أرشيف المقالات

التواضع للمعلم

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
التواضع للمعلم


التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، فينتشر بسببه الترابط بينهم، ويمحى الحسد والبُغض والكراهية من قلوب الناس، ويؤدي إلى رضا المولى سبحانه وتعالى؛ يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة، قال: ((ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله))[1].
 
قال النووي - رحمه الله -: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) فيه أيضًا وجهان؛ أحدهما: يرفعه في الدنيا، ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلةً، ويرفعه الله عند الناس، ويجل مكانه، والثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا"[2].
 
وعن عياض بن حمار، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد))[3].
 
وقد أشار الإمام ابن مفلح - رحمه الله - إلى هذا الأدب الجم والخُلق الرفيع فقال: "وقال خلف: جاءني أحمد بن حنبل يسمع حديث أبي عوانة، فاجتهدت أن أرفعه فأبى، وقال: لا أجلس إلا بين يديك، أُمِرنا أن نتواضع لمن نتعلَّم منه"[4].
 
ومن علامات التواضع للمعلم: ألا يرفع المتعلمُ صوتَه على معلِّمه:
وهذا الأدب: أدب عامٌّ، ينبغي للمتعلم أن يتحلى به مع الناس جميعًا، وأيضًا ينبغي له أن يتأدب به مع معلمه بشكل خاص؛ يقول ابن مفلح المقدسي: "وينبغي أن يخفض صوته عنده، قال الشيخ تقي الدين: من رفع صوته على غيره، علِم كلُّ عاقل أنه قلةُ احترام له؛ انتهى كلامه"[5].
 
وقد قال تعالى: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 19]؛ أي: انقص منه، ومنه قوله: غضضت بصري، وفلان يغض بصره من فلان، ﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ ﴾ [لقمان: 19]؛ أي: أقبح، يقول أتانا فلان بوجه منكر؛ أي: قبيح، وقال المبرد: تأويله أن الجهر بالصوت ليس بمحمود، وأنه داخل في باب الصوت المنكر، وقال ابن قتيبة: عرفه قبح رفع الأصوات في المخاطبة بقبح أصوات الحمير؛ لأنها عالية، قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيرًا ما جعله الله للحمير، وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح لله إلا الحمار؛ فإنه ينهق بلا فائدة، ذكر ذلك ابن الجوزي وغيره"[6].



[1] مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري.
المسند الصحيح المختصر.
(مرجع سابق).
باب استحباب العفو والتواضع.
ج4.
ص2001.
رقم الحديث (2588).


[2] النووي، محيي الدين، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الشافعي الدمشقي.
شرح النووي على مسلم.
باب استحباب العفو والتواضع.
ج16.
ص141.


[3] أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني.
سنن أبي داود.
(مرجع سابق).
باب في التواضع.
ج4.
ص274.
رقم الحديث (4895).


[4] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج2.
ص110.


[5] (المرجع السابق).
ج2.
ص110.


[6] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج2.
ص111.

شارك الخبر

المرئيات-١