سجود السهو (خطبة)
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
سجود السهوإن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسْلِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [سورة النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [سورة الأحزاب:70].
عباد الله:
وما سُمِّيَ الإنسانُ إلَّا لنسيِّه = ولا القلبُ إلَّا أنَّه يتقلَّبُ
فنسأل الله تعالى أن يُفقهنا في الدين، وأن يثبِّت قلوبنا على طاعته، وأن يَصرف عنا كيدَ الشيطان ومكره أنه سميع مجيب: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..
﴾ [سورة فاطر: 6]، وإنه حريص كل الحرص على إغواء الإنسان وصده عن طاعة الرحمن، وإذا وجد المسلم حريصًا على طاعة ربه متمسكًا بها، مؤديًا لها، فإنه يحرِص على إفسادها وتضييع أجرها، خاصة الصلاة، لذلك شرَع الله لنا إذا دخلنا المساجد أن نسمي على الأبواب؛ حتى لا يدخل الشيطان، فنقول: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
وأغلب المصلين يقول هذا الدعاء وقلبه غافلٌ، وكثير من المصلين لا يقولون هذا الدعاء، فيدخل الشيطان ويوسوس في الصلاة، ويلعب بالمصلي، فلذلك شرع الله سجودَ السهو من أجل جبر خلل الصلاة، وشرع الله سجود السهو في الصلاة لأسباب ثلاثة: إما الزيادة في الصلاة، وإما النقصان، وإما الشك.
فإذا زاد المسلم في صلاته، زاد فيها ركوعًا أو سجودًا، أو قيامًا أو قعودًا، أو ركعة كاملة سهوًا، وجب عليه سجود السهو، ومحلُّه بعد السلام، بعد السلام، كما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال عبدِاللهِ بن مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: (صلَّى بنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه سلَّم الظُّهرَ خمسًا، فقِيلَ: أَزِيدَ في الصَّلاةِ؟ قال: وما ذاكَ؟ قالوا: صلَّيتَ خمسًا، فسَجَد سجدتَينِ بعدَما سلَّم)؛ رواه البخاري ومسلم.
وإذا علم المصلي بالزيادة وهو في أثناء الزيادة وجب عليه الرجوع عنها عن الزيادة، وسجد للسهو، وإذا سلم المصلي قبل تمام الصلاة ناسيًا، فذكر قبل أن يمضي وقتًا طويلًا، وجب عليه أن يتم صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام.
وقد صَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ)؛ أخرجه البخاري ومسلم، أما إذا طال الفصل، أو انتقض الوضوء قبل أن يتذكر نقص الصلاة، فإنه يعيدها من أولها بسبب طول الوقت الفاصل، وبسبب نقض الوضوء وإعادته.
ومن زاد في الصلاة ركنًا متعمدًا، أو واجبًا متعمدًا، بطَلت صلاته، ومن زاد فيها واجبًا ناسيًا أو ركعة ناسيًا، جبره بسجود السهو بعد السلام.
وإذا زاد الإمام في صلاته ركعة ناسيًا، والمأموم يعلم أنه زاد، فلا يجب عليه متابعة الإمام في الزيادة، بل يجلس حتى يجلس الإمام، ويُسلِّم معه، ومن قام متعمدًا مع الإمام وهو يعلم أن الإمام زاد في الصلاة، فإن صلاته باطلة يجب عليه إعادتها؛ لأنه زاد فيها متعمدًا.
أما النقص من الصلاة، فمتى نقص المصلي شيئًا من واجبات الصلاة ناسيًا، وجب عليه سجود السهو جبرًا لِما نقص، ويكون السجود قبل السلام.
فإذا نسي التشهد الأول وقام للركعة الثالثة، واستتمَّ قائمًا، فليكمل صلاته ولا يرجع، ثم يسجد سجدتين للسهو قبل السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فقام بعد الركعتين مباشرة فسبَّحوا به، فمضى في صلاته، فلما كان في آخر الصلاة، سجد قبل أن يُسلم، ثم سلَّم.
ومثل ذلك إذا نسي أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود أو نسي تكبيرة غير تكبيرة الإحرام.
أما الشك هل زاد أو نقص، فإذا شك المصلي كم صلى ثلاثًا أو أربعًا، ولم يترجَّح عنده شيء، عنده شك ما يدري هل صلى ثلاثًا أو أربعًا، لا يدري، فعليه أن يطرح الشك ويبني على اليقين وهو الأقل؛ أي: كأنه صلى ثلاثًا، ويأتي بالرابعة، ثم يسجد سجدتين للسهو قبل السلام، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فإنْ كانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ له صَلاتَهُ، وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ، كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ)؛ صحيح مسلم.
أما إذا شك المصلي هل صلى ثلاثًا أو أربعًا، وترجَّح عنده أحد الأمرين؛ أي: كان الراجح عنده إما الزيادة أو النقص، بنى عليه وأتم صلاته على ما ترجَّح عنده، ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين بعد السلام.
أعني إذا كان الشك الأقوى أنه زاد في الصلاة، فليبنِ عليه، وليس عليه إلا سجود السهو بعد السلام، وإذا كان الشك الأقوى أنه نقص من صلاته، فليبنِ عليه ويأتِ بالنقص، ثم يسلِّم ويسجد سجدتين؛ لقول النبي صلى الله علي وسلم: (إذا شَكَّ أحدُكم في الصَّلاةِ، فليتحرَّ الصَّوابَ، ثمَّ يسجد سجدتينِ)؛ صحيح ابن ماجه للألباني صحيح.
وخلاصة القول: إن مواضع سجود السهو بعد السلام ثلاثة:
الأول: إذا زاد في صلاته.
الثاني: إذا سلَّم قبل إتمامها وهو من الزيادة في الواقع.
الثالث: إذا شك فلم يدرِ كم صلَّى، وترجح عنده أحد الأمرين.
وما عدا ذلك فمحله قبل السلام.
اللهم وفِّقنا لما يرضيك وجنِّبنا سَخَطِك ومعاصيك.
أقول ما تسمعون…
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله، يجب على المأموم متابعة الإمام في سجود السهو إذا أدرك معه جميع الركعات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ به، فلا تَخْتَلِفُوا عليه، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا، وإذَا قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولوا: رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ، وإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وإذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أجْمَعُونَ، وأَقِيمُوا الصَّفَّ في الصَّلَاةِ، فإنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِن حُسْنِ الصَّلَاةِ)؛ صحيح البخاري.
أما من فاته شيء من الصلاة من المأمومين، فإنه يتابع إمامه إذا سجد قبل السلام، ولا يتابعه في سجود السهو بعد السلام؛ لتعذُّر ذلك على المأموم، فالمأموم لم يُكمل صلاته، فلا يسلِّم إذا سلَّم الإمام، لكن يقضي ما فاته ويسلِّم، ثم يسجد للسهو ويسلِّم.
وإذا سهى الإمام في الركعة الأولى مثلًا أو الثانية، ولم يأت المأموم إلا في الركعة الثالثة أو الرابعة، فإن سجد الإمام قبل السلام تابَعه المأموم، ثم أتم صلاته، ولا يلزمه السجود مره أخرى؛ لأنه لم يَلحقه حكم سهو الإمام؛ أي: إن السهو وقع قبل أن يلتحق المأموم بإمامه.
أما إذا سهى المأموم وقد صلى الصلاة كلها مع الإمام، لكنه نسي أن يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم)، فإنه لا سجود عليه؛ لأن الإمام يتحمله عنه.
لكن لو نسي المأموم قراءة الفاتحة في ركعة من الركعات، والمأموم لا بد أن يقرأ الفاتحة حتى لو لم يقف الإمام عن القراءة؛ لأن قراءة الفاتحة ركنٌ في كل ركعة، فهنا لا بد أن يقوم المأموم بعد سلام الإمام، ويأتي بالركعة التي ترك فيها الفاتحة، ثم يجلس ويتشهد، ويسجد للسهو بعد السلام.
وهناك تفاصيل أخرى لم نذكرها عن سجود السهو، والحريص على صلاته سيتعلمها ويَعيها.
اللهم عظِّم قدرَ الصلاة في قلوبنا، واجعَلها قرةَ أعيننا وراحة قلوبنا، وصلُّوا وسلِّمُوا.