شرح العقيدة الطحاوية [13]


الحلقة مفرغة

الكلام على آية: (وما يعمر من معمر)

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[واعلم أن الدعاء يكون مشروعا نافعاً في بعض الأشياء دون بعض، وكذلك هو، ولهذا لا يجيب الله المعتدين في الدعاء، وكان الإمام أحمد رحمه الله يكره أن يدعى له بطول العمر، ويقول: هذا أمر قد فرغ منه.

وأما قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: (مِنْ عُمُرِهِ) إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه، أي: ونصف درهم آخر فيكون المعنى: ولا ينقص من عمر معمر آخر، وقيل: الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة.

وحمل قوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:38-39]، على أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة.

وأن قوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] اللوح المحفوظ، ويدل على هذا الوجه سياق الآية، وهو قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، ثم قال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39] أي: من ذلك الكتاب وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] أي: أصله وهو اللوح المحفوظ.

وقيل: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول، وهو قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه بل من عند الله، ثم قال: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:38-39] أي: أن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها ثم تنسخ بالشريعة الأخرى، فينسخ الله ما يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل ويثبت ما يشاء، وفي الآية أقوال أخرى، والله أعلم بالصواب].

هذا يتعلق بعلم الله تعالى بالكائنات قبل وقوعها وبتحديدها وتقديرها، ومن ذلك أن الله تعالى حدد أجل كل إنسان وقدر عمره كما في هذه الآية، وهي قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] أي: الذي يعمر فيطول عمره هذا مكتوب، والذي ينقص من عمره فيموت وهو صغير أو وهو شاب أو وهو كهل لم يبلغ سن الشيخوخة أو الكبر، فذلك أيضاً مكتوب عمره ومحدد، وهو معنى الآيات التي فيها ذكر الآجال، كقوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] أي: ساعة، وكقوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11] أي: أجلها المحتوم المكتوب، فلا بد أن يكون موتها في الوقت الذي كتب الله.

ولما قال المنافقون في غزوة أحد: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168] -يعنون إخوانهم- قال الله: قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ [آل عمران:168] يعني: أنتم سوف تموتون فادفعوا الموت عن أنفسكم، وفي آية أخرى قال لهم: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154] يعني: الله تعالى قد كتب القتل على هؤلاء الذين قتلوا، فلو تحصنوا في بيوتهم لجعل الله لهم أسباباً يبرزون بها ويخرجون حتى يأتيهم الأجل الذي كتب عليهم ولا بد.

وهذا من حيث العموم، فيعتقد المسلمون أن الله سبحانه قدر الآجال وحددها.

سبق القدر لا ينافي جواز الدعاء بطول العمر ونحو ذلك

واختلف في جواز الدعاء بطول العمر، كأن يقال: اللهم متعني بأولادي أو بأخي أو ما أشبه ذلك.

وقد مر بنا الحديث الذي فيه إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أم حبيبة في قولها: (اللهم متعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية . فأنكر عليها وقال: لقد سألت الله لآجال مضروبة، وأعمار محدودة، وأرزاق مقسومة) وأخبرها أنها لو سألت الله تعالى أن يعيذها من عذاب النار وعذاب القبر لكان خيراً.

وذكر الشارح هنا أن الإمام أحمد كان يكره أن يدعى له بطول العمر، وقد اختلف في جواز ذلك، ولكن الصحيح أن ذلك جائز إن شاء الله، كما يدعى للإنسان بالجنة وبالمغفرة وبالرزق وبالحياة الطيبة وما أشبه ذلك، وكما يدعو الإنسان أيضاً لنفسه بهذه الأشياء، وقد سبق أن بينا أدلة ذلك، وأن هذا لا ينافي كونها مقدرة؛ فإن القدر عام لكل شيء حتى للجنة والنار، والله تعالى قد علم أهل الجنة ومع ذلك هم مأمورون بسؤالها.

فلا يقال: لا تسأل الجنة لأنك إن كنت مكتوباً من أهلها فإنك ستصير من أهلها، بل يقال: سل الله الجنة، وقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (تسألونه الجنة وتستعيذون به من النار)، وأقر ذلك الأعرابي الذي قال: (إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار. فقال: حولها ندندن) يعني: أننا ندندن ونسأل ونكثر من السؤال في طلب الجنة والنجاة من النار.

فإذا كان قد كتب على الإنسان مقعده من الجنة أو مقعده من النار، ولا ينافي ذلك أن يسأل الله الجنة؛ فكذلك قد كتب له رزقه الذي سوف يأتيه ولا ينافي ذلك أنه يطلبه ويعمل ويتكسب، وقد كتب له أيضاً ما سوف يكتسبه أو يحويه، ومع ذلك فهو مأمور بأن يسأل الله رزقاً واسعاً حلالاً، أو ما أشبه ذلك، ومأمور أيضاً بأن يسأل ربه حياة سعيدة وحياة طيبة ولو كان ذلك مكتوباً.

والحاصل أن كتابة الأعمار، وكتابة الأرزاق والآجال، وكتابة السعادة والشقاوة، وكتابة كل شيء يأتي الإنسان؛ لا تنافي أن يسأل ولا تنافي أن يعمل.

وهكذا أيضاً هو مأمور بالسؤال ومأمور بالعمل، ولكن مع كونه مكتوباً فقد يكون معلقاً على سبب، كأن يقول الله أو يكتب الله: إننا سنرزقه بسبب سؤاله، أو: نجعله من أهل الجنة بسبب كثرة إلحاحه بالدعاء، أو: نوسع عليه رزقه بسبب كثرة طلبه؛ فيكون هذا الدعاء سبباً أزلياً، فيقال: قد كتب الله أنه يسأل ويكون سؤاله من الأسباب التي يرزق بسببها ويسعد بسببها ويكتسب بسببها وما أشبه ذلك.

وهذا كما يفعل في الأشياء الحسية، فإن الإنسان مأمور بأن يأكل وبأن يشرب وبأن يتزوج وبأن يكتسي وبأن يبني سكناً وما أشبه ذلك، وإن كان ذلك أيضاً مكتوباً له.

فعلى كل حال كتابة الأشياء في الأزل وكتابة الأعمار في هذه الآية وغيرها لا تنافي أن يسأل الإنسان ربه وأن يدعوه، فالله تعالى قد أمر بدعائه، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وغير ذلك من الآيات، وكما أمر بالعمل فقال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ [التوبة:105].

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[واعلم أن الدعاء يكون مشروعا نافعاً في بعض الأشياء دون بعض، وكذلك هو، ولهذا لا يجيب الله المعتدين في الدعاء، وكان الإمام أحمد رحمه الله يكره أن يدعى له بطول العمر، ويقول: هذا أمر قد فرغ منه.

وأما قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: (مِنْ عُمُرِهِ) إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه، أي: ونصف درهم آخر فيكون المعنى: ولا ينقص من عمر معمر آخر، وقيل: الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة.

وحمل قوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:38-39]، على أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة.

وأن قوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] اللوح المحفوظ، ويدل على هذا الوجه سياق الآية، وهو قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، ثم قال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39] أي: من ذلك الكتاب وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] أي: أصله وهو اللوح المحفوظ.

وقيل: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول، وهو قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه بل من عند الله، ثم قال: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:38-39] أي: أن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها ثم تنسخ بالشريعة الأخرى، فينسخ الله ما يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل ويثبت ما يشاء، وفي الآية أقوال أخرى، والله أعلم بالصواب].

هذا يتعلق بعلم الله تعالى بالكائنات قبل وقوعها وبتحديدها وتقديرها، ومن ذلك أن الله تعالى حدد أجل كل إنسان وقدر عمره كما في هذه الآية، وهي قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] أي: الذي يعمر فيطول عمره هذا مكتوب، والذي ينقص من عمره فيموت وهو صغير أو وهو شاب أو وهو كهل لم يبلغ سن الشيخوخة أو الكبر، فذلك أيضاً مكتوب عمره ومحدد، وهو معنى الآيات التي فيها ذكر الآجال، كقوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] أي: ساعة، وكقوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11] أي: أجلها المحتوم المكتوب، فلا بد أن يكون موتها في الوقت الذي كتب الله.

ولما قال المنافقون في غزوة أحد: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168] -يعنون إخوانهم- قال الله: قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ [آل عمران:168] يعني: أنتم سوف تموتون فادفعوا الموت عن أنفسكم، وفي آية أخرى قال لهم: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154] يعني: الله تعالى قد كتب القتل على هؤلاء الذين قتلوا، فلو تحصنوا في بيوتهم لجعل الله لهم أسباباً يبرزون بها ويخرجون حتى يأتيهم الأجل الذي كتب عليهم ولا بد.

وهذا من حيث العموم، فيعتقد المسلمون أن الله سبحانه قدر الآجال وحددها.

واختلف في جواز الدعاء بطول العمر، كأن يقال: اللهم متعني بأولادي أو بأخي أو ما أشبه ذلك.

وقد مر بنا الحديث الذي فيه إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أم حبيبة في قولها: (اللهم متعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية . فأنكر عليها وقال: لقد سألت الله لآجال مضروبة، وأعمار محدودة، وأرزاق مقسومة) وأخبرها أنها لو سألت الله تعالى أن يعيذها من عذاب النار وعذاب القبر لكان خيراً.

وذكر الشارح هنا أن الإمام أحمد كان يكره أن يدعى له بطول العمر، وقد اختلف في جواز ذلك، ولكن الصحيح أن ذلك جائز إن شاء الله، كما يدعى للإنسان بالجنة وبالمغفرة وبالرزق وبالحياة الطيبة وما أشبه ذلك، وكما يدعو الإنسان أيضاً لنفسه بهذه الأشياء، وقد سبق أن بينا أدلة ذلك، وأن هذا لا ينافي كونها مقدرة؛ فإن القدر عام لكل شيء حتى للجنة والنار، والله تعالى قد علم أهل الجنة ومع ذلك هم مأمورون بسؤالها.

فلا يقال: لا تسأل الجنة لأنك إن كنت مكتوباً من أهلها فإنك ستصير من أهلها، بل يقال: سل الله الجنة، وقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (تسألونه الجنة وتستعيذون به من النار)، وأقر ذلك الأعرابي الذي قال: (إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار. فقال: حولها ندندن) يعني: أننا ندندن ونسأل ونكثر من السؤال في طلب الجنة والنجاة من النار.

فإذا كان قد كتب على الإنسان مقعده من الجنة أو مقعده من النار، ولا ينافي ذلك أن يسأل الله الجنة؛ فكذلك قد كتب له رزقه الذي سوف يأتيه ولا ينافي ذلك أنه يطلبه ويعمل ويتكسب، وقد كتب له أيضاً ما سوف يكتسبه أو يحويه، ومع ذلك فهو مأمور بأن يسأل الله رزقاً واسعاً حلالاً، أو ما أشبه ذلك، ومأمور أيضاً بأن يسأل ربه حياة سعيدة وحياة طيبة ولو كان ذلك مكتوباً.

والحاصل أن كتابة الأعمار، وكتابة الأرزاق والآجال، وكتابة السعادة والشقاوة، وكتابة كل شيء يأتي الإنسان؛ لا تنافي أن يسأل ولا تنافي أن يعمل.

وهكذا أيضاً هو مأمور بالسؤال ومأمور بالعمل، ولكن مع كونه مكتوباً فقد يكون معلقاً على سبب، كأن يقول الله أو يكتب الله: إننا سنرزقه بسبب سؤاله، أو: نجعله من أهل الجنة بسبب كثرة إلحاحه بالدعاء، أو: نوسع عليه رزقه بسبب كثرة طلبه؛ فيكون هذا الدعاء سبباً أزلياً، فيقال: قد كتب الله أنه يسأل ويكون سؤاله من الأسباب التي يرزق بسببها ويسعد بسببها ويكتسب بسببها وما أشبه ذلك.

وهذا كما يفعل في الأشياء الحسية، فإن الإنسان مأمور بأن يأكل وبأن يشرب وبأن يتزوج وبأن يكتسي وبأن يبني سكناً وما أشبه ذلك، وإن كان ذلك أيضاً مكتوباً له.

فعلى كل حال كتابة الأشياء في الأزل وكتابة الأعمار في هذه الآية وغيرها لا تنافي أن يسأل الإنسان ربه وأن يدعوه، فالله تعالى قد أمر بدعائه، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وغير ذلك من الآيات، وكما أمر بالعمل فقال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ [التوبة:105].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: ( ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم ).

يعلم سبحانه ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون، كما قال تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28]، وإن كان يعلم أنهم لا يردون، ولكن أخبر أنهم لو ردوا لعادوا، وكما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23]، وفي ذلك رد على الرافضة والقدرية الذين قالوا: إنه لا يعلم الشيء قبل أن يخلقه ويوجده، وهي من فروع مسألة القدر، وسيأتي لها زيادة بيان إن شاء الله تعالى].

هذا من تمام الكلام على أن الله تعالى علم ما كان وما سوف يكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، ولا شك أن علم الله تعالى واسع لما مضى ولما يأتي، فالأشياء التي لم تأت وهي سوف تأتي قد علمها سبحانه، بل قد كتبها، فعلم عدد المخلوقات وعلم أعمالهم ونحو ذلك.

المحو والإثبات لما كتب

وقد ذكر في الحديث الصحيح أن الله تعالى يكتب أو يأمر الملك أن يكتب أعمال الإنسان وهو في الرحم، يكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، وإن كانت هذه كتابة ثانية، مع أن ذلك مكتوب في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، وهذا لا تتغير الكتابة الموجودة فيه.

وأما ما في أيدي الملائكة من الصحف فإن الله تعالى يمحو منها ما يشاء ويثبت، وهذا معنى الآية، وهي قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، والمراد: بأم الكتاب اللوح المحفوظ، فاللوح المحفوظ لا يتغير شيء مما كتب فيه، وأما ما في الصحف التي مع الملائكة فإنهم يكتبون أعمال الإنسان وأقواله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

وبما أنه قد يكون من تلك الأقوال ما لا ثواب فيه ولا عقاب، فيمكن أن هذا هو الذي يمحى، ويبقى ما فيه ثواب أو فيه عقاب، والجميع مكتوب في اللوح المحفوظ، وعلى كل حال فإن علم الله تعالى بالآجال وبالكائنات وبما سوف يحدث علم أزلي قديم.

ذكر أول من أنكر علم الله وطريقة إفحامهم

وقد أنكر ذلك بعض المبتدعة، وكان أول من أنكره من القدرية معبد الجهمي وغيلان القدري وعمرو بن عبيد القدري وواصل بن عطاء القدري ، وكل هؤلاء أدركوا زمن الصحابة أو آخر زمن الصحابة، ولكنهم -والعياذ بالله- تلقوا هذه البدع عن بعض النصارى أو نحوهم، فكان من عقيدتهم أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها، وأن الأمر أنف، أي: مستأنف.

وسئل عنهم ابن عمر فأنكر عليهم إنكاراً شديداً، كما في الحديث الذي ذكره مسلم في أول صحيحه فقال: (إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره)، يعني: أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه.

وعلى هذه العقيدة أيضاً الرافضة ونحوهم، وغالب الرافضة معتزلة، فهم جمعوا بين بدعة الرفض التي هي تكفير الصحابة، وبدعة الاعتزال التي هي إنكار صفات الله، ومن أبرز الصفات صفة العلم، وهؤلاء الذين ينكرون أن الله يعلم الأشياء قبل وجودها هم الذين عناهم الإمام الشافعي رحمه الله بقوله: (ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا) يعني: إذا ابتليتم بأحدهم بمجادلته ومخاصمته ومناظرته فسلوهم عن صفة العلم لله، فإذا أقروا به خصموا، أي: يقال لهم: ما الفرق بين العلم الماضي وعلم المستقبل؟ فإنه إذا كان يعلم الماضي فهو يعلم المستقبل، وقولوا لهم أيضاً: هل تحدث هذه الكائنات بغير إرادته؟ فلا بد أن يقولوا: هو الذي يحدثها وهو الذي يوجدها، فيقال: كيف يوجدها وهو لا يعلم وقت وجودها؟ وناظروهم أيضاً بالأدلة كقوله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج:70]، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7] إلى آخر الآية، وأشباه ذلك، فإنهم بهذا سوف ينقطعون ولا يجدون حجة.

وقد ذكر في الحديث الصحيح أن الله تعالى يكتب أو يأمر الملك أن يكتب أعمال الإنسان وهو في الرحم، يكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، وإن كانت هذه كتابة ثانية، مع أن ذلك مكتوب في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، وهذا لا تتغير الكتابة الموجودة فيه.

وأما ما في أيدي الملائكة من الصحف فإن الله تعالى يمحو منها ما يشاء ويثبت، وهذا معنى الآية، وهي قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، والمراد: بأم الكتاب اللوح المحفوظ، فاللوح المحفوظ لا يتغير شيء مما كتب فيه، وأما ما في الصحف التي مع الملائكة فإنهم يكتبون أعمال الإنسان وأقواله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

وبما أنه قد يكون من تلك الأقوال ما لا ثواب فيه ولا عقاب، فيمكن أن هذا هو الذي يمحى، ويبقى ما فيه ثواب أو فيه عقاب، والجميع مكتوب في اللوح المحفوظ، وعلى كل حال فإن علم الله تعالى بالآجال وبالكائنات وبما سوف يحدث علم أزلي قديم.

وقد أنكر ذلك بعض المبتدعة، وكان أول من أنكره من القدرية معبد الجهمي وغيلان القدري وعمرو بن عبيد القدري وواصل بن عطاء القدري ، وكل هؤلاء أدركوا زمن الصحابة أو آخر زمن الصحابة، ولكنهم -والعياذ بالله- تلقوا هذه البدع عن بعض النصارى أو نحوهم، فكان من عقيدتهم أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها، وأن الأمر أنف، أي: مستأنف.

وسئل عنهم ابن عمر فأنكر عليهم إنكاراً شديداً، كما في الحديث الذي ذكره مسلم في أول صحيحه فقال: (إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره)، يعني: أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه.

وعلى هذه العقيدة أيضاً الرافضة ونحوهم، وغالب الرافضة معتزلة، فهم جمعوا بين بدعة الرفض التي هي تكفير الصحابة، وبدعة الاعتزال التي هي إنكار صفات الله، ومن أبرز الصفات صفة العلم، وهؤلاء الذين ينكرون أن الله يعلم الأشياء قبل وجودها هم الذين عناهم الإمام الشافعي رحمه الله بقوله: (ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا) يعني: إذا ابتليتم بأحدهم بمجادلته ومخاصمته ومناظرته فسلوهم عن صفة العلم لله، فإذا أقروا به خصموا، أي: يقال لهم: ما الفرق بين العلم الماضي وعلم المستقبل؟ فإنه إذا كان يعلم الماضي فهو يعلم المستقبل، وقولوا لهم أيضاً: هل تحدث هذه الكائنات بغير إرادته؟ فلا بد أن يقولوا: هو الذي يحدثها وهو الذي يوجدها، فيقال: كيف يوجدها وهو لا يعلم وقت وجودها؟ وناظروهم أيضاً بالأدلة كقوله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج:70]، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7] إلى آخر الآية، وأشباه ذلك، فإنهم بهذا سوف ينقطعون ولا يجدون حجة.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الطحاوية [87] 2715 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [60] 2631 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [1] 2591 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [79] 2565 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [93] 2472 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [77] 2409 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [53] 2387 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [99] 2373 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [71] 2336 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [31] 2301 استماع