شرح أخصر المختصرات [50]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الفرائض:

أسباب الإرث: رحم، ونكاح، وولاء.

وموانعه: قتل، ورق، واختلاف دين.

وأركانه: وارث ، ومورث ، ومال موروث.

وشروطه: تحقق موت مورث، وتحقق وجود وارث، والعلم بالجهة المقتضية للإرث.

والورثة: ذو فرض، وعصبة ، وذو رحم].

نبدأ في كتاب الفرائض وهو علم مستقل كان الأولون يهتمون به، ويولونه عناية، وقد أكثروا فيه من التأليف قديماً وحديثاً، ومن أشهر ما ألف فيه منظومة الرحبي المشهورة بالرحبية، ذكر في مقدمتها أهمية هذا العلم بقوله:

وأن هذا العلم مخصوص بما قد شاع فيه عند كل العلماء

بأنه أول علم يفقد في الأرض حتى لا يكاد يوجد

ولكن الناظم نظمها على مذهب زيد قال:

عن مذهب الإمام زيد الفرضـي إذ كان ذاك من أهم الغرض

فاقتصر على مذهب زيد، ومدح ذلك بقوله:

وأن زيداً خص لا محالـه بما حباه خاتم الرساله

من قوله في فضله منبها أفرضكم زيد وناهيك بها

ثم ذكر أنه أيضاً مذهب الشافعي بقوله:

فكان أولى باتباع التابعي لا سيما وقد نحاه الشافعي

فالحاصل أنه اقتصر على مذهب زيد.

ثم إن العلماء رحمهم الله تعرضوا للفرائض في كتب الفقه كما في هذا الكتاب، واختصروا أو توسعوا بحسب تلك الكتب التي ألفت، وأفردت هذه الفرائض في مؤلفات مفردة، ومن أسهلها رسالة شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله وتسمى: الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، ألفها من نحو ستين عاماً، عندما كان قاضياً مدرساً، فألفها وطبعت، وهي سهلة التناول، ثم جاء بعده من ألف وزادوا في تآليفهم بالجداول التي يرسمونها ويذكرون فيها أصل المسألة وعولها، وسهام كل وارث، وكذلك يذكرون فيها مصح المسألة أو تصحيحها، وهذه الجداول تسهلها.

توجد نسخة الشيخ ابن باز لعلنا نحصل على نسخ منها، نأتي بها إن شاء الله يوم السبت، الذي ليست عنده يأخذها، يفرقها الشيخ فهد ، والذي هي عنده يرجع إليها، والذي عنده أيضاً نسخ أخرى تغني عنها كعدة الباحث لأحكام الموارث للشيخ عبد العزيز بن رشيد ، وكذلك رسالة الشيخ صالح بن فوزان في الفرائض، وأيضاً كتاب: الفوائد الملية في المباحث الفرضية كتاب كبير للشيخ ابن سلمان .

وأيضاً شروح هذه القصيدة التي هي الرحبية فمنها شرح للشنشوري ، وشرح لـسبط المارديني ، وفي كل حال فإنها تحتاج إلى عناية، وتحتاج إلى تفهم، وإلى توسعة، وقد لا تتضح من شرحنا، وذلك لأن الكتاب مختصر، فيرجع إلى المؤلفات الأخرى من خفي عليه شيء.

معلوم أن فيها اصطلاحات، وتلك الاصطلاحات لا تعرف إلا بعد التكرر وبعد التأكد وبعد التنفيذ، فلذلك ينبغي أن يتفطن طالب العلم للاصطلاحات الفرضية، ويطبقها، ويعلم معناها حتى يفهم المراد.

تعرف الفرائض: بأنها العلم بقسمة المواريث، أو العلم بقسمة التركات، والفرائض جمع فريضة، واشتقاقها من الفرض، وهو يدور على معان أصلها الحز والقطع، يقال: فرضت في الخشبة، أو فرض الحبل في الخشبة فرضاً، أي: حز فيها، وفرضه بالسكين، فأصل الفرض الحز والقطع.

وسميت فرائض؛ لأنها محددة، وهي في اللغة جمع فريضة، بمعنى مفروضة، ولعلهم أخذوا تسميتها من القرآن الكريم في قول الله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:11]، فسماها فريضة، فجمعوها فرائض، وسموها بهذا الاسم.

تعريف السبب لغة واصطلاحاً

وقد ذكروا أولاً: أسباب الإرث، ويوسعون الكلام فيها كما في رسالة الشيخ ابن باز ، يقولون: السبب في اللغة ما يتوصل به إلى الشيء، ومنه سمي الحبل سبباً، قال تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ [الحج:15] ومنها أيضاً قوله تعالى: فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ [ص:10] وقول فرعون: لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ [غافر:36-37] يعني: الوسائل التي يصعد بها.

وأما السبب في الاصطلاح فهو: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، هذا تعريفهم، مثاله: إذا قلنا: أسباب الإرث نكاح وولاء ونسب، أو رحم ونكاح وولاء، فإذا عدمت هذه الأسباب عدم الإرث، فهذا معنى أنه يلزم من عدمه العدم، أي: إذا عدمت الأسباب عدم المسبب، ولكن لو اجتمعت الأسباب فهل يلزم أن يكون هناك إرث؟

لا يلزم من وجودها وجود الإرث، فقد توجد الأسباب أو بعضها ويتخلف الإرث لمانع من الموانع أو لعدم التركة، فعرفنا بذلك أنه يلزم من عدم السبب عدم الإرث، ولكن لا يلزم من وجوده وجود الإرث، فإذا وجد السبب لم يلزم أن يوجد المسبب، فقد توجد الأسباب ولا يوجد إرث.

الرحم

وقد ذكر أن الأسباب ثلاثة: رحم ونكاح وولاء، والناظم عبر بقوله:

أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة

وهي نكاح وولاء ونسب

فجعل بدل الرحم النسب، والرحم القرابة، ودليله قول الله تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، ولكن اصطلح الفقهاء على تقسيم القرابة إلى قسمين: عصبة وذوو رحم، فالعصبة الذين يرثون بالتعصيب، وذوو الرحم الذين لا يرثون إلا مع ذوي الأرحام.

فالعصبة: هم الأقارب الذكور من جهة الأب، كالابن وابن الابن والأب وأبي الأب ونحوهم، وكذلك الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم.

وأما الرحم: فهم الأخوال والخالات والعمات وبنات العم ونحوهم.

النكاح

ثم النكاح سبب من أسباب الإرث، قال تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، ومتى يحصل بالنكاح إرث؟

يحصل بمجرد العقد، فإذا حصل عقد النكاح حصل التوارث، والمقصود عقد الزوجية الصحيح الخالي من الموانع الشرعية.

فإذا مات أحدهما بعد العقد ولو قبل الدخول، وقبل الخلوة ورثه الآخر، وذلك لأنه يصدق عليه أنه زوج بعد العقد، فإذا مات ورثت منه، وإذا ماتت ورث منها.

ثم ذكروا أيضاً في الكتب التي يتوسعون فيها ميراث المطلقة، وأنه إذا طلقها في مرض موته ورثت؛ لأنه يتهم بقصد حرمانها، وإذا طلقها ومات وهي في العدة، فإنها أيضاً ترث إذا كان الطلاق رجعياً، وأما إذا كان الطلاق بائناً فلا توارث.

الولاء

أما الولاء: فالمراد به ولاء العتاقة، والمولى هو العتيق، ويعرفونه بأنه عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالتعق، فيرثه هو وعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم ولا مع غيرهم، ولعل هذا التعريف يتضح فيما بعد.

فالمولى هو العبد المملوك أعتقه سيده وأصبح مولى له، كأنه يتولاه وينصره، وينتسب إلى سيده الذي أعتقه ومنّ عليه بالعتق، قال الله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [الأحزاب:37] يعني: زيد بن حارثة أنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق.

وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]، سماهم الله تعالى موالي لأنهم يتولون.

فإذا مات العتيق وله مال وليس له أولاد، ورثه سيده؛ لأنه أنعم عليه بالعتق، فإذا كان السيد قد مات قام أولاده مقامه، وإذا مات العبد وله أولاد، ثم مات أولاده بعده ولم يكن لهم أولاد، ورثهم أولاد سيدهم، أو إخوة سيد الذي أعتق أباهم، فيحصل التوارث بين هذا العتيق وبين معتقه.

واختلف العلماء: هل العبد يرث سيده، إذا قدر أن السيد مات وليس له أولاد ولا عصبة؟ صحح بعض العلماء أنه إذا لم يكن له وارث أن عبده الذي أعتقه يرثه؛ لأن بينهما قرابة وهي هذا الولاء، ولذا يعرفه بعضهم بأنه لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أي: كأنه قرابة، فلا يجوز للإنسان أن يبيع قرابته من أخيه، فلا يقول لإنسان أجنبي: بعتك قرابتي من أخي أو من أبناء عمي؛ لأن هذا نسب ثابت، فإذا كان لا يجوز أن يبيع قرابته من أخيه أو عمه أو ابن عمه، فكذلك عتيقه، فلا يجوز أن يقول: بعتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته وأصبح مولىً لي.

ولا يجوز أن تهبه، وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته)، فلا تقول: وهبتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته، أو بعتك قرابتي منه، فلا يباع ولا يوهب، هذا حكم الولاء، فالولاء يرث به المعتق هو وعصبته.

هذه أسباب الأرث.

أما الرحم فقد ذكرنا أنهم ينقسمون إلى عصبة وذوي أرحام، والعصبة ينقسمون إلى أصول وفروع وحواش، ويأتينا أمثلة لهم.

وقد ذكروا أولاً: أسباب الإرث، ويوسعون الكلام فيها كما في رسالة الشيخ ابن باز ، يقولون: السبب في اللغة ما يتوصل به إلى الشيء، ومنه سمي الحبل سبباً، قال تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ [الحج:15] ومنها أيضاً قوله تعالى: فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ [ص:10] وقول فرعون: لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ [غافر:36-37] يعني: الوسائل التي يصعد بها.

وأما السبب في الاصطلاح فهو: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، هذا تعريفهم، مثاله: إذا قلنا: أسباب الإرث نكاح وولاء ونسب، أو رحم ونكاح وولاء، فإذا عدمت هذه الأسباب عدم الإرث، فهذا معنى أنه يلزم من عدمه العدم، أي: إذا عدمت الأسباب عدم المسبب، ولكن لو اجتمعت الأسباب فهل يلزم أن يكون هناك إرث؟

لا يلزم من وجودها وجود الإرث، فقد توجد الأسباب أو بعضها ويتخلف الإرث لمانع من الموانع أو لعدم التركة، فعرفنا بذلك أنه يلزم من عدم السبب عدم الإرث، ولكن لا يلزم من وجوده وجود الإرث، فإذا وجد السبب لم يلزم أن يوجد المسبب، فقد توجد الأسباب ولا يوجد إرث.

وقد ذكر أن الأسباب ثلاثة: رحم ونكاح وولاء، والناظم عبر بقوله:

أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة

وهي نكاح وولاء ونسب

فجعل بدل الرحم النسب، والرحم القرابة، ودليله قول الله تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، ولكن اصطلح الفقهاء على تقسيم القرابة إلى قسمين: عصبة وذوو رحم، فالعصبة الذين يرثون بالتعصيب، وذوو الرحم الذين لا يرثون إلا مع ذوي الأرحام.

فالعصبة: هم الأقارب الذكور من جهة الأب، كالابن وابن الابن والأب وأبي الأب ونحوهم، وكذلك الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم.

وأما الرحم: فهم الأخوال والخالات والعمات وبنات العم ونحوهم.

ثم النكاح سبب من أسباب الإرث، قال تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، ومتى يحصل بالنكاح إرث؟

يحصل بمجرد العقد، فإذا حصل عقد النكاح حصل التوارث، والمقصود عقد الزوجية الصحيح الخالي من الموانع الشرعية.

فإذا مات أحدهما بعد العقد ولو قبل الدخول، وقبل الخلوة ورثه الآخر، وذلك لأنه يصدق عليه أنه زوج بعد العقد، فإذا مات ورثت منه، وإذا ماتت ورث منها.

ثم ذكروا أيضاً في الكتب التي يتوسعون فيها ميراث المطلقة، وأنه إذا طلقها في مرض موته ورثت؛ لأنه يتهم بقصد حرمانها، وإذا طلقها ومات وهي في العدة، فإنها أيضاً ترث إذا كان الطلاق رجعياً، وأما إذا كان الطلاق بائناً فلا توارث.

أما الولاء: فالمراد به ولاء العتاقة، والمولى هو العتيق، ويعرفونه بأنه عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالتعق، فيرثه هو وعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم ولا مع غيرهم، ولعل هذا التعريف يتضح فيما بعد.

فالمولى هو العبد المملوك أعتقه سيده وأصبح مولى له، كأنه يتولاه وينصره، وينتسب إلى سيده الذي أعتقه ومنّ عليه بالعتق، قال الله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [الأحزاب:37] يعني: زيد بن حارثة أنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق.

وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]، سماهم الله تعالى موالي لأنهم يتولون.

فإذا مات العتيق وله مال وليس له أولاد، ورثه سيده؛ لأنه أنعم عليه بالعتق، فإذا كان السيد قد مات قام أولاده مقامه، وإذا مات العبد وله أولاد، ثم مات أولاده بعده ولم يكن لهم أولاد، ورثهم أولاد سيدهم، أو إخوة سيد الذي أعتق أباهم، فيحصل التوارث بين هذا العتيق وبين معتقه.

واختلف العلماء: هل العبد يرث سيده، إذا قدر أن السيد مات وليس له أولاد ولا عصبة؟ صحح بعض العلماء أنه إذا لم يكن له وارث أن عبده الذي أعتقه يرثه؛ لأن بينهما قرابة وهي هذا الولاء، ولذا يعرفه بعضهم بأنه لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أي: كأنه قرابة، فلا يجوز للإنسان أن يبيع قرابته من أخيه، فلا يقول لإنسان أجنبي: بعتك قرابتي من أخي أو من أبناء عمي؛ لأن هذا نسب ثابت، فإذا كان لا يجوز أن يبيع قرابته من أخيه أو عمه أو ابن عمه، فكذلك عتيقه، فلا يجوز أن يقول: بعتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته وأصبح مولىً لي.

ولا يجوز أن تهبه، وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته)، فلا تقول: وهبتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته، أو بعتك قرابتي منه، فلا يباع ولا يوهب، هذا حكم الولاء، فالولاء يرث به المعتق هو وعصبته.

هذه أسباب الأرث.

أما الرحم فقد ذكرنا أنهم ينقسمون إلى عصبة وذوي أرحام، والعصبة ينقسمون إلى أصول وفروع وحواش، ويأتينا أمثلة لهم.

موانع الإرث: قتل ورق واختلاف دين، ذكر ذلك الناظم بقوله:

ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث

رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين

الرق

الأول: الرق، ويعرفونه بأنه: عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر، يعني: السبب الأصل هو أنه كافر، ولما استولى عليه المسلمون استرقوه، وأصبح مملوكاً، فأصبح عاجزاً عجزاً حكمياً لا عجزاً حسياً، ومعنى العجز الحكمي أنه لا يقدر على أن يسافر إلا بإذن سيده، ولا يبيع ولا يشتري إلا بإذن سيده، ولا يتزوج إلا بإذن سيده، وكذلك لا يتملك شيئاً إلا بإذن سيده، فهو مولىً عليه مملوك، هذا معنى أنه عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر.

والمملوك لا يملك، فهو وما بيده لسيده، حتى ثيابه وحذاؤه وما كان تحت يده فإنه ملك للسيد، فلذلك لا يرث فإذا كان له أخ حر، ومات أخوه الحر، ولهذا الحر أخ آخر حر وهذا الأخ الرقيق، فالمال كله لأخيه الحر ولا يرث أخيه الرقيق، لأنه لو أخذ شيئاً من المال لأخذه سيده، والسيد أجنبي، فلا يرث الرقيق ولا يورث؛ لأنه ليس له تركة.

أما إذا أعتق بعضه فإنه يسمى مبعضاً، والمبعض يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، فإذا قدرنا أن عبداً بين اثنين، أعتق أحدهما نصفه وعجز عن إعتاق نصف الشريك، أصبح نصفه حراً ونصفه رقيقاً، فإذا مات أبوه ولهذا الأب الذي مات زوجة، وله أب، وله هذا الابن الرقيق؛ فهذا الابن الرقيق هل يحجب الزوجة ويمنعها من ميراثها؟

يحجبها عن نصف الثُمن، ولو كان حراً لحجبها عن ثمن، ولم ترث إلا ثمناً، ولكنه نصفه حر فيحجبها عن نصف ما يحجب الحر، فترث الزوجة ثمناً ونصف ثمن، لأنه حجبها عن نصف الثمن بنصفه الحر.

وكذلك يرث بنصفه الحر، والأب يرث السدس، لأن الابن لا يمنعه من إرث السدس.

نقدر مثلاً أن الأب له السدس، وأن الزوجة لها الثمن، وأن الباقي للابن، فكم يبقى؟

يبقى له سبعة عشر سهماً من أربعة وعشرين.

لكنه في مسألتنا نصفه حر، فيرث نصف السبعة عشر، ويرث الأب الباقي، هذا معنى كونه يرث بنصفه الحر، وهذا يسمى مبعضاً.

القتل

وأما القتل فإنه يمنع الإرث، والقتل الذي يمنع الإرث هو ما أوجب قصاصاً أو دية أو كفارة، فإذا قتل الأخ أخاه عمداً وكان له إخوة آخرون فقالوا: نريد القصاص، فقال: أنا أخوه أعطوني ميراثي، فإنه يقال له: لا حظ لك في ميراثه، بل ميراثه لنا ونحن نريد أن نقتلك قصاصاً؛ لأنك قتلته عمداً، ففي هذه الحال لا يرث؛ لأنه قتل عمداً.

أما لو قتل الأب ابنه فلا قصاص؛ لأن الأب لا يقتل بابنه، ولكن عليه الدية، فيدفع الدية لأولاده ولأمه، وذلك لأنهم ورثته، فلا قصاص هنا، ولكن تجب الدية، ولا يرث الأب، فإذا كان للابن المقتول أموال فلا يرث منه أبوه؛ لأنه قاتل.

كذلك قتل الخطأ، كما إذا كان يقود السيارة فاصطدم أو انقلب مثلاً بأبيه أو بأخيه ومات، فليس له شيء من إرثه ولو كان خطأ لأن عليه الكفارة!

لماذا لا يرث القاتل؟

لئلا يتسرع أحد الفسقة بقتل قريبه ويقول: أقتله حتى آخذ تركته، فأنا قريبه ووارثه، ومن القواعد: من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، فجعل القتل سبباً لعدم الإرث، فمن قتل مورثه منع من الإرث.

ومثله الموصى له: فإذا أوصى زيد لقريبه أو أحد أصدقائه فقال: إذا مت فأعطوه عشرة آلاف أو مائة ألف من تركتي، ثم طالت حياته، فقال الموصى له: أريد أن أقتله حتى آخذ هذه الوصية، فلا يجوز أن يعطى شيئاً.

وكذلك المدبر؛ ذكروا أن عائشة رضي الله عنها دبرت مملوكة لها، وقالت: إذا مت فهي حرة، فتلك المملوكة استبطأت موت عائشة ، وعملت لها سحراً تريد أن تموت، فعرف هذا السحر، فقيل: لماذا عملتيه؟ فقالت: أريد العتق، فقالت عائشة : لا تعتقين، وأمرت أن تباع على أشد الناس ملكة، فهذا معنى: من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.

اختلاف الدين

أما اختلاف الدين فهو أيضاً مانع من الموانع، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)، وذلك لما مات أبو طالب وكان له عقار بمكة، وكان له أربعة أولاد، ولدان مسلمان جعفر وعلي ، وولدان كافران طالب وعقيل ، فورثه ولداه الكافران اللذان هما طالب وعقيل ، ثم مات طالب وورثه عقيل ، ثم أسلم عقيل بعد ذلك، فكان عقيل هو الذي حاز تلك العقارات، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، قيل له: أين تنزل؟ فقال: (وهل ترك لنا عقيل من رباع)، يعني: أنه استولى على الرباع التي كان يملكها أبوه، فقال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم).

فاختلاف الدين يفرق بين الأخوين أو نحوهما.

ولقوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141]، ولنهيه عن التولي: لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ [التوبة:23] فلا يتوارثان.

واختلف هل يرث اليهودي نصرانياً، أو يرث النصراني مجوسياً أو وثنياً، فإذا كان هناك أخوان أحدهما يهودي والآخر نصراني فهل يتوارثان؟ فعند الإمام أحمد لا يتوارثان؛ لأن الكفر ملل شتى، فلا يتوارث أهل ملتين، وعند كثير من الأئمة يحصل التوارث؛ لأن الكفر ملة واحدة، دليل الإمام أحمد حديث روي: (لا يتوارث أهل ملتين)، وهذا هو الذي عليه العمل.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2739 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2716 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2607 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2570 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2483 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2348 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2339 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2332 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2319 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2269 استماع