مسئولية المسلم عن سمعه


الحلقة مفرغة

إن مكانة الصحابة عالية، فهم نقلة الشريعة المطهرة، والطاعن فيهم طاعن في صاحب الشريعة ومتهم له، ومن جملتهم أبو هريرة راوية الإسلام، فهو أكثر من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لازمه ودعا له. ومن مروياته حديث في فضل الوضوء وتكفيره للذنوب، وقد اختلف العلماء فيما يكفره الوضوء من الذنوب، هل الكبائر والصغائر، أم الصغائر فقط والكبائر لا بد لها من توبة؟

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقول الله في محكم تنزيله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] ولما أعطانا الله هذه النعم؛ فإنه سيسألنا عنها يوم القيامة فيما استخدمناها، وفي أي مجال استعملناها.

أيها الإخوة! إن السمع من نعم الله العظيمة، وهو أكبر مدخل إلى القلب، ومن يفقد السمع فهو أسوأ ممن يفقد البصر؛ فإن عقله يضعف جداً، بل غالباً ما تجده في عداد المجانين.

إدراك العلم بالسمع

السمع طريق عظيم لاكتساب العلم، والمدرَك بحاسة السمع أعم وأشمل من المدرَك بحاسة البصر، فللسمع العموم والشمول، والإحاطة بالموجود والمعدوم، والحاضر والغائب، والحسي والمعنوي، فالسمع أساس العقل وأصل الإيمان، وقد أمر الله عزوجل بالسماع، فقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا [المائدة:108]، وقال عزوجل: وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [التغابن:16]، سماعٌ يترتب عليه إدراك وفهم وقبول، وإجابة لنداء الله عزوجل.

إنَّ إخواننا المؤمنين من الجن لما سمعوا كلام الله عزوجل أدركوا معنى ذلك القول، قال الله تعالى عنهم: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجـن:1-2] فاتصل بسمعهم لكلام الله إيمانٌ وإجابة.

ومما هو مطلوب من السامع الفهم لكلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا الفهم الذي حرمه كثير من العصاة والفجرة فضلاً عن الكفار، فشبههم الله عزوجل بالموتى، فقال سبحانه وتعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ [الروم:52]، وهذا هو سماع الفهم.

سماع القبول والإجابة

وأما سماع القبول والإجابة فإنه يتمثل في قول الله عزوجل: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285] فترتب على السماع طاعة الله عزوجل، ولذلك كان من علامات أهل الباطل أنهم يسدُّون أسماعهم عن سماع الحق، ولذلك كان نوح عليه السلام قد تعب مع قومه تعباً شديداً وهو يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بما أمرهم الله به، وينهاهم عما نهى الله عنه، ولكنهم قابلوا ذلك بسدِّ الآذان وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [نوح:7]. وبمثل هذا الإعراض قابل الكفار من قريش دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن الذي تلي عليهم، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ [فصلت:26] ولما صعَّد كفار قريش حملاتهم الإعلامية على دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقفون على مداخل مكة ، فمن جاء من خارج مكة ليدخلها استلمه أولئك الضُلاَّل المضلِّون، وقالوا له: إياك والفتنة! إياك أن يؤثر فيك الساحر المجنون! إياك وكلام الكاهن الذي فرق بين القريب وقريبه، وأتانا بما لا نعرف، سفَّه ديننا، وعاب آلهتنا.

وعلى إثر ذلك وصل أثر تلك الحملات الإعلامية أنَّ بعض الداخلين إلى مكة كان يحشو أذنيه كرسفاً، وهو القطن؛ حتى لا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الصد عن سماع الحق

إن الجاهلية تحارب الحق بشتى الوسائل.. إنها تحارب الحق عبر الوسائل المختلفة حتى تجعله في أعين الناس باطلاً، وحتى تصور دعاة الحق كأنَّهم ثعابين يلدغون الناس، وتُصوِّر دعاة الحق كأنَّهم سحرة يسحرون الناس، كأنَّهم مجرمون يريدون أن يغووا الناس، ولذلك ترى كثيراً من سفهاء الناس من المتأثرين بأقوال شياطين الإنس يحشون آذانهم حتى لا يسمعوا كلام دعاة الإسلام، ويعرضون عنهم بشتى الوسائل.

ولئن كان الأولون يحشون آذانهم كرسفاً حتى لا يسمعوا الحق؛ فإن آذان كثير من الناس اليوم قد حُشيت بوسائل اللهو والإلهاء والانشغال بالمحرمات عن سماع الحق وأهل الحق، والله عزوجل وصف الكفرة فقال فيهم: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف:179] لماذا لا يسمعون؟ هل لأنهم ليست لديهم آذان؟ كلا، بل لديهم آذان، ولكن لا يسمعون بها الحق أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

لماذا شبه الله الكفرة بالأنعام؟

ولماذا وصفهم بأنهم أضل من الأنعام؟

لأن بعض الناس عندما يسمع كلام الله، وعندما يسمع الحق؛ فإنه لا يأنس به ولا ينقاد له، وإنما يعرض عنه إعراضاً شديداً، أما البهائم والغنم فإنها إذا سمعت حادي الراعي ونعيف الراعي بها؛ فإنها تأنس لصوته، وتستجيب له، وتنقاد إليه، فتأتي إلى الراعي وهو يدعوها.

إذاً: الأنعام أفضل من هؤلاء، فإن الأنعام تأنس بالصوت وتأتي، أما أولئك فهم يفرون ويبعدون.

وما أكثر أحوال الناس اليوم في هذا الجانب! فليتهم يسمعون الحق ثم ينقذونه لو شاءوا، ولكنهم يرفضون سماع الحق من البداية، وإن رفض سماع الحق من البداية مشكلة عويصة؛ إذ كيف تحاول أن تهدي الناس إلى سبيل الرشاد وهم يرفضون سماعك أصلاً!

كيف يستجيبون وهم يوصدون الأبواب في وجهك من البداية؟

كيف يتَّبعونك وهم يطردونك ويأمرونك بالسكوت قبل أن تتكلم؟

وكثير منهم يقولون: نحن نعرف ما تريد أن تقول، ونحن سمعناه قبلك، ولكن لا فائدة، لا تحاول معنا.

السمع طريق عظيم لاكتساب العلم، والمدرَك بحاسة السمع أعم وأشمل من المدرَك بحاسة البصر، فللسمع العموم والشمول، والإحاطة بالموجود والمعدوم، والحاضر والغائب، والحسي والمعنوي، فالسمع أساس العقل وأصل الإيمان، وقد أمر الله عزوجل بالسماع، فقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا [المائدة:108]، وقال عزوجل: وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [التغابن:16]، سماعٌ يترتب عليه إدراك وفهم وقبول، وإجابة لنداء الله عزوجل.

إنَّ إخواننا المؤمنين من الجن لما سمعوا كلام الله عزوجل أدركوا معنى ذلك القول، قال الله تعالى عنهم: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجـن:1-2] فاتصل بسمعهم لكلام الله إيمانٌ وإجابة.

ومما هو مطلوب من السامع الفهم لكلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا الفهم الذي حرمه كثير من العصاة والفجرة فضلاً عن الكفار، فشبههم الله عزوجل بالموتى، فقال سبحانه وتعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ [الروم:52]، وهذا هو سماع الفهم.

وأما سماع القبول والإجابة فإنه يتمثل في قول الله عزوجل: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285] فترتب على السماع طاعة الله عزوجل، ولذلك كان من علامات أهل الباطل أنهم يسدُّون أسماعهم عن سماع الحق، ولذلك كان نوح عليه السلام قد تعب مع قومه تعباً شديداً وهو يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بما أمرهم الله به، وينهاهم عما نهى الله عنه، ولكنهم قابلوا ذلك بسدِّ الآذان وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [نوح:7]. وبمثل هذا الإعراض قابل الكفار من قريش دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن الذي تلي عليهم، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ [فصلت:26] ولما صعَّد كفار قريش حملاتهم الإعلامية على دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقفون على مداخل مكة ، فمن جاء من خارج مكة ليدخلها استلمه أولئك الضُلاَّل المضلِّون، وقالوا له: إياك والفتنة! إياك أن يؤثر فيك الساحر المجنون! إياك وكلام الكاهن الذي فرق بين القريب وقريبه، وأتانا بما لا نعرف، سفَّه ديننا، وعاب آلهتنا.

وعلى إثر ذلك وصل أثر تلك الحملات الإعلامية أنَّ بعض الداخلين إلى مكة كان يحشو أذنيه كرسفاً، وهو القطن؛ حتى لا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.