شرح أخصر المختصرات [61]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[باب الصداق.

يسن تسميته في العقد وتخفيفه، وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً، فإن لم يسم أو بطلت التسمية وجب مهر مثل بعقد.

وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح، فلو طلق قبل دخول رجع بألفها، ولا شيء على الأب لهما، وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها، ويصح تأجيله، وإن أطلق الأجل فمحله الفرقة، وتملكه بعقد.

ويصح تفويض بضع بأن يزوج أب ابنته المجبرة، أو ولي غيرها بإذنها بلا مهر، كعلى ما شاءت أو شاء فلان.

ويجب لها بعقد مهر مثل، ويستقر بدخول، وإن مات أحدهما قبل دخول وفرض ورثه الآخر، ولها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها.

وإن طلقت قبلهما لم يكن لها عليه إلا المتعة، وهي بقدر يسره وعسره.

ويجب مهر مثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً، لا أرش بكارة معه، ولها منع نفسها حتى تقبض مهراً حالاً، لا إذا حلّ قبل تسليم أو تبرعت بتسليم نفسها، وإن أعسر لحال فلها الفسخ بحاكم.

ويقرر المسمى كله موت، وقتل، ووطء في فرج ولو دبراً، وخلوة عن مميز ممن يطأ مثله مع علمه إن لم تمنعه، وطلاق في مرض موت أحدهما، ولمس أو نظر إلى فرجها بشهوة فيهما، وتقبيلها، وينصفه كل فرقة من قِبله قبل دخول، ومن قِبلها قبله تسقطه.

فصل:

وتسن الوليمة لعرس ولو بشاة فأقل.

وتجب الإجابة إليها بشرطه.

وتسن لكل دعوة مباحة، وتكره لمن في ماله حرام كأكل منه، ومعاملته وقبول هديته، وهبته.

ويسن الأكل، وإباحته تتوقف على صريح إذن أو قرينة مطلقاً.

والصائم فرضاً يدعو، ونفلاً يسن أكله مع جبر خاطر.

وسن إعلان نكاح، وضرب بدف مباح فيه، وفي ختان ونحوه].

تعريف الصداق

الصداق: هو ما تستحقه المرأة مقابل الزواج بها، سمي صداقاً؛ لأنه يدل على الصدق في دفعه، وأنه ما دفعه إلا لأجل صدقه في طلبها، وفي نكاحها، أو على الصداقة بينهما، قال الله تعالى وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4] جمع الصدَاق: صدُقات، وأما الصدقة فجمعها: صدَقات.

وقوله: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] يعني: نحلاً، والنحل هو: العطاء، تقول: نحلني فلان يعني: أعطاني عطية، ويُسمى أيضاً أجراً كقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24]، ويسمى أيضاً فريضة كقوله في هذه الآية: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] ، وذكر بعض العلماء أن له ثمانية أسماء، ونظمها بقوله:

صداق ومهر نحلةٌ وفريضةٌ حباءٌ وأجر ثم عقر علائق.

فله هذه الأسماء، ومنها ما هو مستعمل كثيراً، ومنها ما استعماله قليل، فالجميع اسم لمسمىً واحد، وهو ما تستحقه المرأة مقابل العقد عليها.

استحباب تسمية الصداق عند العقد

قال المصنف رحمه الله: (يسن تسميته بالعقد وتخفيفه)، قوله: (يسن) أي: ليس بلازم، فإذا عقد عليها، ولم يسم لها مهراً، فإنها تُسمى مفوضة، أي: قد فوضت أمرها إلى وليها، أو إلى زوجها الذي لم يسم لها صداقاً بيناً، وقد دل أيضاً على عدم التسمية قول الله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236] يعني: يجوز لكم طلاقهن بعد العقد، ولو قبل الدخول، وقبل الفرض، فدل على أن هناك عقداً لا يكون فيه فرض، أي: تسمية مهر، ولكن يسن تسميته لأجل قطع الخلاف، أي: حتى لا يكون هناك خلاف بينهما في مقداره، وإذا طلق قبله، وكان الصداق بيناً، فتستحق ما سمي لها.

ويسن تسميته في العقد، فإذا عقد الولي يقول: زوجتك موليتي فلانة بصداق ألف، أو بصداق عشرين ألفاً، فيسميه، حتى لا يكون هناك نزاع.

استحباب تخفيف الصداق

يسن تخفيفه، ورد في حديث: (خير النساء أيسرهن مهراً) أو (أيسرهن مئونة) أو (أفضل النساء أو خير النساء أيسرهن مئونة) ، وورد (أن امرأة تزوجت على نعلين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرضيت من نفسك بنعلين؟ فقالت: نعم) فأجاز ذلك، وكذلك جاء في الحديث أنه قال لرجل: (التمس ولو خاتماً من حديد) ، فلو جاء بخاتم من حديد لعقد له به، وكذلك أيضاً جاء رجل فقال: (إني تزوجت امرأة على اثني عشرة أوقية) فأنكر عليه وقال: (كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل) ، فأنكر عليه مع أن هذا قليل، فدل على أنه يستحب أن يكون المهر قليلاً، والأوقية: أربعون درهماً، وذكرت عائشة أن مهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر أوقية ونشَّاً، أي: ونصفاً، فيكون ذلك خمسمائة درهم؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، وأما بناته فمهورهن أربعمائة، يعني: عشر أواق، أربعمائة درهم، إلا أم حبيبة فإنه أمهرها عنه النجاشي بأربعة آلاف دينار، ولم يدفع النبي صلى الله عليه وسلم في مهرها شيئاً.

مقدار الصداق

قال المصنف رحمه الله: (وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً)، كل ما صح أجره، يعني: عوضاً عن عمل، والأثمان هي قيم السلع، أو هي التي تجعل ثمناً للسلع، وهي الآن تسمى نقوداً، والنقود تختلف باختلاف البلاد، فإذا قال مثلاً: زوجتك على عشرين ألف ريال، وأطلق، فإنه يرجع إلى نقد البلد، فإن كان في السعودية، فعشرون ألف ريال سعودي، وإن كان في قطر فعشرون ألف ريال قطري، وفي اليمن يمني؛ لأن لكل بلد عملتهم، مع أن اسمه ريال، وإذا كان مثلاً في مصر وعقد على عشرين ألف فإنه يكون بنقد البلد، وهو: الجنيه المصري، وإن كان في السودان فالجنيه السوداني، وكذلك إذا عقد على عشرين ألف ليرة، فإن كانوا في سوريا فمن نقدها، وإن كانوا في لبنان فمن نقدها، وإن كانوا في تركيا فليرة تركية، وهكذا، فهذا معنى أن كل بلد لهم نقدهم، فيسمى بالاسم الذي يتعارف عليه.

وكل ما صح ثمناً صح مهراً، وعندنا الآن الأثمان بالريالات، وقد تكون أيضاً بالدولارات الأمريكية، وذلك لشيوعها وكثرة التعامل بها في كثير من الدول، فإذا قال: زوجتك بخمسة آلاف دولار، صح ذلك مهراً، وهكذا.

وكذلك من الأثمان الجنيه، فإذا قال: زوجتك بخمسين جنيهاً وهم في السعودية فالجنيه السعودي وهكذا.

ويصح أيضاً أن يجعل المهر عرضاً، ففي حديث علي لما تزوج فاطمة ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ادفع لها مهراً، قال: ليس عندي شيء، فقال: أين درعك الحطمية؟ قال: هي عندي، فجعلها مهراً) ، والدرع هي: التي تلبس في الجهاد يتقي بها اللابس وقع السلاح، ولا يلبسها غالباً إلا الرجال، فجعلها مهراً، وكذلك أيضاً لو أصدقها ثوباً أو ثياباً، أو أصدقها عروضاً كأكياس من الأطعمة، أو أدوات من هذه الأواني وما أشبهها، صدق عليه أنه قد أصدقها مهراً، فكل ما صح ثمناً صح مهراً.

وكل ما صح أجرة كذلك، والأجرة هي: التي تؤخذ مقابل عمل، مثلاً: يعمل الإنسان عندك أجيراً، فتعطيه أجرته، فإما أن تعطيه عيناً ونقداً، وإما أن تعطيه عرضاً، فكل ما صح أجرة صح مهراً، فتقول له مثلاً: اشتغل عندي خادماً، وكل شهر أعطيك كبشاً، أي: كل شهر بكبش من الغنم، أو كل أسبوع أجرته ثوب، أو كل شهر أجرته كيس من الأرز أو البر، فكل ما يصلح أن يكون أجرة فيصلح أن يكون مهراً، فيصح أن تمهرها أكياساً من الأرز، أو قطيعاً من الغنم، أو قطعاً من الأقمشة، أو عدداً من الأواني التي تستعمل للشرب أو للطبخ أو للأكل؛ لأنها يصلح أن يكون لها ثمن معين، فيصلح أن تكون مهراً، وقد يصح أيضاً بالحرفة نفسها، فإذا قالت: مهري أن تبني لي هذا البيت، أو مهري أن تحفر لي هذه البئر، أو تركز لي هذا الشجر، أو تسقيه، أو نحو ذلك؛ صح ذلك مهراً، وهو حرفة وعمل، أو أن تطحن لي هذا البر، أو أن تخيط لي هذه الثياب، فيعتبر هذا مهراً؛ لأنه يؤخذ عليه الأجر، والإنسان لا يبني الدار إلا بأجرة، فإذا قيل له: ابنه واجعله صداقاً، أو نزوجك ابنتنا مقابل بنائك لهذا الجدار، أو لهذه الدار، فيصلح أن يكون هذا مهراً.

إذاً: المهر المسمى الأصل أنه عند العقد، ويجب لها مهر المثل إذا لم يسم لها صداقاً، فإذا قال: زوجتك ابنتي، ولم يقل: بصداق كذا وكذا، أو قال مثلاً: نتفق فيما بعد، ثم حصلت الفرقة وهو ما سمى، أو حصلت الوفاة، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل بعقد، يعني: مهر أمثالها التي عُقد عليهن بذلك المهر، كأختها أو شبيهتها من زميلاتها.

وكذلك إذا بطلت التسمية، فلو أصدقها محرّماً فلا يصح، مثلاً: لو أصدقها زقاق خمر، أو أصدقها طبول، أو آلات لهو، أو أصدقها أفلاماً هابطة، أو أشرطة غناء، فهل يصح هذا الصداق؟

الجواب: هذا حرام فلا يصح، وفي هذه الحال يضرب لها مهر أمثالها، أي: من يساويها، فيقال: فلانة التي تساويها في السن، وتساويها في الجمال، وفي النسب، وفي العلم والدراسة، فرض لها كذا، فيفرض لها مثلها.

حكم أخذ الأب من مهر ابنته

قال المصنف رحمه الله: (إن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح ذلك)؛ وذلك لأن الأب له أن يأخذ من مال أولاده ما لا يضرهم ولا يحتاجون إليه، فإذا أخذ الأب صداق ابنته، فإن له الحق في ذلك، إلا الشيء الذي تتضرر بأخذه كثيابها وأحذيتها وما أشبه ذلك، فإذا قال: أصدقتك ألفاً لك وألفاً لابنتك -التي هي الزوجة- انعقد النكاح وصح، ولزمه الألفان، لكن إذا طلّق قبل الدخول سقط نصف الصداق؛ لقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] أي: أعطوهن نصف الفريضة التي فرضتم لهن، إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] فإن قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) يعني: لو فرض لها ألفين صداقاً، ثم طلقها قبل الدخول استحق أن يطالبها بألف، فيلزمها دفعه، هذا إذا كانت قد قبلت الصداق وقبضته، فإن كان فرض لها ألفين: ألفاً لها وألفاً لأبيها، وطلق قبل أن يدخل بها، رجع بالألف الذي لها، وأما الألف الذي لأبيها فلا تستطيع أن تجبر أباها، وتقول: أعطني الألف الذي قبضته؛ لأن له أن يأخذ من مالها ما لا تحتاجه.

قال المصنف: (إذا طلق قبل الدخول رجع بألفها ولا شيء على الأب لهما)، لا للزوج ولا للزوجة؛ لأن الزوج أخذ نصفه، ولا يستحق أكثر من النصف، وقد أخذه، وأما الزوجة فإنها لا تطالب أباها، ولا تقول: يا أبي! أخذت مهري؛ لأنه يقول: أخذته؛ لأن الولد وما يملك لأبيه، كما في الحديث: (أنت ومالك لأبيك) .

إذا اشترط في الصداق شيء لغير الأب فالكل للمرأة

قال المصنف رحمه الله: (وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها) أي: إذا كان لغير الأب حتى الأم، فلو قال: أصدقتكم عشرة ثياب! لها ثوبان، وآخران لأمها، وآخران لأختها، وآخران لعمتها، وآخران لخالتها، فهذه عشرة ثياب كلها لها، وفي هذه الحال إذا طلق رجع بنصف هذه الثياب، سواء كانت عندها، أو عند خالاتها وأخواتها، وما ذاك إلا أن غير الأب لا يُقاس عليه، فيرجع على من هي عنده، وهذه الثياب العشرة هي صداقها، والآن حصل الطلاق قبل الدخول، واستحق خمسة من هذه الثياب إذا كانت متساوية، فيرجع عليها، ويطالبها بأن تجمع له نصف الصداق الذي هو خمسة من هذه الثياب وتردها عليه، سواء التي عندها أو عند أختها أو عند عمتها أو نحو ذلك.

صحة تأجيل الصداق

قال المصنف رحمه الله: (ويصح تأجيله) يصح تأجيل الصداق، ويقع هذا في كثير من الدول، في سوريا، وفي مصر، وفي الأردن وغيرها، فيقسمون الصداق إلى معجل ومؤخر، فالمعجل يدفعه لها عند العقد أو بعده لتنتفع به، وأما المؤخر فإنه يبقى عنده إلى أن يطلق أو إلى أن يفارق أو بعد الموت، ويبقى في ذمته ديناً عليه، لماذا تجعلون هذا المؤخر؟

يقولون: لأنها قد تطلق، وإذا طلقت فقد لا ترغب في الأزواج، وتبقى أيماً أرملةً ليس عندها من يكفلها، فإذا طُلقت فهذا الصداق الذي كان مؤجلاً -وقد يكون عشرين ألفاً أو أربعين ألفاً- تتمتع به بقية حياتها، حتى لا تضطر إلى أهلها، ولا إلى أخوتها أو أبويها أو نحو ذلك، فتستغني بهذا المهر المؤخر، ويصح تأجيله كما ذكر، سواءً كان إلى أجل مسمىً أو غير مسمىً، فالأجل المسمى إذا قالوا: أصدقنا ثلاثين ألفاً: عشرة ادفعها، وعشرين بعد سنة، أو عشرة ادفعها، وعشرة بعد سنة، وعشرة بعد السنة الثانية، ففي هذه الحال يلزمهم أن يؤخروه إلى أن يحل الأجل، وقد يكون قصدهم أنها بحاجة؛ يمكن هذه السنة تكفيها العشرة لأواني أو فرش أو سرر أو مجالس أو أكسية أو ما أشبه ذلك، وهذه الأشياء قد تفنى في عشر سنين، أو تتحطم أو تنكسر؛ ففي العشر السنين الأخرى يأتيها مثلاً عشرة آلاف أخرى، وهكذا.

فالحاصل: أنه يصح تأجيله إلى أجل محدد أو غير محدد، فإذا أطلق الأجل ولم يحدد وإنما قال: أصدقنا أربعين ألفاً مؤجلة، وعشرين ألفاً نقداً، فنقد له العشرين ألفاً، وسكت عن تحديد المؤجلة، ما قال: مدة سنة، أو سنتين، أو عشر سنين، أو إلى الموت، فالمؤجل محِلُّه الفرقة، فإذا حصلت الفرقة بطلاق أو بفسخ أو بموت متى ما حصلت حُكِم لها به، ولزمه دفعه، فالفرقة تكون بطلاق أو بفسخ كأن يفسخ الحاكم النكاح، أو بالموت، فمتى حصلت الفرقة حل المؤجل، حتى ولو حصلت بعد الدخول بيوم أو بأيام؛ وذلك لأنه تحقق أنه فارقها.

المرأة تملك الصداق بمجرد العقد

متى تملك المرأة صداقها؟

الجواب: تملكه بمجرد العقد، فقد يكون الصداق عيناً، يعني: قد يكون عرضاً من العروض أو بهيمة أو نحوها فتملكه بالعقد، فإن كان معيناً، كأن يقول: أصدقتك هذه الدار، أو هذه الأشجار، أو هذه الأغنام، فبمجرد العقد تملكها، فلو أن هذه الغنم ولدت بعد شهر، ثم طلق، وأراد أن يأخذ نصف الغنم، فهل يأخذ نصف البهم؟ الجواب: لا يأخذ؛ لأنه في تلك المدة التي أُعلفت فيها، كانت في ملك الزوجة، وفائدتها لها؛ فإذا حلبتها في تلك الأيام فإن لها لبنها ودهنها وجِزتها، كل ذلك يكون لها، وإذا أثمر الشجر بعد العقد فالثمرة لها، وإذا أجَّرت الدار بعد العقد فالأجرة لها، وليس له إذا طلق أن يطالب بنصف الأجرة أو بنصف الثمرة؛ لأنها دخلت في ملكها بمجرد العقد، هذا معنى قوله: (وتملكه بعقد).

مئونة الصداق إذا طلق قبل الدخول يكون على المرأة

يلزم المرأة مئونة الصداق، فمثلاً إذا قال: أصدقتك هذه الأكياس، وكانت الأكياس في مستودع إنسان، ثم مكثت في ذلك المستودع خمسة أشهر، فأجرتها في هذه الخمسة على الزوجة؛ لأنها ملكها، فلو أنه طلق قبل الدخول أخذ نصفها، وليس لها أن تطالبه بنصف الأجرة، بل يقول: أجرتها عليك وغلتها لك، أي: أن أولاد الغنم وأجرة الدار وثمر الشجر لها، ولو كان كثيراً، ولا يطالبها بنصفه، ومئونتها عليها، فإذا احتاجت الغنم إلى علف فإنه عليها، ولو طلق قبل الدخول لا تطالبه بنصف العلف ولا بنصف أجرة الراعي، كما لا يطالبها بنصف اللبن، ولا بنصف الجزة، ولا بنصف النتاج من الأولاد.

مهر المفوضة

قال المصنف رحمه الله: (يصح تفويض بضع).

التفويض هو: عدم تسمية المهر في العقد، ومن لم يُسم لها مهر تُسمى مفوَّضة، فيصح تفويض البضع، يعني: بضع امرأة بأن يزوج الأب ابنته المجبرة بلا مهر، أو يزوج الرجل غير المجبرة بإذنها بلا مهر، مثاله: أن يقول: أصدقتها ما شاءت، أو ما شاء أخوها، أو ما شاءت أمها، وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال تُسمى مفوضة، يفرض لها ما شاءت، قل أو كثر، فإذا قالت: أنتم قلتم: صداقها ما شاءت أو ما رضيت به أو ما ترضى فلو طلبت مائة ألف أو مائتين فلها ذلك؛ لأنه فوض الأمر إليها وقال: ما شاءت، أو قال: ما شاء فلان، ما شاء أخوها، أو ابنها أو أبوها، فالكل يُسمى تفويضاً.

ثم المفوَّضة أو غير المسمى لها، متى يجب لها مهر المثل؟ يجب بالعقد، وقد تقدم أنها تملكه بالعقد إذا كان مسمى، وإذا لم يكن مسمى فلها مهر المثل، ويجب بمجرد ما يحصل العقد بينهما، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل.

استقرار المهر بالدخول

قال المصنف رحمه الله: (ويستقر لدخول).

يعني: إذا دخل بها استقر المهر، فهنا فرَّق بين (يجب) و(يستقر)، فما هو الفرق بينهما؟

الجواب: الوجوب معناه: اللزوم، يعني: يكون لازماً لها، لها مهر المثل، وإن لم يحدد، وأما الاستقرار فإنما يكون بالدخول، فبمجرد العقد يقال: في ذمتك مهر المثل، وبمجرد الدخول يقال: استقر عليك مهر قدره كذا وكذا، فالمهر يستقر بالدخول.

مقدار المهر إذا مات أحد الزوجين قبل الآخر

قال المصنف رحمه الله: (وإن مات أحدهما قبل دخول وفرض ورثه الآخر).

قد ذكرنا في الفرائض أن المرأة إذا ماتت بعد العقد ورث منها، ويرث من مهرها ولو قبل الدخول، وإذا مات ورثت منه ولو قبل أن يفرض لها، فإذا عقد عليها عقداً صحيحاً فمات ورثت منه، أو ماتت ورث منها، وإن لم يحصل دخول ولا خلوة، فإذا مات الزوج ورثت منه، وإذا ماتت الزوجة ورث منها، ولو قبل الدخول بها، ولو قبل أن يفرض لها، ويُسمى لها مهر مثلها، وحينئذ ماذا يجب لها من المهر؟

لها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها، أي: يفرض لها مثل مهر نسائها اللاتي يماثلنها، كما جاء في الحديث أن قوماً سألوا ابن مسعود عن رجل عقد على امرأة ومات قبل أن يفرض لها، وترددوا إليه شهراً، فقال: (أنا أفتيكم برأي إن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان، ولا تتخذوا قولي دليلاً: لها مهر نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث) وكان عنده رجل يقال له: معقل بن سنان الأشجعي ، فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة عندنا يقال لها: بروع بنت واشق بمثل ما قضيت) ، ففرح بذلك ابن مسعود ؛ حيث وافق قوله قول النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا أنه جعل لها مهر نسائها، يعني: كعمتها وخالتها وأختها وقريباتها، فيُنظر كم كان يقدر لهن، فلها مهر كامل ولو قبل الدخول، فإذا مات قبل أن يدخل بها وقبل أن يسمي لها إذا كان قد عقد عليها فإنها ترثه من تركته، ومع ذلك تحد عليه، فجعل عليها عدة وإحداداً، وجعل لها ميراثاً، وأمر لها بصداق أمثالها، هذا هو الذي يجب لها.

وروي أن بعض الصحابة خالفوا ذلك، ولم يقبلوا قول معقل بن سنان الأشجعي ، وكأنهم لم يصدقوه، حتى قال بعضهم: (كيف نقبل قول أعرابي يبول على عقبه؟!) يعني: أنه من الذين لا يعرفون العلم وهذا غير قادح، فإنه صحابي، والصحابة عدول، والحديث قد اشتهر، ورواه الأئمة في كتبهم، فعلى هذا تُعطى مهراً كاملاً كمهر نسائها، عملاً بهذا الحديث، وهكذا إذا كان قد فرض لها، فإنه يدفع لها المهر الذي فرض لها كاملاً.

وذهب بعضهم إلى أنها كالمطلقة قبل الدخول، لها نصف الصداق، عملاً بقوله: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] وبعضهم قال: لا يقدر لها شيئاً، أي: إذا لم يكن قد فرض لها، وجعلها كالمفوضة غير المدخول بها.

قال المصنف رحمه الله: (يجب لها بعقد مهر مثل -يعني: مفوضة- ويستقر بالدخول، وإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض ورثه الآخر، وأُعطيت مهر نسائها -أي: مثل مهر نساءها- لا وكس، ولا شطط) أي: مثل نسائها كأمها وعمتها وخالتها وأخواتها ونحوهن.

الصداق: هو ما تستحقه المرأة مقابل الزواج بها، سمي صداقاً؛ لأنه يدل على الصدق في دفعه، وأنه ما دفعه إلا لأجل صدقه في طلبها، وفي نكاحها، أو على الصداقة بينهما، قال الله تعالى وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4] جمع الصدَاق: صدُقات، وأما الصدقة فجمعها: صدَقات.

وقوله: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] يعني: نحلاً، والنحل هو: العطاء، تقول: نحلني فلان يعني: أعطاني عطية، ويُسمى أيضاً أجراً كقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24]، ويسمى أيضاً فريضة كقوله في هذه الآية: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] ، وذكر بعض العلماء أن له ثمانية أسماء، ونظمها بقوله:

صداق ومهر نحلةٌ وفريضةٌ حباءٌ وأجر ثم عقر علائق.

فله هذه الأسماء، ومنها ما هو مستعمل كثيراً، ومنها ما استعماله قليل، فالجميع اسم لمسمىً واحد، وهو ما تستحقه المرأة مقابل العقد عليها.

قال المصنف رحمه الله: (يسن تسميته بالعقد وتخفيفه)، قوله: (يسن) أي: ليس بلازم، فإذا عقد عليها، ولم يسم لها مهراً، فإنها تُسمى مفوضة، أي: قد فوضت أمرها إلى وليها، أو إلى زوجها الذي لم يسم لها صداقاً بيناً، وقد دل أيضاً على عدم التسمية قول الله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236] يعني: يجوز لكم طلاقهن بعد العقد، ولو قبل الدخول، وقبل الفرض، فدل على أن هناك عقداً لا يكون فيه فرض، أي: تسمية مهر، ولكن يسن تسميته لأجل قطع الخلاف، أي: حتى لا يكون هناك خلاف بينهما في مقداره، وإذا طلق قبله، وكان الصداق بيناً، فتستحق ما سمي لها.

ويسن تسميته في العقد، فإذا عقد الولي يقول: زوجتك موليتي فلانة بصداق ألف، أو بصداق عشرين ألفاً، فيسميه، حتى لا يكون هناك نزاع.

يسن تخفيفه، ورد في حديث: (خير النساء أيسرهن مهراً) أو (أيسرهن مئونة) أو (أفضل النساء أو خير النساء أيسرهن مئونة) ، وورد (أن امرأة تزوجت على نعلين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرضيت من نفسك بنعلين؟ فقالت: نعم) فأجاز ذلك، وكذلك جاء في الحديث أنه قال لرجل: (التمس ولو خاتماً من حديد) ، فلو جاء بخاتم من حديد لعقد له به، وكذلك أيضاً جاء رجل فقال: (إني تزوجت امرأة على اثني عشرة أوقية) فأنكر عليه وقال: (كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل) ، فأنكر عليه مع أن هذا قليل، فدل على أنه يستحب أن يكون المهر قليلاً، والأوقية: أربعون درهماً، وذكرت عائشة أن مهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر أوقية ونشَّاً، أي: ونصفاً، فيكون ذلك خمسمائة درهم؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، وأما بناته فمهورهن أربعمائة، يعني: عشر أواق، أربعمائة درهم، إلا أم حبيبة فإنه أمهرها عنه النجاشي بأربعة آلاف دينار، ولم يدفع النبي صلى الله عليه وسلم في مهرها شيئاً.

قال المصنف رحمه الله: (وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً)، كل ما صح أجره، يعني: عوضاً عن عمل، والأثمان هي قيم السلع، أو هي التي تجعل ثمناً للسلع، وهي الآن تسمى نقوداً، والنقود تختلف باختلاف البلاد، فإذا قال مثلاً: زوجتك على عشرين ألف ريال، وأطلق، فإنه يرجع إلى نقد البلد، فإن كان في السعودية، فعشرون ألف ريال سعودي، وإن كان في قطر فعشرون ألف ريال قطري، وفي اليمن يمني؛ لأن لكل بلد عملتهم، مع أن اسمه ريال، وإذا كان مثلاً في مصر وعقد على عشرين ألف فإنه يكون بنقد البلد، وهو: الجنيه المصري، وإن كان في السودان فالجنيه السوداني، وكذلك إذا عقد على عشرين ألف ليرة، فإن كانوا في سوريا فمن نقدها، وإن كانوا في لبنان فمن نقدها، وإن كانوا في تركيا فليرة تركية، وهكذا، فهذا معنى أن كل بلد لهم نقدهم، فيسمى بالاسم الذي يتعارف عليه.

وكل ما صح ثمناً صح مهراً، وعندنا الآن الأثمان بالريالات، وقد تكون أيضاً بالدولارات الأمريكية، وذلك لشيوعها وكثرة التعامل بها في كثير من الدول، فإذا قال: زوجتك بخمسة آلاف دولار، صح ذلك مهراً، وهكذا.

وكذلك من الأثمان الجنيه، فإذا قال: زوجتك بخمسين جنيهاً وهم في السعودية فالجنيه السعودي وهكذا.

ويصح أيضاً أن يجعل المهر عرضاً، ففي حديث علي لما تزوج فاطمة ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ادفع لها مهراً، قال: ليس عندي شيء، فقال: أين درعك الحطمية؟ قال: هي عندي، فجعلها مهراً) ، والدرع هي: التي تلبس في الجهاد يتقي بها اللابس وقع السلاح، ولا يلبسها غالباً إلا الرجال، فجعلها مهراً، وكذلك أيضاً لو أصدقها ثوباً أو ثياباً، أو أصدقها عروضاً كأكياس من الأطعمة، أو أدوات من هذه الأواني وما أشبهها، صدق عليه أنه قد أصدقها مهراً، فكل ما صح ثمناً صح مهراً.

وكل ما صح أجرة كذلك، والأجرة هي: التي تؤخذ مقابل عمل، مثلاً: يعمل الإنسان عندك أجيراً، فتعطيه أجرته، فإما أن تعطيه عيناً ونقداً، وإما أن تعطيه عرضاً، فكل ما صح أجرة صح مهراً، فتقول له مثلاً: اشتغل عندي خادماً، وكل شهر أعطيك كبشاً، أي: كل شهر بكبش من الغنم، أو كل أسبوع أجرته ثوب، أو كل شهر أجرته كيس من الأرز أو البر، فكل ما يصلح أن يكون أجرة فيصلح أن يكون مهراً، فيصح أن تمهرها أكياساً من الأرز، أو قطيعاً من الغنم، أو قطعاً من الأقمشة، أو عدداً من الأواني التي تستعمل للشرب أو للطبخ أو للأكل؛ لأنها يصلح أن يكون لها ثمن معين، فيصلح أن تكون مهراً، وقد يصح أيضاً بالحرفة نفسها، فإذا قالت: مهري أن تبني لي هذا البيت، أو مهري أن تحفر لي هذه البئر، أو تركز لي هذا الشجر، أو تسقيه، أو نحو ذلك؛ صح ذلك مهراً، وهو حرفة وعمل، أو أن تطحن لي هذا البر، أو أن تخيط لي هذه الثياب، فيعتبر هذا مهراً؛ لأنه يؤخذ عليه الأجر، والإنسان لا يبني الدار إلا بأجرة، فإذا قيل له: ابنه واجعله صداقاً، أو نزوجك ابنتنا مقابل بنائك لهذا الجدار، أو لهذه الدار، فيصلح أن يكون هذا مهراً.

إذاً: المهر المسمى الأصل أنه عند العقد، ويجب لها مهر المثل إذا لم يسم لها صداقاً، فإذا قال: زوجتك ابنتي، ولم يقل: بصداق كذا وكذا، أو قال مثلاً: نتفق فيما بعد، ثم حصلت الفرقة وهو ما سمى، أو حصلت الوفاة، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل بعقد، يعني: مهر أمثالها التي عُقد عليهن بذلك المهر، كأختها أو شبيهتها من زميلاتها.

وكذلك إذا بطلت التسمية، فلو أصدقها محرّماً فلا يصح، مثلاً: لو أصدقها زقاق خمر، أو أصدقها طبول، أو آلات لهو، أو أصدقها أفلاماً هابطة، أو أشرطة غناء، فهل يصح هذا الصداق؟

الجواب: هذا حرام فلا يصح، وفي هذه الحال يضرب لها مهر أمثالها، أي: من يساويها، فيقال: فلانة التي تساويها في السن، وتساويها في الجمال، وفي النسب، وفي العلم والدراسة، فرض لها كذا، فيفرض لها مثلها.

قال المصنف رحمه الله: (إن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح ذلك)؛ وذلك لأن الأب له أن يأخذ من مال أولاده ما لا يضرهم ولا يحتاجون إليه، فإذا أخذ الأب صداق ابنته، فإن له الحق في ذلك، إلا الشيء الذي تتضرر بأخذه كثيابها وأحذيتها وما أشبه ذلك، فإذا قال: أصدقتك ألفاً لك وألفاً لابنتك -التي هي الزوجة- انعقد النكاح وصح، ولزمه الألفان، لكن إذا طلّق قبل الدخول سقط نصف الصداق؛ لقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] أي: أعطوهن نصف الفريضة التي فرضتم لهن، إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] فإن قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) يعني: لو فرض لها ألفين صداقاً، ثم طلقها قبل الدخول استحق أن يطالبها بألف، فيلزمها دفعه، هذا إذا كانت قد قبلت الصداق وقبضته، فإن كان فرض لها ألفين: ألفاً لها وألفاً لأبيها، وطلق قبل أن يدخل بها، رجع بالألف الذي لها، وأما الألف الذي لأبيها فلا تستطيع أن تجبر أباها، وتقول: أعطني الألف الذي قبضته؛ لأن له أن يأخذ من مالها ما لا تحتاجه.

قال المصنف: (إذا طلق قبل الدخول رجع بألفها ولا شيء على الأب لهما)، لا للزوج ولا للزوجة؛ لأن الزوج أخذ نصفه، ولا يستحق أكثر من النصف، وقد أخذه، وأما الزوجة فإنها لا تطالب أباها، ولا تقول: يا أبي! أخذت مهري؛ لأنه يقول: أخذته؛ لأن الولد وما يملك لأبيه، كما في الحديث: (أنت ومالك لأبيك) .

قال المصنف رحمه الله: (وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها) أي: إذا كان لغير الأب حتى الأم، فلو قال: أصدقتكم عشرة ثياب! لها ثوبان، وآخران لأمها، وآخران لأختها، وآخران لعمتها، وآخران لخالتها، فهذه عشرة ثياب كلها لها، وفي هذه الحال إذا طلق رجع بنصف هذه الثياب، سواء كانت عندها، أو عند خالاتها وأخواتها، وما ذاك إلا أن غير الأب لا يُقاس عليه، فيرجع على من هي عنده، وهذه الثياب العشرة هي صداقها، والآن حصل الطلاق قبل الدخول، واستحق خمسة من هذه الثياب إذا كانت متساوية، فيرجع عليها، ويطالبها بأن تجمع له نصف الصداق الذي هو خمسة من هذه الثياب وتردها عليه، سواء التي عندها أو عند أختها أو عند عمتها أو نحو ذلك.

قال المصنف رحمه الله: (ويصح تأجيله) يصح تأجيل الصداق، ويقع هذا في كثير من الدول، في سوريا، وفي مصر، وفي الأردن وغيرها، فيقسمون الصداق إلى معجل ومؤخر، فالمعجل يدفعه لها عند العقد أو بعده لتنتفع به، وأما المؤخر فإنه يبقى عنده إلى أن يطلق أو إلى أن يفارق أو بعد الموت، ويبقى في ذمته ديناً عليه، لماذا تجعلون هذا المؤخر؟

يقولون: لأنها قد تطلق، وإذا طلقت فقد لا ترغب في الأزواج، وتبقى أيماً أرملةً ليس عندها من يكفلها، فإذا طُلقت فهذا الصداق الذي كان مؤجلاً -وقد يكون عشرين ألفاً أو أربعين ألفاً- تتمتع به بقية حياتها، حتى لا تضطر إلى أهلها، ولا إلى أخوتها أو أبويها أو نحو ذلك، فتستغني بهذا المهر المؤخر، ويصح تأجيله كما ذكر، سواءً كان إلى أجل مسمىً أو غير مسمىً، فالأجل المسمى إذا قالوا: أصدقنا ثلاثين ألفاً: عشرة ادفعها، وعشرين بعد سنة، أو عشرة ادفعها، وعشرة بعد سنة، وعشرة بعد السنة الثانية، ففي هذه الحال يلزمهم أن يؤخروه إلى أن يحل الأجل، وقد يكون قصدهم أنها بحاجة؛ يمكن هذه السنة تكفيها العشرة لأواني أو فرش أو سرر أو مجالس أو أكسية أو ما أشبه ذلك، وهذه الأشياء قد تفنى في عشر سنين، أو تتحطم أو تنكسر؛ ففي العشر السنين الأخرى يأتيها مثلاً عشرة آلاف أخرى، وهكذا.

فالحاصل: أنه يصح تأجيله إلى أجل محدد أو غير محدد، فإذا أطلق الأجل ولم يحدد وإنما قال: أصدقنا أربعين ألفاً مؤجلة، وعشرين ألفاً نقداً، فنقد له العشرين ألفاً، وسكت عن تحديد المؤجلة، ما قال: مدة سنة، أو سنتين، أو عشر سنين، أو إلى الموت، فالمؤجل محِلُّه الفرقة، فإذا حصلت الفرقة بطلاق أو بفسخ أو بموت متى ما حصلت حُكِم لها به، ولزمه دفعه، فالفرقة تكون بطلاق أو بفسخ كأن يفسخ الحاكم النكاح، أو بالموت، فمتى حصلت الفرقة حل المؤجل، حتى ولو حصلت بعد الدخول بيوم أو بأيام؛ وذلك لأنه تحقق أنه فارقها.

متى تملك المرأة صداقها؟

الجواب: تملكه بمجرد العقد، فقد يكون الصداق عيناً، يعني: قد يكون عرضاً من العروض أو بهيمة أو نحوها فتملكه بالعقد، فإن كان معيناً، كأن يقول: أصدقتك هذه الدار، أو هذه الأشجار، أو هذه الأغنام، فبمجرد العقد تملكها، فلو أن هذه الغنم ولدت بعد شهر، ثم طلق، وأراد أن يأخذ نصف الغنم، فهل يأخذ نصف البهم؟ الجواب: لا يأخذ؛ لأنه في تلك المدة التي أُعلفت فيها، كانت في ملك الزوجة، وفائدتها لها؛ فإذا حلبتها في تلك الأيام فإن لها لبنها ودهنها وجِزتها، كل ذلك يكون لها، وإذا أثمر الشجر بعد العقد فالثمرة لها، وإذا أجَّرت الدار بعد العقد فالأجرة لها، وليس له إذا طلق أن يطالب بنصف الأجرة أو بنصف الثمرة؛ لأنها دخلت في ملكها بمجرد العقد، هذا معنى قوله: (وتملكه بعقد).


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2739 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2716 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2607 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2570 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2483 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2348 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2339 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2332 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2318 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2269 استماع