أرشيف المقالات

مع آية: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا)

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
مع آية
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا...



قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 57 - 58].
 
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام الذين يتخذون شرائع الإسلام المطهرة المُحْكَمة المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي - يتخذونها ﴿ هُزُوًا ﴾ يستهزئون بها، ﴿ وَلَعِبًا ﴾ يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد، وفكرهم البارد، وقوله تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...
[المائدة: 57]، (من) هنا لبيان الجنس؛ كقوله: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ﴾ [الحج: 30]، والمراد بالكفار ههنا: المشركون، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57]؛ أي: اتقوا الله أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء، إن كنتم مؤمنين بشرع الله الذي اتخذه هؤلاء هزوًا ولعبًا، كما قال تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 28]، وقوله: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ [1] إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾ [المائدة: 58] أي: وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي من أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب ﴿ اتَّخَذُوهَا ﴾ أيضًا ﴿ هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾؛ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ معاني عبادة الله وشرائعه، وهذه صفات أتباع الشيطان الذي إذا سمع الأذان أدبَر، فإذا قُضي التأذين أقبَل، فإذا ثوِّب للصلاة أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء وقلبه، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يذكر كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل السلام، كما في الصحيحين[2].

[1] لم يكن بمكة أذان؛ وإنما كان ينادى للصلاة بلفظ: "الصلاةَ جامعةً"، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفت القِبلة إلى الكعبة، أمر بالأذان وبقيت "الصلاة جامعة" للأمر يعرض، ولما همهم أمر الأذان رأى عبدالله بن زيد الأنصاري الأذان في المنام، وكذا رآه عمر بن الخطاب، والأذان فرض في المدن والقرى، وسنة لجماعة تطلب غيرها، ومستحب لمن لا يطلب غيره، والسفر والحضر سواء إلا أنه في السفر أعظم أجرًا؛ لحديث الموطأ: ((لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة))، وهذا الثواب عامٌّ لمن أذن في السفر والحضر، والإقامة سنة مؤكدة لكل صلاة، ومن أذَّن أقام، ولو أقام غير المؤذن جازت.

[2] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢