أرشيف المقالات

معادن المعاني

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
معادن المعاني

كثير من الناس يربط ما بين الظواهر الفيزيائية الطبيعية وبين الأفكار والسلوك البشري، وهذا الربط يكون أحيانًا عفويًّا وإبداعيًّا، وفي أحايين أخرى يكون متكلَّفًا ومبالغًا فيه؛ بحيث لا تُراعى فيه الفوارق الرئيسة بين الطبيعة البشرية والطبيعة الفيزيائية؛ مما يُسبِّب عسرًا ومشقة في فهم المراد.
 
فمثلاً: تنزيل الناس القانون الفيزيائي أن "لكل فعلٍّ ردَّة فعل مساوية له في المقدار، ومعاكسة له في الاتجاه"، لهذا القانون تأثير لطيف على بعض الجوانب التربوية؛ فأنت حينما تقول لأب بأن عُنفَكَ لأبنائك سيرتد عليك يومًا ثم تستدلُّ له بهذا الاستدلال؛ حينها سيكون وقع المعنى عليه لطيفًا وعميقًا.
 
وتشبيه المعاني بالمعادن من حيث الخصائص والأعراض التي تصيب المعادن وجه آخر من وجوه الإبداع في المقارنة؛ فهناك الأفكار الأصيلة التي لا تغيرها عوامل الزمن كالذهب، وهناك المعاني الثمينة جدًّا والتي تحتاج لتنقيبٍ وحفرٍ كالألماس والنفط، والأفكار أيضًا تصدأ وتحتاج للزيت والتشحيم بين الفينة والأخرى، ومن الأفكار ما تأخذ عقلك وتَصِله وتربطُه بأفكار أخرى، ومنها ما يذوب أو يَلين إذا اشتدَّت حرارة النقاش حولها.
 
كما تلعب عمليات تداخل المعادن والنتائج الإيجابية أيضًا في ترسيخ بعض المعاني والمفاهيم، فنحن عندما نوجه أو ننصَح أحدًا بمُواصلة الطريق إلى النجاح؛ فإننا لا نكتفي بذلك بل نزرع فيه الدوافع ونغرس فيه المحفِّزات حتى يكمل مسيرته؛ ذلك لأننا نُدرك أن الإنسان يشبه الآلة في أهمية الوقود للمحرِّك، والآلة في المسير والمواصلة، فالذي لا يمتلك المحفزات مثل الآلة التي لا وقود فيها؛ كلاهما لن يتحرَّك.
 
ومن أمثلة التكلُّف أو المبالَغة في إيجاد علاقة بين ظاهرة فيزيائية وسلوك بشري: فساد بعض الثمار لوجودها بين ثمار فاسدة؛ حيث يسلب هذا التنزيل قدرة الإنسان وإرادته على إمكانية إحداث التغيير والرضا بالواقع المُعاش، وصفحات التاريخ مليئة بنماذج كانت تعيش في بيئات سيئة الذِّكْر، ورغم ذلك كانوا نماذج يحتذى بها في الصبر والإرادة والعزيمة والتغيير للأفضل.
 
أخيرًا: أتوقع أن الربط العفوي بين الظواهر الفيزيائية والسلوك البشري يدل بشكل أو بآخر على أن هناك قوانين تَحكُم الفِكْر والسلوك البشري، ولكنها أعقد بكثير من المظاهر الطبيعية؛ نظرًا لما يتمتع به الإنسان من سمات تميزه عن باقي المخلوقات، كما يدل الربط على رغبة الإنسان الدائمة في نمذجة كل ما يقع عليه حسه من الأشياء.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣