شرح أخصر المختصرات [59]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل:

ويحرم أبداً أمٌ وجدة وإن علت, وبنت وبنت ولد وإن سفلت, وأخت مطلقاً, وبنتها, وبنت ولدها وإن سفلت, وبنت كل أخ, وبنتها, وبنت ولدها وإن سفلت، وعمة وخالة مطلقاً.

ويحرم برضاع ما يحرم بنسب, ويحرم بعقد حلائل عمودي نسبه, وأمهات زوجته وإن علون، وبدخولٍ ربيبةٌ، وبنتها، وبنت ولدها وإن سفلت، وإلى أمدٍ أخت معتدته أو زوجته, وزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها, ومطلقته ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بشرطه، ومسلمة على كافر, وكافرة على مسلم إلا حرةً كتابيةً، وعلى حر مسلم أمة مسلمة, ما لم يخف عنت عزوبة لحاجة متعة أو خدمة، ويعجز عن طول حرة أو ثمن أمة، وعلى عبد سيدته وعلى سيد أمته وأمة ولده, وعلى حرة قِنُّ ولدها.

ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين إلا أمةً كتابيةً].

يبوب الفقهاء على الفصل الأول: باب المحرمات في النكاح، ويذكرون أيضاً بعده باب نكاح الكفار؛ وذلك أنه لابد أن نبحث ونعرف متى تحرم المرأة، ومتى لا تحرم.

والمحرمات في النكاح قد ورد إجمالهن في القرآن، فذكر الله تعالى في القرآن سبعاً من المحرمات بالنسب، وذكر أيضاً اثنتين من المحرمات بالرضاع، وأربعاً من المحرمات بالمصاهرة، وواحدة محرمة بكونها زوجة للغير، ثم إن العلماء فصلوا:

فأول المحرمات: الأم قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] وكلمة الأم تصدق على الوالدة، وتصدق على الجدة، فالجدة أم الأم تعتبر أماً، وكذلك الجدة أم الأب، فهي من الأمهات؛ لأنه إذا قيل: أمك وأم أمك، وأم أم أمك، وكذلك أم أبيك، وأم أبي أبيك؛ ففيها كلمة أم، ولا شك أن تحريمها لأجل الولادة، ولأنها التي ربت المولود، وأشفقت عليه في صغره، فتعتبر ذات تربية، وذات نعمة عليه، فلا جرم أن كانت أول المحرمات، وأول ما بدأ بها، فالذي ينكح أمه يعتبر قد أتى أكبر المنكر وأفحشه، وكذلك أيضاً أم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علت.

الثانية: قوله: وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23] ، فجعل البنت بعد الأم، والبنت أيضاً خلقت من ماء الرجل، وهو الذي غالباً يحنو عليها ويرفق بها، فهي خلقت من مائه، وخلقت منه؛ فلذلك يتأكد تحريمها، ويدخل في كلمة: وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23] الفروع، فبنته، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، يعني: التي هو جدها، سواء كان أبا الأم، أو أبا الأب وإن بعدت يصدق عليها أنها بنته.

وكلمة (ولد) يدخل فيها الذكور والإناث، فالبنت ولد، يعني: مولدة، فبنتها تحرم، وكذلك الابن ولد، فبنته تحرم، وبنت ابن ابن، وبنت بنت ابن ، وإن بعدت.

الثالثة: قوله: وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23] ، فالأخت خلقت معه، إما من ماء واحد إذا كانت أختاً لأبيه، أو اجتمعت وإياه في رحم واحد، إذا كانت أخته من الأم، فكلمة (مطلقاً) يدخل فيها الجميع: أخت من الأبوين، وأخت من الأب، وأخت من الأم، وكلهن يدخلن في كلمة: وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23] .

الرابعة والخامسة: ذكر الله تعالى بعدهن العمة والخالة فقال: وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ [النساء:23] ، ويدخل في كلمة (عمتك): أخت أبيك، وأخت جدك عمةُ أبيك، وكذلك أخت جدك أبي الأم، فهي عمة أمك، عَمَّاتُكُمْ [النساء:23] يعني: أخوات آبائكم، وأخوات أجدادكم، آباء الآباء أو آباء الأجداد من جهة الأم أو من جهة الأب، فأخت جدك أبي أمك تعتبر عمة أمك؛ فتكون عمتك، وهكذا.

والخالة هي: أخت الأم، فأخت الأم تُسمى خالة، وكذلك خالة الأم أخت جدتك أم الأم، وخالة الأب أخت جدتك أم أبيك، وهكذا.

قوله: (مطلقاً) أي: تدخل فيه الأخت من أي جهة، فأخت أبيك من أبيه عمتك، وأخته من أبويه عمتك، وأخته من الأم عمتك، كذلك أخت جدك للأب عمة أبيك، سواءً كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين، وأخت جدك أبي الأم عمة أمك، سواء كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين، فالجميع يصدق عليها أنها عمة، وكذلك الخالة هي أخت الأم، سواء كانت أختها من أمها، أو من أبيها، أو شقيقة، يصدق عليها أنها خالتك أخت أمك؛ لأنها وأمك من أب واحد، أو من أم واحدة، أو من أب وأم، كذلك أيضاً خالة أمك، التي هي أخت جدتك من أب أو من أم أو من أبوين، الجميع تدخل في اسم العمة والخالة.

السادسة والسابعة: قال تعالى: وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23] ، وهاتان من المحرمات من النسب: بنت أخيك، وأخوك: يعم الأخ من الأب، أو من الأم، أو من الأبوين وهو الشقيق، فتحرم بنته عليك؛ لأنك عمها، كذلك بنتها وإن نزلت، وكذلك بنت ولدها.

فهذه التي أنت عمها حرام عليك؛ لأنها بنت أخيك، وبنتها تقول: أنت عم أمي فأنت محرم لها، أو عم جدتي فأنت محرم لها، كذلك بنت ابنها، تدعوك وتقول: يا عم أبي، فأنت عم أبيها، وإن بعدت، فبنت الأخ وبنت بنت الأخ، وبنت بنت بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، وبنت ابن ابن الأخ، وبنت بنت ابن الأخ، وكل من تدعوك عماً لها، أو عماً لأحد أجدادها أو آبائها، تدخل في بنت الأخ.

كذلك بنت الأخت، أنت خالها، فهي تدعوك خال، سواء كنت أخاً لأمها من الأم، أو من الأب، أو من الأبوين؛ فهي تدعوك خالاً لها، كذلك بنتها، تقول لك: يا خال أمي، وكذلك بنت ابنها، تقول لك: أنت خال أبي، أو خال أبي أبي، أو خال جدي.

والأخوَّة سواء كانت من الأبوين أو من أحدهما؛ فالأخت وبنتها، وبنت بنتها، وإن نزلت، وبنت ابنها، وبنت ابن ابنها، وبنت بنت ابنها، وهكذا، كل من تفرع ممن تدعوك عماً لها أو خالاً، أو عماً لأمها أو لأبيها، أو عماً لجدها أو خالاً لها أو خالاً لجدها، أو نحو ذلك.

فهؤلاء سبع محرمات بالنسب.

قوله: (يحرم برضاع ما يحرم بنسب).

جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أي: المحرمات من النسب يحرم مثلهن من الرضاع، فالأم التي أرضعتك تعتبر محرماً لك، وبنتها تعتبر أختك من الرضاع، فهي تقول: أرضعتك أمي، وبنت زوجها، تعتبر أيضاً أختك، تقول: أرضعتك زوجة أبي بلبن أبي، فأنت أخي، ارتضعت من اللبن الذي سببه والدي، فهي كذلك تعتبر أختك.

مثلاً: لو قدر أن رجلاً له أربع زوجات، ثم أرضعتك إحداهن رضعتين، وأرضعتك الثانية رضعة، والثالثة رضعة، والرابعة رضعة؛ فاجتمع خمس رضعات، فكل واحدة لست ابناً لها؛ لأن الرضاع المحرم خمس، وهذه ما أرضعتك إلا واحدة أو ثنتين، ولكن زوجهن يعتبر أبوك؛ لأنك رضعت من لبنه خمس رضعات، من اللبن الذي هو بسببه، فبناته أخواتك، فهن يقلن: ارتضعت من لبن أبينا خمس رضعات، فبناته من هذه ومن هذه ومن هذه ومن كل زوجاته محرمات عليك؛ لأنك أنت ابنه؛ لأنك رضعت من زوجاته، وزوجاته يحتجبن عنك، إلا أنك ابن زوجهن، وبناته لا يحتجبن؛ وذلك لأنك ارتضعت من لبن أبيهن.

فالحاصل أن الأم من الرضاعة هي: التي أرضعت الطفل خمس رضعات في الحولين.

والأخت من الرضاع هي: بنت المرضعة أو بنت زوجها الذي هو صاحب اللبن، فتدخل في قوله تعالى: وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23] ، فبنتك من الرضاعة هي: التي رضعت من زوجتك خمس رضعات، فتحرم عليك؛ لأنها رضعت من اللبن الذي أنت سببه، فتكون محرماً لها.

وكذلك بنت ابنك من الرضاعة، يعني: هذا الذي رضع من زوجتك إذا كان له بنت، فأنت جدها من الرضاع، فهي تقول: أنت أبو أبي من الرضاع، وأنت تقول لها: أنت بنت ابني من الرضاع.

كذلك عمتك من الرضاع، وهي أخت أبيك من الرضاع، إذا كان زوج المرأة التي أرضعتك له أخوات، فاعتبرهن عماتك؛ لأنهن أخوات أبيك من الرضاع، وأمك التي أرضعتك إذا كان لها أخوات فاعتبرهن خالاتك من الرضاع، وكل واحدة تقول: أرضعتك أختي فأنت ابن أختي من الرضاع، والعمات كل واحدة تقول: رضعت من لبن أخي، فأنا عمتك أخت أبيك من الرضاع.

وكذلك بنت أخيك من الرضاع، يعني: الذي رضعت من لبن أمه أو من لبن أبيه فبنته تدعوك عماً، وتقول: أنت عمي من الرضاع، رضعت من لبن جدتي أخت أم أبي، فأنت أخو أبي، فتكون عمي، أو أنت أخو أمي فتكون خالي، فهي بنت أخيك من الرضاع، وبنت أختك من الرضاع.

فتحرم الأم من الرضاع، والأخت من الرضاع، والبنت من الرضاع، وبنت الأخ من الرضاع، وبنت الأخت من الرضاع، والعمة من الرضاع، والخالة من الرضاع، يحرم سبع من الرضاع، كما يحرم سبع من النسب.

ثم ذكر المصنف المحرمات بالمصاهرة، والقرابة بين الناس: إما قرابة نسب، وإما قرابة مناسبة، كما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [الفرقان:54] ، فالمصاهرة القرابة من النكاح، فأم الزوجة تحريمها بالمصاهرة، وبنت الزوجة، تحريمها بالمصاهرة، وكذلك زوجة الابن، وزوجة الأب، تحريمهن بالمصاهرة، وهؤلاء يحرمن بمجرد ما يحصل عقد النكاح، ولو لم يدخل بها، فإذا عقدت على امرأة مجرد عقد ولم تدخل بها فقد حرمت عليك أمها وجدتها، وإن علت، وكذلك إذا عقد ابنك على امرأة ولو لم يدخل بها؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها ابنك ولو لم يدخل بها، فتصبح محرماً لك، وإذا عقد أبوك على امرأة؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها أبوك ولو لم يدخل بها، حتى ولو طلقها قبل الدخول بها، فزوجة الابن محرم بمجرد العقد، وزوجة الأب محرم بمجرد العقد، ومثله ابن الابن، فزوجة ابن ابنك أيضاً محرم لك، وزوجة ابن بنتك محرم لك، وابن بنتك حتى -على الصحيح- من الرضاع، فابنك من الرضاع زوجته محرم لك، وأبوك من الرضاع زوجته محرم لك.

قوله: (حلائل عمودي نسبه)، فزوجة الجد محرم، ولو كان بعيداً، فالجد أبو الأم، أو الجد أبو الأب، وكذلك زوجة ابن الابن، وابن البنت وإن نزل كلهن محرمات، هذا معنى: حلائل عمودي نسبه.

ولماذا سميا عمودين؟

الجواب: لأن الفروع أغصان يعتمد بعضها على بعض، والأصول كأنها أعمدة يعتمد بعضها على بعض، فعمود النسب العليا: أبوك، وجدك، وجد أبيك، وجد جدك من الأب أو الأم.

وعمود النسب الفروع: ابنك، وابن ابنك، وابن ابن ابنك، وبنتك، وبنت ابنك، وبنت ابن ابنك، وبنت بنت ابنك، وهكذا؛ فحلائلهم تحرم بمجرد العقد، كما مثلنا.

قوله: (أمهات زوجته وإن علون) يعني: بمجرد العقد، فإذا عقد رجل على امرأة حرمت عليه أمها، وجدتها أم أمها، وجدتها أم أبيها، وإن علت، فهؤلاء هن أمهات الزوجات وإن علون، وهؤلاء يحرمن بمجرد العقد، حتى ولو طلق قبل الدخول.

والتي تحرم بالدخول ولا تحرم بالعقد هي الربيبة، لقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23] وهي بنت الزوجة، ولا تكون محرمة إلا إذا دخل بأمها، أما إذا عقد على امرأة ثم طلقها ولها بنت، حلت له البنت؛ لأنه لم يدخل بأمها، فمجرد العقد عليها لا يحرم بنتها؛ وإنما يحرم الأم ولا يحرم البنت، يقول السلف: أطلقوا ما أطلقه الله، فالله تعالى قال: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23]، وأطلق، ثم قال: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] ، فاشترط في الربيبة الدخول بأمها.

وقول الله تعالى: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] استدل بها بعض العلماء على أن زوجة الابن من الرضاع، إذا طلقها حلت لأبيه من الرضاع؛ لأن الله قال: (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ)، فيجعلون الابن من الرضاع لا يدخل في هذه الآية، والجمهور على أنه يدخل؛ وذلك لأن اللبن الذي ارتضع منه من الصلب ولو كان لبن المرأة، لكن أصله بسبب الزوج، فالحمل الذي حصل ودرت بسببه لبناً هو من الزوج، فهذا الولد ارتضع من اللبن الذي صار بسببه، والذي خلق من صلبه، هذا هو الصحيح، فعلى هذا يخرج بقوله: (مِنْ أَصْلابِكُمْ) المتبنى؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذ أحدهم ولداً أجنبياً ويضمه ويقول: هذا ابني بالتبني، ويسمى دعيّاً، ويسمون أدعياء، فلذلك قال الله تعالى في سورة الأحزاب: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4]، (أدعياءكم) يعني: الذين تدعونهم أبناء وهم أجانب، وإنما ضممتموهم إليكم، فيكون قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] ليخرج الدعي، فإن زوجته أجنبية، ولأجل ذلك أحل الله زوجة زيد بن حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان دعياً يدعونه ابن محمد، فقال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ [الأحزاب:40] ، فأباح الله زوجته زينب للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] لماذا؟ لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَج فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ [الأحزاب:37] أي: حتى لا يتحرج أحد أن يتزوج زوجة دعيه من بعده.

والربيبة اشترط الله فيها قوله: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23] ، ولكن أكثر العلماء على أن هذا الشرط أغلبي، وأن كونها ربيبة تعريف لها، وليس ذلك مطرداً، فالضابط أن نقول: بنت الزوجة حرام على زوجها، أي: بنتها من غيره حرام عليه، سواء كانت تلك البنت في حجره أو ليست في حجره، وسواءً كانت ولدت قبل أن يتزوجها أو بعدما تزوجها وطلقها، فبنتها محرم له، هذا هو قول الجمهور، والغالب أنه إذا تزوج الرجل امرأة ومعها بنات أنهن يتربين عنده، وينفق عليهن، فبناء على الأغلب قال تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ [النساء:23] ، وليس ضرورياً أن يربيها، بل لو ربتها أمها قبل أن يتزوجها، ولما تزوجها أخذها أبوها، فتُعتبر ربيبة؛ لأنها بنت زوجته.

كذلك أيضاً لا يشترط أن تكون في حجره، بل لو تزوجها ولها بنت، فأخذ البنت أهلها، ولم تدخل في بيته إلا لزيارة فنعتبرها ربيبة له، وتحرم عليه، ويكون محرماً لها.

وكذلك بنات الزوجة بعد الزوج، إذا تزوجت امرأة، وجاءت منك بأولاد، وطلقتها، وتزوجها زيد وجاءت منه ببنات، فبناتها قبلك وبناتها بعدك حرام عليك، فالضابط أن بنت المرأة المدخول بها، سواء قبل الزوج أو بعده محارم له.

وبنت الربيبة حرام أيضاً، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أمي، وكذلك بنت ابنها، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أبي، فتكون محرماً لها، يعني: بنات زوجتك من غيرك، وبنات بنات زوجتك، وبنات أبناء زوجتك من غيرك، كلهن محرمات عليك وإن سفلن، هؤلاء المحرمات أبداً.

وقوله في أول الباب: (يحرم أبداً) يعني: محرمات مطلقاً.

تحريم أخت الزوجة

ذكر المصنف رحمه الله المحرمات إلى أمد، يعني: المحرمات تحريماً مؤقتاً، فيقول: (أخت معتدته، أو أخت زوجته).

أخت زوجته التي في ذمته حرام عليه إلى أن يطلق زوجته، وتنتهي عدتها، أو تتوفى زوجته، فتحل له أختها، فإذا طلق امرأة فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدة المطلقة، سواء بوضع الحمل، أو بثلاثة قروء، أو نحو ذلك؛ لئلا يجتمع ماؤه في رحم أختين، حتى لو كانت المطلقة بائناً، وهي المطلقة ثلاثاً، فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدتها، وتحل للأزواج، أمّا ما دامت محبوسة عليه فإنها تعتبر كأنها في عصمته.

تحريم الزواج بالزانية حتى تتوب

تحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها، قال الله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَان أَوْ مُشْرِك [النور:3] ، ففي الآية تحريم نكاح الزانية، سيما إذا كانت مصرة على الزنا؛ وذلك لأنها فاجرة، ولأنها تستحق الحد الذي هو العقوبة المشروعة، فلا يتزوجها لئلا تدخل عليه أولاداً من غيره؛ لأنها إذا زنت وحملت من غيره نسبت الأولاد الذين هم من الزنا إليه، فيترتب على ذلك مفاسد، فلا يجوز أن يتزوجها إلا بعد توبتها، ولكن بعدما تقام عليها الحدود، فإذا زنت واعترفت وهي بكر وجلدت مائة جلدة، وغربت، وظهرت منها التوبة والندم، وعرف بذلك أنها صادقة في توبتها، وانقضت عدتها من ذلك الحمل، أو من ذلك الزنا، ففي هذه الحال يحل أن يتزوجها؛ لأنها أصبحت عفيفة، وأما قبل ذلك فلا يجوز، قال الله تعالى: الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، فإذا تابت أصبحت من الطيبات، وقبل ذلك كانت من الخبيثات، والله يقول: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور:26] .

تحريم المطلقة ثلاثاً

تحرم على الرجل مطلقته ثلاثاً، فإذا طلقها ثلاث طلقات حرمت عليه، وتُسمى بائناً بينونة كبرى، قال الله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي، كما قال قبل هذه الآية: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] يعني: في الطلقتين، فإذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها فله مراجعتها: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة:228] ، ثم قال بعد ذلك: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] يعني: الثالثة، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230]، فلا تحل مطلقته إذا كان قد طلقها طلاقاً ثلاثاً -وهي البائنة- حتى تنكح زوجاً غيره، وحتى يطأها ذلك الزوج بشرطه، يعني: لابد أن يطأها الوطء الصحيح، كما في حديث المرأة التي ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه طلقها زوجها، وأنها تزوجت بعده، وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته) يعني: حتى يطأها الوطء الذي يوجب الغسل، يطأها بنكاح صحيح مع الانتشار في قبلها، فلو وطأها في الدبر أو باشرها دون الفرج؛ فإنها لا تحل لزوجها الأول، حتى يطأها الثاني وطئاً صحيحاً.

ذكر المصنف رحمه الله المحرمات إلى أمد، يعني: المحرمات تحريماً مؤقتاً، فيقول: (أخت معتدته، أو أخت زوجته).

أخت زوجته التي في ذمته حرام عليه إلى أن يطلق زوجته، وتنتهي عدتها، أو تتوفى زوجته، فتحل له أختها، فإذا طلق امرأة فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدة المطلقة، سواء بوضع الحمل، أو بثلاثة قروء، أو نحو ذلك؛ لئلا يجتمع ماؤه في رحم أختين، حتى لو كانت المطلقة بائناً، وهي المطلقة ثلاثاً، فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدتها، وتحل للأزواج، أمّا ما دامت محبوسة عليه فإنها تعتبر كأنها في عصمته.

تحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها، قال الله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَان أَوْ مُشْرِك [النور:3] ، ففي الآية تحريم نكاح الزانية، سيما إذا كانت مصرة على الزنا؛ وذلك لأنها فاجرة، ولأنها تستحق الحد الذي هو العقوبة المشروعة، فلا يتزوجها لئلا تدخل عليه أولاداً من غيره؛ لأنها إذا زنت وحملت من غيره نسبت الأولاد الذين هم من الزنا إليه، فيترتب على ذلك مفاسد، فلا يجوز أن يتزوجها إلا بعد توبتها، ولكن بعدما تقام عليها الحدود، فإذا زنت واعترفت وهي بكر وجلدت مائة جلدة، وغربت، وظهرت منها التوبة والندم، وعرف بذلك أنها صادقة في توبتها، وانقضت عدتها من ذلك الحمل، أو من ذلك الزنا، ففي هذه الحال يحل أن يتزوجها؛ لأنها أصبحت عفيفة، وأما قبل ذلك فلا يجوز، قال الله تعالى: الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، فإذا تابت أصبحت من الطيبات، وقبل ذلك كانت من الخبيثات، والله يقول: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور:26] .

تحرم على الرجل مطلقته ثلاثاً، فإذا طلقها ثلاث طلقات حرمت عليه، وتُسمى بائناً بينونة كبرى، قال الله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي، كما قال قبل هذه الآية: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] يعني: في الطلقتين، فإذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها فله مراجعتها: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة:228] ، ثم قال بعد ذلك: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] يعني: الثالثة، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230]، فلا تحل مطلقته إذا كان قد طلقها طلاقاً ثلاثاً -وهي البائنة- حتى تنكح زوجاً غيره، وحتى يطأها ذلك الزوج بشرطه، يعني: لابد أن يطأها الوطء الصحيح، كما في حديث المرأة التي ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه طلقها زوجها، وأنها تزوجت بعده، وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته) يعني: حتى يطأها الوطء الذي يوجب الغسل، يطأها بنكاح صحيح مع الانتشار في قبلها، فلو وطأها في الدبر أو باشرها دون الفرج؛ فإنها لا تحل لزوجها الأول، حتى يطأها الثاني وطئاً صحيحاً.

تحرم المسلمة على الكافر، قال الله تعالى: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْد مُؤْمِن خَيْر مِنْ مُشْرِك [البقرة:221] فالعبد المؤمن المملوك خير من الحر المشرك، وإذا أسلمت تحته فرق بينهما، فإن أسلم في العدة رجعت إليه، وإلا حرمت عليه.

قوله: (تحرم كافرة على مسلم، إلا حرة كتابية).

لقول الله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10] عصمتها يعني ذمتها، أي: إذا كان لكم زوجات كافرات فلا تمسكوهن بعصمتهن، ولما نزلت الآية طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه زوجتين له كانتا بمكة كافرتين. ويقول تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَة مُؤْمِنَة خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] يعني: مملوكة خير من حرة مشركة، واستثنوا الحرة الكتابية؛ لأن الله تعالى أباح نكاح الكتابية؛ لقوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَان [المائدة:5]، فمثل هذه تحل بهذه الشروط:

الشرط الأول: أن تكون كتابية، يعني: من أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، فإذا كانت وثنية فلا تحل، وإذا كانت مجوسية، أو هندوسية، أو بوذية، أو قاديانية؛ فإنها لا تحل.

الشرط الثاني: لابد أن تكون متمسكة بكتابها، فإذا كانوا يتسمون بأنهم يهود، ولكنهم لم يتمكسوا بما في كتابهم، أو نصارى ولم يعملوا بالإنجيل العمل الواجب، بل يخالفونه؛ فليسوا كتابيين، وذلك لأن من شريعة الكتابيين في التوراة والإنجيل تحريم الزنا، وأما الموجودون الآن بكثرة فإنهم لا يحرمون الزنا، ويتسمون بأنهم نصارى أو يهود، يذكر لنا الذين يسافرون إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا أن المرأة هناك لا تتورع عن الزنا، وأن الزنا عندهم أسهل شيء، ولا يغار أحد على ابنته، ولا على موليته، ففي هذه الحال، هل تكون كتابية أصلاً؟!

لا تكون كتابية حقيقة.

الشرط الثالث: أن تكون محصنة، والمحصنة هي المتعففة، أما إذا كانت غير عفيفة فلا تحل، وكثير من الذين يسافرون إلى البلاد الخارجية يقول أحدهم: أتزوجها؛ لأنها كتابية، ولا يشترط أن تكون عفيفة، ولا يشترط أن تكون متمسكة بكتابها، وقد تكون مرتدة، أو لا تكون كتابيةً حقيقية، فنقول: نكاحها حرام، والله تعالى ما أباح إلا نكاح اللاتي هن من أهل الكتاب حقاً، بشرط كونهن محصنات؛ لقوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5] المحصنات يعني: العفيفات، فإذا لم تكن محصنة فلا يحل لك أن تتزوجها، وإذا لم تكن من أهل الكتاب المتمسكين بكتابهم فلا تحل لك، ولا يحل أن تتزوجها.

الشرط الرابع: أن تكون حرةً، فإذا كانت أمة كتابية فلا تحل لمسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2740 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2718 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2608 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2572 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2486 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2350 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2341 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2334 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2321 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2271 استماع