حديث: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
حديث: إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبِغِ الوضوءعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبِغِ الوضوء، ثم استقبِلِ القِبْلة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدلَ قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))؛ أخرجه السبعة، واللفظ للبخاري.
ولابن ماجه بإسناد مسلمٍ: ((حتى تطمئن قائمًا)).
ومثله في حديث رفاعة رضي الله عنه عند أحمد وابن حبان.
وفي لفظ لأحمد: ((فأقِمْ صلبَك حتى ترجع العظامُ)).
وللنسائي وأبي داود من حديث رفاعة بن رافع: ((إنها لن تتمَّ صلاةُ أحدِكم حتى يُسبِغ الوضوء كما أمره الله تعالى، ثم يُكبِّر الله ويَحمده ويثني عليه))، وفيها: ((فإن كان معك قرآنٌ فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبِّره وهلِّله)).
ولأبي داود: ((ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله)).
ولابن حبان: ((ثم بما شئت)).
المفردات:
((إذا قمت إلى الصلاة))؛ أي: نويتَ القيام للصلاة.
((فأسبِغ الوضوء))؛ أي: أتِمَّه وأكمِلْه.
((استقبِل القِبْلة فكبِّر))؛ أي: تكبيرة الإحرام.
((تعتدل)) تستوي.
((ثم افعَلْ ذلك))؛ أي: جميع ما ذكر من الأقوال والأفعال، إلا إسباغ الوضوء وتكبيرة الإحرام؛ لأنه قد علم من الشرع ألا يتكرر في كل ركعة.
((في صلاتك))؛ أي: في ركعات صلاتك.
(أخرجه السبعة) بألفاظ متقاربة.
(واللفظ للبخاري)؛ أي: واللفظ الذي ساقه هنا للبخاري.
(ولابن ماجه)؛ أي: من حديث أبي هريرة.
(بإسناد مسلم)؛ أي: بإسنادٍ رجالُه رجالُ مسلم.
(ومثله)؛ أي: مثل ما أخرجه ابن ماجه.
(رفاعة) هو رفاعة بن رافع الأنصاري، صحابي شهِد بدرًا والمشاهد بعدها، توفِّي في أول إمارة معاوية.
((ترجع العظام))؛ أي: حتى تعودَ إلى ما كانت عليه حال القيام للقراءة، وذلك بكمال الاعتدال.
((كما أمره الله تعالى))؛ أي: في آية المائدة: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ [المائدة: 6].
((احمده وكبِّره وهلِّله))؛ أي: قل الحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله.
(وفيها)؛ أي: في رواية النسائي وأبي داود من حديث رفاعة.
((بأمِّ القرآن))؛ أي: بفاتحة الكتاب.
البحث:
هذا الحديث يُعرَف بحديث المسيء صلاته، وعبارة: ((فأسبِغِ الوضوء)) لم يذكرها البخاري في باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، ولم يذكرها كذلك في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم.
والذي رواه البخاري عن أبي هريرة بلفظ: ((إذا قمتَ إلى الصلاة فكبِّر))، وهذه الزيادة ثابتةٌ في مسلم عن أبي هريرة.
وأما حديث رفاعة بن رافع، فقد رواه أبو داود بأسانيد مختلفة؛ منها ما رواه عن الحسن بن علي عن هشام بن عبدالملك والحجاج بن منهال، قالا: حدثنا همام عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل، فيغسل وجهه ويدَيْه إلى المِرفَقينِ، ويمسح برأسه، ورِجلَيْه إلى الكعبين، ثم يُكبِّر الله عز وجل ويحمده، ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسَّر)).
ومنها رواية وهب بن بقية عن خالد عن محمد - يعني ابن عمرو - بمثل سند الأولى إلى رفاعة بن رافع قال: ((إذا قمتَ فتوجَّهت إلى القبلة، فكبِّر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ)).
ومنها رواية عباد بن موسى الختلي عن إسماعيل - يعني ابن جعفر - إلى رفاعة بن رافع بنحو سند الأولى، قال: ((فتوضَّأ كما أمرك الله عز وجل، تم تشهَّد فأقِم، ثم كبِّر فإن كان معك قرآنٌ، فاقرأ به وإلا فاحمَدِ الله وكبِّره وهلِّله)).
وقد حسَّن الترمذي حديث رفاعة.
وقوله: ((فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله)) ...
إلخ، معناه: إن لم يكن معك قرآن هذه الساعة، وقد دخل وقت الصلاة، فقُلْ بعد التكبير: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا فرغ - مَن هذا حاله - من تلك الصلاة، وجب عليه أن يتعلَّم؛ وذلك لأن مَن يقدر على تعلُّم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلُّم الفاتحة.
ما يفيده الحديث:
1- من واجبات الصلاة النيةُ واستقبالُ القبلة - وهما شرطان للصلاة - وتكبيرةُ الإحرام، والقراءةُ في الركعات كلها، والركوعُ والاطمئنانُ فيه، والرفعُ من الركوع إلى الاعتدال والاطمئنان فيه، والسجدةُ الأولى، والاطمئنانُ فيها، والسجدةُ الثانية والاطمئنانُ فيها، والجلوسُ بين السجدتين والاطمئنانُ فيهما، وترتيب أركان الصلاة.
2- وفي الحديث دليلٌ على أن التعوُّذ ودعاءَ الافتتاح، ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ووضع اليد اليمنى على اليسرى، وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الركوع والسجود، وهيئات الجلوس، ووضع اليد على الفخذ، والجهر والإسرار - كل ذلك ليس بواجب في الصلاة.
3- وعن أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر جعل يدَيْه حَذو مَنكِبَيْه، وإذا ركع أمكَن يدَيْه من ركبتَيْه، ثم هصر ظهرَه، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقارٍ مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجلَيْه القِبلة، وإذا جلَس في الركعتين جلس على رِجْله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدَّم رِجْله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مَقعَدته)؛ أخرجه البخاري.
المفردات:
(أبو حميد الساعدي): هو أبو حميد بن عبدالرحمن بن سعد الأنصاري الخزرجي الساعدي، مات آخر ولاية معاوية.
(إذا كبَّر)؛ أي: للإحرام.
(جعل يدَيْه)؛ أي: كفيه.
(حَذْو)؛ أي: مقابل.
(هصر ظهره)؛ أي: ثنَّاه في استواء من غير تقويس.
(مَنْكِبَيْه): تثنية مَنْكِب، وهو مجمع رأس عظم الكتف والعضد.
(فقار): جمع فقارة وهي عظام الظهر.
(فإذا رفع رأسه)؛ أي: من الركوع.
(غير مفترش)؛ أي: ذراعيه.
(جلس في الركعتين)؛ أي: للتشهد الأوسط.
(في الركعة الآخرة)؛ أي: للتشهد الأخير.
البحث:
حديث أبي حميد هذا رُوي عنه قولًا، وروي عنه فعلًا واصفًا فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أمور؛ منها:
أن رفع اليدين مقارن للتكبير، وقد روى رفع اليدين في أول الصلاة خمسون صحابيًّا؛ منهم العشرة المشهود لهم بالجنة.
وروى البيهقي عن الحاكم قال: لا نعلم سُنةً اتَّفق على روايتِها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاءُ الأربعة، ثم العشرة المشهود لهم بالجنة، فمَن بعدهم من الصحابة، مع تفرُّقهم في البلاد الشاسعة - غيرَ هذه السُّنة.
ما يفيده الحديث:
1- أن من السنة رفع اليدين حذاء المَنكِبين عند تكبيرة الإحرام.
2- بيان هيئات الركوع والسجود والجلسة للتشهد الأوسط، والجلسة للتشهد الأخير.