمعنى الذي يكون في صدرك من القرآن هذا هو تفسير القرآن؛ لأن الله عز وجل أنزله حجة على كل الخلق على اختلاف طبقاتهم وثقافتهم.
وهذا مما فعله الصوفية بالقرآن الكريم، ولهم مخارج أخرى كثيرة سنتناولها، وهذ هو أس بدعتهم؛ لأنهم يحتجون بالقرآن والسنة، لذلك قلنا كثيراً ولا نزال نقول حتى نراه في واقع المسلمين: عقيدتنا القرآن والسنة بفهم السلف الصالح، هذا الخير هو الذي يميز أهل السنة والجماعة عن أهل البدعة والضلالة، فهم يحتجون بالقرآن والسنة على فهمهم هم.
هناك رجل من أكثر قرأة القرآن في هذا الزمان، ذهب ليقرأ القرآن في محافظة الشرقية لما ماتت أم أحد الأعيان، فجاء الرجل وجاء الناس من كل صوب ليروا هذا القارئ صاحب الصوت الشجي، فقرأ ولعلع وهاص الناس وانسجموا، وأنهى الثلاثة أرباع، فحلف عليه صاحبه أن يأتي بربع رابع ويحاسبه، فأبى وقال: عندي مواعيد، فقام له صاحبه -وكان يأخذ على الربع آنذاك في عام (75) و(76) أربعمائة جنيه- فقال: أليس هذا بكثير؛ أربعمائة جنيه في ربع؟ فقال: قال الله تبارك وتعالى: وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:41].
فهذا قارئ القرآن والقرآن يلعنه، يأخذ حساب الثلاثة أرباع ويضعه في البنك كأنما ما قرأ آية! ربا في القرآن الكريم! ولو جعلت الدنيا كلها ذهباً في مقابل حرف من كتاب الله، فإنك تكون قد اشتريت به ثمناً قليلاً، فهو متصور أنه كلما رفع السعر فهو يعظم القرآن، فاحتج بكلام الله على بدعته، وهذه كانت أعظم شوكة في ظهر المسلمين على مدار الأعصار والأزمان، تحريف آيات القرآن الكريم باسم التأويل، وما تعددت طرق المبتدعة في العقيدة وغيرها إلا بسبب هذا الأصل الذي ذكرت، فالتحريف سواء بنزع الكلام من السياق أو بلي أعناق الكلمات، كقول ابن عربي في قوله تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] قال: ليس المعنى ما يتبادر إلى ذهنك من ظاهر الكلام؛ لأن ظاهر الكلام أن الله تبارك وتعالى يقول: من الذي يشفع عند الله لنفسه أو لغيره إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، هذا هو معنى الكلام، لكن المعنى عند ابن عربي : (من ذا الذي) أي: من ذل نفسه، و(ذي): اسم إشارة، و(يشفع) من الشفاع، و(عِ) فعل أمر من وعى أي: عِ هذا الكلام واهتم به!!
أهذا في كتاب الله؟!! أليس هذا أولى بالقتل من قطاع الطرق؟ أليس هذا أولى بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف من المحاربين لله ورسوله، بل هذا من أعظم الحرب لله ورسوله، ما ضل اليهود والنصارى إلا بعد تحريف الكلام، وما ضل الذين جاءوا من بعد إلا بسبب تحريف الذين سبقوهم للكلام، وتحريف الكلام مستمر.
إدخال المبتدعة الزيادات غير الصحيحة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
(إن لقيتموهم فاقتلوهم)، ومكتوب في الأسفل: رواه البخاري ، وهو كذب مقطوع؛ لأنه يعلم أن الجماهير تقرأ ولا تبحث عن الأصالة ولا عن تأصيل الكلام، لا تكلف نفسها بعد سكوت العلماء، حتى هانوا على الناس، وجاءت الدائرة عليهم الآن فوضعوهم مع الوهابيين في خندق واحد، ألم تكتب مجلة (روز اليوسف) أن شيخ الأزهر هو الذي نشر التطرف، وجعلوا شيخ الأزهر مع الإرهابيين في خندق واحد، وجاءت الدائرة عليه لأنه سكت طويلاً، إن الشر إذا جاء لا يفرق بين أحدٍ، فهو يأخذ الكل كالطوفان الذي لا يميز.
فسكوتهم هو الذي جرأ هؤلاء عليهم، فوالله الذي لا إله غيره إن الراقصات يفتين في دين الله، ويؤخذ برأيهن في كلام الله ورسوله، وينشر هذا في الجرائد والمجلات، أهناك هوان أكثر من هذا؟!
كل مهنة لها نقابة إلا هذا الدين ليس له حمى، إن نقابة الأطباء أوقفت أشهر طبيب جراح في الجهاز الهضمي، والكل يعترف بكفاءته -وهو طبيب واحد في مصر ومعدود من أشهر الجراحين في العالم- عندما زعم أنه اخترع دواء للإيدز وجربه على بعض الآدميين، فأوقفوه، وقالوا: ليست أرواح الناس محل التجربة! وكيف يجرب هذا الدواء قبل أن يعرضه على لجنة وتقره؟ فأوقفوه ولم يراع منصبه العلمي، ولا الأوسمة التي حصل عليها؛ لأن هناك نقابة حماية تقوم بحماية أبدان الآدميين، لكن حماية دينهم لا تضر.
وجاءت الدائرة فلم تفرق، وقد قدح أحدهم في مجلة (روز اليوسف) في شيخ الأزهر قدحاً لا تقوله امرأة في شارع، وقال له: إن عدت عدنا، وإن قلت زدنا. فإذا أهينت أكبر عمامة في البلد ولم ينتصر لها فنحن سنداس بالنعال.
قلت لكم: إن للمبتدعة دولة وعندهم رأس مال، ولا يسأل أحدهم من أين لك هذا؟! لهم طرق شتى في تحريف كلام الله ورسوله، وما ذكرته الآن على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فهناك أمثال يشيب لها رأس الولد سنتعرض لها في هذا المسلسل، وهو فضح هؤلاء المبتدعة، وقبح طريقتهم في التعامل مع النصوص الشرعية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
احتج أهل البدع على تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، بالحديث الذي رواه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (بينما كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، مجتابي النمار؛ فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم، تمعر وجهه -مما رآهم عليه من الفاقة- فأمر
فهذا الحديث أحد أدلتهم على وجود ما يسمى بالبدعة الحسنة، وأول سؤال يتبادر إلى الذهن: نحن نعلم أن البدعة طريقة في الدين مخترعة، ترى ما الذي اخترعه الأنصاري؟!
ما فعل الأنصاري أكثر من أنه جاء بصرة مال اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: القائل: (ليتصدق...) إذاً الذي جاء به الأنصاري صدقة، فعندما قيل: (ليتصدق أحدكم) جاء بصدقة، فهل الصدقة ابتدعها الأنصاري أم حض عليها تبارك وتعالى في الكتاب المنزل، وحض عليها النبي عليه الصلاة والسلام في كلامه؟
إذاً ما وجه الاحتجاج بهذا الحديث على وجود البدعة الحسنة؟ إنه لما فصل الكلام عن سياق الموضوع ظهر هذا المعنى الجديد، فليس في هذا الحديث حجة على الذين يقولون بالبدعة الحسنة، لاسيما وكلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يدخله مكذوب قط يمنع من القول بذلك، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة) جملة موجبةٌ كلية، (موجبة): لم يسبقها ناصب ولا جازم (كلية): أي مكبرةٌ بلفظ (كل) الذي يفيد العموم والشمول، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: (كل مسلم ....) فهي جملة من أقوى الجمل، بل هي قاعدةٌ فقهية لشمولها، ولا تسمى القاعدة قاعدة إلا إذا انتظمت كل الجزئيات تحتها.
إذاً لا يصير القول قاعدة إلا إذا كانت جميع الجزئيات تحته، وهذا الحديث قاعدة كلية.
ومما يحتج به أيضاً هؤلاء المبتدعة: قوله عليه الصلاة والسلام: (ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن، وما رأوه قبيحاً فهو قبيح).
والجواب: أن هذا الحديث لا أصل له مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له وجهٌ صحيح، إنما الصواب: أنه من كلام ابن مسعود ، لكن المبتدعة نزعوه من كلام ابن مسعود أيضاً.
فـابن مسعود لم يقل هذه الكلمة فقط، بل قال كلاماً قبلها، وإذا قرأت الكلام قبلها علمت كيف لعبوا أيضاً بكلام ابن مسعود ونزعوه من السياق، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله نظر في قلوب العالمين، فاختار قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لرسالته؛ ثم نظر في قلوب العالمين فاختار أصحابه له، فما رآه المسلمون حسناً فهو حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو قبيح).
فانظر إلى الجملة عندما وضعت في مكانها هل أفادت ما يحتج به؟
الجواب: لا.
(ثم نظر في قلوب أصحابه فاختارهم له، فما رآه المسلمون ..) فمن المقصود بالمسلمين هنا؟ إنهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، إذاً لفظ المسلم وإن خرج مخرج العموم فالمقصود به هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام بدلالة السياق، والسياق (أيها المسلمون) من المقيدات وهذه خطورته، وخطورة نزع كلمة أو جملة منه، فكلمة (عين) إذا سمعتها أيها العربي فأول شيء يتبادر إلى ذهنك أنها العين التي تبصر بها، فإذا سمعته يقول: صنعتها على عيني، هل يعني هذا أنه وضع شيئاً في عينه واشتغل فيه؟
(صنعته على عيني) أي: أوليته اهتمامي، والذي جعلك تؤول لفظ العين في المثال الثاني هو السياق، فإذا قلت: أرسلت إلى العدو عيناً، أليس هذا هو الجاسوس؟ تعددت معاني كلمة العين عندما أدخلتها في السياق، والسياق هو الذي يرجح المعنى، لذلك حذف كلمة أو جملة منه جريمة.
الفعل (رغب) يتعدى بحرف الجر (عن) مرة، و(في) مرة، وفي كلا التعديتين مناقضة للأخرى، تقول: رغبت في كذا أي: أردته، ورغبت عنه أي: كرهته، ما الذي حول هذا اللفظ؟
إنه السياق.
ولذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) أي: ما رآه الصحابة، بدلالة السياق؛ لأنه أورد هذا الكلام تعظيماً لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولئن قلنا: ليس المقصود بالمسلمين خصوص الصحابة، فيكون لفظ المسلمين يفيد إجماع المسلمين، والإجماع حجة شرعية ملزمة إذا ثبتت، وهو أحد الأدلة الأربعة المتفق عليها بين الجماهير، وهي: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، ومن العلماء من يكفر مخالف الإجماع، وأكثرهم يضللونه ويفسقونه.
فيكون اللفظ: (ما رآه المسلمون) أي: ما رآه العلماء المحققون إجماعاً قطعاً هو عند الله حسن، والدلالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة) والسر في ذلك أن أية أمة تبتدع بدعة أو تغير شيئاً في شريعتها كان الله ينزل نبياً، كما حدث لبني إسرائيل، فلما قضى الله تبارك وتعالى أن نبينا صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، ولو ابتدعت الأمم بدعة أو غيرت شيئاً من شريعتها فلن يرسل رسولاً؛ لأنه عصم الأمة أن تجتمع على ضلالة.
وليس المقصود بالأمة هنا من كانت في مصر أو في الشام، بل المقصود: مجموع الأمة كلها، فلو أجمع الناس في بلدنا على تحليل الخمر مثلاً، فطالما أن هناك في الشام من ينكرها فقد خرق الإجماع، ولا يكون إجماعاً حينئذٍ، ويستحيل أن تجد الأمة مجمعة على تحريم ما أحل الله، أو على تحليل ما حرم الله، وإلا ذهبت حجة الله على الخلق، بل ما من مكانٍ إلا ولله فيه قائم بحجة.
إذاً: قوله: (ما رآه المسلمون حسناً) لا يستفاد منه إلا تحريم أي شيء من البدع، لا سيما إذا علمنا أن البدعة هي طريقة في الدين مخترعة.